فصول من أيام الثورة وتأريخها 2
فصول من أيام الثورة وتأريخها 1
إلى العراق
سافرتُ إلى العراق مرتان، المرة الاُولى عقب انكشاف نشاطي للسافاك في قم، فقررت أن أتوارى عن الأنظار لمدة معينة حتى ينساني السافاك. وكان إلى جوار ذلك، يستبد بي شوق لزيارة العتبات المقدّسة في هذا البلد ورؤية الإمام. على خلفية هذين العاملين ذهبت إلى العراق وبقيت فيه ثلاثة أشهر.
أثناء وجودي في النجف الاشرف، قام الإمام للمرة الاُولى بعد نفيه من إيران، بكتابة خطاب مفتوح إلى رئيس الوزراء هويدا، وإلى جواره بيان وجههُ للعلماء والفضلاء في الحوزات العلمية.
قامت الخلايا الجهادية باعادة طبع وتوزيع الخطابين على نطاق واسع مما قاد إلى ملاحقة واسعة قام بها السافاك انتهت إلى كبس المطبعة وكشف خلايا التوزيع واعتقال عدد منهم.
قادَ هذا الموقف إلى تعزيز الروح المعنوية لجهاز السافاك حيث كتب في تقاريره الخاصة: لقد استطعنا اعتقال جميع الخلايا المرتبطة بالسيد الخميني، ولم يعد له مؤيدون داخل البلد!
حصل ذلك قبل الغروب في مدرسة السيد البروجردي (في النجف الأشرف) عندما كنتُ بانتظار أداء صلاة المغرب؛ إذ دخل السيد مصطفى الخميني (رحمة اللّه عليه) وذكر لي ما حلَّ بالمجاهدين في طهران، وطلب منّي العودة إلى إيران لتدارك أسباب ذلك الانكسار، إذا كان بمقدوري ذلك.
أبديت استعدادي للعودة إلى إيران، وقد ذكرت للسيد مصطفى ان تحت يدي وسائل لطبع المنشورات وهي ما زالت مخفية في مكان أمين.
عدت إلى إيران، واشتغلت بطبع المنشورات، وتعاونا مع البعض في توزيعها على نطاق واسع، ثم اعتقل السافاك أحد العاملين في هذه الشبكة، ممّا قاد إلى ان أكون مطلوباً من قبل السافاك، الذي وزّع صوري على نطاق واسع. ذهبت إلى آبادان، حيث بعث معي السيد قائمي ـ متولي مدرسة طلاب العلوم الدينيةـ من يأخذ بيدي إلى العراق، بعد أن لبست ـ للتمويه ـ عمامة بيضاء بدلاً من عمامتي السوداء.
أوصلني دليلي “صمد” إلى طريق الفاو ـ البصرة، وبعد مشاق كثيرة وصلت إلى النجف.
نرجو أن تحدثونا عن نشاطكم في هذه المدة، سيما بشأن دوركم في الإذاعة الموجهة التي كانت لكم من بغداد؟
تعود هذه الفترة من المقاومة إلى مرحلة تفاقم الأزمة بين إيران والعراق، إذ تمَّ على هذا الصعيد الاستفادة من البث الإذاعي في توجيه النشاط السياسي المعادي لنظام الشاه.
ومازلت أذكر بداية القصة، إذ جاءني السيد مصطفى الخميني في أحد الايام، وقال: اقترحوا علينا ـ النظام الحاكم في العراق ـ أن بمقدورنا أن نستفيد من الارسال الإذاعي في بث أفكارنا وأخبارنا وما نصوره من بيانات، فهل يمكنك النهوض بهذه المهمة؟
قبلت ذلك، وبدأ ارسالنا الإذاعي تحت عنوان “نهضة العلماء في إيران”. كنّا نبث بادئ الأمر 15 ـ 30 دقيقة يومياً من خلال موجات راديو بغداد، وبعد أن حصلنا على موجة ارسال خاصة بنا، أخذنا نبث 45 دقيقة يومياً، وقد دام العمل في المضمار الإذاعي سبع سنوات.
وكيف كنتم تحصلون على الأخبار التي تذاع من خلال برنامجكم الإذاعي؟
كنا نحصل على الأخبار الخاصة بالداخل الإيراني بعدّة طرق، هي:
1 ـ الأصدقاء الذين يتنقلون بين إيران والعراق.
2 ـ الزوّار الذين يقدمون إلى العراق لزيارة العتبات المقدّسة.
3 ـ الأخبار والمعلومات التي كانت تمدنا بها التنظيمات الطلابية للطلبة الإيرانيين في الخارج، وبالذات في اُوربا؛ إذ كان هؤلاء يمدونا بما يحصلون عليه من خلال التلفون.
هل كان لكم زملاء يعملون معكم في البرنامج الإذاعي هذا؟
كلا، فقد كنت أنهض بالمهمة لوحدي، إذ كنت أجمع المادة وعندما تكون جاهزة إذاعياً اُسافر إلى بغداد فأقوم بالتسجيل في استوديوهات راديو بغداد ثم أعود. وقد مضيت على هذا النهج لوحدي في المرحلتين معاً؛ أي حينما كنا نزاول الارسال من خلال موجات راديو بغداد، وعندما أصبحت لنا موجهة ارسال خاصة بنا ايضاً.
أجل، أذكر أنّ الشهيد محمّد منتظري أمدّني بمعلومات وأخبار مهمة عندما لبث مدة قصيرة في العراق، بحكم صلاته الوثيقة بالممارسات الجهادية في الخارج.
إلى أي مدى كان الإمام يُشرف على هذا البرنامج الإذاعي؟
كانت الأجواء المحكومة بمواقف المتحجرين والجامدين في النجف تُملي علينا أن لا نكشف علناً عن ارتباط هذا البرنامج بالإمام، كما كنا حريصين على عدم اظهار هذه الصلة لدواعي اُخرى ترتبط بما يمكن أن تقود إليه بعض الأخطاء في الارسال الإذاعي، من أذى تلحقه بشخصية الإمام وموقعه القيادي، لذلك كله كنّا نتكتم في نسبة العمل علناً إلى الإمام.
أمّا أصل الاقتراح فقد قدمه لي السيد مصطفى الخميني نجل الإمام ـ كما ذكرت ـ واحتمل ان الإمام كان يستمع لهذا البرنامج.
ومازلت أذكر ان الإمام طلب في احدى المرّات أن يطّلع على حلقات من البرنامج، وحينما رآها أوصى ببعض التوجيهات التي أخذناها بنظر الاعتبار.
مرحلة النضال والثورة