• عدد المراجعات :
  • 9457
  • 2/23/2014
  • تاريخ :

مسألة إلوهية المسيح عليه السلام

حضرت مسيح

لقد طرحت مسألة إلوهية المسيح تحت نظرية التثليث، هل يمكن أن توضّح لنا *الرۆية القرآنية لهذه النظرية؟ وكيف أبطل القرآن هذه النظرية؟

الجواب: لقد أقام القرآن الكريم لردّ هذه الدعوة برهانين في غاية الوضوح والعمومية، وها نحن نشير إليهما فيما يأتي:

البرهان الأوّل: قدرة اللّه على إهلاك المسيح.

البرهان الثاني: انّ المسيح مثل بقية البشر يأكل ويمشي و...

يقول تعالى حول البرهان الأوّل:

(...فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ في الأَرْضِ جَميعاً وَللّهِ مُلْكُ السَّموَاتِ وَ الأرْضِ وَمَابَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَآء... ) .( [1])

ولا ريب أنّ جميع النصارى يعترفون بأنّ السيد المسيح (عليه السلام) ابن لمريم (عليها السلام) ، ولذلك يقولون المسيح ابن مريم.

فإذا كان عيسى (عليه السلام) ابناً لمريم، فلابدّ إنّه بشر كسائر البشر، وآدمي كبقية الآدميّين، محياه ومماته بيد اللّه وتحت قدرته، فإن شاء سبحانه منح الجميع الحياة وإن شاء سلبها عنهم، وإذا كان المسيح من زمرة البشر ـ و هو كذلك ـ فكيف تعتبره النصارى إلهاً وهو لا يملك لنفسه حياة ولا موتاً؟!

ومن الجدير بالذكر أنّ القرآن الكريم قد ركّز في هذه الآية وبصورة كاملة وجلية على بشرية المسيح، ولذلك وصفه بكونه (ابن مريم) ويتحدّث عن «أُمّه» و عن جميع من في الأرض بقوله: ( وَأُمّه وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَميعاً ) مشيراً بذلك إلى بشريته، بل وليثبت أنّ المسيح (عليه السلام) لا يخرج عن كونه بشراً وفرداً من أفراد النوع الإنساني يشترك مع بني نوعه في كلّ الأحكام على السواء.

وبعبارة أُخرى أوضح: إنّ هناك قاعدة في الفلسفة الإسلامية يطلق عليها «حكم الأمثال» ومۆدّاها «حكم الأمثال في ما يجوز وفي ما لايجوز واحد». فإذا كان هلاك أفراد الإنسان ـ ما عدا المسيح ـ ممكناً كان هلاك المسيح أيضاً ممكناً كذلك لكونه منهم، وفي هذه الصورة كيف تعتبره النصارى إلهاً والإله لا يجوز عليه الموت؟!

ولتتميم هذا المطلب يختم القرآن الكريم الآية بجملة ( وللّه ملك السموات والأرض و مابينهما ) .

وفي الحقيقة أنّ هذه الجملة تكون علّة للحكم السابق، فمعناه أنّ اللّه يملك إهلاك عيسى وأُمّه وكلّ أفراد البشر، لأنّهم جميعاً ملكه وفي قبضته وتحت قدرته.

البرهان الثاني: المسيح والآثار البشرية

يۆكّد القرآن الكريم أنّ المسيح (عليه السلام) وأُمّه شأنهم شأن بقية الأنبياء يأكلون الطعام لتلبية حاجاتهم ورفع النقص قال تعالى:

(مَّا الْمَسيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدّيقَةٌ كَانَا يَأَكُلاَنِ الطَّعَامَ... ) .( [2])

وهذا يعني أنّه ليس بين المسيح وأُمّه وبين غيره من الأنبياء والرسل أيُّ فرق وتفاوت، فهم يأكلون عندما يجوعون ويتناولون الطعام كلّما أحسّوا بالحاجة إليه، ومن المعلوم أنّ الاحتياج دليل الإمكان، والإله منزّه عن الحاجة والإمكان.

فالمسيح (عليه السلام) إنسان ممكن ولد من إنسان ممكن آخر وهي السيدة مريم (عليها السلام) ، وكلاهما يطيعان اللّه سبحانه ويعبدانه ويتوسّلان لسدِّ جوعهم بتناول الطعام، ومع هذه الصفات كيف يمكن لإنسان عاقل أن يعتقد بإلوهيتهما؟!

إنّ هذه الآية لا تبطل إلوهية المسيح فحسب، بل تبطل إلوهية أُمّه أيضاً، إذ يستفاد من بعض الآيات إنّ مريم (عليها السلام) كانت معرضاً لهذه التصوّرات الباطلة أيضاً حيث يقول سبحانه:

(...ءَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّيَ إِلهَيْنِ مِن دُونِ اللّه... ) .( [3])

نظرية بنوّة السيد المسيح

تعتبر مسألة بنوّة المسيح (عليه السلام) للّه سبحانه إحدى مظاهر الشرك في «الذات»

حيث تصوّر حقيقة الإله الواحد في صورة آلهة متعدّدة ويقوم «التثليث» النصراني في الحقيقة على هذا الأساس، أي على أساس اعتبار المسيح ابناً للّه سبحانه.

وقد فنّد القرآن الكريم هذا الاعتبار الخاطئ وأبطله وبصورة جلية بطريقين:

الف: عن طريق البراهين العلمية الستة الدالّة على استحالة أن يكون للّه ولدٌ مطلقاً، سواء كان هذا الولد عيسى (عليه السلام) أم غيره.( [4])

ب: عن طريق بيان تولّد المسيح من أُمّه واستعراض حياته البشرية الدالّ على بطلان خصوص بنوّة السيد المسيح. وليس النصارى هم وحدهم ممّن ينفرد في الاعتقاد بوجود ولد للّه، بل إنّ مشركي العرب كانوا يتصوّرون أنّ (الملائكة) بنات اللّه، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الاعتقاد بقوله سبحانه:

(وَيَجْعَلُونَ للّهِ اْلبَناتِ سُبْحَانَهُ... ) ( [5]) . ( [6])

وها نحن نورد أدلّة القرآن الكريم التي تنفي اتّخاذ الولد للّه سبحانه، سواء كان السيد المسيح أم غيره.

ألف: ليست له سبحانه أيّة زوجة حتّى يكون له ولد منها.

ب: إنّه تعالى خالق كلّ شيء.

قال تعالى:

(بَدِيعُ السَّمَـواتِ وَالأرْضِ أَنَّى يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَـاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْء وَ هُوَ بِكُلّ شَيْء عَلِيمٌ ) .( [7])

إنّ الآية المباركة تشير إلى برهانين لاستحالة اتّخاذ الولد للّه سبحانه:

الأوّل: إنّ معنى اتّخاذ الولد هو انفصال جزء من الوالد (الحيمن) واستقراره في رحم الأُمّ، ثمّ تكامله بعد طيّ فترة زمنية معينة، وهذا يستلزم الحاجة إلى وجود الزوجة للّه جلّ شأنه، والحال أنّ الجميع ينزّهون اللّه سبحانه من اتّخاذ الزوجة، كما قال سبحانه (ولم تك له صاحبة ) .

الثاني: إنّ فكرة اتّخاذ الولد تستلزم ـ حتماً ـ أن يكون الولد غير مخلوق للّه، بل يكون مثيلاً ونظيراً له في الاتّصاف بجميع صفات الإلوهية، كالاستقلال والغنى، لأنّ الابن ليس مخلوقاً للأب، بل هو جزء منه ينمو ويترعرع خارج ذاته والحال أنّ اللّه سبحانه خالق كلّ شيء: ( وخلق كل شَيْء ) ، كما ورد في صدر الآية جملة: ( بديع السموات والأرض ) الدالّة أيضاً على ما قلنا.

ج: اللّه مالك كلّ شيء:

(الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَواتِ وَالأرْضِ وَ لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَ خَلَقَ كُلَّ شَيْء فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ) .( [8])

إنّ الآية المباركة تشير إلى برهان آخر لبطلان بنوّة المسيح، وذلك من خلال الاستدلال بالملكية التكوينية المطلقة لما سواه، لأنّ ملكية الإنسان بالنسبة لأمواله تنبع من عقد اجتماعي لغرض إدارة شۆون الحياة وتحريك عجلتها، إلاّ أنّ مالكية اللّه للسماوات والأرض وما بينهما مالكية تكوينية تنبع من خالقيته سبحانه للأشياء.( [9])

المصادر:

*الشيخ جعفر السبحاني

 [1] . المائدة: 17.

[2] . المائدة: 75.

[3] . المائدة: 116.

[4] . أقام القرآن الكريم ستة أدلّة لإبطال نظرية بنوّة المسيح وقد جاءت هذه البراهين ضمن أربع آيات من آيات الذكر الحكيم.

[5] . النحل: 57.

[6] . انظر: الإسراء:40، الصافات:149ـ 153، الزخرف:19، الطور:39، ولقد أشار القرآن الكريم إلى وجود طائفة من يهود عصر الرسالة كانت تعتقد أنّ ] عزير [ ابن اللّه، حيث قال سبحانه: ( وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيرٌ ابن اللّه... ) (التوبة:30).

[7] . الأنعام: 101.

[8] . الفرقان: 2.

[9] . منشور جاويد:2/202ـ 206.


طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)