ثاني
إذا کانت أداة الغاية هي لفظ «حتي» فالنزاع في دخول الغاية في حکم المغيّي و عدمه إنّما يتصوّر إذا کانت خافضة کما في قوله: «أکلت السمکة
حتي رأسِها، و مثل قوله سبحانه: ُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّي يَتَبيَّنَ لَکُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْود
(البقرة/187)
و أمّا العاطفة فهي خارجة عن البحث، لأنّ الغاية فيها داخلة تحت حکم المغيّي قطعاً، کما إذا قال: مات الناسُ حتي الأنبياء، فإنّ معناه أنّ الأنبياء ماتوا أيضاًً، و الغرض من ذکر الغاية هو بيان أنّه إذا کان الفرد الفائق علي سائر أفراد المغيّي، محکوماً بالموت فکيف حال الآخرين، و نظيره القول المعروف: مات کلُّ أب حتي آدم.
إذاعرفت ذلک فالحقّ هو القول الأوّل، أي عدم دخول الغاية في حکم المغيّي أخذاً بالتبادر في مثل المقام، قال سبحانه: َنَزَّلُ المَلائِکَةُ وَ الرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ کُلِّ أَمْر* سَلامٌ هِيَ حَتّي مَطْلَعِ الْفَجْر
(القدر/4 و5) فإنّ المتبادر منه أنّ النزول أو السلام إلي مطلع الفجر لا فيه نفسه ولا بعده، و کقول القائل: قرأت القرآن إلي سورة الإسراء، فإنّ المتبادر خروج الإسراء عن إخباره بالقراءة، فإن تمّ ما ذکرنا من التبادر فهو، و إلاّ فالقول الرابع هو الأقوي من أنّه له ظهور لنفس التقييد بالغاية في دخولها في المغيّي و لا في عدمه.
جهة الثانية
في مفهوم الغاية و الظاهر دلالة الجملة علي ارتفاع الحکم عمّا بعد الغاية و حتي عن الغاية أيضاً إذا قلنا بعدم دخولها في حکم المغيّي، لإنّ المتفاهم العرفي في أمثال المقام هو تحديد الواجب و تبيين ما هو الوظيفة في مقام التوضّؤ، و يؤيد ما ذکرنا تبادر المفهوم في أکثر الآيات الواردة فيها حتي الخافضة کقوله سبحانه: ُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتي يَتَبَيَّنَ لَکُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْود
(البقرة/187) و قال: َقاتِلُوهُم حَتّي لا تَکُونَ فِتْنَة
(البقرة/193) فانّ المتبادر منها هو حصر الحکم إلي حدّ الغاية و سريان خلافه إلي ما بعدها.