• عدد المراجعات :
  • 761
  • 8/10/2011
  • تاريخ :

التدين بعد الثورة الاسلامية (1)

ايران

مقدمة :

أفضل مدخل للبدء بتناول هذا الموضوع ، هو التنبه إلى تعقيد مفهوم «التدين» . ولما كان التدين غير مقصور على بعض الآداب الظاهرية ، بل هو علاقة نوعية وداخلية أساساً ، لذلك من الصعوبة بمكان حبسه داخل أقفاص الاحصاءات والمقاسات الكمية . بناءً على ذلك قدّم البعض اقتراحات قمينة بالتأمل والنظر ، تعود في أصلها إلى تعقيدات مفهوم التدين وأهميته وعمقه .

عموماً ، تبقى اشكالية التدين قضية حساسة ، ومن الصعب البت في نسبته ودرجته ، فحسب المعايير المختلفة قد تتأتى نتائج متضادة حول هذا الموضوع . فما هو حقاً معيار التقييم الصائب ؟ وعلى أساس أية مؤشرات يتسنى تقييم التدين ؟ من الجلي أنّ الإجابات يمكن أن تكون متعددة بنحو ملحوظ .

رؤيتان متباينتان حول واقع التدين بعد الثورة الاسلامية :

من زاوية يمكن الذهاب إلى خفوت التدين وانحساره بعد الثورة الاسلامية ، والقول : في الفترة الراهنة ، سجّل التحول الايجابي للقيم الاجتماعية تراجعاً بالقياس إلى الفترة التي أعقبت انتصار الثورة [1] .

كما يمكن تبني الرؤية القائلة : تدل المشاهدات التجريبية ، وتصريحات العاملين في المساجد ، والحوارات الاكتشافية الأولية التي أجريت مع بعض الناس العاديين ، وطائفة من الناشطين في المساجد ، على انخفاض في ارتياد الناس للمساجد مقارنةً إلى عهد الثورة (1977 ـ 1979) والسنوات الأولى التي أعقبتها (1979 ـ 1981) . وبالتالي يثار حالياً هذا السؤال بإلحاح : ما هي أسباب هذا الانخفاض ؟ لماذا هي منقوصة وخالية صفوف صلاة الجماعة ؟ لماذا لا يلاحظ الوجد والحيوية التي عمت المساجد أواخر عقد السبعينات ؟ لماذا هذا الضعف في الاقبال على مكتبات المساجد ، صفوفه التعليمية ، ومحاضراته وسائر أنشطته [2] ؟

مضافاً إلى النظرات ، ثمة من الأبحاث والدراسات ما يؤازر هذا المعنى . على سبيل المثال يمكن الاشارة إلى تحقيق اتّبع فيه صاحبه الاحتياط العلمي ، وكتب مستخدماً عبارة «يبدو» : «يبدو أنّ الميول والنزعات الدينية للناس قد انخفضت منذ مدة (قياساً إلى مطلع الثورة وما ساد تلك الفترة من وجد وفورة دينية) ... إن إجابات مَنْ طرحت عليهم الأسئلة حول أربعة مؤشرات للقيم الدينية هي : ايمان الناس بالدين ، قبح عدم مراعاة الحجاب ، احترام المرتدية للعباءة (الشادر) ، مودة رجال الدين ، تسجل تغييرات ملحوظة في عام 1992 قياساً إلى ما كانت عليه سنة 1986 .

وتشير مشاهدات أخرى إلى وتيرة التراجع هذا في المدن الصغرى أيضاً [3] . ويلمح في هذا المضمار إلى قول للشيخ قرائتي فيكتب : الشيخ قرائتي باعتباره شخصاً يشعر بالمسؤولية على هذا الصعيد ، أشار في محاضرة له في المؤتمر الثاني لجهاد البناء بتاريخ 22 / 3 / 73 (12 / 6 / 1994) في جامعة الشهيد بهشتي (الجامعة الوطنية الايرانية) إلى هذا المضمون قائلاً : هل تعلمون أن في طهران والنمسا نفس العدد من المساجد ؟ السبب هو أن في النمسا مسجدين أو ثلاثة وفي طهران أيضاً لا يوجد إلاّ عدد قليل من المساجد الناشطة [4] .

الملفت انّه في آخر الكتاب وككلمة أخيرة يذعن لرسوخ الايمان الديني في صميم حياة الايرانيين ، ويستدل بحسم : إن لنا ديناً يضرب بجذوره وتأثيراته عميقاً في شخصية أفراد المجتمع ، ومن المستحيل أن ينفصل عنها . ما أكثر ما نلاحظ من الأفراد في حرم الإمام الرضا (ع) قد لايتجانسون ظاهرياً مع ما نتوقعه من الأفراد المتدينين . وكثيراً ما شاهدتُ في محلتنا سيدات يصنّفن بحسب الظروف الراهنة على «سيئات الحجاب» أو المتبرجات ، لا يرتدين جوارباً في أقدامهنّ ويلبسن مانتوات([5]) مفتوحة تظهر أجزاءً من أجسامهنّ ، لكنهنّ مع ذلك يتجهن صوب صناديق الصدقات يضعن فيها بعض المال . فما هذا ؟ إنّها عقيدة ! ربّما كان هذا غير مقبول لدى الله في نظر البعض ، بيد أن هذه أحكامنا وليس أحكام الله . إنّها عقيدة مهما كان الأمر ، أرضية وقابلية عالية للالتزام الديني . يقول جلال الدين الرومي :

نزل الوحي على موسى من الله لقـد أبـعــدتَ عـبــدنا عـنّا        لقـد بـعثـت مـن أجـل الوصــال ولم تبعث من أجل  القطيعة

لقد أثبتت جماهيرنا بأعدادها الغفيرة ومظاهرها المتباينة (حديث وتقليدي ، متشحة بالعباءة وغير متشحة ... ) في صلاة عيد الفطر التي تقام في الصباح الباكر الشديد البرودة (21 بهمن 1375 ـ 10 شباط 1997م) حيث تسجل درجة الحرارة خمسة درجات إلى سبعة تحت الصفر ، إنّهم في أعماقهم ودواخلهم ملتزمون بالمبادئ الدينية ومستعدون للتضحية من أجلها ، وهذه قابلية هائلة [6] .

وهكذا ، يمكن من زاوية معيّنة واستناداً إلى بعض الشواهد رسم صورة سلبية لراهن التدين في ايران . ولكن ينبغي التفطن أن ثمة شواهد أخرى تفصح عن آفاق مختلفة ، أوردنا بعضها في سطور سابقة نقلاً عن فرامزر رفيع بور . مضافاً إلى ذلك ، بالامكان الاشارة إلى زيادة عدد الكتب الدينية الصادرة بعد الثورة الاسلامية ، والدالة على وجود طلب لها ورغبة في تعميق الثقافة الدينية بين الناس .

في نهاية رسالته الجامعية (ليسانس ادارة ثقافية) يستنتج محمد رنجبري بعد اطلالة على وضع الكتب الصادرة في ايران من سنة 1979 حتى بداية عام 2000م أنّه ما بين 1979 و 2000 كان نسبة عناوين الكتب الدينية هي الأعلى دائماً من بين الكتب الصادرة في ايران ... ومن بين الكتب المترجمة في العقد الأوّل بعد انتصار الثورة الاسلامية ، كان الرقم الأعلى من نصيب الكتب الأدبية والدينية ... كما كان أكثر توزيع للكثرة (على الرغم من التذبذبات) بين الكتب المؤلفة ، خاصاً بالمجال الديني ... [7] .

وإلى جانب هذا ، فقد أجري تحقيق حول قيم الايرانيين وتصوراتهم ، يدل على أن 90 بالمئة من الايرانيين يثقون بأفراد عوائلهم إلى أقصى درجات الثقة ، وما فُتئت مؤسستا الدين والعائلة تحتفظان بقدراتهما وقوتهما بين القيم والمبادئ عند الناس ... ويصل الإيمان بالدين في العوائل إلى 95 بالمئة [8] . الأبحاث الأخرى التي قارنت بين حالة التدين في عهدين زمنيين ، تشير أيضاً إلى أن «مستوى تدين الشباب في عام 1999م ازداد قياساً إلى عام 1995م» .

الهوامش:

[1] ـ علي ذوعلم ، أفول القيم الاجتماعية بعد انتصار الثورة الاسلامية ، جرعه جاري مجموعة مقالات) مركز أبحاث الثقافة والفكر الاسلامي ، ط1 ، 1998 ، ص418 .

[2] ـ عبدالرضا ضرابي ، «دور المسجد وفاعليته في التربية» فصلية (معرفت) ، السنة التاسعة ، العدد الأوّل ، ربيع 2000 ، ص61 .

[3] ـ فرامزر رفيع بور ، التنمية والتناقض ، منشورات جامعة الشهيد بهشتي ، ط1 ، 1997 ، ص317 ـ 318 .

[4] ـ م س ، ص318 .

[5] ـ جبب الحجاب الشرعي في ايران .

[6] ـ م س ، ص555 ـ 556 .

[7] ـ داريوش مطلبي «تعريف رسالة جامعية : واقع الكتب في عقدين 1979 ـ 2000» شهرية (كتاب ماه) السنة 4 ، العدد 12 ، ديسمبر 2001 ، ص28 .

[8] ـ صحيفة «همبستگي» نقلاً عن وزير الثقافة السيد أحمد مسجد جامعي ، الأحد 31/ 6/ 1381 .


مذكرات معاق- الحركة

بينوکيو و التماسيح البعثية

الجنون حتي القيامة

مذکرات الاحرار-نحن منافق

مذکرات -الجسر

مذکرات الاحرار- القرد الكبير

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)