الامــام المهــدي ( عجل الله تعالى فرجه )قدوة وأسوة - إمام المهدی (عج) قدوة و أسوة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

إمام المهدی (عج) قدوة و أسوة - نسخه متنی

سید محمد تقی المدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




الامــام المهــدي ( عجل الله تعالى فرجه )قدوة وأسوة


تمهيــد




الحمد لله رب العالمين وصلى اللـه على محمد سيد المرسلين وعلى آله الهداة الميامين ، وعلى أصحابه المنتجبين وعلى عباد اللـه الصالحين .



لم تكن المشاكل الفلسفية ترفاً فكرياً ، أو اسرافاً في المثالية ، بل ان أغلبها تمس صميم واقع البشر لأنها تحاول معرفة العلاقة السليمة بين الإنسان وخالقه . وبينه وبين الكون المحيط به .



وأولئك الذين حاولوا تجريد الفلسفة عن هذا البحث الهام ، أفقدوها مبرر وجودها وحكمة انتشارها بين الناس واهتمامهم بها .



والحديث عن الإمام الغائب حجة اللـه على خلقه والسبب الموصل بين اللـه والإنسان ، وحبل اللـه المتين ، يهدف - فيما يهدف - الكشف عن جوانب هامة من هذه الصلة المباشرة بين خالق السماوات والأرض وبين الإنسان !! .



إذ تتجسد هذه الصلة في إنسان كامل لا يختلف في بشريته عن غيره ، إلاّ انه حجة اللـه ، الذي تجلت فيه رسالات اللـه ، وصاغته بشراً كاملاً ، ليكون قدوةً وإماماً .



ولأن اخترعت البشرية التائهة أبطالاً باسم الجندي المجهول وفي صورة ( سوبرمان ) وأبطال وهميين ، فان يد العناية الإلهية صاغت إنساناً من لحم ودم ولكنه كان رمز كل فضيلة ، ودليل كل سمو ، وليكون حجة اللـه على الإنسان لكي لا يبرر تقاعسه عن بلوغ المقام المحمود بضعفه البشري .



وها نحن في رحاب هذا الإمام العظيم ، واني أرجو من أولئك الذين لا يؤمنون به ان يفكروا في الأمر من جديد لئلا يمنعوا عن أنفسهم خيراً كثيراً .



والكتاب الذي بين أيدينا ، مساهمة بسيطة جداً في هذا المضمار . وكنت قد ألفته قبل حوالي عشرين عاماً . ولقد جددت النظر في بعض فصوله وأقدمه اليوم للقراء عسى اللـه ان ينفعني به يوم الحساب .




الفصل الاول : الاصــل الكريــم




مــن هــو الإمــام المهــدي ؟


والــده (ع) :




الإمام الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - عليهم جميعاً صلوات اللـه - .


أمّــه (ع) :




وصيفة تركية انحدرت من سلالة طيبة تتصل باوصياء عيسى ابن مريم (ع) واسمها نرجس أو (صيقل) وكانت قد أسلمت وهي في بلادها بسبب رؤيا شاهدتها ، وعندما زحفت طلائع الجيش الإسلامي على بلادها سلمت لهم ليأتي بها القدر إلى بيت الإمام الحسن العسكري (ع) وتصبح والدة حجة اللـه .


ميــلاده (ع):




في ليلة النصف من شعبان من عام ( 255 ) للهجرة وفي مدينة سامراء عاصمة الخلافة في عهد المعتصم العباسي وَلد الإمام الحجة (ع) .



وكان لولادته شواهد دلت على ما قدّر اللـه لهذا المولود السعيد من أثر على حياة البشرية .



دعنا نستمع إلى السيدة حكيمة بنت الإمام محمد بن علي الجواد وعمة الإمام الحسن تقص علينا عن ولادة الحجة قالت : بعث إليّ أبو محمد الحسن بن علي (ع) فقال : يا حكيمة أجعلي افطارك عندنا هذه الليلة - فانها ليلة النصف من شعبان فان اللـه تبارك وتعالى سيظهر في هذه الليلة الحجة - وهو حجته على أرضه .



قالت فقلت له : ومن أمه ؟



قال لي : نرجس .



قلت له : جعلت فداك واللـه ما بها من أثر .



فقال : هو ما أقول لك .



قالت : فجئت فلما سلمت وجلست جاءت - نرجس - تنزع خفي وقالت لي يا سيدتي ، وسيدة أهلي ، كيف أمسيت ؟ فقلت : بل أنت سيدتي وسيدة أهلي ، فأنكرت قولي - وقالت : ما هذا يا عمة ! ( قالت ) فقلـت لها : ان اللـه تعالى سيهب لك في ليلتنا هذه غلاماً سيداً في الدنيا والآخرة .



قالت : فخجلت واستحيت ، فلما ان فرغت من صلاة العشاء الآخرة - أفطرت وأخذت مضجعي فرقدتُ ، فلما ان كان في جوف الليل قمت إلى الصلاة ففرغتُ من صلاتي وهي نائمة ليس بها حادثة - ثم جلست معقبة ثم اضطجعت ثم انتبهتُ فزعة وهي راقدة ، ثم قامتْ فصلت ، ونامت ، قالت حكيمة : فخرجتُ أتفقد الفجر فإذا أنا بالفجر الأول كذئب السرحان وهي نائمة فدخلني الشك - فصاح بي أبو محمد (ع) من المجلس ، فقال لي : لا تعجلي يا عمة ! فهناك الأمر قد قرب ، قالت : فجلستُ وقرأتُ ألم السجدة ويس . فبينما أنا كذلك انتبهتْ فزعة فوثبت إليها فقلت اسم اللـه عليك ، ثم قلت لها أتحسين شيئـــاً ؟ قالت نعم يا عمة - فقلت لها اجمعي نفسك واجمعي قلبك فهو ما قلت لك . فأخذتني فترة [1] وأخذتّها فطـرة [2] ، وانتبهت بحس سيدي فكشفت عنها ، فإذا أتي به (ع) ساجداً يتلقى الأرض بمساجده ، فضممته (ع) ، فإذا أنا به نظيف منظف - فصاح بي أبو محمد (ع) هلمي إليّ ابني يا عمة - فجئت به إليه - فوضع يديه تحت أليته وظهره ووضع قدميه في صدره ثم أدلى لسانه في فيه - وأمرَّ يده على عينيه ومفاصله [3] .



وبعدما ولد - أجرى له والده الإمام الحسن (ع) مراسيم الولادة بما يلي تفصيله .



تصدق عنه - عشرة آلاف رطل خبزاً وعشرة آلاف رطل لحماً - وعقَ عنه - بذبح ثلاثمائة شاة - بعثها حية من يومه إلى بني هاشم والشيعة . ثم بعث إلى الخاصة من أصحابه يخبرهم بولادته وانه الوصي من بعده ويأمرهم بكتمان ذلك عن كل أحد فقد أثر عن محمد بن الحسن بن إسحاق القمي قال : لما ولد الخلف الصالح (ع) ورد من مولانا أبي محمد الحسن بن علي (ع) إلى جدي أحمد بن إسحاق كتاب وإذا فيه مكتوب بخط يده الذي كان يرد به التوقيعات عليه :



ولد المولود فليكن عندك مستوراً وعند جميع الناس مكتوماً ، فإنا لم نظهر عليه إلاّ الأقرب لقرابته والمولى لولايته . أحببنا اعلامك ليسرك اللـه كما سرَّنا والسلام [4] .



وروي عن إبراهيم صاحب الإمام الحسن العسكري (ع) انه قال :



وجّه إليّ مولاي أبو محمد بأربعة أكباش وكتب إلي :



بسم اللـه الرحمن الرحيم



هذه عن ا بني محمد المهدي وكل هنيئاً واطعم من وجدت من شيعتنا [5] .


كتمان أمر الإمام :




وهكــذا تمت ولادة الإمام الذي بقي محاطاً بستار كثيف من الكتمان بسبب الظروف السياسية المعاصــرة . ولم يبدِ الإمام العسكري (ع) امر نجله إلاّ لخواص أصحابه ، فقد جاء في الحديث المأثور عن كتاب الغيبة ، عن جماعة من أصحاب الإمام انهم قالوا :



اجتمعنا إلى أبي محمد الحسن بن علي (ع) نسأله عن الحجة من بعده وفي مجلسه (ع) أربعون رجلاً فقام إليه عثمان بن سعيد بن العمر العمري فقال له : يابن رسول اللـه (ص) أريد ان أسألك عن أمر أنت أعلم به مني . فقال له : أجلسْ يا عثمان فقام مغضباً ليخرج ، فقال : لا يخرجن أحد ، فلم يخرج منا احد إلى ان كان بعد ساعة فصاح (ع) بعثمان ، فقام على قدميه فقال : أخبركم بما جئتم . قالوا : نعم يابن رسول اللـه (ص) قال : جئتم تسألوني عن الحجة من بعدي قالوا : نعم ، فإذا غلام كأنه قطع قمر أشبه الناس بأبي محمد (ع) فقال : هو إمامكم من بعدي ، وخليفتي عليكم أطيعوه ، ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم . ألا وأنكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتم له عمر ، فأقبلوا من عثمان ما يقول وانتهوا إلى أمره واقبلوا قوله فهو خليفة إمامكم والأمر إليه .


كيف بدأ عهد إمامة الحجة ؟




وكعادة الخلفاء العباسيين إذا وجدوا فرصة لقتل أولياء اللـه بادروا بدس السم إليهم .



اغتال المعتصم العباسي الإمام الحسن العسكري (ع) بالسم ، فأخذ يفتش عن نجله ليقضي عليه ويقطع دابر الإمامة الإسلامية في زعمه . فأرسل إلى بيت الإمام ليحتجز ما فيه ومن فيه .



دعنا نستمع خبر ذلك عن لسان أحمد بن عبد اللـه بن يحيى بن خاقان إبن وزير المعتصم الذي قال :



لما اعتل الإمام الحسن العسكري (ع) بعث إليّ أبي ان ابن الرضا قد اعتلّ فركب من ساعته إلى دار الخلافة ثم رجع مستعجلاً مع خمسة نفر من خدام ( أمير المؤمنين ) كلهم من ثقاته وخاصته منهم نحرير - وأمرهم بلزوم دار الحسن بن علي ، وتعرّف خبره وحاله ، وبعث إلى نفر من المتطببين فأمرهم بالاختلاف إليه وتعاهده صباحاً ومساءً .



فلما كان بعد ذلك بيومين جاءه من أخبره انه ضعف فركب حتى بكر إليه ، فأمر المتطببين بلزومه ، وبعث إلى قاضي القضاة فأخبره مجلسه ، وأمره ان يختار من أصحابه عشرة ممن يوثق به في دينه وأمانته وورعه فأحضرهم فبعث بهم إلى دار الحسن (ع) وأمرهم بلزومه ليلاً ونهاراً .



فلم يزالوا هناك حتى توفي (ع) لأيام مضت من شهر ربيع الأول من سنة ستين ومائتين ، فصارت ( سرّ من رأى ) ضجة واحدة - مات ابن الرضا - .



وبعث السلطان إلى داره من يفتشها ويفتش حجرها ، وختم على جميع ما فيه وطلبوا أثر ولّده ، وجاؤوا بنساء يعرفن بالحمل فدخلن على جواريه فنظرن إليهن فذكر بعضهن ان هناك جارية بها حمل ، فأمرنها فجعلت في حجرة وكّل بها نحرير الخادم وأصحابه ونسوة معهم .



ثم قال : ولم يزل الذي وكلوا بحفظ الجارية التي توهموا عليها الحمل ملازمين لها سنتين وأكثر حتى تبين لهم بطلان الحمل فقسم ميراثه بين أمه وأخيه جعفر وادعت أمه وصيته وثبت ذلك عند القاضي .



والسلطان على ذلك يطلب أثر ولده .



ثم ذكر قصة مناوءة جعفر على الوصايا حتى قال : وخرجنا - والأمر على تلك الحال - والسلطان يطلب أثر ولد الحسن بن علي (ع) حتى اليوم [6] .



وهكذا حاولت السلطة الجاهلية المستكبرة في الأرض ان تقتلع جذور الإمامة ، وتقضي على الحركة الرسالية الأصيلة .. فلم تفلح لان يد اللـه فوق أيديهم .



« يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللـه بِاَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللـه إِلآَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ » (التوبة/32)


اللـه أعلم حيث يجعل رسالته :




وكان للإمام الحجة عمّ يدعى بجعفر زعم أن له حق الإمامة من بعد أخيه الحسن العسكري (ع) ، فأخذ يدعو الناس إلى نفسه ، بل ويتوسل إلى السلطات الظالمة ليستمد منها الدعم دون ان يعلم ان مبرر استمرار خط الإمامة هو مقاومة هذه السلطات ، وقيادة الجماهير المؤمنة ضد فسادها وانحرافها .



أما جعفر ابن الإمام علي الهادي (ع) فانه كان يفقد المؤهلات الكافية للإمامة ولانه كان يعرف ان الطائفة لا تعترف به ، فقد جاء إلى عبد اللـه بن يحيى بن خاقان - وهو وزير الخليفة العباسي - يسعى من أجل دعم مركزه .



ابن الوزير يروي قصة ذلك فيما يلي :



فجاء جعفر - بعد قسمة الميراث - إلى أبي وقال له : اجعل لي مرتبة أبي وأوصل إليّ في كل سنة عشرين ألف دينار مسلمة .



فزبره أبي وقال له : يا أحمق ! ان السلطان أعزه اللـه (!) جرّد سيفه وسوطه في الذين زعموا ان أباك وأخاك أئمة ، يردوهم عند ذلك فلم يقدر عليه ، ولم يتهيأ له صرفهم عن هذا القول فيهما ، فان كنت عند شيعة أبيك وأخيك إماماً فلا حاجة بك إلى السلطان يرتبك مراتبهما ولا غير السلطان ، وان لم تكن عندهم بهذه المنزلة . لم تنلها بنا .



وما لبث جعفر ان تراجع عن هذه الدعوة الكاذبة . وعاد إلى رشده في التسليم لإمامة الحجة (ع) ، ولذلك سمي عند الطائفة بجعفر التواب بعد ان كان يسمى بجعفر الكذاب .


الغيبــة الصغــرى :




بعد ان بيّن الأئمة الهداة ( عليهم الصلاة والسلام ) عبر قرنين ونصف من عمر الرسالة بعد الرسول (ص) معالم الدين . وبعد ان احتمل خيرة أبناء الأمة علم الأنبياء (ع) عبر أوصيائهم المعصومين ، وترسخت جذور المعرفة الإلهية في نفوس الألوف . وبعد أن تهيأ التيار الرسالي للنهوض بأعباء الثورة ضد الظلم والطغيان ، والوقوف أمام الإنحرافات الأساسية في الدين .



بعد كل ذلك قدر اللـه الغيبة الصغرى لولي اللـه الأعظم ، الحجّة بن الحسن (ع) التي امتدت من عام (260 ) إلى عام ( 329) أقام الإمام خلالها جسراً من الوكلاء بينه وبين أبناء الطائفة .



ونوّاب الإمام هم :



(1) أبو عمرو عثمان بن سعيد الذي كان وكيلاً للإمام الحسن العسكري (ع) . وبعد وفاته أصبح نائباً للإمام الحجة ( عجل اللـه فرجه ) .



(2) وبعد وفاته عام ( 266) نصب الإمام الحجة ابنه أبا جعفر محمد بن عثمان ليصبح نائباً للإمام خلال خمسين عاماً .



(3) أما النائب الذي استخلفه محمد بن عثمان فقد كان حسين بن روح ومنذ عام ( 304) وعبر اثنين وعشرين عاماً كان مرجعاً عاماً للطائفة من قبل الإمام الحجة (ع) .



(4) وبعد أن لبى حسين بن روح نداء ربه ، عين الإمام أبا الحسن علي بن محمد السمري نائباً عنه ، وبقي في منصبه ثلاث سنوات ، ولما اقترب من أجله سئل عمّن ينوبه فأخبر بانتهاء الغيبة الصغرى بوفاتـه .



وفي سني الغيبة الصغرى كان يمارس فقهاء الإسلام الأربعة العظام دور القيادة نيابة عن الإمام - ولعلها كانت كافية لتربية الأمة على أسس اختيار قادتها من بين أقرب الفقهاء إلى مثال النواب الأربعة في عصر الغيبة الكبرى - حيث كان من المفروض ان تستقل الأمة بانتخاب قادتها من الفقهاء العدول الراسخين في علم أهل البيت ، والزاهدين في درجات الدنيا ، والمجسّدين لتعاليم الرسالة .



ولعل حكمة ذلك كانت تدرج الصلة الإلهية من الوحي إلى الوصاية والنيابة الخاصة ثم النيابة العامة ، فلقد كان عصر النبي الأعظم (ص) عصر الوحي الذي كان شاهداً في كل قضية ، وبعد ان اكمل تبليغ الرسالة عهد إلى الأئمة الهدة امر تفسير المتشابه من آيات القرآن ، اما المحكم فكان على الناس أنفسهم الرجوع إليه مباشرة ، وهذه خطوة متقدمة في مسيرة التعامل مع الوحي .



وفي عصر الوصاية تفقه الكثير من المسلمين العلماء حتى أرجع الأئمة إلى بعضهم أمر الفتيا ، وبعد ذلك جاء عصر النيابة الخاصة حيث كان على المسلمين مراجعة الإمام الحجة من خلال نوابه وليس بصورة مباشرة كما كان في عصر الوصاية .



اما الآن وفي عصر النيابة العامة فان على المسلمين ان يراجعوا الفقهاء العدول الذين يتعرفون على صلاحيتهم وفق المقاييس العامة التي بيّنها لهم الأئمة .



وبالرغم من ان صلة حجة اللـه بأولياء اللـه مستمرة بصورة أو بأخرى الا ان ذلك لا يدخل ضمن اطار الأحكام الظاهرية حيث لا يمكن لأحد ان يدعي انه النائب الخاص للإمام ، بل لا يمكنه ان يدعي ارتباطه المباشر بالإمام ، فإذا فعل ذلك فان على المسلمين ان يكذبوه رأساً . ولولا هذا التدرج لكانت الأمة تُصاب بكارثة حقيقية .


شمائل وصفـات الإمــام :




لقد تم وصف الإمام بدقة من قبل النبي (ص) والأئمة الهداة ، ولعله كان لحكمة بالغة هي ردع كل من تسول له نفسه بادعاء المهدوية ، بعد ان أصبحت قضية ظهور الإمام المهدي (ع) في آخر الزمان من ضرورات الدين ، وبما أنه من المستحيل ان تجتمع كل تلك الصفات التي ذكرتها النصوص الإسلامية في شخص مدعٍ للمهدوية مما تكشف كذبه للناس .



(1) قال النبي (ص) :



المهدي منّي ، أجلى الجبهة ، أقنى الأنف ، المهدي من ولدي وجهه كالقمر الدرّي ، عينه مستديرة ، اللون لون عربي ، والجسم إسرائيلي ، وجهه كالدينار ، أسنانه كالمنشار وسيفه كحريق النار .



(2) وقال الإمام أمير المؤمنين (ع) :



المهدي أقبل أجعد ، هو صاحب الوجه الأحمر والجبين الأزهر ، صاحب الشامة والعلامة ، العالم الغيور ، المعلم المخبر بالآثار ، هو أوسعكم كهفاً ، وأكثركم علماً وأوصلكم رحماً ، يومئ للطير فيسقط على يده ، ويغرس قضيباً في الأرض فيخضر ويورق .



(3) وقال الإمام الحسين (ع) :



تعرفون المهدي بسكينة ووقار ، ومعرفته الحلال والحرام ، وبحاجة الناس إليه ولا يحتاج إلى أحد .



(4) وقال الإمام الباقر (ع) :



وهو درّي المقلتين ، شثن الكفين ، معطوف الركبتين ، مدمج البطن ، بظهره شامتان ، شامة على لون جلده وشامة على شبه شامة النبي ، مقرون الحاجبين مسترخهما ، ظاهر العينين من سهر الليل والتبتل والعبادة ، دري المقلتين ، بوجهه أثر ، واسع الصدر ، مسترسل المنكبين عظيم مشاشتهما .



(5) وقال الإمام الصادق (ع) :



حسن الوجه ، أدم ، أسمر ، مشرب بحمرة ، أزج ، أبلج أدعج ، أعين ، أشم الأنف ، أقنى ، أجلى ، وهو خاشع كخشوع الزجاجة ، هيوب ، قريب إلى الناس والنفوس ، عذب المنطق ، حسن الصورة ، أحمس الساقين مخدشهما ، هو قوي في بدنه ، إذا صاح بالجبال تدكدكت صخورها ، لا يضع يده على عبد إلاّ صار قلبه كزبر الحديد ، ليس بالطويل الشامخ ، ولا بالقصير اللازق ، بل مربوع القامة ، مدور الهامة ، واسع الصدر ، صلت الجبين ، مقرون الحاجبين ، على خده الأيمن خال كأنه فتات مسك على رضراضة العنبر .



(6) قال الإمام الرضا (ع) :



هـــو شبيهي وشبيه موسى بن عمــــران ، عليه جيوب النــــور ، تتوقـــد بشعاع القدس ، موصوف باعتـــدال



الخلق ، ونضارة اللون ، يشبه رسول اللـه في الخلق ، علامته ان يكون شيخ السن ، شاب المنظر حتى ان الناظر ليحسبه ابن أربعين سنة أو دونها ، وان من علامته الاّ يهرم بمرور الأيام والليالي عليه حتى يأتي أجله [7] .




الفصل الثاني : الإمــام الحجــة .. الأمــل المنتظــر



انتظار الفرج أو الأمل الثائــر :




هنالك سنن إلهية تجري على أساسها حياة المجتمعات كالسنن الإلهية التي تتقلب فيها حياة الأفراد .



ومن أبرز هذه السنن انتصار الحق ودحر الباطل .



« وَقُلْ جَآءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً » (الاسراء/81) .



إن سفينة الحياة ترسو بالتالي على شاطئ رحمة اللـه ، لان رحمته قد سبقت غضبه ، ولان اللـه انما خلق الناس ليرحمهم ، وسبحانه الذي لا يؤاخذ أهل الأرض بألوان العذاب .



يقول ربنا سبحانه وهو يذكرنا بهذه السنة التي لو تأملنا في تاريخ البشر ، وفي ظواهر الحياة لرأينا آثارها بوضوح تام :



« هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ » (التوبة/33)



فما دامت السماوات والأرض قد خلقت بالحق ، وعلى أساس الحق فان سلطان الحق وحاكميته وسيادته سوف يكون متوافقاً مع مسيرة الكون ، ونتيجة تكامل حوادثه بإذن اللـه .



« وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الاَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ » (الانبياءِ/105)



ان هذه الحقيقة التي أكدت عليها رسالات اللـه ليست محدودة بقوم ، ولا محصورة بوراثة الصالحين بقطعة محدودة من الأرض ، بل هي بيان لسنة إلهية عامة تتحقق في ثورات الصالحين ضد الطغاة ، وتتحقق بصورة تامة في وراثة الصالحين لكل الأرض ، والدليل على ذلك :



اولاً : ان الأرض جاءت محلاة بالألف واللام مما يدل على ان المراد بها كل الأرض .



ثانياً : ان تأكيد القرآن على ان هذه حقيقة مكتوبة في أكثر من كتاب سماوي لا يدعنا نشك في انها تشير إلى سنّة إلهية يسوق اللـه احداث الحياة وفقها حتى تتحقق بصورة كلية .



« وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الاَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الاَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ » (القَصَص/5-6)



« قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللـه وَاصْبِرُوا إِنَّ الاَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ » (الاعراف/128)



إن تجــارب البشرية قد دلت على ان المسيرة الطبيعية للنظم الحاكمة في الأرض لن تصل بها إلــــى تلــك



التطلعات السامية التي انطوت عليها نفوس البشر من تحقيق مدينة فاضلة تسودها العدالة ، ويحكم في أرجائها الحق بلا شريك .



إذن كيف ومتى يتحقق هذا الطموح الفطري المشروع .. هل يمكن ان يتكامل البشر بصورة عادية إلى ان يبلغ هذا المستوف الأرفع ؟!



ان ترسانات الأسلحة الذرية والكيمياوية ، ومؤامرات المستكبرين ضد مستضعفي الأرض ، وتقهقر البشرية الواضح في ميادين الفضيلة والهدى ، وتدهورها المرعب إلى حضيض الفساد والاعتداء لدليل واحد وواضح على ان السبيل الوحيد إلى تحقيق أهداف الإنسان هي رحمة اللـه التي أخرجت الإنسان من الظلمات إلى النور .



وتلك الرحمة إنما هي في ظهور الحجة الأعظم - بقية اللـه الإمام الثاني عشر من أهل بيت خاتم الأنبياء ، وقدوة الصديقين عليهم جميعاً صلوات اللـه - والإيمان بهذه الحقيقة الصادقة يبعث في قلوب المؤمنين شعلة خالدة من الأمل ذلك الأمل الذي يعتبر وقود الإنسان في مسيرته التكاملية .



ذلك الامل الإلهي الذي يختلف عن الأمنية بفارق السعي الذي هو شرط ضروري لتحقيق الأمل الإلهي .. بينما الأمنية تبرير للكسل والتقاعس .



ذلك الأمل الذي ينتشل المجاهدين من ظلام اليأس الذي يبعثه الشيطان في نفوسهم باستغلال ظروف الإرهاب والقلق والعجز المادي .



ذلك الأمل الذي ينعكس على نظرات الفرد ومواقفه ، فتصبغ بصبغة التفاؤل الإيجابي ، ويطارد روع التشاؤم والشك والسلبية والإنهزامية التي تسعى أجهزة الطاغوت ووساوس الجبت ان تبثها في روح العاملين ، وربما لهذه الحكمة جاء في الحديث النبوي الشريف :



أفضل أعمال أمتي إنتظار الفرج .


المهدي ( ع ) في النصوص الدينية :




ان ظهور عزير (ع) وعودة عيسى (ع) ورجعة بهرام في الديانات اليهودية والمسيحية والمجوسية سوف يتحقق جميعاً بظهور خاتم الأوصياء المهديين الإمام الحجة ( عجل اللـه فرجه ) .



وان تفسير خمسين آية قرآنية ، وعشرات الأحاديث المأثورة عن النبي (ص) ومئات النصوص المروية عن آل البيت يتم بظهور الحجة ( عجل اللـه فرجه ) .



لقد تواترت أكثر من ستمائة وسبع وخمسين حديثاً في المهدي (ع) [8] .



وقد رواها أعظم أصحاب النبي (ص) ، وقد ألف حول ظهور المهدي ( عجل اللـه فرجه ) ، علماء أهل السنّة أكثر من مائة وأربع وأربعين كتاباً [9] .



وادعى تواتر الحديث كثير من علماء المسلمين من مختلف المذاهب ، ولسنا بحاجة إلى ان نناقش الديانات السماوية في شخص المهدي لأننا لا نملك معهم أرضية مشتركة للحديث بل لابد أن نناقش النظرية القائلة بان المهدي سيولد في آخر الزمان ثم يظهر ، ونظن ان عقدة المسألة تتمثل في قضية طول العمر التي تبقى مشكلة نفسية أمام الإيمان بحياة الإمام . إذاً ، إسمحوا لنا ببحث قضية طول العمر أولاً ، قبل مناقشة هذه النظرية .


قضية طول العمــر :




ان ربنا سبحانه بمنّه القديم ورحمته . الواسعة شاء ان يتم الحجة على عباده بأن بعث إليهم رسله دون ان يترك الأرض من دون حجة قائمة .



وأمدّ اللـه في عمر خاتم الأوصياء إذ لا نبي بعد محمد (ص) لكي يبقى السبب المتصل بين الأرض والسماء ، فإذا انقطع الوحي فلا تنقطع الصلة الغيبية عبر ولي من أولياء اللـه .



وقدرة اللـه التي نفذت في كل شيء والتي خلق بها السماوات والأرض لا تعجزه سبحانه عن تطويل عمر الإنسان .



ونحن بصفتنا مسلمين نعتقد بأن اللـه أمدّ في عمر نوح (ع) 950 عاماً بل أكثر ، وان عيسى وإدريس والعبد الصالح ( خضر) أحياء فكيف لا نؤمن بالعمر الطويل الذي عمَّره الإمام الحجة (عجل اللـه فرجه) .



ولكن دعنا نذكر فيما يلي نظر العلم الحديث في امكانية طول عمر الإنسان ، لعلمنا ان أمام بعض الناس مشكلة نفسية لا تدعهم يؤمنون بالإمام الغائب : -



(1) جاء في مجلة الهلال - الجزء الخامس من السنة الثامنة والثلاثين ( ص 607 مارس 1930 ) - تحت عنوان : كم يعيش الإنسان ؟ ما يلي[10] :



يعتقد بعض العامة وبعض الخاصة حتى من الأطباء ان مدى عمر الإنسان سبعون سنة على المتوسط - كما جاء في التوراة - وقل ان يجاوز ذلك ، وقد وقف رئيس مدرسة طبية ذات يوم خطيباً في تلاميذه فقال : ان الأدلة الباثولوجية تدل دلالة على ان أنسجة الجسم تبلى بعد مرور - زمان ما - وأن هناك حداً محدوداً لعمر الإنسان .



فإذا صح قول هذا المدبر فان الأسباب الكثيرة التي تنشأ منها دورة العمر هي ثابتة غير متغيرة - دون متناول العلم - ولنفترض ان منطقة ( قنال بناما ) المشهورة بالأمراض الكثيرة قُطِعَتْ عن سائر العالم ، وكنا نحن فيها نجهل أحوال الحياة والموت في العالم - الذي وراءها - لكنا نقول : ان كثرة الوفيات في هذه المنطقة وقصر العمر أمور معينة بحكم الطبيعة ، وان التحكم فيها دون متناول العلم ، فالفرق بين الأمرين هو في الشخص لا في النوع ، فان جهلنا لأسباب بعض الأمراض هو الذي يحول دون تقليل الوفيات وإطالة العمر - في العالم - ودورة العمر كما نسميها متغيرة قابلة لتأثير العلم فيها ، والذي يعارضني في ذلك أسئله : أي دورة من أدوار العلم هي ثابتة ؟



دورة العمر في الهند أم في نيوزلندا ؟ أم في أمريكا أم في منطقة القتال ؟ وأي الجِرَف نحترفها نقول عنها إن دورة العمر فيها - ثابتة طبيعية - أجِرفة الفلكي التي تكون الوفيات فيها من 15 إلى 40 سنة تحت المتوسط ؟ أم المحاماة التي تكون الوفيات فيها من 5 سنوات إلى 15 سنة فوق المتوسط ؟ أم تنظيف الشبابيك التي تكون الوفيات فيها من 40 إلى 60 سنة فوق المتوسط ؟ هذه أمثلة على الفرق بين الوفيات في اتوسط الوفيات بين بعض الحرف على ما فيها من احصاءات بعض شركات التأمين .



وهناك أدلة كثيرة على ان أدوار الحياة بين الأحياء ومنها الإنسان تغيرت تغيراً عظيماً بالوسائل الصناعية، وان أدوار الحياة - في بعض الأحياء - تزيد كثيراً على ماللإنسان . فلماذا تعيش السلحفاة مائتي سنة والإنسان سبعين سنة ؟ ولماذا تعيش الخلايا الداخلية في الاحياء أربعمائة سنة وفي الانسان أقل ؟



وقد يقال جواباً عن هذا السؤال :



ان الإنسان يدفع بذلك عن عيشته الحضارية الراقية وتركيبه الراقي ، فالشجرة المشار إليها - تمكث في بقعة واحدة - فتظهر فيها جميلة ، ولكن أليس بين الرجال والنساء من لا يصنع أكثر مما تصنع الشجرة، وينال أجراً على ذلك !



وتجارب المختبرات البيولوجية - ذات مغزى كبير - فقد استطاع بعض العلماء إستنبات بعض الدعاميص - الضفدع الصغير - من أجسادها قبل أوان خروجها بتغيير مقدار الأوكسجين - في الوسط الموجودة فيه - وهذا بمثابة تغيير جوهري في دورة حياة الدعاميص .



وكذلك تمكن آخرون من اطالة عمر ذبابة الأثمار (900) ضعف عمرها الطبيعي بحمايتها من السم والعدوى وتخفيض حرارة الوسط الذي تعيش فيه .



وتمكن كارل بتجاربه من ابقاء الخلايا في قلب جنين دجاجة حياً مدة سبع عشرة سنة بصيانته عن بعض العوامل في المحيط الذي وضع فيه .



وإذا نظرنا إلى العوامل المتسلطة على دورة حياة الإنسان ، وجدنا أنه إذا اخذنا شيئاً من المادة المعروفة باسم ( الرانث ) والمستخرجة من غدة درقية عليلة ، أمكننا اعادتها إلى حالتها الطبيعية بحقنها بخلاصة غدة صحيحة ، وكثيراً ما انقذ الشخص المشرف على الموت بحقنة بخلاصة الكبد على أثر أشتداد اصابته بأنيميا خبيثة وموته بها لا يختلف بمبدئه عن الموت بالشيخوخة ، ويعاد المصاب بالسكر إلى حالته الطبيعية بحقنة بخلاصة البنكرياس .



وامتدت يد العلماء إلى أصل الجينات - وقد كان يظن انه لا يمكن العبث بها - فتمكنوا من تغيير جنس الضفادع والطيور من الذكور والإناث والعكس ، ولم يُجَرب ذلك بعد في الإنسان ، ولكن مادام هذا المبدأ يؤيد في الحيوان فلا يمنع تأييده في الإنسان الا جهلنا لأشياء لابد ان تبدو لنا في المستقبل .



(2) وقال الأستاذ ( فورد نوف ) : قد عملت إلى الآن ( 600 ) عملية ناجحة وأقول الآن عن اقتناع : انه لا ينصرم القرن حتى يمكن تجديد قوى الشيوخ ، وإزالة غبار السنين عن وجوههم كثيرة الغضون والأسارير - وأجنابهم المحدودبة الهزيلة - ويمكن أيضاً تأخير الشيخوخة ومضاعفة العمر الذي هو الآن سبعين سنة على الغالب ، وسيبقى الدماغ والقلب صحيحين إلى الآخر - وقد يمكن تغيير الصفات والشخصيات والعادات بهذه الطريقة ، ونقل الجرائم وتخلق العبقريات ، وتفرغ الشخصيات في قوالب على حسب الطلب [11].



(3) العلماء الموثوق بعلمهم يقولون :



ان جل الأنسجة الرئيسية من جسم الحيوان تقبل البقاء إلى مالا نهاية له ، وانه في الإمكان ان يبقى الإنسان حياً ألوفاً من السنين إذا لم تعرض عليه عوارض تصرم حبل حياته ، وقولهم هذا ليس مجرد ظن ، بل هو نتيجة علمية مؤيدة بالامتحان [12] .



فقد تمكن أحد الجراحين من قطع جزء من حيوان وابقائه حياً أكثر من السنين التي يحياها ذلك الحيوان عادة . أي صارت حياة ذلك الجزء مرتبطة بالغذاء الذي يقدم لها بعد السنين التي يحياها ، فصار في الامكان ان يعيش إلى الأبد مادام الغذاء اللازم موفوراً له .



وهذا الجراح هو ( الكسيس كارل ) من المشتغلين في معهد ( روكفلر نيويورك ) وقد امتحن ذلك في قطعة من جنين الدجاج فبقيت تلك القطعة حية نامية أكثر من ثمان سنوات ، وهو وغيره امتحنا قطعاً من أعضاء جسم الإنسان - من أعضائه وقلبه وجلده وكليته - فكانت تبقى حية نامية مادام الغذاء اللازم موفوراً لها حتى قال الأستاذ ( ديمند وبرل ) من أساتذة جامعة جونز هو بكنز :



ان كل الأجزاء الخلوية الرئيسية من جسم الإنسان قد ثبت : أما ان خلودها بالقوة صار أمراً مثبتاً بالامتحان أو مرجحاً ترجيحاً تاماً لطول ما عاشته حتى الآن .



إلى ان قال الدكتور كارل : شرع في التجارب المذكورة في شهر يناير سنة 1912 م ، ولقي عقبات كثيرة في سبيله فتغلب عليها هو ومساعدوه ، فثبت له :



أولاً : ان هذه الأجزاء الخلوية تبقى حية مالم يعرض لها عارض يميتها ، اما من قلة الغذاء أو من دخول بعض الميكروبات .



ثانيا : ان لا تأثير للزمن - أي انها لا تشيخ وتضعف بمرور الزمن ، بل لا يبدو عليها أقل أثر للشيخوخة، بل تنمو وتتكاثر - هذه السنة - كما كانت تنمو وتتكاثر في السنة الماضية وما قبلها من السنين ، وتدل الظواهر على انها ستبقى حية نامية مادام الباحثون صابرين على مراقبتها ، وتقديم الغذاء الكافي لها ، فشيخوخة الاحياء ليست سبباً ، بل هي نتيجة .



لكن لماذا يموت الإنسان ولماذا نرى سنينه محدودة - لا تتجاوز المائة الا نادراً جداً - وغايتها العادية سبعون او ثمانون ؟



الجواب :



ان أعضاء جسم الإنسان كثيرة ومختلفة ، وهي مرتبطة بعضها ببعض ارتباطا محكماً حتى ان حياة بعضها تتوقف على حياة البعض الآخر ، فإذا ضعف بعضها ومات لسبب من الأسباب مات بموته سائر الأعضاء . ناهيك بفتك الأمراض الميكروبية المختلفة ، وهذا مما يجعل متوسط العمر أقل جداً من السبعين والثمانين . لا سيما ان كثيرين يموتون أطفالاً ، وغاية ما ثبت الآن من التجارب المذكورة : ان الإنسان لا يموت لان عمره كذا من السنين - سبعين أو ثمانين أو مائة أو أكثر - بل لان العوارض تنتاب بعض الأجزاء فتتلفها ولارتباط اعضائه بعضها ببعض تموت كلها ، فإذا استطاع العلم أن يزيل بعض العوارض أو يمنع فعلها لم يبقَ مانع استمرار الحياة مئات من السنين ، كما يحيا بعض أنواع الأشجار ، وقلّ ما تنتظر العلوم الطبيعية والوسائل الصحية هذه الغاية القصوى ، ولكن لايبعد ان نهايتها تضاعف متوسط العمر أو يزيد ضعفين أو ثلاثة [13] .



(4) وأكد تقرير نشرته الشركة الوطنية الجيوغرافية :



ان الإنسان يستطيع ان يعيش (1400) سنة إذا ما خدر مثل بعض الحيوانات طيلة فصل الشتاء [14].



وهكذا يأتي قولنا بامكان طول العمر مدة من الزمن بعيدة - مؤيداً - بالتجارب الحديثة . فهل نجد من الشك أي مانع عن قبول ذلك إذا عرفت ان اللـه يريد ان يبقيه كذلك ، وإذا أراد شيئاً وفرَ له أسبابه الطبيعية .



قال الإمام الرضا (ع) :



أبى اللـه إلا ان يجري الأمور بأسبابها .


الـديـن وطــول العمــر :




هنا نبحث في الموضوع من جانب ديني بحت : ان من يعتقد بالدين من اليهود والنصارى والمسلمين، يؤمن بأن قدرة اللـه شاملة لكل الأمور ومنها امداد عمر رجل - يلزم ان يموت في السبعين - فيزديه ألفـاً، مثلاً .



وإن الإعتقاد بذلك ثابت لهم فعلاً ، حيث انهم لا يزالون يقبلون مبدئياً حياة كثيرين ممن تقدم تاريخ ميلادهم عن الإمام المهدي ( عجل اللـه فرجه ) مثل : خضر ، إدريس ، عيسى (ع) . كما يعتقدون انهم سوف يبقون أحياء في المستقبل أيضاً ، وكذلك تدل كتبهم الدينية على امتداد حياة أمة من الناس مدة طويلـــة في الماضي السحيــق ، مثال آدم ، الذي عاش في معتقد اليهود 930 سنة جاء في التوراة مـــا هــــذا



نصه : فكان كل أيام آدم التي عاشها تسعمائة سنة وثلاثين سنة ومات .



سفر التكوين - الاصحاج الخامس - الآية /5



وشيث الذي عاش على ما في التوراة ( 912 عاماً ) حسب ما جاء في النص :



فكانت كل أيام شيث تسعمائة واثني عشرة سنة ومات ... .



سفر التكوين - الاصحاح التاسع - الاية / 8



وأما نوح فقد عاش عندهم 950 سنة . جاء في التوراة :



فكانت كل أيام نوح تسعمائة وخمسين سنة ومات ... .



سفر التكوين - الاصحاح التاسع - الآية / 29



أما المسلمون فإنهم يعتقدون بحياة عيسى وخضر ولإلياس .



وان سرد هذه الحقائق تكفينا عن ذكر أسماء المعمرين بعدما ثبت ان طول العمر ممكن عقلاً وواقع فعــلاً .


هل الإمــام المهــدي حــي ؟




لقد سبق القول ان المذاهب الإسلامية تتفق تقريباً على قضية المصلح القائم بأمر اللـه - آخر الدهر - وانه ينتمي إلى رسول اللـه (ص) ، وانه ابن فاطمة ، وقد طفحت كتبهم بأحاديث بلغت التواتر في اثبات ذلك . كما انه قد ألف كثير منهم كتباً تبحث عن الموضوع بصورة مسهبة - نعم لا ننكر ان عدة منهم كثيرة شذت عنهم - وقالت : حيث كانت الأحاديث تحتوي على بعض الغرائب فانها لم تقبل التصديق ، ولكن الاحاديث التي تتضمن قضية المهدي ليست أكثر غرابة مما تضمنت أخبار الأمم السابقة ، والمعاجز التي رافقت حياتهم ، والآيات التي ظهرت على أيديهم .



وهناك نقطة اختلفت المذاهب الإسلامية فيها ولابد من مناقشتها في هذا المجال ، وهي :



هل ان الإمام المهدي ( عجل اللـه فرجه ) حيّ فعلاً أم انه سيولد بعدئذ ؟ قبل ان نذهب بعيداً في البحث يجب ان نذكر : انه لم يمتنع أي المذاهب الإسلامية عن الإعتراف بوجود الإمام المهدي ( عجل اللـه فرجه ) ، وتأويل النصوص التي وردت بشأن ذلك إلاّ بسبب واحد هو : استغراب وجوده حياً منذ سنة 255 هـ إلى سنة 1405 هـ ، وقد سبقت مناقشة ذلك في ضوء التجارب الحديثة والمعتقدات الدينية ، فلم يبق هناك ما يدعوهم إلى الانكار إلاّ انهم قد يقولون ما هو الدليل القاطع على ذلك ؟



الجواب :



ان هناك أدلة كثيرة على حياة الإمام المهدي ( عجل اللـه فرجه ) وفيما يلي بيان بعضها :



أ - قاربت أحاديث النبي (ص) الواردة بشأن الأئمة الاثنا عشر - حد التواتر - وأجمعت الأمة على صحتها وثقة رواتها ، ونذكر فيما يلي بعضاً منها :



(1) عن جابر بن سمرة قال : سمعت النبي (ص) يقول :



يكــــون من بعدي إثنا عشر أميراً ... . فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : انه قال : كلهم من قريــــش [15] .



(2) قال رسول اللـه (صلى اللـه عليه وآله ) :



يكـــــــون من بعدي إثنا عشر أميراً ... . ثم تكلم بشئ لم أفهمه فسألت الذي يليني ، فقال : قــــال : .. كلهم من قريش .



قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح [16] .



(3) قال : دخلت مع أبي على النبي (ص) فسمعته يقول :



إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة .. .



قال : وتكلم بكلام خفي عليّ . فقلت لأبي : ما قال ؟ قال : .. كلهم من قريش [17] .



(4) قال سمعت رسول اللـه (ص) يقول :



لا يزال هذا الدين عزيزاً إلى اثني عشر خليفة - فكبر الناس وضجوا - ... .



/ 3