موسوعة طبقات الفقهاء جلد 1

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

موسوعة طبقات الفقهاء - جلد 1

الجنه العلمیه فی موسسه الامام الصادق؛ ناظر: جعفر السبحانی التبریزی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید





موسوعة

طبقات الفقهاء

( 2 )


أشرف على تأليف هذه الموسوعة اشرافاً عاماً :

سماحة العلاّمة المحقق الشيخ جعفر السبحاني (دام ظله)

اللجنة العلمية الّتي ساهمت في تأليف هذه الموسوعة:

السيد محمد حسين المدرسي اليزدي.

والسيد محمد كاظم المدرسي اليزدي.

والسيد محمد كاظم حكيم زاده.

والاستاذ حيدر محمد البغدادي.

والسيد أحمد الفاضلي.

والشيخ يحيى الصادقي.

والشيخ قاسم شيرزاده.

والشيخ محمد الشويلي.

( 3 )


القسم الاَوّل

في

أصحاب الفتيا من الصحابة

وهم ثمانون

( 4 )


( 5 )


الاِمام الاَوّل

عليّ أمير الموَمنين (1) - عليه السّلام-

(10 قبل المبعث ـ 40 هـ)

ابن أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلـب بن هاشم، أميـر الموَمنيـن

*: المعيار والموازنة للاِسكافي، صحيح البخاري 5|22 ـ 24، باب مناقب علي - عليه السّلام- ، وقعة
صفين لنصر بن مزاحم، السيرة لابن هشـام 4|190و 1|376 ـ 379، صحيح مسلم4|1870 ـ
1875، باب فضائل علي - عليه السّلام- ، الغارات لاَبي إسحاق الكوفي 261، أنساب الاَشراف
للبلاذري 2|89، المعارف لابن قتيبة 117 ـ 127، تاريـخ اليعقـوبي 2|102 و 3|167 ـ 204،
سنن الترمــذي 5|632 ـ 643، خصائـص النسـائي، العقد الفريد انظر الفهارس، الكافي للكليني
1|292 و 452، مروج الذهب 3|93 ـ 180، خصائص الاَئمّة للسيد الرضي، الاِفصاح في إمامة
أمير الموَمنين - عليه السّلام- للمفيد، الاِرشاد للمفيد، الجمل للمفيد، المستدرك على الصحيحين
3|107 ـ 146، الفضائل لابن شاذان، النور المشتعل من كتاب ما نزل من القرآن في علي - عليه السّلام-
لاَبي نعيم الاصبهاني، حلية الاَولياء 1|61 ـ 87، التفضيل للكراجكي، شواهد التنزيل للحاكم
الحسكاني، تاريخ بغداد 1|133، الاستيعاب 3|26 ـ 68، مناقب آل أبي طالب لابن المغازلي،
مناقب آل أبي طالب للخوارزمي، أسنى المطالب للجوزي الشافعي، فرائد السمطين لابراهيم بن
محمد الجويني الجزء الاَوّل، اليقين في امرة أمير الموَمنين - عليه السّلام- للسيد ابن طاووس، أُسد
الغابة 4|16 ـ 41، ترجمة الاِمام علي في تاريخ دمشق لابن عساكر في ثلاثة أجزاء، شرح نهج
البلاغة لابن أبي الحديد 1|21 ـ 30، البداية والنهاية 7|333، الاصابــة 2|501 ـ 503، الفصول
المهمة 29 ـ 136، تاريخ الخلفاء للسيوطي 185 ـ 206، كنز العمال 13|104 ـ 197، بحار
الاَنوار ج35 ـ ج42، عوالم العلوم والمعارف والاَحوال 15|13، أعيان الشيعة 1|323 ـ 562،
ينابيع المودة للقندوزي الحنفي الجـزء الاَوّل، الغديـر 1|14 ـ 151، الصواعق المحرقة 115 و
135، الاِمام علي صوت العدالة الانسانية لجورج جرداق، المرتضى للندوي ـ سيرة أمير الموَمنين
علي بن أبي طالب - عليه السّلام- ـ ، علي بن أبي طالب بقية النبوة وخاتم الخلافة لعبد الكريم
الخطيب، علي وبنوه لطه حسين.

( 6 )


أبو الحسن القرشي الهاشمي، أخو رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - ، ووصيّه، ووارث
علمه، وصهره على ابنته فاطمة سيدة نساء العالمين، وأبو السبطين.

ولد في الكعبة المشرّفة في الثالث عشر من رجب قبل المبعث بعشر سنين،
واختاره النبي - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - ـ حين أصابت قريشاً أزمة وعلي في مطلع صباه ـ من
بين أولاد أبي طالب، واتّخذه ولداً، فترعرع في كنفه، ولازمه طول حياته حتى في
تلك الاَيام التي كان النبي - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - يعتكف فيها في غار حراء، فتخلّق
بأخلاقه، واقتدى به في أقواله وأفعاله، ونهل من نمير علمه.

قال علي - عليه السّلام- : وقد علمتم موضعي من رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم -
بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا وليد، يضمني إلى
صدره ويكنفني في فراشه، ويمسني جسده، ويشمّني عَرفه ...، ولقد كنت اتّبعه
اتباع الفصيل أثر أُمّه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً، ويأمرني بالاقتداء به،
ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد
يومئذ في الاِسلام غير رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - وخديجة وأنا ثالثهما أرى نور
الوحي والرسالة، وأشمّ ريح النبوة.

ولما بُعث النبي - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - كان عليّ أوّل من أسلم، وكان قبل ذلك قد
كرم اللّه وجهه من السجود لصنم، وله - عليه السّلام- مواقف خالدة في الذبِّ عن رسول
اللّه - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - ونصرته، ففي حصار الشِّعب كان أبوه أبو طالب سيد البطحاء
ينيمه في فراش رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - ، فينام مواجهاً للخطر ، طيّبة بذلك
نفسه، ولما هاجر رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - إلى المدينة أمر علياً - عليه السّلام- أن ينام
في فراشه، وأوصاه بأداء أماناته، ففعل ذلك.

وكان - عليه السّلام- قطب الرحى في كل معارك الاِسلام: بدرٍ وأحد والخندق
وخيبر وسائر المشاهد التي أبلى بها البلاء العظيم، وقام فيها المقام المحمود، حتى
استقر الدين وضرب بجرانه الاَرض.

قال ابن أبي الحديد: ومقاماته في الحروب مشهورة تضرب بها الاَمثال إلى

( 7 )


يوم القيامة، فهو الشجاع الذي ما فرّ في موقف قطّ، ولا ارتاع من كتيبة، ولا بارز
أحداً إلاّ قتله، ولا ضرب ضربة واحتاج إلى الثانية، فكانت ضرباته وترا.

وقد نزلت في أمير الموَمنين - عليه السّلام- خاصة، وفي أهل البيت عامّة، آيات
كثيرة تحدثت عن فضلهم ومقامهم وقدسيتهم.

فمن الآيات التي نزلت في أهل البيت: آية التطهير، وآية المباهلة، وآية
المودة (1)، وغيرها.

وأمّا الآيات النازلة في علي - عليه السّلام- ، فهي كثيرة، بلغت في قول ابن عباس
ثلاثمائة آية (2).

أخرج مسلم بسنده عن عائشة، قالت: خرج النبي - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - غداة،
وعليه مرط مرجّل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين
فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: "إنّما يُريدُ
اللّه ليُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهلَ البيتِ وَيُطَّهِّرَكُمْ تَطْهِيراً" (3)(4)

وروى الموَرّخون والمفسرون والمحدّثون حادثة (المباهلة) وهي: أنّ وفداً
من نصارى نجران جاء ليحاجج رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - ويحاوره، فأنزل اللّه
سبحانه: "فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبناءَنَا

1 . عدّ ابن حجر في الصواعق المحرقة هذه الآيات من جملة الآيات الواردة في أهل البيت - عليهم السلام - .

2 . عن ابن عباس قال: نزلت في علي ثلاثمائة آية، وعنه قال: ما نزل في أحد من كتاب اللّه ما نزل
في عليّ. مختصر تاريخ دمشق: 18|11.

3. الاَحزاب: 33.

4. صحيح مسلم (2424) في فضائل الصحابة، باب فضائل أهل البيت. وهذا الحديث المعروف
بحديث الكساء، رُوي في كل من: مسند أحمد: 6|298 و 304، الترمذي: (3205) و (3787)،
والمستدرك على الصحيحين: 3|147 وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، سير أعلام النبلاء:
3|254.

( 8 )


وأبناءَكُمْ وَنِسَاءَنا ونِسَاءَكُمْ وَأنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّه على
الكاذِبينَ" (1)" وأمر النبي - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - أن يدعو علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً
ويخرج بهم إلى الوادي، وأن يدعو النصارى أبناءهم ونساءهم ويخرجوا معهم ثم
يدعوا اللّه بأن ينزل العذاب على الكاذبين.

أخرج مسلم عن سعد بن أبي وقاص، قال: لما نزلت هذه الآية "ندع أبناءنا
وأبناءكم" دعا رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - علياً، وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال:
اللهم هوَلاء أهلي (2)

ووردت في شأن الاِمام علي - عليه السّلام- طائفة من الاَحاديث التي أبرزت
مكانته ومنزلته الخاصة عند اللّه وعند رسوله، ودعت الا َُمّة إلى حبّه وولائه،
والرجوع إليه والاَخذ عنه، واتّباع سَننه ومنهاجه.

فمن هذه الاَحاديث:

قال رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - لعلي - عليه السّلام- : أنت أخي في الدنيا والآخرة(3)

وقال - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - يوم خلّفه على المدينة في غزوة تبوك: أما ترضى أن
تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبيّ بعدي (4)

وقال - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - يوم خيبر: لاَعطين الراية غداً رجلاً يفتح اللّه على يديه

1. آل عمران: 61.

2. مسلم: 7|119 (باب فضائل علي)، مختصر تاريخ دمشق: 17|300، تاريخ الخلفاء للسيوطي:
200.

3. أسد الغابة: 4|16، تاريخ الخلفاء: 201، قال: أخرجه الترمذي.

4. ابن سعد 3|24، والبخاري: 5|19 (باب مناقب علي بن أبي طالب)، ومسلم: 7|119 (باب
فضائل علي)، وخصائص النسائي: 4، ومختصر تاريخ دمشق: 17|344 و 347. قال السيوطي:
وأخرجه أحمد والبزار من حديث أبي سعيد الخدري، والطبراني من حديث أسماء بنت قيس،
وأُم سلمة، وحبشي بن جنادة، وابن عمر، وابن عباس، وجابر بن سمرة، والبراء بن عازب، وزيد
بن أرقم. تاريخ الخلفاء: 200.

( 9 )


يحب اللّه ورسوله، ويحبه اللّه ورسوله، ثم دعا باللواء فدعا علياً وهو يشتكي
عينيه فمسحهما ثم دفع إليه اللواء ففتح (1)

وقال - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - : عليّ مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي (2)

وقال - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - لعلي: إنّه لا يحبّك إلاّ موَمن ولا يبغضك إلاّ منافق (3)

وقال - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - : أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأته من
بابه (4).

روى عليّ - عليه السّلام- عن النبي كثيراً.

روى عنه: ابناه الحسن والحسين «عليهما السلام» ، والاَحنف بن قيس
التميمي، والبراء ابن عازب الاَنصاري، وجابر بن عبد اللّه الاَنصاري، وجابر بن
سَمُرة، وجارية بن قدامة السعدي، وأبو ساسان الحضين بن المنذر الرَّقاشي،
وحنش بن عبد اللّه الصنعاني، وحبّة بن جوين العُرَني، وزِرّ بن حُبيش الاَسدي،
وزيد بن أرقم الاَنصاري، ومالك بن الحارث الاَشتر النخعي، وعبد اللّه بن
مسعود، وابنه محمد ابن الحنفية، وعبد اللّه بن عباس، وعبد اللّه بن جعفر الطيار،
وعبد الرحمان بن أبزى الخزاعي، والاَصبغ بن نباتة الحنظلي، وأبو الاَسود الدوَلي،
وسعيد بن المسيب، وأبو هريرة، وصعصعة بن صوحان العبدي، وأبو سعيد
الخدري، ومُطرِّف بن عبد اللّه ابن الشِّخّير، وأبو ليلى الاَنصاري، وطائفة من
الصحابة والتابعين.

1. البخاري: 5|18، ومسلم: 7|19 (باب فضائل علي)، وخصائص النسائي: 4، وأُسد الغابة: 4|21،
ومختصر تاريخ دمشق: 17|325.

2. مختصر تاريخ دمشق: 17|348.

3. مسند أحمد: 1|95، 138، تاريخ بغداد: 14|426، وروى مسلم عن علي - عليه السّلام- قال: والذي
فلق الحبة، وبرأ النسمة إنّه لعهد النبي الاَمي إليّ أنّه لا يحبني إلاّ موَمن ولا يبغضني إلاّ منافق.
تاريخ الخلفاء: 201، ورواه الخطيب البغدادي في تاريخه: 2|255، وأحمد في مسنده: 1|84.

4. الاستيعاب لابن عبد البرّ: ترجمة علي بن أبي طالب، والاستيعاب: 3|38 هامش الاصابة، و أُسد
الغابة: 4|22.

( 10 )


وكان أعلم الناس بعد رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - (1)في الحديث والفقه
والتفسير والكلام وغيرها، أغدق عليه رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - من بحر عطائه،
وأفاض عليه من علوم النبوة وأسرارها، ما جعله باب مدينة علم الرسول - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - .

وكان مرجعاً لجميع الصحابة، ولم يرجع إلى أحد قط، وكان الخلفاء
يستشيرونه، ويرجعون إليه في مشكلات الحكم والقضاء، فيرشدهم - عليه السّلام-
ويهديهم إلى الحل، حتى اشتهر عن عمر بن الخطاب أنّه كان يتعوّذ من معضلة
ليس لها أبو حسن (2)، ولم يقل أحد سلوني قبل أن تفقدوني غير علي (3) - عليه السّلام- .

قال ابن أبي الحديد: أشرف العلوم العلم الاِلهي (يعني: علم التوحيد) لاَنّ
شرف العلم بشرف المعلوم أشرف الموجودات، ومن كلامه اقتُبس وعنه نُقل
ومنه ابتدأ ... وبعده علم الفقه وهو - عليه السّلام- أصله وأساسه وكل فقيه في الاِسلام فهو
عيال عليه ومستفيد من فقهه ... فقد عرف بهذا الوجه أيضاً انتهاء الفقه إليه، وقد
روى العامة والخاصة قوله - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - : «أقضاكم عليّ» (4) والقضاء هو الفقه فهو
إذاً أفقههم، وروى الكل انّه - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - قال له وقد بعثه إلى اليمن قاضياً: «اللهم
اهد قلبه وثبّت لسانه»، قال: فما شككت في قضاء بين اثنين. وأضاف ابن

1. قيل لعطاء بن أبي رباح: أكان في أصحاب محمّد - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - أعلم من علي؟ قال: لا واللّه
لا أعلم. أُسد الغابة: 4|22. وقالت عائشة: علي أعلم الناس بالسنّة. وقال ابن مسعود: أفرض أهل
المدينة وأقضاها علي بن أبي طالب. مختصر تاريخ دمشق: 18|25، 26.

2. قال سعيد بن المسيب: كان عمر يتعوذ من معضلة ليس لها أبو حسن، أُسد الغابة: 4|22 ـ 23،
وتهذيب الكمال: 20|485.

3. قال سعيد بن المسيب: ما كان أحد من الناس يقول سلوني غير علي بن أبي طالب. أُسد الغابة:
4|22.

4. قال - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - في أصحابه: أقضاهم علي بن أبي طالب. وقال عمر: علي أقضانا.
الاستيعاب: 3|38، 39 هامش الاصابة .

( 11 )


أبي الحديد: وعلم تفسير القرآن عنه أخذ ومنه فرع وإذا رجعت إلى كتب التفسير
علمت صحة ذلك، لاَنّ أكثره عنه وعن عبد اللّه بن عباس ، وقد علم الناس حال
ابن عباس في ملازمته له وانقطاعه إليه وأنّه تلميذه وخريجه وقيل له أين علمك
من علم ابن عمك؟ قال: كنسبة قطرة من المطر إلى البحر المحيط. قال: وعلم
النحو والعربية وقد علم الناس كافة أنّه هو الذي ابتدعه وأنشأه، وأملى على أبي
الاَسود الدوَلي جوامعه وأصوله ....

وكان أمير الموَمنين - عليه السّلام- إمام الفصحاءوسيد البلغاء، وما أُثر عنه وجُمع
من كلامه كنهج البلاغة، أدلّ دليل على ذلك.

أما فضائله ومناقبه فهي أكثر من أن تُحصى، (وقد بلغت من العظم والجلال
والانتشار والاشتهار مبلغاً يسمج معها التعرّض لذكرها والتصدي لتفصيلها) (1)

جُمعت في صفاتك الاَضـدادُ * فلهذا عَزَّتْ لك الاَندادُ

زاهد حاكم حليم شجاع * ناسك فاتك فقير جواد

شيم ما جُمعن في بشر قطّ * ولا حاز مثلهن العباد

خُلُق يُخجل النسيم من اللطف * وبأس يذوب منه الجمادُ

لو رأى مثلك النبي لآخـا * هُ وإلاّ فأخطأ الانتقادُ (2)

رُوي أنّ النبي - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - لما قضى نسكه في حجة الوداع سنة عشر من
الهجرة، وقفل راجعاً إلى المدينة أنزل اللّه تعالى عليه: "يا أَيُّها الرَّسُولُ بَلِّغ ما أُنْزِلَ
إليَكَ مِن رَبِّكَ وإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رسالَتَهُ واللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ" (3)فنزل

1. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: 1|16.

2. للشاعر صفي الدين الحلي عبد العزيز بن سرايا (المتوفى 750 هـ). أعيان الشيعة: 8|22.

3. المائدة: 67.

( 12 )


رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - في الموضع المعروف بغدير خم ونزل المسلمون
حوله، وكان يوماً قائظاً شديد الحرّ، فنادى في الصلاة جامعة، ثم قام فخطب
الناس، ثم قال: ألستُ أولى بكم من أنفسكم، قالوا: اللّهمّ بلى، قال: فمن كنت مولاه
فهذا علي مولاه، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من
خذله (1).

وما أن توفي رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - في سنة إحدى عشرة، واشتغل علي
- عليه السّلام- وأهل البيت بتجهيزه، حتى عقدت الاَنصار وبعض المهاجرين

1. أخرج حديث الغدير جمع كبير من الحفّاظ والمحدّثين، وذكره الموَرخون والمفسرون في كتبهم
وأفرده بالتأليف آخرون، واتفق الفريقان على صحته وتواتره، وشهد به ستة عشر صحابياً، وفي
رواية لاَحمد ابن حنبل ثلاثون صحابياً في زمن خلافة علي - عليه السّلام- ، ومع كل هذا يقول الدكتور
بشار عواد معروف محقق «تهذيب الكمال» في معرض تعليقه على هذا الحديث (ج 20|484):
ليس في كل طرق هذا الحديث طريق صحيح، وقد تقدم أنّه لم يكن هذا الحديث معروفاً حتى
نعق به ناعق من خراسان. أقول: لقد خرج هذا الدكتور أكثر من مرّة عن نطاق التحقيق العلمي
النزيه، وجرّه الهوى البغيض إلى إنكار الاَحاديث الصحيحة في مناقب علي - عليه السّلام- ، فهو مع
اعترافه ـ في قوله الآنف ـ بصحة بعض طرق حديث الغدير، يردّد وبدون وعي مقولة الجاهل
الحاقد.

إنّ حديث الغدير قد روي بطرق كثيرة جداً، وليس هو منحصراً في طريق واحد حتى يقال إنّه لم يكن
معروفاً حتى نعق به ناعق من خراسان (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلاّ كذباً)
(الكهف:5) قال ابن حجر في «الصواعق المحرقة» ص 42، الشبهة الحادية عشرة: (انّه حديث
صحيح لامرية فيه، وقد أخرجه جماعة كالترمذي والنسائي وأحمد، فطرقه كثيرة جداً، ومن ثم
رواه ستة عشر صحابياً، وفي رواية لاَحمد أنّه سمعه من النبي - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - ثلاثون صحابياً،
وشهدوا به لعلي لما نوزع أيام خلافته كما مر وسيأتي، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان، ولا
التفات لمن قدح في صحته). وألف الطبري (ت 310 هـ) كتاباً سماه «الولاية في طريق حديث
الغدير» رواه فيه من نيف وسبعين طريقـاً. قال ابن كثير في «البدايـة والنهايـة»: 11|157: وقـد
رأيـت له ـ يعني للطبري ـ كتاباً جمع فيه أحاديث غدير خمّ في مجلدين ضخمين . وقال الذهبي
في «سير أعلام النبلاء»: 14|277: جمع ـ الطبري ـ طرق حديث غدير خمّ، في أربعة أجزاء، رأيت
شطره، فبهرني سعة رواياته، وجزمت بوقوع ذلك. انظر حديث الغدير في: مسند أحمد: 4|370،
281، وسنن ابن ماجة: 1|43 باب (11) المقدمة، وتاريخ بغداد: 14|236، والحاكم: 3|533
وصححه ووافقه الذهبي، ومجمع الزوائد: 9|104، والاستيعاب: 3|36 هامش الاصابة.

( 13 )


اجتماعاً في سقيفة بني ساعدة، وبعد مناقشات حادّة، بادر عمر إلى بيعة أبي بكر
بالخلافة، وطلب من الحاضرين مثل ذلك، فتمّ الاَمر لاَبي بكر.

أمّا عليّ - عليه السّلام- (ومعه بنو هاشم وعدد من كبار المهاجرين) فقد ظل
متمسكاً بحقه في الخلافة للنصوص الواردة في ذلك عن النبي - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم -
كحديث الغدير المار الذكر وغيره، وأمسك يده مدّة، حتى نجمت أحداث هدّدت
الاِسلام والا َُمّة، فبايع.

قال - عليه السّلام- : فامسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن
الاِسلام يدعون إلى محق دين محمّد - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - فخشيت إن لم أنصر الاِسلام
وأهله، أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم التي
إنّما هي متاع أيام قلائل .

ولما قُتل عثمان بن عفان في سنة خمس وثلاثين بويع علي - عليه السّلام-
بالخلافة، ثم نكث طلحة والزبير البيعة وسارا ومعهما عائشة إلى البصرة، فكانت
معركة الجمل، وتلتها معركة صفين مع معاوية بن أبي سفيان ومعه أهل الشام،
والتي انتهت بخدعة رفع المصاحف واضطرار الاِمام - عليه السّلام- إلى التحكيم، ثم
معركة النهروان مع الخوارج.

وبهذه المعارك الثلاث التي خاضها أمير الموَمنين - عليه السّلام- يتحقق إخبار
الرسول - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - لعلي - عليه السّلام- بقتالهم، فعن علي بن ربيعة، قال: سمعت
علياً على منبركم هذا يقول: عهد إليّ رسول اللّه أن أقاتل الناكثين، والقاسطين،
والمارقين (1).

وعن أبي سعيد الخدري، قال: أمرنا رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - بقتال الناكثين
والقاسطين والمارقين، فقلنا: يا رسول اللّه أمرتنا بقتال هوَلاء فمع من؟ فقال: مع
علي بن أبي طالب، معه يقتل عمار بن ياسر (2)

1. أُسد الغابة: 4|33، ومختصر تاريخ دمشق: 18|54 و 55.

2. أُسد الغابة: 4|33، ومختصر تاريخ دمشق: 18|54 و 55.

( 14 )


استشهد أمير الموَمنين - عليه السّلام- ليلة الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة
أربعين من الهجرة، وكان عبد الرحمان بن ملجم قد ضربه بسيفه، وهو في مسجد
الكوفة ليلة التاسع عشر من الشهر نفسه.

فمضى - عليه السّلام- (شهيد الحق والعظمة والعدالة، تاركاً وراءه أروع الاَمثلة من
البطولات والتضحيات والاستخفاف بالدنيا وأمتعتها وعشاقها، وقضى وهو
يخاطب الدنيا و خيراتها التي كانت تحت قدميه: يا دنيا غرّي غيري فلقد طلقتك
ثلاثاً، لا وصية لي فيك) (1)

وقد أُلفت في خصائص الاِمام علي - عليه السّلام- وفضائله كُتب كثيرة، وتناول
سيرته العطرة العلماء والفضلاء، وأشاد بذكره الباحثون والكتّاب المسلمون وغير
المسلمين، وجمعٌ من المستشرقين.

قال الباحث الفرنسي البارون «كارّا ديفو»: وعليّ هو ذلك البطل الموجَع
المتألم والفارس الصوفي والاِمام الشهيد ذو الروح العميقة التي يكمن في مطاويها
سرّ العذاب الاِلهي (2)

وقال الفيلسوف الاِنكليزي «كارليل»: أما علي، فلا يسعنا إلاّ أن نحبه
ونتعشقه فإنّه فتى شريف القدر، عالي النفس، يفيض وجدانه رحمة وبرّاً، ويتلظى
فوَاده نجدة وحماسة، وكان أشجع من ليث، ولكنها شجاعة ممزوجة برقة وعطف
ورأفة وحنان جدير بها فرسان الصليب في القرون الوسطى، وقد قُتل بالكوفة
غيلة، وإنّما جنى ذلك على نفسه بشدة عدله حتى إنّه حسب كل إنسان عادلاً
مثله(3).

وقال الاَديب والكاتب الكبير جورج جرداق: هل عرفت من الخلق عظيماً،

1. هاشم معروف الحسني، سيرة الاَئمة الاثني عشر: القسم الاَوّل|506.

2. جورج جرداق، الاِمام علي صوت العدالة الاِنسانية: 5|233.

3. المصدر نفسه: 5|235 ـ 236.

( 15 )


يلتقي مع المفكرين بسموّ فكرهم ومع الخيّرين بحبهم العميق للخير، ومع
العلماء بعلمهم، ومع الباحثين بتنقيبهم، ومع ذوي المودة بموداتهم، ومع الزهاد
بزهدهم، ومع المصلحين بإصلاحهم، ومع المتألمين بآلامهم، ومع المظلومين
بمشاعرهم وتمرّدهم، ومع الاَدباء، بأدبهم، ومع الاَبطال ببطولاتهم، ومع الشهداء
بشهادتهم، ومع كل انسانية بما يشرّفها ويرفع من شأنها ....

وماذا عليك يا دنيا لو حشّدت قواك فأعطيت في كل زمن علياً بعقله وقلبه
ولسانه وذي فقاره (1)

1. المصدر السابق: 1|47.

( 16 )


سيدة نساء العالمين

فاطمة الزهراء - عليها السلام - (1)

(5 بعد المبعث ـ 11 هـ)

بنت رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - ، تكنى أُمَّ أبيها، وتلقّب بالزهراء، وبالبتول،
وبالصدّيقة الكبرى، وأُمّها خديجة بنت خويلد.

ولدت بمكة المكرمة بعد مبعث النبي - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - بخمس سنين ـ وهو
المشهور بين علماء الشيعة ـ وقيل بسنتين، وقيل بسنة واحدة، وأكثر علماء أهل
السنّة تروي أنّها ولدت قبل البعثة بخمس سنين. لكن أهل البيت أدرى بما فيه.

*: الطبقات الكبرى لابن سعد 8|19، رجال البرقي 61، صحيح مسلم 4|11902 ـ 11906 (كتاب
فضائل الصحابة باب فضائل فاطمة (عليها السّلام) )، تاريخ الخلفاء الراشدين لابن قتيبة 1|12،
المعارف 84، سنن الترمذي 5|663 برقم 3787 و 698 ـ 701، الكافي 1|458 (باب مولد
الزهراء (عليها السّلام) )، الاِرشاد 187، المستدرك للحاكم 3|146 ـ 164، حلية الاَولياء 2|39، مسند
أحمد 6|282، إعلام الورى بأعلام الهدى 147، المناقب للخوازرمي 3|341، تهذيب الكمال
35|247 برقم 7899، أُسد الغابة في معرفة الصحابة 5|519، تذكرة الخواص لسبط بن الحوزي
275، كشف الغمة في معرفة الاَئمّة 2|74، تاريخ الاِسلام (عهد الخلفاء الراشدين) 43، سير
أعلام النبلاء 2|118 برقم 18، تهذيب التهذيب 12|440، الاِصابة في معرفة الصحابة 4|365،
كنز العمال 13|674 ـ 687، بحار الاَنوار الجزء 43، عوالم العلوم للبحراني جزء (فاطمة الزهراء
«عليها السّلام» )، أعيان الشيعة 1|306، ينابيع المودة 1|299، 205، 309، موسوعة حياة الصحابيات
620، ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى 47، سيرة الاَئمّة الاثني عشر 1|69.

( 17 )


وكانت ولادتها في يوم الجمعة في العشرين من جمادى الآخرة.

نشأت في بيت النبوة، ونعمت بعطف وحنان والديها الكريمين ورضعت
حب الاِيمان، ومكارم الاَخلاق، ولم تلبث ـ وهي صغيرة ـ أن فقدت أُمّها وعمّ أبيها
المحامي أبا طالب في عام واحد، فانصرفت ترعى أباها، وتتولى خدمته، وتشاركه
همومه في حمل الرسالة، وتميط عنه الاَذى الذي يلحقه من سفهاء قريش، ولفرط
حنانها عليه وحبِّها له كناها: (أُمّ أبيها).

وكانت هي إحدى الفواطم التي هاجر بهن عليّ - عليه السّلام- من مكة إلى المدينة
بعد هجرة رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - إليها، وتقدّم لخطبتها عدّة من الرجال فردّهم
رسول اللّه ردّاً جميلاً، قائلاً لهم: انتظر بها القضاء (1) ثم زوّجها من عليّ - عليه السّلام- ،
وذلك في شهر رجب من السنة الثانية للهجرة.

قالت الدكتورة بنت الشاطىَ: لقد آثر اللّه الزهراء بالنعمة الكبرى، فحصر في
ولدها ذرية نبيّه المصطفى، وحفظ بها أشرف سلالة عرفتها البشرية منذ كانت، كما
كرّم اللّه علياً فجعل من صلبه نسل خاتم الاَنبياء، فكان له من هذا الشرف مجد
الدهر وعزة الاَبد(2)

وقد ورد في فضل فاطمة «عليها السّلام» ، أحاديث كثيرة تعرب عن عظيم منزلتها،
وسموّ مقامها، منها:

عن المسور بن مخرمة أنّ رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - قال: فاطمة بضعة مني،

1. روى ابن سعد أنّ أبا بكر خطب فاطمة إلى النبي - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - فقال: يا أبا بكر انتظر بها
القضاء ... ثم إنّ أبا بكر قال لعمر: اخطب فاطمة إلى النبي - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - . فخطبها فقال له مثل
ما قال لاَبي بكر: انتظر بها القضاء. الطبقات الكبرى: 8|19.

2. سيرة الاَئمّة الاثني عشر: 1|97 نقلاً عن تراجم سيدات بيت النبوة لبنت الشاطىَ.

( 18 )


فمن أغضبها أغضبني (1)

وعن حذيفة أنّه سمع النبي - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - يقول: هذا ملك لم ينزل قبل
هذه الليلة استأذن ربَّه أن يسلِّم عليَّ، ويبشّـرني بأنّ فاطمة سيدة نساء أهل الجنّة،
وأنّ الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة (2)

وعن عائشة أنّ النبي - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - قال وهو في مرضه الذي توفي فيه: يا
فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين، وسيدة نساء هذه الا َُمّة، وسيدة
نساء الموَمنين (3)

وعن أبي هريرة، قال: نظر النبي - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - إلى علي وفاطمة والحسن
والحسين، فقال: أنا حرب لمن حاربكم، سلم لمن سالمكم (4)

وقد مرّ في ترجمة الاِمام علي - عليه السّلام- أنّها «عليها السّلام» من أهل البيت الذين
أذهب اللّه عنهم الرجس وطهرّهم تطهيراً، وأنّها أحد من أخرجهم النبي (صلّى اللّه عليه
وآله وسلّم) ليباهل بهم نصارى نجران.

وكانت الزهراء «عليها السّلام» من أحبّ الناس إلى رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - .
وكان يقوم لها إن دخلت عليه ويهشّ لها ويرحِّب بها، وكان إذا أراد السَّفر كان آخر
عهده بفاطمة، وإذا رجع كان أوّل عهده بها.

روي عن عبد اللّه بن بريدة عن أبيه، قال: كان أحب النساء إلى رسول اللّه

1. البخاري: 5|21 باب مناقب قرابة رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - ومنقبة فاطمة «عليها السّلام» .

2. مسند أحمد: 5|391، والمستدرك على الصحيحين: 3|151 وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي،
وسير أعلام النبلاء: 3|252.

3. المستدرك على الصحيحين: 3|156 صححه الحاكم، ووافقه الذهبي.

4. مسند أحمد : 2|442، المستدرك على الصحيحين: 3|149 وحسّنه الحاكم، ووافقه الذهبي،
وتاريخ بغداد: 7|137، وسير أعلام النبلاء: 3|257 ـ 258.

( 19 )


فاطمة ومن الرجال عليّ (1)

وعن عائشة قالت: ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً وحديثاً برسول اللّه (صلّى اللّه
عليه وآله وسلّم) من فاطمة، وكان إذا دخلت عليه قام إليها فقبّلها، ورحّب بها، وكذلك
كانت هي تصنع به (2)

روت الزهراء عن أبيها رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - .

روى عنها: ابناها: الحسن والحسين «عليهما السلام» ، وأُمّ سلمة، وعائشة،
وسلمى أُمّ رافع زوج أبي رافع، وأنس بن مالك، وآخرون.

وقد عُرفت بصدق لهجتها، وعبادتها، وورعها، وحفظها للسرّ، لم تحفل
بزخارف الدنيا ومظاهرها، صابرة عند البلاء، شاكرة عند الرخاء.

قال الكاتب الكبير عباس العقاد: إنّ في كل دين صورة للاَنوثة المقدسة
يتخشع بتقديسها الموَمنون، كأنّما هي آية اللّه من ذكر وأُنثى، فإذا تقدّست في
المسيحية صورة مريم العذراء، ففي الاِسلام لا جرم أن تتقدّس صورة فاطمة
البتول (3).

وكانت الزهراء فصيحة، بليغة، عالمة بالكتاب والسنّة.

وكانت النسوة يقبلن على بيتها، فتفيض عليهن من علمها.

روي أنّ امرأة جاءت تسأل فاطمة مسائل فأجابتها فاطمة عن سوَالها الاَوّل،
وظلت المرأة تسألها حتى بلغت أسألتها العشرة، ثم خجلت من الكثرة، فقالت: لا

1. المستدرك على الصحيحين: 3|155 وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.

2. أبو داود (5217) في الاَدب، والترمذي (3871) في المناقب، والمستدرك على الصحيحين:
3|154 وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

3. عن سيرة الاَئمّة الاثني عشر: 1|151.

( 20 )


أشق عليك يا ابنة رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - . فقالت فاطمة: هاتي وسلي عما بدا
لك، إنّي سمعت أبي يقول: إنّ علماء أُمّتنا يحشرون فيُخلع عليهم من الكرامات
على قدر كثرة علومهم وجدِّهم في إرشاد عباد اللّه (1)

ولما توفي رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - حزنت الزهراء «عليها السّلام» حزناً شديداً،
ولم تزل باكية العين محترقة القلب حتى توفيت «عليها السّلام» .

وكانت قد وقفت بعد وفاة رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - موقفاً حازماً من
الخلافة، ومن إرثها وحقّها في فدك، وخطبت في المسجد في جمع من
المهاجرين والاَنصار، وتحدثت عن فضائل علي - عليه السّلام- ، ومواقفه الخالدة في
الاِسلام، ونعت عليهم إسناد الاَمر إلى غيره.

وجرت بعد ذلك خطوب، ذكرها الموَرخون في كتبهم، عانت بسببها
الزهراء «عليها السّلام» أشد معاناة، ولزمت الفراش.

ولما أحست بدنو أجلها استدعت أمير الموَمنين فأوصته أن يواري جثمانها
في غسق الليل، وأن لا يحضر جنازتها أحد من الذين ظلموها.

وقد اختلف في مدة بقائها بعد رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - فقيل: ثلاثة أشهر،
وقيل خمسة وسبعون يوماً، وقيل غير ذلك.

قال البخاري: دفنها زوجها علي ليلاً، ولم يوَذن أبا بكر، وصلّى عليها.

ووقف علي - عليه السّلام- على قبرها، وقال: السلام عليك يا رسول اللّه عني
وعن ابنتك النازلة في جوارك والسريعة اللّحاق بك، قلّ يا رسول اللّه عن
صفيّتك صبري، ورقّ عنها تجلّدي، ألا وإنّ في التأسي بعظيم فرقتك وفادح
مصيبتك موضع تعزّ، فلقد وسّدتك في ملحودة قبرك، وفاضت بين نحري
وصدري نفسك، إنّا للّه وإنا إليه راجعون، لقد استرجعت الوديعة، وأخذت
الرهينة، أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهّد، إلى أن يختار لي اللّه دارك التي أنت
فيها مقيم.

1. المجالس السنية: 2|95 المجلس الرابع عشر.

( 21 )


الاِمام الثاني

الحسن المجتبى (1) - عليه السلام -

(3 ـ 50 هـ)

ابن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، أبو محمد القرشي
الهاشمي، المدني، ثاني أئمّة أهل البيت الطاهر، سبط الرسول الاَكرم - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - ، وريحانته، وسيد شباب أهل الجنّة.

*: الطبقات الكبرى لابن سعد 1|475 و 4|62، فضائل الصحابة لاَحمد بن حنبل 2|776 ـ 779،
مسند أحمد بن حنبل 1|199 و 5|44، التاريخ الكبير 2|286، صحيح البخاري 4|24 (باب
الصلح)، تاريخ المدينة المنورة لابن شبة النميري 1|107، سنن ابن ماجة 1|51، 52، الاِمامة
والسياسة 1|150، 159، 160، تاريخ اليعقوبي 2|213 ـ 215، و 225 ـ 228، تاريخ الطبري
4|121 ـ 124، العقد الفريد 2|67 و 3|155 و 4|264، الكافي 7|207، التنبيه والاَشراف 360،
مروج الذهب 3|19، مقاتل الطالبيين 29 ـ 50، تحف العقول 225 ـ 236، المستدرك للحاكم
3|168 ـ 176، الارشاد 191 ـ 199، رجال الطوسي 66، شواهد التنزيل لقواعد التفضيل 2|18 ـ
140، تاريخ بغداد 1|138 ـ 140، مختصر تاريخ دمشق 7|5 برقم 1، مناقب آل أبي طالب لابن
شهر آشوب 4|2 ـ 46، الكامل في التاريخ 3|402، 404، 406، 460، أُسد الغابة 2|9 ـ 15،
جامع الا َُصول من أحاديث الرسول - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - 10|19، تذكرة الخواص لسبط ابن
الجوزي 176 ـ 194، وفيات الاَعيان 2|65 ـ 69، كشف الغمة في معرفة الاَئمّة «عليهم
السلام» 2|136 ـ 211، ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى 118 ـ 143، تهذيب الكمال
6|220 ـ 275 برقم 1248، سير أعلام النبلاء 3|245 ـ 279، الوافي بالوفيات 12|107 ـ 110،
البداية والنهاية 8|34 ـ 46، و 16 ـ 20، الاصابة 1|327 ـ 330، تهذيب التهذيب 2|259 ـ
301، الفصول المهمة 151 ـ 166، تاريخ الخلفاء للسيوطي 71، بحار الاَنوار 43|237 و
44|173، فضائل الخمسة من الصحاح الستة 3|205، مشهد من حياة أئمّة الاِسلام 14 ـ 22،
بحوث في الملل والنحل 6|443.

( 22 )


ولد بالمدينة ليلة النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة، وجيء به
إلى النبي - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - فأذّن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، وعقّ عنه بكبش،
وسمّاه حسناً، وكنّاه أبا محمّد.

وكان شبيه جدّه - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - .

خصّه النبي - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - وأخاه الحسين بحبٍ وحنان غامر، ورويت في
حقِّه أحاديث كثيرة، منها:

قال - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - للحسن: اللّهم إنّي أُحبُّه، فأَحِبَّه وأحِبَّ من يُحبُّه (1)

وقال ـ في الحسن والحسين «عليهما السلام» ـ: هما ريحانتاي من الدنيا (2)

وقال: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة (3)

وقد مرّت في ترجمة أبيه علي، وأُمّه الزهراء «عليهما السلام» أحاديث
تضمّنت ذكر الحسن - عليه السّلام- .

روى الاِمام الحسن - عليه السّلام- عن: جدِّه المصطفى - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - ، وعن أبيه،
وأُمّه «عليهما السلام» .

روى عنه: ابنه الحسن بن الحسن، وسويد بن غَفَلة، وأبو الحوراء السعدي،
والشَّعبي، وأصبغ بن نباتة، والمسيّب بن نَجَبة، وجابر بن عبد اللّه الاَنصاري،
ومحمد بن سيرين، وجماعة.

وكان يجلس في مجلس رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - يحدّث فيه، ويجتمع
الناس حوله، وكان إذا تكلّم أخذ بمجامع قلوب سامعيه، وودّوا أن لا يسكت،
وكان معاوية يقول لمن يريد أن يخاصم الحسن - عليه السّلام- : لا تفعل فإنّهم قوم ألهموا
الكلام (4).

1. تهذيب تاريخ دمشق: 4|205، سير أعلام النبلاء: 3|250 وفيه : صححه الترمذي.

2. صحيح البخاري: 5|27 باب مناقب الحسن والحسين، سنن الترمذي (3770).

3. تاريخ بغداد: 11|90، وحلية الاَولياء: 5|71، وسير أعلام النبلاء: 3|251 وفيه : (صححه
الترمذي) وغيرها.

4. وفيات الاَعيان: 2|68.

( 23 )


وقد نُقلت عنه خطب وكلمات وحكم ووصايا ورسائل، وله احتجاجات
ومناظرات تدلّ على بعد نظره وثاقب فكره، وعمق وعيه للاَمور والقضايا.

وكان معتَمداً عند أبيه - عليه السّلام- ، حائزاً على محبّته وثقته، متفانياً في سبيل
قضيته (1)، وكان أمير الموَمنين - عليه السّلام- يحيل إليه بعض المسائل التي ترد عليه،
ويبتدره هو بالاَسئلة أحياناً، ليُظهرَ فضله وعلمه وعلوَّ مقامه (2) وكان يُرسله في
المهام الجليلة، فينجزها على أحسن وجه، فقد بعثه مراراً إلى عثمان بن عفان لما
اشتكى الناس إلى عليّ - عليه السّلام- أمره(3)، وبعثه إلى الكوفة، وبعث معه عمار بن ياسر،
فعزل أبا موسى الاَشعري الذي كان يثبّط الناس عن أمير الموَمنين في قتال
أصحاب الجمل، واستنفر الناس للجهاد، فنفروا، وجاء إلى أبيه بعشرة آلاف مقاتل.

وكان الاِمام الحسن - عليه السّلام- من أوسع الناس صدراً وأسجحهم خلقاً، زاهداً،
عابداً، عظيم الخشوع، وكان أحد الاَجواد المشهورين، حجّ خمساً وعشرين حجة
ماشياً، والنجائب تُقاد معه، وخرج من ماله مرتين، وقاسم اللّه تعالى مالَه ثلاث
مرات، وكان إذا توضأ ارتعدت فرائصه، واصفرّ لونه.

وكان شجاعاً، مقداماً، خاض مع أبيه حروب الجمل وصفين والنهروان،
واقتحم بنفسه الاَخطار، حتى قال أمير الموَمنين - عليه السّلام- ـ وقد رآه يتسرّع إلى
الحرب في بعض أيـام صفين ـ: أملكوا عني هذا الغلام لا يهدّني، فإني أنفس
بهذين ـ يعني الحسن والحسين «عليهما السلام» ـ على الموت، لئلاّ ينقطع نسل
رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - .

1. قال الاِمام علي - عليه السّلام- في وصيته للاِمام الحسن - عليه السّلام- : «ووجدتك بعضي، بل وجدتك
كلّـي، حتى كأنّ شيئاً لو أصابك أصابني).

2. جعفر مرتضى العاملي: الحيـاة السياسيـة للاِمام الحسـن - عليه السّلام- : 101 ـ 106، وتهذيب
الكمـال: 6|238 وفيه أسئلة علي - عليه السّلام- .

3. قال ابن عبد ربه: كان علي كلما اشتكى الناس عثمان أرسل ابنه الحسن إليه، فلما أكثر عليه قال له:
إنّ أباك يرى أنّ أحداً لا يعلم ما يعلم، ونحن أعلم بما نفعل،فكُفّ عنّا، فلم يبعث عليّ ابنه في
شيء بعد ذلك. العقد الفريد: 4|308 ما نقم الناس على عثمان.

( 24 )


ولما استشهد الاِمام علي - عليه السّلام- في شهر رمضان سنة أربعين للهجرة،
صعد الاِمام الحسن - عليه السّلام- المنبر، وخطب الناس، وتحدّث عن فضائل أبيه، ثم
قام ابن عباس بين يديه، فقال: معاشر الناس، هذا ابن نبيّكم، ووصيّ إمامكم،
فبايعوه، فاستجاب الناس، وبادروا إلى البيعة له بالخلافة، ثم نزل من المنبر، فرتّب
العمال وأمّر الاَمراء، وزاد المقاتلة مائة مائة، ثم كتب إلى معاوية بالشام يدعوه إلى
الدخول في البيعة، وترك البغي والشقاق، من أجل صلاح المسلمين، وحقن
دمائهم، فلم يُجب معاوية إلى ذلك، بل أصرّ على المجابهة، وقاد جيشاً عظيماً،
وقصد العراق، فلما بلغ ذلك الاِمام الحسن - عليه السّلام- ، حثّ الناس على الجهاد،
وسار بجيشه لملاقاة معاوية، ثم جرت أحداث بعد ذلك، لا يسع المجال ذكرها،
وآل الاَمر بالاِمام الحسن - عليه السّلام- إلى عقد الصلح مع معاوية اضطراراً، وقد بسط
العلماء والكتّاب البحث في تحليل أسباب الصلح وأهدافه، ونتائجه، فلتراجع في
مظانها.

ولكون هذا الصلح من القضايا المهمة في تاريخ المسلمين، وبسبب ما أُثير
حوله من شبهات من بعض المغرضين، يحسن بنا أن نُشير إلى ما ذكره ابن الاَثير
في الكامل، لعله يكشف جانباً من الواقع السيء الذي أكره الاِمام - عليه السّلام- على
قبول الصلح.

قال: لما راسل معاوية الحسن في تسليم الاَمر إليه، خطب فقال: إنّا واللّه ما
يثنينا عن أهل الشام شك ولا ندم، وإنّما كنا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر،
فشيبت السلامة بالعداوة والصبر بالجزع ... ألا إنّ معاوية دعانا لاَمر ليس فيه عز
ولا نصفة فإن أردتم الموت رددناه عليه وحاكمناه إلى اللّه عزّ وجلّ بضبى
السيوف، وإن أردتم الحياة قبلناه، وأخذنا لكم الرضى، فناداه الناس من كل جانب:
البقية البقية (1)

أقول: ومع هذه الروحية المهزومة، والرغبة عن الجهاد، والاِخلاد إلى الدنيا،

1. الكامل في التاريخ: 3|406 (سنة 41 هـ).

( 25 )


كيف يتأتى للقائد أن يقتحم بهم الميادين، ويخوض غمرات الجهاد.

ولما تم الصلح أقام الحسن - عليه السّلام- ، بالكوفة أياماً، ثم خرج إلى المدينة،
فأقام بها إلى أن توفي، وكانت مدة خلافته ستة أشهر وأياماً.

ومما أُثر عن الاِمام - عليه السّلام- من المواعظ والحكم:

قال ـ وقد دعا بنيه وبني أخيه ـ : يا بَنيّ وبني أخي، إنّكم صغار قوم ويوشك
أن تكونوا كبار آخرين، فتعلموا العلم، فمن لم يستطع منكم أن يرويَه أو يحفظه،
فليكتبه، ويجعله في بيته (1)

وقال: من اتكل على حسن اختيار اللّه له لم يتمنّ أنّه في غير الحالة التي
اختارها اللّه تعالى له (2)

وقال: مَن أدام الاختلاف إلى المسجد أصاب إحدى ثمان: آية محكمة،
وأخاً مستفاداً، وعلماً مستطرفاً، ورحمة منتظرة، وكلمة تدلّ على الهدى، أو تردّه
عن ردى، وترك الذنوب حياءً، وخشية (3)

توفّي - عليه السّلام- مسموماً سنة خمسين، وقيل: تسع وأربعين، وقيل غير ذلك،
ودفن بالبقيع.

قال ثعلبة بن أبي مالك: شهدنا حسن بن علي يوم مات ودفناه بالبقيع، فلقد
رأيت البقيع لو طرحت إبرة ما وقعت إلاّ على إنسان (4)

روي أنّ معاوية لما أراد البيعة لابنه يزيد، لم يكن شيء أثقل من أمر الحسن
ابن علي وسعد بن أبي وقاص، فدسّ إليهما سماً فماتا منه.

وكان الذي تولى ذلك من الحسن زوجته جعدة بنت الاَشعث بن قيس.

1. تهذيب تاريخ دمشق: 4|222.

2. تحف العقول: 236، مختصر تاريخ دمشق: 7|29.

3. تحف العقول: 238.

4. تهذيب الكمال: 6|256.



/ 27