• عدد المراجعات :
  • 1363
  • 11/25/2007
  • تاريخ :

إذا بلغ الصبي بعد الإحرام وصار مستطيعاً

الإحرام

مسألة 14 ـ قد تعرض بعض الأعاظم(قدس سره) في ضمن مسائل هذا الباب بمسألة ما لو بلغ بعد الإحرام وقبل الشروع في الأعمال وأنه هل يتم ذلك ندباً ، أو حين البلوغ ينقلب إلى حجة الإسلام فيعدل إليها ، أو يستأنف ويحرم ثانياً من الميقات ؟

وقال : « وإنما تعرضوا لحدوث الاستطاعة بعد الإحرام مع أن المسألتين من باب واحد » وقال : « وكيف كان فالاكتفاء بالإحرام الأول بدعوى انقلاب حجه إلى حجة الإسلام لا دليل عليه ، وأما إتمامه ندباً فلا وجه له ، إلا ما قيل من أن المحرم ليس له أن يحرم ثانياً، وهذا واضح الدفع فإن الإحرام الأول ينكشف فساده بالبلوغ المتأخر والاستطاعة الطارئة ، ولذا لو علم حال الإحرام بأنه يبلغ بعد يومين مثلا أو يستطيع بعدهما ليس له أن يحرم وهو صبي ، فلابد من إعادة الإحرام ويرجع إلى الميقات ويحرم إحرام حجة الإسلام ، وهكذا لو دخل في أفعال العمرة وأتمها ثم بلغ فإنه يجب عليه الرجوع إلى الميقات وإتيان العمرة ثانياً إذا وسع الوقت ، فإن البلوغ أو الاستطاعة يكشف عن بطلان ما أتى به من الإحرام أو العمرة ، فيشمله عمومات وجوب الحج من الآية والرواية » ، ( ـ معتمد العروة : 1/ 48 ).

أقول : هذا على مبنى من يقول بعدم إجزاء حج المميز عن حجة الإسلام وإن بلغ وأدرك أحد الموقفين ، أما بناءً على مبنى المشهور الذي أيدناه بما قررناه فالملاك في الإجزاء هو إدراك أحد الموقفين، سواء بلغ بعد الإحرام وقبل الشروع بالأعمال أو بعد الشروع بها ، وسواء أمكن له تجديد الإحرام أم لم يمكن له ذلك ، وأما بناءً على عدم الإجزاء مطلقاً فإذا بلغ في الموقف وأمكن له الرجوع إلى مكة للإحرام يجب عليه ذلك .

نعم، في الاستطاعة نقول : إن أحرم ثم حصل له الاستطاعة يجب عليه تجديد الإحرام ، لأن إحرام غير المستطيع كحجه حقيقته غير إحرام المستطيع، وحيث إنه يكشف استطاعته عن عدم كونه مأموراً بالإحرام في الحال الذي يستطيع بعده ويجب عليه حجة الإسلام لحصول الاستطاعة يجب عليه الإحرام لحجة الإسلام .

وهكذا إذا حصل له الإستطاعة في الأثناء أو بعد العمرة وأمكن له تجديد الإحرام أو إتيان العمرة ثانياً ، وإلا فيجب عليه الإفراد . وإذا كان جاهلا بصيرورته مستطيعاً قبل الذهاب إلى عرفات فأحرم وذهب إلى عرفات ولم يمكن له الرجوع إلى مكة للإحرام فالظاهر أنه كالناسي يحرم من هناك ، ولعله يأتي لذلك مزيد بحث إنشاء الله تعالى . والله هو العالم .إذا حج ندباً باعتقاد أنه غير بالغ وغير مستطيع فبان الخلاف .

مسألة 15 ـ إذا حج البالغ أو المستطيع باعتقاد أنه غير بالغ أو غير مستطيع ندباً وبنية الندب فبان بعد الحج كونه بالغاً أو مستطيعاً فهل يجزي عن حجة الإسلام أولا ؟ وجهان .

يمكن أن يقال : إن حجة الإسلام في الشرع هي الحجة التي تقع من البالغ المستطيع الصرورة وهي متميزة عن غيرها بنفسها ، سواء قصد هذا العنوان أم لم يقصده ، وسواء كان الذي يأتي بها عالماً باستطاعته أو بلوغه أو جاهلا بهما ، بل وإن قصد الحج الندبي ، فإنه لايخرجها عن حقيقتها إذا كان ذلك جهلا أو نسياناً ، كما لا يخرج قصد الإنسان نسياناً فعله الخاص من الأكل والشرب والجلوس فعلا آخر إلى ما قصده .

إن قلت : نعم حجة الإسلام هي المناسك التي يأتي بها المستطيع ولكن مثل الصلاة يحتاج وقوعها عبادة إلى قصد القربة وامتثال أمرها الخاص ، والحال أنه لم يقصد بإتيانها امتثال أمر المولى بها .

قلت : يكفي في قصد القربة كون الداعي للعبد المطيع نفس أمر المولى دون خصوصية كون أمره المتعلق بما يأتي به أمراً وجوبياً أو ندبياً أو كان هو مخاطباً لأمره لأنه المستطيع أو غير المستطيع فهو وإن يقصد الأمر الندبي إلا أن داعيه إلى الفعل هو ذات الأمر لا بقيد ندبيته ، كمن قصد صوم آخر يوم من شعبان ولا يثبت عنده الهلال ثم علم بعد ذلك برؤيته فإنه يكون له صوم شهر رمضان، فلا يخرج قصده صوم شعبان كون اليوم من شهر رمضان، ولا يضر قصده أمر صوم شعبان وقوع صوم شهر رمضان قربة إلى الله تعالى وامتثالا لأمره .

نعم، لو كان عالماً بكونه من شهر رمضان وقصد شعبان لا يكون ممتثلا بصوم شهر رمضان . وفيما نحن فيه أيضاً إذا قصد الأمر الندبي مع علمه بالإستطاعة وأن عليه الحج الواجب لايكفي في قصد القربة لعدم كون داعيه إلى الفعل ذات الأمر .

هذا إذا قصد الأمر الندبي بالفعل الذي تعلق به الأمر الوجوبي جهلا أو نسياناً .

نعم إذا قصد الأمر الوجوبي بدلا عن الأمر الندبي يمكن أن يقال بعدم الإكتفاء به في حصول القربة بإتيان ما تعلق به الأمر الندبي كما لا يخفى .

الثاني من شرايط وجوب حجة الإسلام الحرية :

فلا تجب على المملوك وإن أذن له مولاه وحصلت له الاستطاعة المالية إما بالملك بناءً على القول بملكه ، أو بذل له مولاه أو غيره الزاد والراحلة ، وهذا مما لا خلاف فيه ، بل ادعي عليه الإجماع منا ومن غيرنا .

ويدل عليه ما رواه الشيخ بالسند الصحيح بإسناده عن موسى بن القاسم ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهم السلام) قال : « المملوك إذا حج ثم اُعتق فإن عليه إعادة الحج » . و يدل عليه من هذا الباب ( الباب 16 من أبواب وجوب الحج من الوسائل ) ح 1 و4 وهما حديث واحد ، وح 2 و10 والمحتمل اتحاده مع الحديث 3 والحديث 95 وهما أيضاً واحد ( والظاهر وحدتهما مع ح 2 من ب 13) وح 6 و8 .

نعم في الباب حديث واحد صحيح ظاهره إجزاء حج العبد عن حجة الإسلام وهو الحديث السابع الذي رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى ،عن السندي بن محمد ،عن أبان عن حكم بن حكيم الصيرفي ،قال : « سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : أيما عبد حج به مواليه فقد قضى حجة الإسلام».

ولكن الظاهر أنه والحديث الثاني واحد ، وهو ما رواه الصدوق بإسناده عن أبان بن الحكم قال : « سمعت أباعبدالله (عليه السلام) يقول : الصبي إذا حُج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يكبر ، والعبد إذا حُج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يعتق » . سقط منه قوله ( حتى يعتق ) كما أنه قد وقع التحريف في سند الحديث الثاني ، فبدلت بعد أبان كلمة ( عن ) بابن ، والظاهر وحدتهما مع ح 1 من ب 13 ، ولو أغمضنا عن ذلك ، فلابد من طرحه لشذوذه ومخالفته لغيره من الأحاديث الكثيرة ، أو حمل حجة الإسلام فيه على حجة الإسلام خصوص العبد .

ومما دل على الحكم صحيحة شهاب عن أبي عبدالله (عليه السلام) « في رجل أعتق عشية عرفة عبداً له ؟ ، فقال : يجزي عن العبد حجة الإسلام ، ويكتب للسيد أجران ثواب العتق وثواب الحج » .

وصحيحة معاوية بن عمار ، قال : « قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : مملوك اُعتق يوم عرفة؟ قال : إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج » . وزاد في المعتبر « فإن فاته الموقفان فقد فاته الحج ويتم حجه ويستأنف حجة الإسلام فيما بعد » .

ومما يدل أيضاً على اشتراط الحرية في وجوب حجة الإسلام: طائفة من الروايات المخرجة في الباب 15 من أبواب وجوب الحج في الوسائل منها: ما رواه الصدوق بإسناده ( الصحيح ) عن الحسن بن محبوب عن الفضل ابن يونس قال : « سألت أبا الحسن (عليه السلام) فقلت : يكون عندي الجواري وأنا بمكة ، فآمرهن أن يعقدن بالحج يوم التروية ، فاُخرج بهن فيشهدن المناسك أو اُخلفهن بمكة ؟ ، فقال : إن خرجت بهن فهو أفضل، وإن خلّفتهن عند ثقة فلا بأس، فليس على المملوك حج ولا عمرة حتى يعتق » .

والظاهر أنها والحديث الثاني منه ـ الذي رواه الكليني عن محمدبن يحيى العطارعن أحمد بن محمد ،وعن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد ، جميعاً عن ابن محبوب عن الفضل بن يونس ، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال : « ليس على المملوك حج ولا عمرة حتى يعتق » ورواه الشيخ بإسناده عن الكليني ـ واحد .

ومنها الحديث الرابع ، غير أن في الحديث الثالث من هذا الباب الذي رواه الشيخ عن العباسعن سعد بن سعد ،عن محمد بن القاسم ، عن فضيل بن يسار ،عن يونس بن يعقوب قال : « قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إن معنا مماليك لنا قد تمتعوا، علينا أن نذبح عنهم ؟ قال : فقال : المملوك لا حج له ولا عمرة ولا شيء.»( تهذيب الأحكام : 5/482 ، ح 361 .) وهو يدل على عدم صحة حجه وعمرته مطلقاً .

وفي الحديث الخامس عن الحسن بن محبوب عن رجل عن عبدالله بن سليمان« قال سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) وسألته امرأة فقالت : إن ابنتي توفيت ولم يكن بها بأس فأحج عنها ؟ قال : نعم ، قالت إنها كانت مملوكة ؟ فقال : لا ، عليك بالدعاء فإنه يدخل عليها كما يدخل البيت الهدية » . فإنه أيضاً يدل على عدم صحة الحج عن المملوك مطلقاً وإن لم يكن حجة الإسلام .

والحج في الروايتين محمول على إرادة الحج من حجة الإسلام وفي خصوص الرابعة على إرادة العمرة الواجبة من العمرة على ما إذا حجوا بغير إذن مواليهم . ولعله الظاهر من سؤال الراوي حيث قال : « إن معنا مماليك لنا قد تمتعوا ، علينا أن نذبح عنهم ؟ قال : فقال : المملوك لا حج له ولا عمرة ولا شيء » .

وأما الحديث الثاني فمع ضعف سنده أيضاً محمول على حجة الإسلام ، وكيف كان فلا إشكال في أن المملوك لو حج بإذن مولاه صح بلا إشكال ، وإن كان لا يجزئه عن حجة الإسلام ، وما يدل بظاهره على عدم صحة الحج مطلقا معرض عنه ، لم يعمل به الأصحاب مضافاً إلى معارضتها بما يدل على صحة الحج منه بإذن مولاه ، والله هو العالم .

الشرط الثالث من شرايط وجوب الحج : الإستطاعة من حيث المال وصحة البدن وتخلية السرب

لا ريب في اشتراط وجوبه بها ، بل لا خلاف فيها ، وإليك كلمات أعاظم فقهائنا فيها

قال المفيد في المقنعة : « وفرضه على كل حر بالغ مستطيع إليه السبيل ، والإستطاعة عند آل محمد (صلى الله عليه وآله) في الحج بعد كمال العقل وسلامة الجسم . . . والتخلية من الموانع بالإلجاء والإضطرار ، وحصول ما يلجأ إليه في سد الخلة ، من صناعة يعود إليها في اكتسابه ، أو ما ينوب عنها من متاع أو عقار أو مال ، ثم وجود الراحلة بعد ذلك والزاد » (المقنعة /384.) .

وقال السيد (قدس سره) في الناصريات : « الإستطاعة هي الزاد وصحة البدن عندنا إن الإستطاعة التي يجب معها الحج صحة البدن وارتفاع الموانع والزاد والراحلة . . . وقال الشافعي مثل قولنا بعينه ، واعتبر صحة الجسم والتمكن من الثبوت على الراحلة والزاد ، ونفقة طريقه إلى حجه ذاهبا وجائياً إن كان السفر من بلده ، ونفقة عياله مدة غيبته » . ثم حكى رواية ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين ، وأبي حنيفة وأحمد وإسحاق ، وحكى عن مالك أن الراحلة لا يعتبر في وجوب الحج ـ إلى أن قال ـ : « دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه بعد الإجماع المتكرر ذكره أنه لاخلاف في أن من حاله ما ذكرنا أن الحج يلزمه ، فمن ادعى أن صحيح الجسم إذا خلا من سائر الشرايط التي ذكرناها يلزمه الحج فقد ادعى وجوب حكم شرعي في الذمة وعليه الدليل ، لأن الأصل براءة الذمة ، وأيضاً قوله تعالى :( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) والإستطاعة في عرف الشرع وأهل اللغة أيضاً عبارة عن تسهيل الأمر وارتفاع المشقة فيه ، وليست بعبارة عن مجرد القدرة ، ألا ترى أنهم يقولون : ما أستطيع النظر إلى فلان إذا كان يبغضه ويمقته ، ويثقل عليه النظر إليه ، وإن كانت معه قدرة على ذلك . وكذلك ما يقولون : لا أستطيع شرب هذا الدواء ، يريدون أنني أنفر منه ، ويثقل علي النظر إليه ، وإن كانت معه قدرة على ذلك وقال الله تعالى :( إنك لن تستطيع معي صبراً) . وإنما أراد هذا المعنى لا محالة ، فإذا تقرر ما ذكرناه ، كان صحيح الجسم الذي يشق عليه المشي الطويل إلى الحج لم يكن مستطيعاً له في العرف الذي ذكرناه ، وكذلك من وجد الراحلة ولم يجد نفقة لطريقه ولا لعياله يشق عليه السفر ويضعف وتنفر نفسه لا يسمى مستطيعاً ، فوجب أن تكون الإستطاعة ما ذكرناه لارتفاع المشاق والتكلف معه . ومما يدل على بطلان مذهب مالك أيضاً ، ما روي من أن النبي (صلى الله عليه وآله) سئل عن قوله تعالى :( ولله على الناس )الآية ، فقيل له : يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما الإستطاعة ؟ فقال : الزاد والراحلة من استطاع إليه سبيلا ، فقيل له : يا رسول الله ما الإستطاعة ؟ فقال : الزاد والراحلة ) .

وصرح بذلك أيضاً في جمل العلم والعمل ، وكذا أبو الصلاح في الكافي .

وقال الشيخ في النهاية : « الإستطاعة هي الزاد والراحلة والرجوع إلى كفاية ، وتخلية السرب من جميع الموانع » إلخ وصرح بذلك أيضاً في الجمل والعقودوالإقتصاد ،والخلاف والمبسوط ، والعلامة في كتبه والمحقق والشهيدان وغيرهم.

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)