• عدد المراجعات :
  • 2379
  • 11/26/2008
  • تاريخ :

حقوق الأمم والأديان عند أئمة أهل البيت
محمد صلي الله عليه واله وسلم

لا اختلاف بين أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أئمة المذاهب الأخرى في المفاهيم والقيم الثابتة في المنهج الإسلامي، حيث يشتركون في الأفق الواسع، أفق العقيدة والتشريع، والمصير والمصالح والمواقف الواحدة، ومن نقاط الاشتراك والاتفاق هي الاعتراف بحقوق الأمم والأديان من ناحية الأحكام النظرية والتطبيقات والمواقف العملية، وهي أكثر النقاط اتفاقاً بينهم.

وقد حدد الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) الأسس الكلية الثابتة المتعلقة بحقوق أهل الذمة في رسالته المعروفة برسالة الحقوق حيث جاء فيها: (وإما حقوق أهل الذمة: أن تقبـل منهـم ما قبل الله عزّ وجل منهـم، ولا تلطمهـم ما وفوا لله عزّ وجل بعهـده، وكفى بما جعل الله لهـم من ذمته وعهده، وتكلهم إليه فيما طلبوا من أنفسهم، وتحكم فيهم بما حكم الله به على نفسك فيما جرى بينك وبينهم من معاملة، وليكن بينك وبين من ظلمهم من رعاية ذمة الله والوفاء بعهده وعهد رسوله حائل، فانه بلغنا أنه قال: (من ظلم معاهداً كنت خصمه) فاتق الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله)(1).

فقد ربط الإمام (عليه السلام) حقوقهم بمصدر الوجود وهو الله تعالى، فهو تعالى جعلهم أهل الذمة وحدد لهم حقوقا وواجبات، ولذا فان رعايتهم هي رعاية للأوامر الإلهية وأداء للواجب الشرعي المكلف به المسلم، فالمسؤولية اتجاههم مسؤولية اتجاه أوامر الله تعالى ونواهيه، وما جاء في هذه الرسالة يحدد الهيكل العام للحقوق الشاملة لجميع جوانب الحياة، ومنها: حق الاعتقاد، وحق إبداء الرأي، وحق العبادة وإقامة الشعائر، وحق التمتع بالأمن والحماية، والمساواة أمام القانون، وحق الحفاظ على أرواحهم وأعراضهم وممتلكاتهم، وحق التمتع بالعدل، وحق الكرامة وسائر الحقوق المدنية والشخصية، ومنها حق التنقل والسكن والعمل وسائر التصرفات المقيدة بمصلحة الإطار العام للإسلام.

ومن مظاهر مراعاة المشاعر والأحاسيس التي يحملها أتباع الأديان، وإشاعة الألفة والوئام بين المسلمين وبينهم، والتركيز على نقاط الاشتراك الثابتة، وتوجيه الأنظار إلى وحدة المصدر ووحدة المفاهيم والقيم، ركز أهل البيت (عليهم السلام) على الاستشهاد بما جاء في التوراة والإنجيل وسائر الكتب الإلهية، والاستشهاد بأقوال الأنبياء السابقين، فقد ورد في أحاديثهم استشهادات عديدة من هذا القبيل، ومن ذلك: قول الإمام علي بن الحسين (عليه السلام): (أما بلغكم ما قال عيسى بن مريم للحواريين؟

قال لهم: الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها...)(2).

وقول الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام): (قال موسى بن عمران... الهي فمن ينزل دار القدس عندك؟ قال: الذين لا تنظر أعينهم إلى الدنيا،... ولا يأخذون على الحكومة الرشا، الحق في قلوبهم، والصدق على ألسنتهم...)(3).

وقول الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (كان المسيح يقول لأصحابه... إنما أعلمكم لتعلموا، ولا أعلمكم لتعجبوا، أنكم لن تنالوا ما تريدون إلا بترك ما تشتهون، وبصبركم على ما تكرهون)(4).

وقد استشهد الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) بذلك عدة مرات في حديث واحد: (إن المسيح قال للحواريين ... مكتوب في الإنجيل... أوحى الله تعالى إلى داود...)(5).

وكانوا يذكرون روايات مطولة في مناجاة الله تعالى لموسى وعيسى(6).

ولعل ما ذكروه هو إرشاد وحث لأتباع الأديان لنشر المفاهيم والقيم الدينية التي وردت في كتب الأنبياء السابقين، عن الله تعالى، أو رسله وأنبيائه، وهذا قمة الاعتراف بحق الاعتقاد وبحرية نشر المفاهيم والقيم الصالحة غير المحرّفة، والترويج لها داخل الكيان الإسلامي.

ومن أهم الحقوق بعد حق الاعتقاد هو التمتع بالأمن والحماية فهم آمنون على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، قال الإمام الباقر (عليه السلام): (...فإذا قبلوا الجزية على أنفسهم حرم علينا سبيهم وحرمت أموالهم وحلت لنا مناكحهم)(7).

وقال أيضا: (ما من رجل آمن رجلا على ذمة ثم قتله إلا جاء يوم القيامة يحمل لواء الغدر)(8).

وأوجب الإمام الصادق (عليه السلام) إقرار الأمن والحماية بمختلف الأساليب، فقال: (لو أن قوما حاصروا مدينة فسألوهم الأمان؟ فقالوا: لا، فظنوا أنهم قالوا: نعم، فنزلوا إليهم، كانوا آمنين)(9).

ولعل تركيزه على الجهاد مع الإمام العادل(10)، ناظر إلى رعايته للأرحام والممتلكات ووفائه بالعهود والذمم.

وحرّم الإمام (عليه السلام) القتال مع الغادرين وان كان العدو مشتركا فقال: (لا ينبغي للمسلمين أن يغدروا أو يأمروا بالغدر، ولا يقاتلوا مع الذين غدروا...)(11).

واستشهد أئمة أهل البيت (عليهم السلام) بسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) المتعلقة بإقرار حق الأمن والحماية لغير المسلمين، وذكروا أحاديثه الشريفة في هذا الخصوص.

وأقّروا حق التقاضي والتحاكم لغير المسلمين سواء كان عند قاضي المسلمين أو عند قاضيهم، فلو قضى قاضيهم بحكم فيه جور على أحد المتخاصمين وأراد الواقع عليه الجور أن يرد الحكم إلى حكم المسلمين، قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (يرد إلى حكم المسلمين)(12).

وجوّز الإمام الباقر(عليه السلام) حكم غير المسلمين فيما بينهم فقال: (تجوز على أهل كل ذي دين بما يستحلون)(13).

فلو أراق أحد خمرا لغير المسلم أو قتل خنزيرا فإنه له ضامن لأنه حق له مالية.

وجوّز أئمة أهل البيت شهادة أتباع كل دين بعضهم على البعض الآخر وتجوز الشهادة على غيرهم إن لم يوجد شاهد من نفس دينهم، قال الإمام الصادق (عليه السلام) (...إن لم يوجد من أهل ملتهم جازت شهادة غيرهم، أنه لا يصلح ذهاب حق أحد)(14).

ويحلّف اليهودي والنصراني والمجوسي بالله تعالى كما يحلّف المسلم، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (اليهودي والنصراني والمجوسي لا تحلفوهم إلا بالله عز وجل)(15).

ولهم حق القصاص إذا قتل بعضهم بعضا، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (إن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول: يقتص للنصراني واليهودي والمجوسي بعضهم من بعض، ويقتل بعضهم ببعض إذا قتلوا عمدا)(16).

وإذا أظهر أهل الذمة العداوة للمسلمين وغشوهم، لا يقتص من قاتلهم إلا أن يكون معتاداً على قتلهم، قال الإمام الصادق (عليه السلام): في جوابه لسؤال حول ذلك: (لا إلا أن يكون متعوداً لقتلهم)(17).

ويدفع الدية إذا لم يكن معتاداً.

ويجب تطبيق قانون الديات المتعلقة بالجنايات على المسلم وغير المسلم، قال الإمام الباقر (عليه السلام): (يؤخذ من المسلم جنايته للذمي على قدر دية الذمي ثمانمائة درهم)(18).

ومن حقوقهم المالية والاقتصادية حق العمل في مختلف الحقول التي لا يشترط فيها الإسلام كالزراعة والصناعة والتجارة، ولهم حق مشاركة المسلم في الأعمال المختلفة كما وردت في ذلك نصوص عديدة عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)(19).

وليس عليهم إلا دفع الجزية ولا يجوز للمسلمين أن يأخذوا منهم أكثر من ذلك، سئل الإمام محمد الباقر (عليه السلام) عن أهل الجزية يؤخذ من أموالهم ومواشيهم شيء سوى الجزية؟ قال: لا(20).

وأوجب الإمام الصادق (عليه السلام) التقيّد ببنود المعاهدة معهم، ونهى عن مخالفتها فقال: (...فان أخذ من رؤوسهم الجزية فلا سبيل على أرضهم وان أخذ من أرضهم فلا سبيل على رؤوسهم(21).

ومن أجل تحقيق التكافـل الاجتماعـي وإشبـاع حاجـات مطلق المحتاجين والمستضعفيـن جـوّز الإمام الصادق (عليه السلام) إعطاء الصـدقة لليهود والنصـارى والمجوس(22).

وكان (عليه السلام) يقوم بنفسه في تطبيق ذلك(23).

وحث (عليه السلام) على عدم أخذ الجزية من المعتوه والمغلوب عليه عقله(24).

وتأخذ منهم الجزية كل حسب طاقته، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (ذاك إلى الإمام أن يأخذ من كل إنسان منهم ما شاء على قدر ماله بما يطيق...)(25).

فلم يجوّز الإمام (عليه السلام) تكليفهم فوق طاقاتهم حفاظاً على مستواهم المعاشي وعدم دفعهم للحاجة والسؤال.

وأقرّ أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الحقوق المدنية والشخصية لغير المسلمين، فأقرّوا قضايا الزواج والطلاق وان كان باطلا في الشريعة الإسلامية، فلو أسلما معاً فنكاحهما الأول جائز، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (بل يمسكها وهي امرأته)(26).

وأقرّ (عليه السلام) الجمع بين أكثر من أربع زوجات لغير المسلم، واقرّ صحة العقد أن كان المهر خمرا أو خنزيراً(27).

ونهى (عليه السلام) عن قذف غير المسلم كافرا كان أم ذمياً، بل نهى عن قذف من يتزوج المحارم وكان يقول: (أو ليس ذلك في دينهم نكاحاً)(28).

وأقرّ مسائل الميراث(29).

وفي العلاقات الاجتماعية حث الإمام الباقر (عليه السلام) على حسن المجالسة معهم (30)، وحث الإمام الصادق (عليه السلام) على حسن الصحبة وكان يستشهد بسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسيرة الإمام علي (عليه السلام) في حسن الصحبة مع غير المسلمين(31).

وجوزّ مكاتبة غير السلم وطلب العون منه(32).

وجوز الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) للمسلم أن يدعو لغير المسلم إن احتاج إليه(33).

وكان الإمام الصادق (عليه السلام) يجالس النصارى هو وأصحابه(34).

وكان بقية الأئمة كذلك، فلم يقطعوا الأواصر الاجتماعية معهم، واقّروهم على جميع الحقوق التي أقرّها الله تعالى لهم.

 

الهوامش:

1- شرح رسالة الحقوق 571:2 ، حسن علي القبانجي، مؤسسة إسماعيليان، قم، 1406هـ.

2- الآمالي: 43، المفيد، جامعة المدرسين، قم، 1415هـ.

3- م ـ ن: 86.

4- م ـ ن: 208.

5- تحف العقول: 292وما بعدها، البحراني، المطبعة الحيدرية، 1965.

6- تحف العقول: 369.

7- تحف العقول: 210.

8- الكافي 5: 31، الكليني، دار صادر ـ بيروت ـ 1401هـ.

9- وسائل الشيعة 15: 68، الحر العاملي، مؤسسة آل البيت، قم، 1412هـ.

10- الكافي 20:5.

11- الكافي 237:2.

12- وسائل الشيعة 297:27.

13- م ـ ن 319:26.

14- من لا يحضره الفقيه47:3، الصدوق ـ جماعة المدرسين ـ قم،1392هـ.

15- الكافي 451:7.

16- الكافي 309:7.

17- من لا يحضره الفقيه 124:4.

18- الاستبصار 271:4.

19- الكافي 650:2،270:5.

20- م ـ ن 568:5.

21- م ـ ن 567:5.

22- م ـ ن 14:4.

23- م ـ ن 57:4.

24- وسائل الشيعة 65:15.

25- الكافي 566:5.

26- م ـ ن 435:5.

27- م ـ ن 436:5.

28- م ـ ن 240:7.

29- م ـ ن 193:4.

30- الامالي: 185.

31- الكافي 670:2.

32- الكافي 651:2.

33- الكافي 650:2.

34- الكافي 656:2.


ظهور الشيعة وانتشارهم

البداء في نظر الشيعة 

متى بدأ التشيع ؟

معنى الشيعة وألقابهم

تطوّر الأحكام عند الشيعة

نقش الخواتيم لدى الأئمة (عليهم السلام)

أصول الدين عند الشيعة

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)