• عدد المراجعات :
  • 1511
  • 7/1/2006
  • تاريخ :

المثل الثاني عشر: الكفر والإيمان

القرآن الکريم

يشير الله تعالى إلى هذا المثل في الآية 112 من سورة الأنعام، حيث يقول: ( أَوَ مَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورَاً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِج مِنْهَا كَذَلك زُيِّنِ لِلْكَافِريِنَ مَا كَانُواَ يَعْمَلُونَ ) .

تصوير البحث

في الآية مثلان كلاهما عن الكفر والايمان . شبّه القرآن الايمان في المثل الأول بالحياة، والكفر بالموت. وفي المثل الثاني شبّه الله الايمان بالنور والكفر بالظلمات.

شأن نزول الآية

ذُكر شأنان لنزول الآية:

1 - نزلت الآية في حمزة العم الجليل

لرسول الله(صلى الله عليه وآله) وفي أبي جهل العدوّ اللدود للرسول(صلى الله عليه وآله).

إنّ حمزة لم يؤمن في صدر الإسلام، وقد يكون ذلك تأنياً منه لدراسة الدين الجديد بشكل افضل، فهو في صدر الإسلام سلك سبيل السكوت تجاه الدعوة. أما أبو جهل فكان يؤذي الرسول دائماً بشكل وآخر وكان يضع أمام الرسول العقبات لأجل إيذائه. في يوم كان حمزة قد ذهب للصيد، وفي نفس اليوم كان أبو جهل قد آذى الرسول بشدة بحيث تأثر من جراء ذلك حتى عبدة الأصنام، وقد وصل خبر إيذاء الرسول(صلى الله عليه وآله)لحمزة بعد أن قدم من الصيد، فذهب إلى أبي جهل وضربه على أنفه بحيث رعف أنفه دماً، ورغم ما كان لأبي جهل من قوم وأنصار، إلاّ أنه هاب حمزة، ولم يصدر منه أي ردّ فعل، وفي هذه الاثناء استسلم حمزة.

إنّ الآية نزلت هنا، وكأنها تريد القول: إنَّ حمزة حيى عندما أسلم، وبذلك تنوَّر قلبه، عكس ما كان عليه ابوجهل في تورّطه بالظلمات، وأنَّ تعصبه ولجّه حال دون الخروج منها.

الكفار يعتقدون بصحة أعمالهم ورفعة شأنها رغم أنهم يزدادون كل يوم غطساً في طين الشقاء والكفر.(1)

2 - الشأن الآخر هو أنَّها نزلت في عمار بن ياسر وأبي جهل. إنّ عمار من الشباب الشجعان ومن أوائل الذين أسلموا ونوروا قلوبهم بالايمان، فهو من أنصار رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأصبح نصيراً للإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله)، وقد استشهد في صفين.(2)

عندما أسلم هذا الشاب ذمّه الكثير من المشركين، منهم أبو جهل، وقد تعرّض آنذاك لأنواع من العذاب. ومن هنا قيل: إنَّ الآية نزلت في إيمان عمار وكفر أبي جهل، باعتبار أنَّ عمار قبل الإسلام كان ميتاً وحيى بعد الإسلام وتنوّر قلبه به، أما أبو جهل فظل في وادي الظلمات باصراره على الكفر ولجه في ذلك، ولا أمل له في النجاح والسعادة; لأنَّه كان يعتبر أعماله القبيحة حسنة.(3)

ما هي الحياة؟

لأن نستوعب بعمق المثل الأوّل علينا أن نفهم معنى الحياة.

رغم أن آثار الحياة نجدها في كل مكان، ورغم أنّه يمكننا أن نميّز الحياة عن الممات، إلاَّ أنَّ تعريف الحياة وإدراك حقيقتها أمر مشكل، وقد لا يوجد شخص استطاع إبداء تعريف جامع لحقيقة الحياة.

يعتقد العلماء أنّه لا يمكن أن يولد الحي من الميّت. ورغم ما انجزه العلماء من صناعات مدهشة كالكامبيوتر والطاقة الذرية و... إلاّ أنهم ما استطاعوا أن يخلقوا موجوداً حيّاً من موجود ميّت.

اعتبر القرآن قبل 1400 سنة الإنسان عاجزاً، حيث قال في الآية 73 من سورة الحج: ( إنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يخلقُوا ذُبَابَاً ولو اجْتَمَعُوا لَهُ ). وفي هذا العصر المليء بالاختراعات، يعجز الإنسان عن إدعاء الخلق فضلا عن الخلق نفسه.

من المبادئ التجريبية المسلمة هي أنَّ الحي لا يمكن خلقه من الميّت، وظنُّ بعض العوام أن الرطوبة تخلق بعض الموجودات الحيَّة فذلك ظن باطل، كما أنَّه لا يتصور أنَّ التفاحة بنفسها توجد الدودة التي في داخلها، بل ينبغي أن يكون في داخل التفاحة بيضة الدودة لكي توجد الدودة، فلا الحيوان يوجد النبات ولا النبات يوجد الحيوان.

سؤال: في اليوم الذي انفصلت الارض عن الشمس لم يكن موجود حىٌّ على الكرة الأرضية، لكن الموجودات الحية وجدت بعد ذلك. ألم يكن ذلك بسبب أنَّ الموجودات الحية تخلق من الموجودات الجامدة؟

الجواب: نعم كانت هناك ظروف معقدة خاصة خلقت الجمادات الموجودات الحية، لكن هذه الظروف غير متوافرة بالفعل، كما لا يمكن للإنسان أن يوافر تلك الظروف.

وعلى هذا، فانَّ الحياة أعجب ظاهرة في عالم الوجود. والأعجب من ذلك هو خالق الحياة، فرغم تحقيق ودراسة الملايين من العلماء، ما أستطاع أحد منهم كشف هذا السر ومعرفة سر الخلق! ولهذا كانت قضية الحياة من أهم أدلة وبراهين معرفة الله.

أقسام الحياة

إن الحياة على ثلاثة أقسام:

1 - الحياة النباتية، وعلاماتها أشياء ثلاثة:

الف - النمو. باء - التغذية . جيم - التناسل.

2- الحياة الحيوانية، وهي حياة تضم علامتين، هما: الحس والحركة.

3 - الحياة الإنسانية، وهي تحضى - أضافة إلى الخصائص السابقة المذكورة في الحياة النباتية والحيوانية - بخصائص من قبيل العلم والمعرفة والايمان والأخلاق والحب والارادة. واذا فقدت الحياة الإنسانية الخصائص الثلاث الاخيرة تبدلت إلى حياة حيوانية. ولذا، اعتبر القرآن المجيد غير المسلمين موتى; لأنّه ينظر إلى حياتهم من الزاوية الدينية الإسلامية.

المراد من الحياة في آية المثل

لا شك في أنَّ المراد من الحياة في الآية الشريفة هو الحياة الإنسانية، أي أنَّ حمزة أو عمار أو أي شخص آخر يحيى إذا ما أسلم، فتظهر فيه علائم الحياة الإنسانية، أي العلم والمعرفة والاخلاق والايمان والحب والارادة. ومن هنا كان امثال عمار وحمزة والشهداء في سبيل الله أحياء(4) أمّا أمثال أبي جهل فأموات غير أحياء.

لماذا عُدّ عرب الجاهلية أمواتاً؟

يبحث الإمام علي(عليه السلام) هذا الأمر في الخطبة رقم 26 من نهج البلاغة ويقول: «إنَّ الله بعث محمداً(صلى الله عليه وآله) نذيراً للعالمين، وأميناً على التنزيل...» ثم يذكر عشر خصال لعرب الجاهلية.

1 - «وأنتم معشر العرب على شرِّ دين» فإنَّ عبادة الأصنام هي أسوأ خرافة، كيف يمكن للإنسان أن ينحت صنماً ثم يسجد ويركع إليه ويناجيه ويطلب منه الطلبات؟ والأسوأ من ذلك كله هو أنّه يضحّي بولده لهذه الأصنام، وعند الجوع يأكل أصنامه التي صنعها من التمر.

2 - «وفي شر دار» فهم كانوا في دار لم يحكمها السلام أبداً، فنار الحرب كانت مستعرة دائماً، وكانوا يصرون على النزاع والمخاصمة ويورثون الأحقاد لأولادهم، وكان الموت مصير من لم يستطع الانتقام من خصمه، وكانوا يوصون أولادهم بالانتقام.

3 و 4 - «مُنيخون بين حجارة خُشن وحيَّات صُمّ» أي كانوا فقراء يعيشون بين الاحجار الصلبة والخشنة والحيات الخطرة التي كانت صماء لا تسمع، «فكانت الأرض فراشكم والسماء غطاءكم».

5 - «تشربون الكدر» أي ما كانوا يشربون ماءً زلالا بل ماؤهم كان وسخاً دائماً.

6 - «وتأكلون الجشب» أي مأكولاتهم ما كانت لذيذة بل متواضعة ولا تلذ.

7 - «وتسفكون دماءكم» فان عدم الأمن والأمان كان هو الحاكم آنذاك.

8 - «وتقطعون الأرحام» فما كانوا يرحمون أولادهم فضلا عن غيرهم، إنّ وأد البنات كان من عاداتهم.

9 - «الأصنام فيكم منصوبة» أي أنَّها كانت منصوبة للاحترام والتبجيل والعبادة...

10 - «والآثام بكم معصوبة» أي كانوا قد غرقوا في وحل الذنوب والعصيان.

من مقال الإمام يستفاد أن الفقر كان هو السائد، سواء كان بمعناه الديني أو الثقافي أو السياسي أو الاقتصادي أو الأمني ... فبعث الله في هذا الوسط - الذي كان ميتاً بكامل معنى الكلمة - رسولا مع باقة من العلم والمعرفة .

عندها التقى عرب الجاهلية ومسلمو صدر الإسلام مع العلم والمعرفة وما مرّ زمن طويل حتى تزعموا عالم العلم، ووفّروا الأرضية للحركة العلمية في اوروبا. وخلال أربعة أو خمسة قرون استطاع المسلمون أن يرشدوا الاوربيين نحو العلم. ورغم أنَّ المسلمين تزعموا العلم وكانوا روّاد الحركة العلمية في العالم، إلاّ أنَّهم تخلفوا حالياً عن عجلة الصناعة والتقنية، وهم يمدون أيديهم الآن إلى الدول الأوروبية لارسال خبراء ومستشارين رغم ما يترك هذا الأمر من مضار أخلاقية واجتماعية ودينية.

وعلى العلماء في الوقت الحاضر أن يشدوا الشباب بماضيهم المنير وأن يعرّفوا هذا الجيل بما أقرّ به الاوربيون للمسلمين من علوم واختراعات وابتكارات علمية قبل النهضة الاوربية... وبتدريسهم هذه المطالب في الجامعات والمراكز العلمية سوف يحرّضون الشبان نحو النشاط الاكبر والأكثر فاعلية.

آثار النور وبركاته

لقد شُبِّه الايمان في المثل الثاني بالنور، والكفر بالظلمات. ولأجل اتضاح عظمة النور من المناسب ان نشير إلى آثاره المادية وبركاته هنا:

النور هو ألطف موجود وأسرعه في عالم المادة; فإنَّ سرعته في الثانية 000/300 كيلوامتر، وبعبارة اخرى: النور يستطيع أن يطوي الارض سبع مرات ونصف المرة في الثانية الواحدة، لأن قطر الأرض في خط الاستواء هو 40 الف كيلوا متر، واذا قسمنا 000/300 على 000/40 فان الناتج سيكون سبعة ونصف.

إنَّ بركات عالم المادة جميعها من النور، وذلك لأنَّ بواسطته تُقتل الميكروبات المضرّة وتُعالج بعض الامراض، وببركته يدفء الجو، وببركته تتنوّر الأرض، وببركته تنزل نعمة المطر الالهية.

في الإسلام والايمان إضاءة كما في النور. إنَّ حمزة وعمار كانوا أمواتاً قبل الإسلام، كما هو حال عرب الجاهلية أجمع، ثمّ تنوّروا بعد إيمانهم، وأحيى هذا النور وجودهم وقلوبهم، وقد سلكوا طريق الحق والحقيقة بواسطة هذا النور، وطبيعي أن يختلف صاحب هذا النور عمن لا يمتلكه.

نور الفرقان

الآية التالية (29 من سورة الأنفال) من الآيات ذات المحتوى والمعنى العميق التي نزلت في هذا المجال: ( يَا أَيُّها الَّّذِيْنَ آمَنُوا إنْ تَتّقُوا اللهَ يَجْعَلُ لَكُمْ فُرْقَاناً ) .

الفرقان لغوياً يعني ما يميز به الحق عن الباطل. والآية تعني أنَّ الإنسان إذا اتقى الله، فالله يلقي في قلبه نوراً يستطيع الإنسان من خلاله أنْ يميز الحق عن الباطل. ولهذا قد يحصل أن يكون بين الناس العوام اشخاص يحملون هذا النور ويعلمون بواقع الأمر رغم اكتناف الواقع بملابسات وغموض بحيث يعلمون بالمنشأ والأهداف. إنَّ أصحاب هذا النور لا يقعون في فخ الشيطان ولا يكونون آلة بيده، كما لا يتورطون بشباك المحتالين; وذلك لأن نور الفرقان يكشف لهم عمّا غمض ويهديهم إلى الصواب، لذا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «المؤمن ينظر بنور الله».(5)

التقوى ثمرة الصوم والفرقان ثمرة التقوى شهر رمضان شهر التقوى والنور، والإنسان يحصل بالصوم على تقوى أكثر إلى مستوى تتجذر فيه نبتة التقوى (لعلكم تتقون). وعليه، فالتقوى ثمرة الصوم ونتيجته، وعلى أساس الآية الشريفة، إنَّ الفرقان هو ثمرة التقوى.

ومن المناسب في هذه الليالي والأيام المباركة وبخاصة عند الاسحار أنْ نرفع أيدينا إلى السماء خشية وتضرّعاً سائلين الله التقوى والفرقان (اللهم آمين).

الأعمال القبيحة تبدو حسنة في نظر الكفار

يقول الله في نهاية الآية الشريفة: ( زُيِّنَ لِلكَافِرِيْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ); وذلك لأنَّ حب الذات والهوى والأنانية والغرور تجعل الإنسان في غفلة عن أعماله القبيحة وتتزيّن له الأعمال القبيحة، بحيث تبدو جميلة وحسنة.

--------------------------------------------------------------------------------

الهوامش

1. انظر تفسير الأمثل 4: 401 - 403.

2. إنّ قتل عمار أوجد ضجة في معسكر معاوية، وذلك لأن الرسول(صلى الله عليه وآله) كان قد قال له: ((تقتلك الفئة الباغية)) إثر ذلك كاد ان يرتد الكثير من معسكر معاوية، إلا أنّ معاوية أنقذ نفسه بالقول بأن قاتله هو من دعاه أو جاء به للقتال.

3. انظر تفسير الأمثل 4: 401 - 403.

3. سورة آل عمران الآية 169.

4. سورة النحل الآية 21.

5. بحار الأنوار64: 75.


المثل الحادي عشر: إنفاق الكفار

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)