منع الحجاب في فرنسا خلفيات وأهداف الثقافي بعد الإجتياح العسكري
هل تريد السياسة الفرنسية الليبرالية و العلمانية في آن، أن تقود اجتياحاً ثقافياً ضدّ ما تسميه «الظلامية و التطرف في العالم»، بعد أن نجحت السياسة الإستكبارية الأميركية في قيادة اجتياح عسكري متعدد الأهداف، يعيد رسم الخارطة (الجيوبوليتيكية) للعالم، و يتصدى لقيادة العالم المتحضر، لعقود أخرى من الزمن بحجة الدفاع عن الحضارة الغربية؟
و هل هو التنافس فيأنماط العولمة بين حضارة تتسلح ب(التكنولوجي)، و تحاول كتابة الحرف الأخير من تاريخ الشعوب، و أخرى ترفض أن تعترف بالهزيمة أو حتى بالتراجع فترفع صوتها (و تنفش) ريشها، بينما تعجز أن تمد يدها لتشارك في الوليمة؟!!.
الذي يقرأ خطاب الرئيس الفرنسي جاك شيراك، الذي تبنى فيه توصية «لجنة ستازي» المشبوهة، بمنع الإشارات الد
نية في المدارس الرسمية، و هي تعني عملياً منع الحجاب بإعتباره ، يشكل الرمز الديني الأبرز في المجتمع الأوروبي اليوم الذي ربما يواجه بمفهومه الحضاري و القيمي، الإنهيار الأخلاقي الغربي في ظل ما يسميه الخطاب «إنهيار الأيديولوجيات الكبيرة»...
الذي يقرأ تفاصيل ما حشده رئيس العاصمة الثقافية للعالم ،كما يحلو للبعض أن يسميها، يشعر كما لو أن السماء تكاد تقع على الأرض، و كما لو أن خطراً مجهولاً ، يتربص بالحضارة العلمانية الغربية، و أن عصراً من الظلام ، يكاد يبسط ظلاله على الدنيا..
العلمنة، التي هي عنوان الحضارة الغربية، و التي حصل عليها الفرنسيون بعد «حروب دينية واضطهادات» ، أدَّت إلى قوانين الفصل بين الكنائس والدولة.
«العلمنة اليوم في خطر ، بسبب تداعيات
عصر العولمة و ما سببته من عودة للعنصرية وا لقوى الظلامية»!!!
الحرية، التي دفع الفرنسيون ثمنها غالياً منذ أن قاموا بثورتهم الكبرى إلى أن تعززت و تعمقت عند إعلان حقوق الإنسان و المواطن عام 1789 ...
و الدستور الذي، أعلن عام 1946، والذي يؤكد على حريات الإقتراع و منح النساء حق التصويت و حرية الصحافة وما إلى ذلك...
قانون إلغاء العبودية ،الذي أعلن في 27 نيسان 1848، و إعلان المساواة و إقرار مبادىء العدالة الإجتماعية بواسطة إنجازاتها التاريخية المتمثلة بالتعليم المجاني و الإلزامي، و حق الإضراب و الحرية النقابية و الضمان الإجتماعي، و تكافؤ الفرص و إلى ما هنالك من أفكار ومبادىء...
التعددية، أيضاً التي جعلت الشعب الفرنسي «يتحلق حول إرث فريد... غني بتنوعه... تنوع المعتقدات في أرض المسيحية القديمة ة،التي عرفت كيف تتخطى انقسامات الحروب الدينية، و تعترف في النهاية بمكانة البروتستانت، و أخيراً أرض انفتاح للفرنسيين المسلمين...».
كل هذه القيم التاريخية في خطر!!!
ثم يستمر الخطاب في عرض أهم المحطات السياسية و الاجتماعية و الثقافية للمجتمع الأوروبي، و بخاصة الفرنسي، حتى لتشعر أنك أمام قرار مصيري، بل أهم المواقف السياسية ، التي لا تتكرر إلا مرَّة كل قرن!!!.
يتحدث عن التوتر وعوامل التوتر «في سبيل أن تبقى فرنسا، كما هي ينبغي علينا، أن نجيب الآن على التساؤلات، و ننزع فتيل التوتر، الذي يجتاح مجتمعنا ،و لا تخفى عوامل التوتر هذه على أحد»!!!
هكذا... ثم يتخذ قراره بكل بساطة: «لقد أطلَّعت على تقرير (لجنة ستازي)، و درسته، و نظرت في حجج بعثة الجمعية الوطنية و الأحزاب السياسية و السلطات الدينية و الممثلين البارزين للتيارات الفكرية الكبيرة، و اعتبر بصراحة أنه يجب حظر ارتداء اللباس أو وضع الرموز التي تظهر بوضوح الإنتماء الديني في المدارس الرسمية...».
هكذا بكل بساطة، تنحر الحرية باسم الحرية، وبدون أي حرج يعقب: «هدفنا... جعل الشباب ، يدركون تحديات المرحلة، و حمايتهم من التأثيرات، و الأهواء التي تفرض قيوداً عليهم أو تهددهم، بدلاً من أن تحررهم أو تسمح لهم بالتأكيد على حقهم بالاختيار بحرية»!!
و لسائل أن يسأل، هل ترك هذا القانون للشباب حقاً في أي اختيار بحرية؟!!..
طبيعة الردود...
كثيرة كانت الردود على الموقف الفرنسي الذي يبدو أنه ظل يطبخ في مصانع القرار هناك زمناً طويلاً...
و لعل أهم تلك الردود ، لم تكن إسلامية بقدر ما كانت غربية، و لذلك أبعاد ناشئة عن طبيعة الأهداف غير المعلنة لهذا المشروع (الحضاري) الغربي... فقد انتقدت الصحف الأميركية ما أطلقت عليه «أصولية علمانية» في الموقف الفرنسي، وحذرت «الهيرالدتربيون» ، أن هناك احتمالاً كبيراً ، بأن يجنح المتدين إلى التعصب... و قد اعتبر وزير الداخلية الفرنسي «نيكولا ساركوزي أن من شأن هذا القانون ، أن يزيد من حدّة المشكلات، و أن على الدولة أن تنأى بنفسها عن إملاء المعتقدات على الناس».
أما في عالمنا الإسلامي و العربي، فقد تفاوتت الردود بين السياسية، و الاجتماعية و الدينية، التي تؤكد على مبدأ الحرية الفردية من جانب، و على كون الحجاب أمراً تعبدياً فردياً و ليس تحريضياً أو استفزازياً ، كما يحاول أن يظهره التقرير، أو كما يحاول الإعلام الاستكباري لأغراض سياسية تخدم المشاريع و المصالح الغربية، و ذلك من خلال توجيه الذوق العام لدى الشباب العالمي بإتجاه التلازم بين الإسلام و الإرهاب من جهة، و الإسلام و التخلف و الظلامية من جهة أخرى، في محاولة لطمس معالم الصحوة الإسلامية بمفرداتها الثقافية و السياسية، و التي بدأت تشق طريقها في العالم...
و مع كل ذلك يبقى السؤال الملح، الذي يبحث عن الجواب... فإلى أي مدى تشكل ظاهرة الحجاب من بين كافة المفردات الثقافية الإسلامية خطراً على السِّلم العالمي و الحرية و العلمنة و ما إلى ذلك من مفردات؟!...
و إلى أي مدى تفلح مثل هذه القرارات بوضع حدٍّ لتلك الظاهرة ،و ما يمت إليها بصلة من جانب آخر؟!
خلاصة القول:
يبدو أن هناك أسباباً أخرى، أدّت إلى هذا الحشد الغير مبرر لكل محطات و مواقف السياسة الغربية المعاصرة،
و يمكن على الأقل ملاحظةسببين اثنين يفضيان بطبيعة الحال إلى هدفين من جنسهما و هما:
أولاً: تفجير قنبلة ثقافية ، تثير الغبار الكثيف في الأجواء الثقافية في العالم، مما يحوِّل مؤشر الذوق العام الأوروبي عن الأحداث السياسية و الجرائم الفظيعة ، التي ترتكبها الحضارة الغربية و على رأسها الولايات المتحدة الأميركية و ربيبتها «إسرائيل» و بالتالي الحد من وتيرة (العداء للسامية)، التي أظهرتها في الآونة الأخيرة مراكز استطلاع الرأي في أوروبا... و في هذا المجال يذكر الرئيس الفرنسي في الخطاب: «... كما يجب، أن نشن بتيقظ و صلابة نضالاً بلا هوادة ضد كره الأجاني و العنصرية و خصوصاً العداء للسامية».
و في مكان آخر يقول: «... من جهة أخرى، سينشىء رئيس الوزراء مرصداً للعلمنة مكلَّفاً بتحذير الفرنسيين و السلطات العامة من مخاطر الإنحراف عن هذا المبدأ الأساسي أو الاخلال به».
فهل يكون كل هذا العويل من أجل إصلاح ما أظهرته مراكز الاستطلاع منذ مدّة قريبة من مواقف إزاء العدو الصهيوني وعرَّابه الأميركي؟
و هل يكون هذا المرصد الذي يشاد لرصد تطور العلمنة، إنما هو في الحقيقة لمراقبة تطور الذوق العام الأوروبي بإتجاه القضايا المصيرية لأمتنا؟!!
ثانياً: في إطار التنافس بين الدول ، التي تعتبر نفسها لائقة بقيادة العالم، نذكر أن الرئيس الفرنسي منذ أول يوم تولى فيه مقاليد السلطة، حاول أن يقول عملياً ، أنه على رأس دولة عظمى، فقام بتفجير نووي تجريبي... غير أن تطورات السياسة الدولية، تحركت على عكس ما يريد، و بات واضحاً أن صاحبة القرار في السياسة الدولية، هي الولايات المتحدة الأميركية بما تملكه من تكنولوجيا و مفاتيح للقرار السياسي... ولكن هل يستسلم الفارس؟
و كما وجدت السياسة الأميركية ذريعة «أسلحة الدمار الشامل» ،التي لم تظهر حتى الآن لغزو العراق و بالتالي غزو المنطقة بكاملها غزواً عسكرياً... كذلك يحاول رئيس الدولة التي ترفع لواء الحرية و العلمنة و بمبررات غير كافية، عنوانها العلاقة بين «الحجاب والإرهاب» شن حملة شعواء في ظاهرها ثقافية، وهي في الواقع سياسية بامتياز... فهل يفلح عراب الحرية في اجتياحه الثقافي؟...
بقلم: موسى حسين صفوان
نساء أسلمن حديثاً في مهب التحديات
المسلمون وتحديات الإندماج في المجتمعات الغريبة
تشويه الحجاب