• عدد المراجعات :
  • 1044
  • 4/16/2012
  • تاريخ :

الصراع بين السنة وابن تيمية (2)

هل الشيعة وحدهم يزورون قبور الأئمة؟

وصنف أبو بكر الحصني الدمشقي الشافعي كتاباً يـرد فيـه على ابن تيمية (1) بعنوان دفع شُبه من شَبَه وتمرد ونسب ذلك إلى الإمام أحمد ، ومما جاء في هذا الكتاب قوله : قال بعض علماء الحنابلة في الجامع الأموي في ملأ من الناس : لو اطلع الحصني على ما اطلعنا عليه من كلامه لأخرجه من قبره وأحرقه ... (2)

وقال أيضاً : ثم اعلم أنّ مثل هؤلاء قد لا يقدرون على مقاومة العلماء إذا قاموا في نحره ، فجعل له مخلصاً منهم بأنّ ينظر إلى الأمر إليه في ذلك المجلس ، فيقول له : ما عقيدة إمامك ؟ فإذا قال : كذا وكذا ، قال : أشهد أنها حق ، وأنا مخطيء ، واشهدوا أني على عقيدة إمامك ، وهذا كان سبب عدم إراقة دمه ، فإذا انفض المجلس أشاع أتباعه أنّ الحق في جهته ومعه ، وأنه قطع الجميع ، ألا ترون كيف خرج سالماً حتى حصل بسبب ذلك افتتان خلق كثير لا سيما من العوام ، فلما تكرر ذلك منه علموا أنه إنما يفعل ذلك خديعة ومكراً ، فكانوا مع قوله ذلك يسجنونه ، ولم يزل ينتقل من سجـن إلى سجـن حتى أهلكـه الله عز وجـل في سجن الزندقة والكفر . (3)

وقال أيضاً : وأزيد على ذلك ما ذكره صاحب عيون التواريخ ، وهو ابن شاكر ويُعرف بصلاح الدين الكتبي ، وبالتريكي ، وكان من أتباع ابن تيمية ، وضُرب الضرب البليغ لكونه قال لمؤذن في مأذنة العروس وقت السحر : أشركت ، حين قال :

ألا يا رسول الله أنت وسيلتي      إلى الله في غفران ذنبي وزلتي

وأرادوا ضرب عنقه ، ثم جددوا إسلامه ، ,إنما أذكر ما قاله لأنه أبلغ في حق ابن تيمية في إقامة الحجة عليه ، مع أنه أهمل أشياء من خبثه ولؤمه ، لما فيها من المبالغة في إهانة قدوته ، والعجب أنّ ابن تيمية ذكرها ، وهو سكت عنها فمن ذلك ما أخبر به أبو الحسن علي الدمشقي في صحن الجامع الأموي عن أبيه قال : كنا جلوساً في مجلس ابن تيمية ، فذكر ووعظ وتعرض لآيات الاستواء ثم قال : واستوى الله على عرشه كاستوائي هذا ، قال : فوثب الناس عليه وثبة واحدة وأنزلوه من الكرسي وبادروا إليه ضرباً باللكم والنعال وغير ذلك حتى أوصلوه إلى بعض الحكّام ، واجتمع في ذلك المجلس العلماء ، فشرع يناظرهم ، فقالوا إليه ما الدليل على ما صدر منك ؟ فقال : قوله تعالى : ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) (4) ، فضحكوا منه ، وعرفوا أنه جاهل لا يجري على قواعد العلم ... (5)

ونظير ما تقدم نقله ابن بطوطة في كتابه تحفة النظّار المعروف برحلة ابن بطّوطة ، يقول في رحلته : وكان بدمشق من كبار فقهاء الحنابلة تقي الدين بن تيمية ، كبير الشام ، يتكلم في الفنون ، إلا أنّ في عقله شيئاً ، وكان أهل دمشق يعظمونه أشد التعظيم ، ويعظهم على المنبر ، وتكلم مرة بأمرٍ أنكره الفقهاء ، ورفعوا إلى الملك الناصر ، فأمر بإشخاصه إلى القاهرة ، وجمع القضاة بمجلس الملك الناصر ، وتكلم شرف الدين الزواوي المالكي وقال : إنّ هذا الرجل قال كذا وكذا ، وعدد ما أنكر على ابن تيمية ، وأحضر العقود بذلك ووضعها بين يدي قاضي القضاة ، وقال قاضي القضاة لابن تيمية : ما تقول ؟ قال : لا إله إلا الله ، فأعاد عليه ، فأجاب بمثل قوله ، فأمر الملك الناصر بسجنه ، فسجن أعواماً ، وصنف في السجن كتاباً في تفسيـر القـرآن سماه بـ ( البحر المحيط ) ، في نحو أربعين مجلداً ، ثم إنّ أمه تعرضت للملك الناصر وشكت إليه ، فأمر بإطلاقه ، إلى أنْ وقع ذلك منه ثانية ، وكنت إذْ ذاك بدمشق فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويُذكرهم ، فكان من جملة كلامه أنْ قال : إنّ الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا ، ونزل درجة من درج المنبر ، فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء ، وأنكر ما تكلم به ، فقامت العامة إلى هذا الفقيه وضربوه بالأيدي والنعال ضرباً كثيراً حتى سقطت عمامته ، وظهر على رأسه شاشية حرير ، فأنكروا عليه لباسها ، واحتملوه إلى دار عز الدين بن مسلم قاضي الحنابلة ، فأمر بسجنه وعزره بعد ذلك ، فأنكر فقهاء المالكية والشافعية ما كان من تعزيره ، ورفعوا الأمر إلى ملك الأمراء سيف الدين تنكز ، وكان من خيار الأمراء وصلحائهم ، فكتب إلى الملك الناصر بذلك ، وكتب عقداً شرعياً على ابن تيمية بأمور منكرة ، منها أنّ المطلق بالثلاث في كلمة واحدة لا تلزمه إلا طلقة واحدة ، ومنها أنّ المسافر الذي ينوي بسفره زيارة القبر الشريف زاده الله طيباً لا يقصّر الصلاة ، وسوى ذلك ما يشبهه ، وبعث العقد إلى الملك الناصر ، فأمر بسجن ابن تيمية بالقلعة فسجن بها حتى مات في السجن . (6)

وكان من جملة ما نقله أبو بكر الحصني الشافعي حيث قال : ولنرجع إلى ما ذكره ابن شاكر في تاريخه في الجزء العشرين ، قال : وفي سنة خمس وسبعمائة في ثامن رجب عُقد مجلس بالقضاة والفقهاء بحضرة نائب السلطنة بالقصر الأبلق ، فسُئل ابن تيمية عن عقيدته ، فأملى شيئاً منها ، ثم أحضر عقيدته الواسطية ، وقرئت في المجلس ، ووقعت بحوث كثيرة ، وبقيت مواضع أخرى إلى مجلس ثان ، ثم اجتمعوا يوم الجمعة ثاني عشر من رجب وحضر المجلس صفي الدين الهندي ، وبحثوا ، ثم اتفقوا على أنّ كمال الدين الزملكاني يحاقق ابن تيمية ، ورضوا كلهم بذلك ، فأفحم كمال الدين ابن تيمية ، وخاف ابن تيمية على نفسه ، فأشهد على نفسه الحاضرين أنه شافعي المذهب ، ويعتقد ما يعتقده الإمام الشافعي ، فرضوا منه بذلك ، وانصرفوا ، ثم إنّ أصحاب ابن تيمية أظهروا أنّ الحق ظهر مع شيخهم ، وأنّ الحق معه ، فأحضروا إلى مجلس القاضي جلال الدين القزويني ، وأحضروا ابن تيمية ، وصُفع ، ورسم تعزيره ، فشُفع فيه ، وكذلك فعل

الحنفي باثنين من أصحاب ابن تيمية ... الخ . (7)

المصادر:

(1) وقد طبع هذا الكتاب بطبعة دار إحياء الكتب العربية بالقاهرة سنة 1350 هـ ، وطبعة المكتبة الأزهرية للتراث ، وهي غير مؤرخة .

(2) دفع شُبه من شَبَه وتمرد ص 34 ط . المكتبة الأزهرية للتراث . 

(3) دفع شُبه من شَبَه وتمرد ص 35 .

(4) سورة طه : 5 .

(5) دفع شُبه من شَبَه وتمرد ص 41 ، 42 .  

(6) رحلة ابن بطّوطة ص 112 ، 113 ط. دار الكتب العلمية / بيروت سنة 1407هـ .

(7) دفع شُبه من شَبَه وتمرد ص 43 ، 44 .


الصراع بين السنة وابن تيمية (1)

مصادر الفكر الوهابي

الوهابيون و صفات الله

السنة والبدعة

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)