إسماعيلَ بن أحمد الساماني
في ربيع الأول من سنة مئتين وسبع وثمانين للهجرة ,عمرو ابن الليث الصفار حاكمُ نيسابور يتمكن من عدو ألخلافه العباسية الأول في ذلك الوقت رافع بن هرثمه بعد معركة عنيفة ويبعثُ برأسه للخليفة العباسي المعتضد .
ويطلبُ من الخليفة توليتـَه بلادَ ما وراء النهر الغنية , ومرادَ كلِ طامع ثمنا لذلك. وكما هو ديدنُ كلِ من يقفُ على رأس السلطة السياسية في بغداد الخليفة أو وزراؤه ، متغلبٌ واحدٌ قوي موالٍ في كل مصر من أمصار ألدوله , هو المطلبُ الثابت للخلافة.
ولذا أرسل الخليفة العباسي لواء ألخلافه وخلعا وهدايا سنيه إلى نيسابور ورضا الخلافة عن سعي عمرو بن الليث الصفار لبسط نفوذه على بلاد ما وراء النهر، أو بلاد إسماعيل بن أحمد الساماني . كان عمرو بن الليث الصفار يستصغرُ أمر، إسماعيل بن أحمد الساماني أميرِ بلاد ما وراء النهر، فبعث إليه من نيسابور جيشا متواضعا في العدة والعدد , وجعل على ذلك الجيش خليفتـَه وحاجبـَه واخصَ أصحابه وأكبرَهم عنده الأمير محمد ابن بشير.
تقدم محمد بن بشير بجيشه إلى مدينة آمل، المدينة التي بإزاء بلاد ما وراء النهر، ولكن الأخبارَ كانت قد وصلت سريعا إلى إسماعيل بن أحمد الساماني ,فعبر إليهم بجيشه نهرَ جيحون فأدركهم فور وصولهم , وهم على قدر كبير من التعب، فأوقع بهم هزيمةً فادحه قـُتل في المعركة ستةُ آلاف مقاتل بينهم أميرُ الجيشِ نفسُه محمد بن بشير. وانهزم الباقون إلى نيسابور وهم بأسوأ حال . فكان وقعُ الهزيمة الغيرُ متوقعه في نفس عمرو بن الليث الصفار كالصاعقة. جهـّزَ عمرو بن الليث الصفار فور وصولِ طلائعِ جيشِه المنهزم ، جيشا كثيفا ,وجمع الكثيرَ من المتطوعة وأطلقَ المالَ لهذا الجيش وأحسن عدتـَه, ورغم أن جميعَ أصحابه وكبارِ قادتِه أشاروا عليه بإنفاذِ الجيوشَ تحت إمرةِ قادته الكبار والذين خبروا القتالَ طويلا وان لا يخاطرَ هو بنفسِه .
عزم عمرو على أن يقودَ كتائبَ هذا الجيش بنفسِه ليستردَ مهابتـَهُ التي بددتها هزيمتـُه , بعث إسماعيل بن أحمد الساماني كتابا إلى عمرو بن الليث الصفار جاء فيه:
انك قد وليت دنيا عريضة فاقنع بما في يدك واتركني مقيما بهذا الثغر الذي في يدي .
فأبى عمرو بن الليث الصفار إلا القتال. تقدم عمرو بن الليث الصفار أميرُ نيسابور على رأس جيشِه بعد أن أتم كاملَ استعداداتِه للمواجهة الحاسمة , ولأن الحربَ خدعه ,واصل الأميرُ إسماعيل الساماني كتبَه إلى عمرو الصفار التي يطلب فيه المصالحةَ, ويتعطفـُه بلين الخطاب لإيهامه بأنه على غير استعدادٍ للمواجهة.
ولكن الحقيقةَ كانت غيرَ ذلك. بلغ جيشُ الصفار نهرَ بلخ في موسم الفيضان ، فسأتعصى عليه العبورُ لشدةِ جريان مياه النهر, فأشار عليه قوادُه بالرجوع , ولكنه أبى إلا المواجهة , وقال : لو شئتُ أن اسكـّرَ هذا النهرَ ببيدرٍمن الأموال وأعبرَه لفعلت . انتفعَ إسماعيل بن أحمد الساماني من التحرك المكشوف لخصمه عمرو بن الليث الصفار فعبر إلى الضفة الغربية لنهر جيحون بسرعة خاطفه, وأحاط بجيش خصمِه من كل ناحية لكثرةِ جموعِه , والصفار لم يزل يعالجُ معدات العبور إلى الضفة الشرقية. انتبه عمرو إلى الحقيقة المرعبة وبشكل مفاجئ انه محاصرٌ تماما, فأُسقط ما في يده ,وبعث بكتاب إلى إسماعيل يخبره فيه بأنه وافق على الصلح الذي أراد ، وطلب المحاجزه, ولكن إسماعيل هو الذي يأبى هذه المرة ولن يقبلَ إلا بالمناجزه , فندم حينئذ عمرو بن الليث الصفار على ما فعل , ولكن لات ساعة مندم. اشتبك الجيشان في معركة حاميه كثـُرَ القتلُ فيها بين الفريقين , وبالرغم من وجود عمرو بن الليث الصفار مقاتلا بين جنوده إلا أن المباغتة حطت من معنوياتهم .
فلم يكن بين الجيشين كثيرُ قتال حتى انهزم جيشُ عمرو بن الليث الصفار شرَ هزيمة, وتفرقوا في كل ناحية طلبا للنجاة. فأمر من تبقى معه من الجنودِ, أن يسيروا في الطريق الواضح وان يغذوا السيرَ حتى ينصرفَ الذين يتبعونه خلف جملةِ جيشه, وسلك هو طريقا آخرا ظن انه منجيه . فوحلت به دابتـُه ودوابُ من معه. فمضى أصاحبُه في سبيلهم وتركوه لوحده، ولم يكن له في نفسه حيله ,فأدركه أصحابُ إسماعيل وأخذوه أسيرا. وصل خبُر اسرِ عامل ألخلافه وثقتِها الأمير عمرو بن الليث الصفار إلى أسماع الخليفة المعتضد العباسي في بغداد.
وبما أن الحقَ عند الخليفة هو دوماً مع القوي المنتصر , مدح الخليفةُ المعتضد إسماعيلَ بن أحمد الساماني وذم عمرو بن الليث الصفار في مجلسه ، وبذا برز إسماعيل بن أحمد الساماني كواحد من المع القواد في تلك النواحي وفي ذلك الزمان واشتهر أمرُه بين رجالات السياسة في البيت العباسي وقادةِ جيوشهم, الأمرُ الذي مهد فيما يأتي من الأيام لفرض ملك آل سامان كأمرٍواقعٍ معترفٍ به.
أرسل الخليفة المعتضد إلي الأمير إسماعيل الساماني الخلعَ والهدايا واقره واليا على ما كان في يده وما أنتزعه من الصفارين في المعارك الأخيرة من أعمال. وفي واحدٍ من مواقف الشهامة القليلة بين الخصوم في مثل تلك الظروف, خيّرَ الأميرُ المنتصر إسماعيل بن أحمد الساماني أسيرَه الأميرَ المهزوم عمرو بن الليث الصفار بين المقام عنده أو إنفاذِه إلى الخليفة المعتضد, وحتى يُكملَ عمرو بن الليث الصفار مسلسلَ قراراتِه الخاطئة اختار الترحيلَ إلى بغداد. فبعث به إسماعيلُ إلى هناك فلما وصل موكبُه. خرج رجالُ الخليفة على مبعدةٍ من العاصمة لاستقباله, فأدخلوه إلى بغداد مشتهرا على جمل وطيف به في المدينة إذلالا له , ومن ثم أودعَ السجنَ وبقي به محبوسا حتى اُخرج وقـُتل في عام مئتين وتسعة وثمانين للهجرة بعد عام واحد من اسرِه.
المصدر: الكامل في التاريخ...ابن الاثير
اعداد وتقديم : سيد مرتضى محمدي
القسم العربي - تبيان
المجتمع الإيراني تحت الحكم الساساني
السلالة الساسانية
أردشير الأول و توسّعِ الإمبراطورية الساسانية
الساساني شابور الثّاني