أفكار ميثاقية لأى ثورة عربية ديمقراطية
تلح ضرورة توفر أفكار ومبادئ ميثاقية لأى ديمقراطية عربية قادمة يقوم على أساسها عهد بالالتزام بقيم الثورة بين قوى الثورة وجمهورها وبين القوى السياسية المتنافسة المؤهلة للحكم. وليس المقصود هو مبادئ دستورية أو فوق دستورية، بل ترويج أفكار ومبادئ وقيم تستند إليها عملية صياغة مبادئ الدولة الديمقراطية العربية. بعضها يصلح أن يكون فى الدستور، وبعضها قيم ثاوية فى أساسه، وأخرى لا يمكن أن يشملها دستور، ولكنها توجه السياسات إذا ما تحولت إلى شبه مسلمات يمكن أن تكنى بـ«قيم الثورات العربية الديمقراطية ومقاصدها».
تلح ضرورة توفر أفكار ومبادئ ميثاقية لأى ديمقراطية عربية قادمة يقوم على أساسها عهد بالالتزام بقيم الثورة بين قوى الثورة وجمهورها وبين القوى السياسية المتنافسة المؤهلة للحكم. وليس المقصود هو مبادئ دستورية أو فوق دستورية، بل ترويج أفكار ومبادئ وقيم تستند إليها عملية صياغة مبادئ الدولة الديمقراطية العربية.
نحن نستخدم هذه العبارة مع درايتنا بالنقاش الدائر بعد كل ثورة حول تغير مصادر الشرعية. ما هو المصدر الجديد للشرعية؟ هل هى مبادئ فوق دستورية، أم هى إرادة الأغلبية؟ فالمبادئ فوق الدستورية تحتاج لمن يضعها، وإرادة الأغلبية تصلح لتغيير الحكومات مرة كل بضعة أعوام وليس لوضع الدستور. فلا يجوز تغيير الدستور بشكل متواتر، وذلك ليس فقط لأن الأغلبية متقلبة، بل أيضا لأنه يجب أن يستند إلى مبادئ راسخة.
ومهما قبلنا بسؤال الدجاجة والبيضة هذا وبحثنا عن مصادر مطلقة فوق الآنى والراهن، فإنه لا بديل عن ترسخ مبادئ وقيم متفق عليها تحكم الحياة السياسية. ولا بديل عن محاولة صياغتها والتناقش حولها.
وهنالك مصادر عديدة للقلق بشأن قدرة مرحلة ما بعد الثورة على تطبيق أهدافها، من دون نشوء تفاهم عام بين الأوساط السياسية والثقافية والاجتماعية الفاعلة حول الأهداف غير المصاغة للثورات. ونعدد هنا بعض مصادر القلق التى تدعو إلى اقتراح صياغة مثل هذه الأفكار:
1ــ ليس للثورات العربية حزب سياسى تفجرت الثورات على أساس برنامجه المفترض أن يطبقه حينما يستلم الحكم بعد الثورة. فالقوى التى قادت الثورات هى قوى تراوح نشاطها بين التنظيم والعفوية. وهى خططت لأعمال احتجاج أو خرجت مستمدة شجاعتها من نجاح ثورات أخرى فى إسقاط الحكم، وذلك قبل أن يشكل أى منها نموذجا فى الحكم أو فى إدارة البلاد. ومن هنا منبع القلق أن تقوم قوى سياسية قديمة، سواء أكانت فى الماضى فى الحكم؟ أم فى المعارضة؟، بتنفيذ برامج لم تصنع الثورة ولم تقم الثورة عليها. وإن قوة الإلزام الوحيدة المتوفرة هى تبنى مبادئ الثورة فى دستورين:
دستور القلوب والضمائر التى رنت للتخلص من حكم جائر، والدستور الذى ينظم أسس إدارة الدولة من جهة، والذى تقوم عليه التشريعات المقبلة بوصفه «أبو القوانين» كما يقال من جهة أخرى. وتضغط المبادئ القائمة فى دستور الضمائر والقلوب على القوى السياسية، بما فى ذلك القديمة منها، لكى تعدّل نفسها وسلوكها بموجبها وتتكيّف معها. ويأتى الضغط من الرأى العام، ومن جمهور مؤيديها، وحتى من قواعدها الحزبية. ومن هنا أهمية تعميمه.
2ــ الاحتمال قائم بأن تكيّف الطبقات القديمة الحاكمة نفسها للتعاون مع قيادات سياسية جديدة، لأهداف وغايات مختلفة تتصل بمحاولة تعويم نفسها فى الفضاء الجديد الذى خلقته الثورات وحتى لاحتواء هذه الثورات، من دون تبنى مبادئ الثورة، وخاصة فيما يتعلق بمبادئ العدالة الاجتماعية وحقوق المواطن.
3ــ ليس بالضرورة أن تشكل الأغلبية التى دعمت مبادئ الثورة الأساسية التى شكلت روحها أغلبية انتخابية فى كل لحظة زمنية معطاة. لقد قادت الثورات العربية وما زالت تقودها قوى شبابية ونشطاء دعمتهم لاحقا قوى سياسية مختلفة متفاوتة القوة، ولكن لم يكن بوسع أيٍ منها أن يقود الثورة لوحده، حتى لو افترضنا توفر قوة انتخابية عددية مفترضة لديه فى تلك اللحظة. فهو وحده لا يصنع الثورة، والدليل أنه لم يصنع ثورة حتى نشبت الثورة من دونه، ثم استمرت بمشاركته. أما الأغلبية الانتخابية ما بعد الثورة فقد تنتج عن ظروف أخرى، وعن معطيات لم تكن قائمة فى الثورة. ففى الثورة لا تصوت غالبية السكان، بل تدعم بالفعل أو بالقول أو بالصمت القوى التى تحركت وقادتها.
الدولة المدنية هى الدولة التى تقوم على أساس المواطنة والحقوق المدنية. ولا يهم أن يكون الحزب الذى يحكم قد تبنّى فى السابق، أو يتبنى حاليا أيديولوجية دينية او يسارية او ليبرالية.
4ــ ليست الديمقراطية حكم الأغلبية، بل هى حكم الأغلبية بموجب قواعد وأسس ديمقراطية تضمنها مبادئ ينص عليها الدستور صراحة او تستمد من روحه، وهى الأسس التى لا يقوم من دونها أى نظام ديمقراطى. قد تدعم الأغلبية فى لحظة ما حزبا فى الحكم يطبق سياسة ما تمس بحقوق المواطن وحرياته، وقد تدعم الأغلبية حزبا يمس باستقلالية القضاء ولا يحترمها، أو يعمل بشكل حزبى داخل الجيش فيقوض أسس وطنية الجيش، ويلحقه بحزب بدل أن يتبع الوطن والشعب والسيادة. وقد تدعم الأغلبية فى لحظات تاريخية محددة فعلا غير ديمقراطى.
ويبدو هذا تناقضا ولكنه ليس كذلك. فالأغلبية قد تكون غير ديمقراطية إذا منحث ثقتها لرئيسٍ ما مدى الحياة، أو إذا دعمت تقييد حقوق المواطن، أو إذا أيّدت التمييز بين المواطنين بسبب العقيدة أو الجنس أو الأصل. وقد لا تدعم الأغلبية الفعل غير الديمقراطى بذاته، ولكنها قد تدعم لأسباب معينة حزبا يتبنى سياسات غير ديمقراطية لأسباب أخرى.
5ــ ربما تكون مطالب الجمهور عادلة، ولكن هذا لا يعنى أنه دائما على حق. والجماهير المتحركة فى ثورة ضد نظم الحكم الجائرة هى على حق بالتأكيد. وهذا هو المبدأ فى الموقف من حركات الجماهير. ولكن هذا لا يعنى أن هنالك عدالة جماهيرية، أو أن العدالة هى ظاهرة جماهيرية.
فالعدالة تتم بموجب قواعد القانون ونصوصه. والقانون فى النظام الديمقراطى هو نتاج تشريع غالبية ممثلى الشعب فى جلسة حوار ونقاش بموجب قواعد متفق عليها، وليس فى مظاهرة فى ساحة عامة. وهى تشرّع القانون بشكل لا يتناقض مع مبادئ عامة تحافظ على النظام الديمقراطى ذاته. ولا تمس بالحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية التى يضمنها هذا النظام.
6ــ فى الدول ذات التنوع الهوياتى الذى تداخل مع السياسة، ينشأ خطر اعتبار الديمقراطية حكم الأغلبية على أساس هويةٍ فرعيةٍ معطاةٍ مفروضةٍ على الفرد مثل المذهب والطائفة والناحية، وليس على أساس الرأى والمصلحة. وهو ما ينتهى عموما إلى حكم أقلية نافدة تدعى تمثيل جماعة الهوية.
وهذا ما يترك الناس مع طغيان من نوع جديد، وهو طغيان أقلية تدعى الحديث باسم أكثرية هوياتية، غير ديمقراطية. وهو يؤدى إلى المس بحقوق المواطن المنتمى لهذه الأغلبية، أو للأقلية، لأنها تفرض عليه الانضواء فى إطار هويته الطائفية أو المذهبية أو العشائرية أو الجهوية.
واستبدال حكم طائفى أو جهوى بآخر هو ما تنجبه الحروب الأهلية وليس الثورات، وبالتأكيد ليس الثورات الديمقراطية. وقد برز فى سوريا مؤخرا، إضافة لعنف الدولة القمعى بعض حالات العنف الجسدى البدائى المجهول المصدر الذى لا يميّز عنف الدولة، بل يميز جرائم الحقد المعروفة فى الصراعات الأهلية، ما يؤكد ضرورة منازعة أى صبغة طائفية للصراع ونفى الصفة الأهلية عن النضال من أجل الديمقراطية.
7ــ نشأت فى المعارضات العربية فى عهود الاستبداد تيارات سياسية تدعو إلى تنظيم المجتمع بناء على مبادئ شمولية دينية أو علمانية، وكانت الدينية أبرزها فى العقود الأخيرة.
ولكن الديمقراطية ليست حكما بموجب أيديولوجية دينية، ولو كانت الشريعة ذاتها، ولا هى «تنافس حر» بين أحزاب فى إطارها وتحت سقفها. إنها الحكم بموجب قوانين مدنية تحترم مبادئ محددة. وهى لا تتناقض مع الشرائع السماوية، ولكنها لا تتم فى إطار يمنح الحق لرجال الدين فى تفسير ما يتطابق وما لا يتطابق معها بهدف فرضه على الدولة أو المجتمع. ويمكن القول بوثوق إنه من الأسباب التى دعت فئات واسعة ومؤثرة من الشعب إلى عدم الثورة على الاستبداد و«الرضا بواقع الحال» هو خوفان، الخوف من الفوضى، والخوف من البديل الدينى فى الحكم. ولو صرّح أحد فى ساحات الثورات أن البديل للاستبداد هو البديل الدينى السياسى كما طرح فى السبعينيات والثمانينيات لانهار التحالف المدنى ولفشلت الثورات فى إسقاط أى نظام حكم قائم. ولا يغير فى الأمر شيئا اذا سمى الحكم الدينى مدنيا بحجة أن مصدر شرعيته هو غالبية الشعب، أو لأنه لا يؤمن بالحكم بالحق الإلهى.
فليست هذه قواعد الدولة المدنية. الدولة المدنية هى الدولة التى تقوم على أساس المواطنة والحقوق المدنية. ولا يهم أن يكون الحزب الذى يحكم قد تبنّى فى السابق، أو يتبنى حاليا أيديولوجية دينية او يسارية او ليبرالية. المهم أن يلتزم بشكل واثق وموثوق بالمبادئ الديمقراطية التى تشكل أساسا لأى دستور ديمقراطى. الدولة المدنية ليست دولة دينية. ولكنها أيضا ليست الدولة العلمانية العسكرية.
وإن أى استناد إلى حكم العسكر لتجنب التيارات الدينية هو عودة للاستبداد.
تثبت الدول هويتها الوطنية والقومية (كدولة ــ أمة) فى الدساتير، كما تتفق أحزابها وقواها السياسية على مجموعة «مسلّمات إجماع قومى» لا حاجة لتوثيقها دستوريا لأنها محفورة فى النفوس عبر صياغات التجربة الجماعية من مناهج التدريس وكتابة التاريخ التقليدى والحوار بشأنه فى نقد الاساطير التاريخية، وحتى الخدمة العسكرية.
8 ــ بالإضافة للمعارضة الوطنية نشأت فى المعارضات العربية قوى سياسية تفرط بالقضايا الوطنية والقومية، أو ترى فيها جزءا من سياسات النظام القائم، وقد تكون مرتبطة بدعم أجنبى ما يجعلها تميل إلى تجاهل الدور الهدام لعلاقة الوصاية مع الولايات المتحدة والدول الصناعية الكبرى بشكل عام. وهى لا ترى أهمية جوانب مهمة فى تأسيس مسار التطور وسيادة الأمة، مثل الحفاظ على اللغة العربية وتطويرها، والموقف القاطع من احتلال أى أرض عربية، وبناء الاقتصاد الوطنى من دون إملاءات أجنبية وبموجب حاجات السكان وليس بموجب مصالح الآخرين. ولا يمكن أن ينص أى دستور على مثل هذه القضايا.
ومن هنا الحاجة لمبادئ ميثاقية تشكّل أساسا لأى فهم ذاتى للديمقراطيات العربية المقبلة وتوجه تطورها. أما الدستور فيمكن على الأقل أن يثبت هوية الدولة كجزء من الوطن العربى وبالتالى يؤسّس فكريا روحيا لمثل هذه المبادئ.
تثبت الدول هويتها الوطنية والقومية (كدولة ــ أمة) فى الدساتير، كما تتفق أحزابها وقواها السياسية على مجموعة «مسلّمات إجماع قومى» لا حاجة لتوثيقها دستوريا لأنها محفورة فى النفوس عبر صياغات التجربة الجماعية من مناهج التدريس وكتابة التاريخ التقليدى والحوار بشأنه فى نقد الاساطير التاريخية، وحتى الخدمة العسكرية.
1ــ يقوم ميثاق الثورة العربية على الموازنة بين التطلع إلى الحرية والمساواة، فحرية من دون مساواة بين المواطنين هى مقولة نظرية. ومساواة من دون حرية هى مساواة فى الذل. تشكل قيم المساواة والحرية إذا ما اقترنت بإدارة عقلانية وسياسة رشيدة أساسا للعدالة والكرامة، وأحدهما لا يدوم من دون الآخر.
2ــ يتطور التوازن بين الحرية والمساواة فى مبدأ جديد للمواطنة يقوم على الحقوق السياسية والاجتماعية.
3ـــ الدولة العربية الديمقراطية هى دولة لجميع مواطنيها.
4ـــ الشعب هو مجموع المواطنين وهو مصدر السلطات.
5ـــ إن شكل ممارسة الحرية اجتماعيا وسياسيا هى الدولة التى تضمن الحريات المدنية للمواطن والعدالة. لا يمكن حماية هذه الحريات من دون قانون. ولكى يلتزم القانون بالحريات المدنية لا بد من مبادئ متفق عليها لا يجوز أن يخرج القانون ذاته عنها.
6ـــ لا تقوم العدالة من دون سيادة القانون، والمساواة تكون أمام القانون على أساس مبادئ تشريعية عادلة تشتق منها.
7ـــ إن مساواة المواطنين امام القانون، ومساواة القانون بين المواطنين هى مبادئ تكمل بعضها بعضا. وهى مساواة لا تأخذ بعين الاعتبار أصل المواطن وجنسه وقوميته ودينه ومذهبه.
8 ـــ تقوم ديمقراطية الدولة العربية على الفصل بين السلطات والتوازن بينها فى الوقت ذاته، وعلى استقلال القضاء، وعلى التداول الدورى للسلطة بين قوى سياسية منظمة تطرح برامجها لنيل ثقة المواطنين فى عملية انتخابات حرة ونزيهة.
9ـــ النظام الذى يضمن الحريات المدنية يراقب ذاته ويراقبه الجمهور. النظام الذى يراقب ذاته ويراقبه الجمهور هو نظام منتخب دوريا. ولكى يمكن انتخاب النظام دوريا لا بد من حريات سياسية: حرية الرأى، وحرية الوصول للمعلومات، وحرية الاجتماع والتنظيم.
10ـــ يراعى فى الانتخابات مبدأ نسبية التمثيل بحيث يمنح تمثيلا لأكبر قدر ممكن من التيارات السياسية والاجتماعية والفكرية، وبحيث لا يصادر حق أحد بالتمثيل النيابى لأنه أقلية فى منطقة ما. ولا بد من تمثيل التيارات السياسية والاجتماعية والفكرية ذات التواجد ولو كأقلية على المستوى الوطنى. كما يراعى حيث يلزم مبدأ التوافق لمنع حرمان فئات واسعة من التمثيل والمشاركة. وتبقى الأولوية هى لمبدأ النسبية القائم على تمثيل المواطنين بواسطة مواطنين آخرين منتظمين فى جماعات واتحادات سياسية طوعية بناء على مواقف وبرامج سياسية تخص المجتمع ككل، وليس بناء على هويات خصوصية. لا بد من تجنب أى نظام انتخابى يؤدى إلى اصطفاف هويات مقابل بعضها البعض، أو إلى تغييب تمثيل كتل سياسية كاملة.
11ـــ إن أى حركة سياسية ترغب بالمشاركة فى إدارة شئون البلاد من خلال وجودها فى الحكم أو فى المعارضة المؤهلة للحكم هى حركة تلتزم بميثاق الثورة ومبادئها، ألا وهى مبادئ الديمقراطية.
12ــــ تعترف الثورة بحق المواطن فى بيئة إنسانية آمنة تقوم على الحرية والحق بالعيش الكريم اللازمين لممارسة إنسانيته الفردية والجماعية.
13ـــــ تشمل الحرية حرية الإنسان من القسر الجسدى وحرية الحركة والتنقل، وحرية الرأى والمعتقد والكلمة. ولا يجوز حجب الحرية من دون محاكمة عادلة.
14ـــــ لا يمكن ممارسة الحرية اجتماعيا فى انتخابات وغيرها من دون حد أدنى من التوزيع العادل للثروة، ومن دون إدماج الفئات الضعيفة والمهمّشة فى الحياة العامة. وتشمل حقوق المواطنة فى الدولة الديمقراطية العربية حقوقا اجتماعية، لا تقوم إلا على الربط بين النمو والتنمية الإنسانية الشاملة، ولا تتحقق الا بإدماج جميع الفئات والجماعات المحرومة والمهمشة مجتمعيا وتمكينها من أن يكون لها صوت سياسى مسموع ومؤثر.
15ــــ تتشكل الأمة ذات السيادة من مجمل المواطنين بغض النظر عن طوائفهم وقومياتهم. وترتبط ببقية الشعوب العربية برابطة الثقافة واللغة، وبرابطة القومية العربية التى تتشكل منها أغلبية السكان فى الدول العربية.
16ــــ حق التجمع والاتحاد والتنظيم مكفول لجميع المواطنين على أساس طوعى لغرض تحقيق نفع عام خيرى أو تنموى، سياسى أو اجتماعى، وبحيث لا تتناقض هذه الأهداف مع مبادئ الدستور. وتشجع الدولة المبادرات الاجتماعية والثقافية التى تغنى الحياة العامة، وتساعد المواطنين على أخذ دور فى تصميم حياتهم وتقرير مصيرهم. وتعزّز الدولة عملية نشوء حيز عام بين الدولة والمواطنين يصممه المواطنون ويحيونه بمبادراتهم التعاقدية المنظمة واتحاداتهم الطوعية وجمعياتهم ومنتدياتهم وحواراتهم.
17ـــ يحظى المواطنون غير العرب بحقوق المواطن كافة. إنهم جزء من الشعب، ومن الأمة المواطنية، أو من الدولة الأمة. ولهم حقوق ثقافية خاصة تشمل الحق باستخدام لغتهم والتعليم بها وكتابة آدابها إضافة إلى اللغة العربية.
18ــــ يكفل للمواطن حرية الفكر والمعتقد والضمير. ويحظر استخدام أجهزة الدولة لغرض التدخل فى معتقدات الناس لإملاء سلوك عليهم يدعى أنه مشتق من الدين، أو أنه التفسير الوحيد الصحيح للدين القويم. ليست هذه وظيفة الدولة الديمقراطية.
19ــــ تجد الدولة الديمقراطية العربية البنى لفصل مجال الأعمال بهدف الربح عن مجال السياسة، كما توجد الآليات القانونية اللازمة لمكافحة الفساد وإدخال اعتبارات من خارج الموضوع فى عملية صنع القرار والتخطيط وتحديد السياسة الاستثمارية، وعطاءات الدولة ومشاريعها، والترخيص، والتوظيف، وغيرها. كما تحارب الإثراء غير المشروع داخل جهاز الدولة وخارجه، تحاسب عليه.
20ـــ ترتبط الديمقراطية العربية بتقاليد تاريخية عربية إسلامية ولا تتنكر لميراثها التشريعى بما فيه الشريعة الإسلامية بل تبنى عليه كمصدر تشريعى وكثقافة. وترتبط الديمقراطية العربية بالتقاليد الديمقراطية كما طبقت فى العديد من دول العالم، وتتبنى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان. وهى لا تحاول اختراع ديمقراطية عربية فى كل موضوع، فلا حاجة لاختراع العجلة من جديد فى كل موضوع. وتنطلق من أن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية لا تتناقض مع الشرائع السماوية، وأنه حيثما يقام العدل تكون شريعة الله الحق.
21ــــ إن الأكثرية فى الدولة الديمقراطية العربية هى الأكثرية الديمقراطية وليس الأكثرية الدينية أو المذهبية أو القومية، وإن الأقلية هى الأقلية الديمقراطية، وليس الأقلية الدينية أو القومية. وهى أكثريات وأقليات متقاطعة بالطبع، ولكنها ليست متطابقة، لا فى الواقع ولا فى المفهوم والمصطلح.
22ـــ الكفاءة والاعتبارات المهنية هى اساس التعيين فى الوظائف الحكومية وغير الحكومية. ولا توزع وظائف الدولة أو هيئاتها المنتخبة وغير المنتخبة بموجب مواقف الناس السياسية أو هوياتهم الخصوصية أو الفرعية. ويوجد الجو اللازم لكى يتم التعيين بموجب الكفاءة. كما تمنع ممارسة التمييز بين الناس عند التعيين فى المؤسسات غير الحكومية. وترفض الدولة العربية الديمقراطية أن تكون جماعة الهوية وسيطا بين المواطن والدولة، سواء كانت المذهب أو الطائفة أو العشيرة.
23ــــ تنتخب دوريا إدارات محلية ذات صلاحيات محددة لإدارات ذاتية لا مركزية للمدن والبلدات (بلديات) والأقاليم (محافظات أو ولايات) فى كل ما يمس شئون الحياة المحلية. ويحافظ القانون على التوازن بين صلاحيات هذه الإدارات وصلاحيات المركز.
24ــــ الدولة الديمقراطية العربية جزء من الوطن العربى وتعمل على تعزيز روابط الأخوة والتعاون مع الدول العربية الأخرى، كما تعمل على تعزيز قوة ونشاط المنظمات العربية، وتفى بالتزاماتها لهذه المؤسسات. وتعمل الدولة العربية مع بقية الأقطار العربية على إقامة اتحاد عربى يشكل كيانا سياسيا واقتصاديا مؤثرا على الساحة الدولية.
25ــــ تلغى الدولة العربية الديمقراطية القيود على حركة البضائع والأشخاص بين الدول العربية، وفى مقدمتها التأشيرات، كما تعمل على التعاون مع الدول العربية الأخرى فى مشاريع اقتصادية ومشاريع بنى تحتية وغيرها.
26ـــ لا مواطنة حرة من دون أمة حرة. المواطنة الكاملة ممكنة فى الأمة الحرة ذات السيادة. إن المواطنية هى التجسيد الحقوقى الفردى لتشكل الأمة ذات السيادة. الديمقراطية هى أرقى أشكال ممارسة المواطنية بتجسيدها للمواطنية عبر الأمة الديمقراطية سيدة ذاتها ومصيرها.
27ـــ تعتبر الدولة العربية تحرير أى جزء محتل من الوطن العربى قضيتها.
28ـــ ترى الدولة العربية الديمقراطية نفسها جزءا من الدول والقوى الديمقراطية فى العالم ولا تدعم أى نظام يقوم بخرق حقوق الإنسان.
29ــــ ترفض الدولة العربية الديمقراطية أى تواجد عسكرى غربى على أرضها. ولا تقبل بأى مساعدة خارجية مشروطة بتدخل فى سياسة البلد الداخلية أو فى قراراته السيادية الخارجية. وتسعى الدولة العربية إلى تصميم اقتصادى تنموى يستغنى عن المساعدات الأجنبية. وتوجه الاستثمارات الأجنبية المباشرة لأغراض التنمية الوطنية وتدعيم ركائزها.
30ــــ تعتبر الدولة العربية الديمقراطية قضية فلسطين قضيتها.
* عزمي بشارة
مصدر: العالم