• عدد المراجعات :
  • 3929
  • 10/9/2010
  • تاريخ :

وقفة عند غزليات حافظ الشيرازي

حافظ الشيرازي

بداية لابد أن أشير إلى أن حافظ الشيرازي أعظم شعراء الغزل في إيران على الاطلاق، ومن کبار شعراء القرن الثامن الهجري، ولد وتوفي في شيراز، وجمع في ديوانه فني سعدي ومولانا جلال الدين.

سمّي حافظاً لأنه حفظ القرآن واستوعبه وتمثله في وجوده وفاضت قريحته من منهله، فهو ابن الحضارة الاسلاميّة، وثمرة من ثمارها. وحافظ الشيرازي خير من يعبرون عن معنى «العشق» في الأدب الفارسي.

القسم الأعظم من ديوانه حديث عن «العشق» ضمن مقطوعات تسمى «الغزليات» وکل غزلية تتکون من عدد من الأبيات (في حدود 7 أبيات عادة) ذات قواف وأوزان متحدة، والبيت الأول مصرّع حتماً، وکل بيت له معنى يکاد يکون مستقلاً عن غيره.

أول غزلياته يبدأها بشطر بيت عربي يدعو فيه الساقي أن يناوله کأساً کي يخفّف عنه أثقال هموم العشق الذي بدا في أوله سهلاً، لکنّ ثقل أعبائه بدت على مرّ الأيام:

 

ألا يا أيها الساقي أدر کأساً وناولها        
که عشق آسان نمود اول ولي افتاد مشکلها

 

أي: «فالعشق بدا في أوله سهلاً ثم وقعت المشاکل»

وفي بيت آخر من هذه الغزلية يتحدث عن نفسه التي لا تدعه يستقرّ لأن شوط العمر قصير:

 

مرا در منزل جانان چه امن عيش چون هـر دَم
جَرَس فرياد مي دارد که بربنديد محملها

        

أي: «أيُّ أمن عيش لي في منزل الحبيب، إذ في کل لحظة / يدق الجرس أن ارزمـوا محملکـم».

وفي بيت آخر من هذه الغزلية يشير إلى مايحيط به من أهوال تعبّر عن الهموم الکبيرة التي يحملها، ويرى أن الذين يخلدون إلى الراحة ودعة العيش لا يفهمون ما يثقل صدور العاشقين:

 

شب تاريک وبيم موج و گردابي چنين هايل
کجـا دانند حال ما سبکباران ساحلها

        

أي: «ليل مظلم وموج مخيف، ولـُجّـة هائلـة / من أين لسکان السواحل أن يعرفوا حالنا».

ثم يدعونفسه لأن يسير على طريق العشق إذا أراد أن يکون حاضراً، أي إذا أراد أن يکون ذا مکانة في ساحة الإنسانية المتکاملة:

 

حضوري گر همي خواهي ازاوغايب مشوحافظ
متى ما تلق من تهـوى دع الدنيا وأهملهـا

     

أي: «إذا أردت حضوراً مستمراً فلا تَغِب عنه يا حافظ / متى ماتلق من تهوى دعِ الدنيا وأهملها».

ويلاحظ أن البيت الأول الذي يشير فيه إلى سهولة العشق في بداية مراحله، وظهور مشاکله وثقل أعبائه في مراحل تالية، له ما يشابهه في الغزل العربي، يقول الشاعر:

 

تولـّع بالعشق حتـى عشق
  فلما استقلّ به لم يُطـق

 

 

رأى لـجّـة ظنّهـا موجـة
   فلمّـا تمکـّن منهـا غـرق

  

 

نار العشق

النار والنور من رموز الطاقة المحرکة والضياء في الأدب. وارتباط النار بالعشق ذکرته الأعرابية فيما مرّ، وعنه يقول حافظ:

 

در ازل پـرتو حسنت زتجلـّي دم زد
   عشـق پيـدا شد وآتش به همه عالم زد

    

أي: «نور جمالک تجلـّـى منـذ الأزل / فظهر العشق وأضرم في العالم ناراً».

فالجمال هو الذي خلق العشق وأضرم النار في العالم. والبرق الذي سطع من منزل ليلى أضرم النار في بيدر مجنون:

 

برقي از منزل ليلى بدرخشيد سحـر
  وه که با خَرمَن مجنون دل افگار چه کرد

 

أي: «لقد سطع من منزل ليلى في السحر برق / آه، ماذا فَعَل ببيدر المجنون المسکين».

أما نار الوادي المقدس فلم تبعث البهجة في قلب حافظ فحسب، بل إن موسى (ع) جاء إلى ذلک المکان على أمل الحصول على قبس:

 

ز آتش وادي أيمن نه منم خُرّم وبس
موسى آنجا به اميد قبسي مي آيـد

       

أي: «لستُ وحدي جذلانا من الوادي الأيمن / جاء موسى على أمل قبس الى ذلک الوادي».

 

العشق ولوم اللائمين

الحديث عن اللائمين يردده جميع العشّاق، ويکررون القول بأنهم لا يبالون بهؤلاء لأنهم لا يعرفون معنى العشق ولم يذوقوه. والحديث عن اللائمين نراه عند حافظ إذ يقول:

 

به رغم مُدَّعياني که منع عشق کننـد
      جمال چهره ي تو حُجّت موجّه ماست

 

أي: «رغم الادعياء الذين يمنعون العشق / جمالک حجتنا الوجيهة».

فالجمال حجة کافية للعشق رغم لوم اللائمين.

ويرى أن الزاهد المتمسک بالمظاهر لا يفهم حال العشاق فله الحق فيما يقول:

 

زاهد ظاهر پرست از حال ما آگاه نيست     
در حق ماهرچه گويد جاي هيچ اکراه نيست

 

أي: «الـزاهد المتظـاهر لا يعلم بحالنـا / فکـلّ ما يقوله بحقّنا لا يسيء إلينـا».

وللعشاق ألف شغل في کل خصلة من شَعرِ الحبيب فأين العشاق من اللائمين الفارغين؟ !

 

هر سر موي مرا با تو هزاران کار است
مـا کجاييم وملامتگر بيکار کجـاست

     

أي: «لنـا ألف شغل في کلّ خصلة من شعرک / أيـن نحن مـن هذا اللائم العاطـل؟!»

 

الخروج من الذاتية

 

وللتفريق بين العاشق الحقيقي وبين طالب الشهوة أو طالب الولد کما قالت الأعرابية [1] يرى حافظ أن العاشق لابد أولاً أن يتحرر من الذاتية، وإذا کان حبيس ذاته فهو لا يفهم أبداً العشق وأسراره:

 

بـا مدعي مگوييد اسرار عشق و مستي  
تا بـي خبر بميرد در درد وخود پرستي

     

أي: «لاتتحـدثوا مع المدعي عن أسرار العشق / کي يموت جاهلاً في الألم وعبادة الـذات».

ويفدي حافظ نفسه لمن بلغت همته أن يتحرر من کل مالَهُ طابع انشداد أرضي:

 

غـلام همّت آنم که زير چرخ کبود
زهـر چـه رنگ تعلّق پذيرد آزاد است

    

أي: «أناغلام همّة ذاک الذي تحت السماء الزرقاء / قد تحرر من کلّ ماله لون التعلـق بالارض».

وطريق منزل ليلى محفوف بالأخطار والشرط الأول للسير على هذا الطريق أن تکون مجنوناً، أي عاشقاً حقيقياً متحرراً من ذاته:

 

در ره منزل ليلى که خطرهاست در آن 
  شـرط أوّل قدم آن است که مجنون باشي

   

أي: «في طريق منزل ليلى المحفوف بالاخطـار / الشرط الأول لوضع قدمک في الطريق أن تکون مجنوناً».

وأي معبود تتجه إليه خارج ذاتک هو أفضل من عبادة ذاتک:

 

گر خود بُتي ببيني مشغول کار او شو 
  هر قبله يي که بيني بهتر ز خود پرستي

      

أي: «إذا رأيـت صنماً فاشتغـل بـه / کل قبلة تتجه إليها أفضل من عبادة الذات».

وإذا أردت أن تسأل عن أسرار آلام العشق فاسأل ذلک من الشمعة لا من تيار الهوى:

 

خواهي که روشنت شود اسرار درد عشق  
  از شمع پـرس قصـه زباد هوا مپرس

     

أي: «إذا أردت أن تتضح لک اسرار العشـق / فاسأل عن القصة من الشمعةلامن تيارالهوى».

 

العشق لا يفهمه إلا الخواص

والخواص ليسوا هم الذين کدسوا المعلومات، بل هم الذين طهّروا قلوبهم من کل ما سوى العشق، وهؤلاء هم الذين يعرفون أسرار العشق، والمدّعون لا يستطيعون أن يقفوا على أسراره، بل إذا أرادوا التفرج على ساحة الأسرار تصدهم يد الغيب عن ذلک:

 

مدّعي خواست که آيد بـه تمـاشاگه راز
 دسـت غيب آمـد و برسينه نامحرم زد

        

أي: «أراد المدّعـي أن يأتي ليتفرج علـى الأسرار / فجـاءت يدُ الغيب وضربت على صدرالأجنبي».

وما أجمل ما قاله الحلاج عن العشق، إذ قال لا تسألوا الشافعي (أي لا تسألوا العلماء والفقهاء) عن مثل هذه المسائل:

 

حـلاج برسر دار اين نکته خوش سـرآيد
     از شافعـي نپرسيد امثال ايـن مسايـل

 

أي: «الحلاج على المشنقة، قال بشکل رائع هذه النکتة / لا تسألوا الشافعي عن أمثال هذه المسائـل».

ومَحرَم القلب هو الذي يبقى في حرم الحبيب، ومن ليس کذلک (الاجنبي) يبقى في الإنکار:

 

هر که شد مَحْرَم دل در حَـرَم يار بمانـد 
 و آن که ايـن کـار ندانست در انکار بماند

  

أي: «من أصبح مَحرَماً للقلب بقي في حريم الحبيب / ومَن لـم يعرف کيف يکون محرماً بقي في الترديد».

وحديث العشق حديث النفس والقلب لا حديث العقل والمدرسة ومباحث القيل والقال الکلامية:

 

مباحثي که در آن حلقه جنون مـي رفت
   وراي مـدرسه وقـال وقيل مسأله بود

 

أي: «المباحث التي کانت تدور في حلقة الجنون تلک / هـي ما وراء المدرسة وما وراء القيل والقال».

 

العشق فطرة وحياة

الناس بأجمعهم يطلبون الحبيب، العاقل منهم والثمل، وکل مکان بيت للعشق مسجداً کان أم کنيساً:

همه کس طالب يارند چه هشيار وچه مست
   همه جا خانه عشق است چه مسجد چه کنشت

 

أي: «کل الناس يطلبون المعشوق الصاحي منهم والثمل / وکل مکان بيت للعشق مسجداً کان أم کنيساً».

والعشق موهبة وصلت الإنسان من ميراث الفطرة:

 

مي خور که عاشقي نه به کسب است واختيار 
   أيـن موهبـت رسيد ز ميراث فطرتم

   

أي: «عـبَّ المدام، فالعشق ليس بالکسب والاختيار / هذه موهبة وصلتني مـن ميراث فطرتـي».

والعاشق العارف لم يتعلم سوى عشق جمال الحبيب:

 

نيست بر لوح دلم جز الف قامت دوست 
چه کنم حـرف دگـر ياد نداد استادم

         

أي: «ليس على لوح قلبي سوى ألف قامة الحبيب / ماذا أفعل إذ لم يعلمني أستاذي غير ذلک».

والعشق هو الحياة وليس سواه إلا الموت، ويُفتي حافظ بأداء صلاة الميت على من خلا قلبه من العشق:

 

هرآن کسي که درين حلقه نيست زنده به عشق
   بر او نمرده به فتواى ِ من نماز کنيد

 

أي: «کل من لم يکن في هذه الحلقة حياً بالعشـق / بفتواي أقيموا عليه صلاة الميت وهـو حـيّ».

 

البلبل والوردة

کل الکون يتحرک بالعشق، والعلاقات بين الکائنات هي علاقة عاشق ومعشوق، وإلى هذه الحقيقة يرمز حافظ في حديثه عن علاقة البلبل بالزهرة. فالبلبل يُنشد متغزلاً حين يبهره جمال الزهرة:

 

بلبل ازفيض گـُل آموخت سخن ورنه نبود
 اين همه قـول وغزل تعبيه در منقارش

        

أي: «البلبل تعلم الکلام من فيض جمال الزهـرة وإلا / ما کان کلّ هذا الکلام والغزل في منقاره».

والبلبل في تغريده ينشد مقامات معنوية يقول فيها إن نار موسى ظهرت من الورد، کي تقرأ في صفحات الشجر دروس التوحيد:

 

بلبل زشاخ سرو به گلبانک پهلـوي
   مي خواند دوش درس مقامات معنـوي
يعني بيا کـه آتش موسـى نمود گل
       تـا از درخت نکتـه توحيد بشنوي

        

أي: «البلبل من غصن شجرة السرو باللحن الپهلوي / کان ينشد أمس دروساً في المنازل المعنوية / تعال فقد أبرز الورد نـار موسـى لتسمع من الشجرة رنيـم التوحيـد».

فالجمال يبعث في النفس ذلک العشق الذي يکسر صنم الذات ويجعل الإنسان يطلب الکمال المطلق وهو الله تعالى.

هذه هي طبيعة الوردة أن تشع بحسنها، وهذه هي طبيعة البلبل أن يکون قرين العشق. لا في تلک تغيّر ولا في هذا تبدّل:

 

گل يار حُسن گشته وبلبل قريـن عشق      
أيـن را تغيّري نـه وآن را تبدّلـي

    

أي: «الورد أصبح قرين الحسن والبلبل قرين العشق / لا في هذا تغيّر ولا فـي ذلـک تبـدّل».

د. محمد علي آذرشب

استاذ في جامعة طهران


خواجه حافظ الشيرازي

هوية الشعر الايراني

مدينة شيرازفي سطور

الاماكن السياحية في فارس

الحب الالهي في اشعار حافظ

حافظ الشيرازي - الشاعر العارف

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)