• عدد المراجعات :
  • 1491
  • 11/25/2007
  • تاريخ :

في تقديم الدين أو الحج
الحج

 

في تقديم الدين أو الحج المستقرإذا كانا عليه ولايفي المال إلا بأحدهما

 مسألة 39 ـ إذا وجد مالا لا يفي إلا بأداء دينه أو حجة الإسلام بعد ما استقرت عليه سابقاً وكان الدين حالاًّ مطالباً به فالحكم وجوب أداء الدين والحج متسكِّعاً ، وإن لم يتمكن من الحج إلا بصرف المال الموجود فهل الحكم التخيير لوقوع التزاحم بين وجوب الحج ووجوب أداء الدين وحيث لا يمكن له الجمع بين امتثال الحكمين ،

 ولا مرجح في البين فلابد من التخيير ، أو الحكم هو تقديم أداء الدين لأهميته أو لكونه محتمل الأهمية دون الحج ، أو الحكم عكس ذلك فيقدم الحج كذلك ؟ وجوه : أمّا التخيير فالحكم به يدور مدار عدم ترجيح أحدهما على الآخر .

وأما الحكم بتقديم الدين فربما يتمسك له بما رواه ثقة الإسلام في الكافي: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه عن هارون بن الجهم، عن المفضل بن صالح ، عن سعد بن طريف ، عن أبي جعفر (عليه السلام)قال : «الظلم ثلاثة : ظلم يغفره الله ، وظلم لا يغفره الله ، وظلم لا يدعه الله . فأما الظلم الذي لا يغفره فالشرك ، وأما الظلم الذي يغفره فظلم الرجل نفسه فيما بينه وبين الله، وأما الظلم الذي لا يدعه فالمداينة بين العباد » وفي نهج البلاغة نحوه  .

فإنه يستفاد من هذا الحديث أهمية حق الناس فإنه من الظلم الذي لا يدعه الله، بخلاف حق الله فإنه مغفور له .

وفيه : أنه لا يستفاد من الحديث كون حق الناس بالذات أهم من حق الله تعالى بحيث لو زاحمه حق الله كان الواجب تقديمه على حق الله، فترك أداء الدين ليس أشد من الزنا ، وإن كان الأول من الذنوب التي لا يدعها الله والثاني من الذنوب التي يغفرها الله .

ويمكن أن يوجه أهمية أداء الدين: بأن في أدائه حفظ حيثيتين: حيثية حق الله تعالى، وحيثية حق الناس، وأما الحج فهو ذو حيثية واحدة وهي حق الله، فيجب تقديم أداء الدين حفظاً للحيثيتين والمصلحتين .

ولكنّ فيه: أن هذا أشبه بالاستحسان، فإن المراد من دين الله هو الاُمور العبادية المأمور بها التي تمام قوامها ارتباط العبد بالله تعالى وأداء العبودية إليه مثل الصلاة والحج والصوم ، ومن حق الناس ما هو مرتبط بالناس مما أمر الله تعالى برعايته وأدائه ، وإثبات تقدم أحدهما على الآخر يحتاج إلى دليل قوي شرعي .

وأما دعوى الجزم بأهمية الدين كما ادعاه بعض الأعاظم فإن الخروج عن عهدة حقوق الناس أهم من حق الله تعالى ، فلا يخفى ما فيها .

وأما الوجه في تقديم الحج على الدين فربما يتمسك له بما في التذكرة من طرق العامة : « إن امرأةً من خثعم قالت : يا رسول الله، إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخاً كبيراً لايستطيع أن يستمسك على الراحلة فهل ترى أن أحج عنه ؟ فقال : نعم، فقالت : أينفعه ذلك ؟ فقال : أفرأيِت لو كان على أبيك دين فقضيتيه أكان ينفعه ؟ فقالت : نعم ، فقال : فدين الله أحق أن يقضى »  .

وجه الاستدلال به: أن أحقية دين الله بالقضاء لاتكون إلا لكونه أهم من دين الناس، فإذا دار الأمر بينهما يرجح ما هو الأهم منهما وهو دين الله تعالى (الحج) .

وفي هذا الاستدلال أن الرواية وإن رواها في دعائم الإسلام عن مولانا الصادق (عليه السلام) إلا أنها ضعيفة السند لإرسالها ، قال : « روينا عن جعفر بن محمد (عليهما السلام)أن رجلا أتاه فقال : إن أبي شيخ كبير لم يحج فاُجهز رجلا يحج عنه ؟ فقال : نعم، إنّ امرأةً من خثعم سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن تحج عن أبيها لأنه شيخ كبير؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : نعم، فافعلي إنه لو كان على أبيك دين تقضينه عنه أجزأه ذلك ».  مضافاً إلى أنه ليس فيها قوله : فدين الله أحق أن يقضى .

وروى نحوه في المستدرك عن تفسير أبي الفتوح (قدس سره) وفي آخره « فدين الله أحق » .

وأما ما رواه ـ العلامة رضوان الله عليه ـ عن العامة فلم أجد فيما روى قصة الامرأة الخثعمية مما عندنا من جوامعهم وصحاحهم قوله : « فدين الله أحق أن يقضى » .

فهذا أحمد روى الحديث في مسنده تارةً في ج 1 ص 212 بسنده عن الفضل بن عباس قال : « أتت امرأة من خثعم فقالت : يا رسول الله، إن أبي أدركته فريضة الله عزوجل في الحج وهو شيخ كبير لايستطيع أن يثبت على دابته قال : فحجي عن أبيك » .

وتارةً بلفظ آخر في ص 346 وفي ص 359 مع زيادة في أوله ، وفي آخره : ( وذلك في حجة الوداع ) ، وروى في ص 212: أنّ رجلا سأل النبي (صلى الله عليه وآله) ، وليس فيه « فدين الله أحق أن يقضى». وهذا مسلم رواه في صحيحه مثل ما رواه أحمد في المسند ص 359، وبسند آخر عن سليمان بن يسار عن ابن عباس عن الفضل (ص 101 ج 4 ) ليس فيها هذه الكلمة .

وكذا البخاري وأبو داود والنسائي ومالك وابن الأثير في اُسد الغابة وغيرهم وليس فيها تلك الكلمة .

نعم، توجد هذه الجملة « فدين الله أحق بالقضاء » « فدين الله أحق أن يقضى » فيمن مات وعليه صوم شهر في صحيح مسلم والبخاري وغيرهما .

وعلى ذلك فلم نعلم أن العلامة (قدس سره)عن أي مصدر من العامة أخذ هذا الحديث بلفظ رواه في التذكرة .

نعم، العبارة جاءت في حديث ابن عباس الذي رواه البخاري والنسائي في المرأة من جهينة التي « سألت النبي (صلى الله عليه وآله) أن اُمها نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت؟ اقضوا الله فالله أحق بالوفاء » .

وكيف كان فهذه الأحاديث كلها إما من المراسيل، أو هي ضعيفة الأسانيد لا يعتمد عليها، مضافاً إلى أنه يمكن الخدشة في دلالة قوله : « دين الله أحق أن يقضى » على أهمية أداء الحج، فإن ما يستفاد من هذه الكلمة أن قضاء دين الله لمن يقضي دين الناس أولى بالمراعاة، فكأنها تقول : يا من تهتم بدين الناس لاتترك الاهتمام بدين الله، فإذا أنت تعظم حق الناس عليك فالله أحق بتعظيم حقه ، وأين هذا من أهمية حق الله عند الشارع على حق الناس إذا دار الأمر بينهما ؟ وبعبارة اُخرى ، المعنى : إذا أنت تؤدي دين الناس للناس فالله أحق بالأداء والقضاء له. وأما إذا دار الأمر بين امتثال حكم الله بوجوب أداء الدين أو أداء الحج فإثبات تقديم أحدهما بأهميته على الآخر محتاج إلى دليل غير هذا .

ويدل على تقديم الحج على الدين: ما رواه الكليني، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن محبوب، عن ابن رئاب ، عن بريد العجلي  قال : « سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل خرج حاجّاً ومعه جمل له ونفقة وزاد فمات في الطريق ؟ قال : إن كان صرورة ثم مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجة الإسلام ، وإن كان مات وهو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله وزاده ونفقته وما معه في حجة الإسلام ، فإن فضل من ذلك شيء فهو للورثة إن لم يكن عليه دين » .

وإطلاقه يشمل صرورة لم يستقر عليه الحج، وأنه يجب الاستنابة من جمله مطلقاً وإن كان عليه دين، كما يشمل من استقر عليه الحج، فيستفاد منه أنه يصرف ماله في الحج بعد موته قبل أداء دينه، وهذا يدل على تقديم الحج على الدين .

لا يقال : هذا هو حكم تعلق الحج بالتركة بعد الموت، وكلامنا في تقديم الحج على الدين قبل الموت .

فإنه يقال : لو لم يكن الحج أهم من الدين لا يقدم عليه بعد الموت، ولا خصوصية في ذلك لبعد الموت . نعم، لو كان هنا دليل على تقديم الدين قبل الموت لو لم نقل بتعارضهما عند العرف يرفع اليد عن ظهور صحيحة بريد في كون الحكم بصرف المال في الحج لتقديم الحج على الدين، ونحمله على التعبد واختصاص الحكم بما بعد الموت، ولكن بعده لم يكن لنا دليل ظاهر على تقديم الدين على الحج قبل الموت، فلا نرفع اليد عن هذا الظهور ونقول بتقديم الحج على الدين مطلقاً .

ويمكن أن يقال : إن كان الدين مقدماً على الحج فليس ذلك لخصوصية الحكم المتعلق بأداء الدين، بل إنما يكون لخصوصية في الدين وإن لم يجعل المال ممنوعاً من التصرف فيه قبل أداء الدين مثل التركة ، فيجب أن يكون الدين مقدماً على الحج بعد الموت أيضاً ، ولكن يستكشف من حكم الشارع بتقديم الحج على الدين تقديمه عليه قبل الموت، فافهم وتأمل .

لو حصل الدين قبل حصول ما يستطيع به أو بعده

مسألة 40 ـ لا فرق في كون الدين مانعاً من وجوب الحج بين ما إذا حصل المال بقدر الاستطاعة بعد حصول الدين، أو قبل حصول الدين بأن حصل له مال بقدر الاستطاعة ثم صار مديوناً بأحد الأسباب القهرية كإتلافه مال الصغير من غيرعمد.

وذلك لعدم تأثير سبق الدين على حصول المال في مانعيته عن الحج، فلو حصل الدين بعد حصول المال يستكشف بها عدم الاتطاعة، ولا فرق في ذلك بين القول بعدم صدق الاستطاعة مع الدين والقول بالتزاحم، فإنّ على القول به أيضاً يقع التزاحم بعد حصول أي منهما مع بقاء الآخر الذي حصل قبله .

و إذا حصل الدين بالإتلاف العمدي يستقر الحج عليه ، لأنه تفويت عمدي للاستطاعة كما إذا أتلف المال الذي عنده .

نعم، من جهة التكليف العقلي يقع التزاحم بين أداء الدين والحج على كلا المبنيين مثل المسألة السابقة، بخلاف ما إذا كان ذلك بالإتلاف الخطئيّ فإنه لا يوجب استقرار الحج .

لو لم يف المال بالجمع بين أداء الخمس أو الزكاة وأداء الحج

مسألة 41 ـ إذا كان بذمته زكاة أو خمس وكان ما عنده من المال لا يفي بأن يجمع بين أدائهما وأداء الحج فالظاهر عدم الفرق بينهما وبين المسائل السابقة بجميع فروعها.

لأنه لا فرق في وجوب أداء الدين بين كون من له الدين فرداً خارجياً أو جهة من الجهات ( شخصاً حقيقياً أو شخصيةً حقوقيةً ) ، كما إذا كان في ذمته اُجرة الموقوفة، فمن كان حاله ذلك لا يصدق عليه عنوان المستطيع ، وعلى قول من يراه مستطيعاً يقع التزاحم بين الحكمين على ما مر .

نعم، لو كان عين المال الذي فيه الخمس أو الزكاة عنده لا يجب عليه الحج; لعدم حصول الاستطاعة بما لأهل الخمس أو أرباب الزكاة لاشتراط الاستطاعة بأن يكون له المال ، وما لأهل الخمس والزكاة ليس له ، كما إذا كان عنده أموال غيرهم من الناس .

وإذا كان الحج مستقراً عليه وكان عنده عين المال الذي فيه الخمس أو الزكاة لا يجوز صرفها في الحج ايضاً قبل أداء الخمس والزكاة .

والتعبير بتقديم الزكاة أو الخمس على الحج في هذا الفرض وسابقه يكون بالمسامحة ، بل التعبير بتقديم الدين على الحج بناءً على كون الدين مانعاً من حصول الاستطاعة أيضاً من المسامحة في التعبير ، وإنما يكون هذا التعبير على الحقيقة بناءً على حصول الاستطاعة بالمال وعدم كون الدين مانعاً وفي صورة استقرار الحج سابقاً كما مر تفصيله .

فيما اذا لم يكن الدين مانعاً

مسألة 42 ـ قد ظهر مما مر أن الدين إذا كان مؤجلا وكان المديون واثقاً بقدرته على أدائه عند حلول الأجل لا يمنع من حصول الاستطاعة.

بل وإن كان غير واثق بذلك ، إلا أن يكون غير قادر على الأداء عند حلول الأجل عرفاً ، فهل يمنع الدين من الاستطاعة إذا كان الدين مؤجلا بأجل طويل كخمسين سنة ؟

الظاهر عدم كونه مانعاً منها، وكذا إذا كان الدين من الديون التي لا يطالبه الدائن بها بحسب العرف والعادة، أو يكون المتعارف فيه ابراء المديون، فإنّ في كلّ هذه الصور لا يكون الدين مانعاً من حصول الاستطاعة، كما لا يكون مانعاً من صرف المال في غير الحج، وإن لم يكن من ضروريات معاشه فلا يأخذ عليه أحد بصرف ماله في غير الدين .


اعتبار إذن الأبوين في الحج

إذا بلغ الصبي بعد الإحرام وصار مستطيعاً

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)