• عدد المراجعات :
  • 8484
  • 1/10/2005
  • تاريخ :

مرقد الامام الجواد عليه السلام

مرقد الامام الجواد عليه السلام

 كان الإمام  موسى بن جعفر (عليه السلام) - في الأيام التي كان في بغداد - قد اشترى أرضاً في مقابر قريش لنفسه قبل وفاته ، ليدفن فيها ( 1 ) ، ما قضى الإمام نحبه دُفن فيها . و في نفس البقعة دُفن الإمام الجواد (عليه السلام) خلف قبر جدّه الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام).

و هذه البقعة الطاهرة، و المرقد الشريف، و المقام المنيف - الذي دُفن فيه الإمامان (عليهما السلام) - له تاريخ طويل ، حافل بالمصائب و المآسي، نذكر بعض ما جرى ، بصورة موجزة ، و التفاصيل مذكورة في (الكامل) لابن الأثير ، و غيره:

بعدما دُفن الإمام الجواد عند قبر جدّه الإمام موسى الكاظم ، و انقضت فترة غير معلومة - عندنا - بُنيت على قبرهما بنيّة . و سُمِّيَت البقعة بـ (

الكاظمين ) ، و كان الزائرون من الشيعة يزورون الإمامين (عليهما السلام) من مسجدٍ كان هناك ، أو من وراء حجاب آخر ، خوفاً من المناوئين . و بمرور الزمان بُنيت المساكن حول تلك البقعة المقدسة ، حتى صارت قرية من قرى بغداد ( 2 ) . و وضعوا على القبرين ضريحين - بعد هدم البنية و تجديدها - . و في أيام الديالمة ارتفع الخوف ، و كثر ازدحام الزوار من الشيعة ، و كثرت البيوت و المساكن.

و في سنة 336هجرية ، أمر معزّ الدولة أحمد بن بويه بتجديد عمارة المرقدين ، و تجديد الضريحين ، و تزيين المقام ، و بنى أمام المقام صحناً واسعاً ، رفيعَ الجدران . و عيَّن جنوداً و عساكر لخدمة المقام ، و المحافظة عليه ، و تأمين الزوار ، فكان الناس يقصدون المقام أفواجاً ، و كثُر المجاورون للمقام . و في أيام البويهيِّين ازداد المقام شهرةً ، و ازداد عدد الزوار .

و في سنة 369هـ زاد عضد الدولة في تعمير المشهد داخلاً و خارجاً. ثم جُدِّد البناء في سنة 446هـ .

و في سنة 490هـ قام أبو الفضل الأسعد بن موسى القمي - أحد وزراء الملك شاه السلجوقي - بتعمير المشهد ، و بنى الروضة المقدسة بناءً محكم الأساس . وَ وَضَعَ صندوقين من الساج على القبرين الشريفين ، و بنى مئذنتين رفيعتين حول الروضة.

و في سنة 517هـ أيضاً ، ثار المخالفون ، و هجموا على المشهد الشريف ، و قلعوا الأبواب ، و نهبوا ما وجدوا من قناديل الذهب و الفضة و المعلّقات و النفائس ، و خربوا ما وصلت إليه أيديهم من الزينة ، كل ذلك في أيام المسترشد العباسي.

و في سنة 575هـ مات المستضيء بأمر الله العباسي ، و قام ابنه الناصر لدين الله - و كان من الموالين للأئمة المعصومين (عليهم السلام) - فشرع ببناء المشهد الشريف و تعميره ، و تزيين الصندوق ، و بناء الرواق و المآذن و توسيع الصحن و الساحة ، و بناء الحُجُرات في أطرافها و جوانبها.

و في أيام الظاهر بأمر الله - ابن الناصر لدين الله العباسي - وقع حريق عظيم في المشهد الشريف ، فاحترق الأثاث و الفرش و المصاحف و الكتب ، و سرت النار إلى الصندوق و الضريح و القبّة الشريفة. فأمر الظاهر بأمر الله وزيره بتعمير المشهد ،  وفي أثناء التعمير مات الظاهر، و قام ابنه المستنصر بالله فأكمل التعمير.

و في خلال هذه السنوات ، كان شط دجلة يتفايض ماؤه ، بصورة مكررة و يُغرق البيوت و المحلات في بغداد ، و تصل الفيضانات إلى المشهد الشريف ، فكانت الخسائر و الأضرار كثيرة.

و في سنة 966هـ قام الشاه إسماعيل الصفوي بتجديد عمارة المشهد من أساسه ، و بنى القُبَّتين الشريفتين بطرزٍ جميل أنيق ، و عوّض المنارتين بأربع منائر، و بنى المسجد المعروف بالجامع الصفوي في شمال الروضة ، و قام بخَدمات و إنجازات جليلة أخرى.

و في سنة 1047هـ د خل السلطان العثماني مراد الرابع ، فنهب جنودُه مدينة بغداد ، و هجموا على الروضة الكاظمية المقدَّسة ، و نهبوا ما فيها من النفائس من قناديل الذهب و الفضة و غيرها.

و في سنة 1211هـ أمر السلطان محمد شاه القاجاري بتذهيب القبَّتين الشريفتين ، و تذهيب رؤوس المنائر الشريفة ، و أمر بتذهيب الإيوان الصغير ، و أمر بفرش الرواق و الروضة بالمرمر الأبيض ، و أضاف إلى سعة الصحن الشريف بعض البيوت المجاورة.

و في سنة 1287هـ أمر السلطان ناصر الدين شاه ، بِنَصب ضريح فضّي على الضريح الفولاذي ، و في سنة 1293هـ قام فرهاد ميرزا - عَمُّ ناصر الدين شاه - ببناء الصحن و تجديد عمارته ، فهدَمَ البنيان السابق ، و اشترى عدداً من البيوت المجاورة ، و أضافها إلى سعة الصحن ، و بنى في أطرافه الحُجُرات الجميلة ، و زيَّن جميع الجُدران بالقاشاني ، و فرش الصحن بالصخور الثمينة.

و يناسب - في هذا المجال - أن نذكر ما أنشده

الشيخ البهائي (رحمه الله) بشأن مرقد الإمامين الكاظمين (عليهما السلام).. يقول:

ألا يا قاصد الــــزَوراءَ عــــرِّجْ

ألا يا قاصد الــــزَوراءَ عــــرِّجْ

 

 

ونَعليك اخلعنْ واخضعْ خشوعاً

إذا لاحــــت لــــديك الــقُبَّتانِ

فتحتهما - لَعَمـرك - نار موسى

ونــــور محـــــمدٍ يتــــلألآنِ

و الحق يقال ، لقد بُني هذا الصرح الشريف ، و شُيِّد هذا المقام الأقدس بأجمل بناءٍ ، و أبهى آيات الفنّ المعماري ، و الجمال الهندسي ، له منظر رائع ، و مرأى تبتهج منه النفوس ، و تنشرح منه الصدور، و يشعر الزائر - حين دخوله الروضة - بالهيبة و الخشوع و الروحانية.

و تفتح أبواب المقام و الروضة من قبل طلوع الفجر، وت بقى مفتوحة إلى ساعات من الليل ، و المسلمون - على اختلاف جنسيّاتهم و قوميّاتهم - يتقرَّبون إلى الله تعالى بزيارة هذا المشهد المقدس ، و يقصدونه أفواجاً أفواجاً ، من أطراف العراق و خارجه من البلاد الإسلامية ، بل و غير الإسلامية التي يقطنها الشيعة ، و يحيطون بالضريح المقدَّس المنصوب على قبر الإمامين (عليهما السلام) ، و يتبرَّكون به بالتقبيل و الالتزام - كما هي سيرة المسلمين منذ عهد الصحابة ، ( 3 ) ، و يُلْقون في زيارتهما خطاباً مأثوراً ، يشتمل على الشهادة لهما بالإمامة و الخلافة

لرسول الله (صلى الله عليه وآله) و الإشادة بشخصيّتهما العظيمة و فضائلهما الكريمة و مواقفهما المجيدة في نشر دين الله و إحياء سُنن رسول الله و محاربة الباطل و أهله، و ما لاقياه من الأذى و الاضطهاد على يد أعداء الله الظالمين.

و قد صارت الروضة المقدسة مركزاً لذكر الله و الصلاة و تلاوة القرآن و الدعاء و الابتهال إلى الله سبحانه ، و غير ذلك من العبادات ، و ما ذاك إلا لشرافة المكان و قدسيّة المدفون فيه.

و يقوم الخطباء وا لشعراء بإلقاء الخُطَب و القصائد المشتملة على فضل أهل البيت و مكارم أخلاقهم و عظيم منزلتهم عند الله تعالى ، ثم يختمونها بذكر جانب من مصائبهم الأليمة.

و تمتاز ليلة الجمعة من كل أسبوع بكثرة الزائرين وا لمصلِّين والذاكرين. و يشتد الزحام في يوم 25 رجب ، حيث يصادف ذكرى استشهاد الإمام الكاظم (عليه السلام) و آخر يومٍ، من شهر ذي القعدة حيث يصادف ذكرى استشهاد الإمام الجواد (عليه السلام).

و هكذا الوفود الرسمية التي تزور العراق ، من ملوك و رؤساء و غيرهم ، تحظى بالمثول أمام هذين المرقدين الشريفين.

و أرباب الحوائج يتوافدون إلى الروضة المباركة ، و يرفعون حوائجهم إلى الله تعالى ، و يستشفعون بالإمام موسى بن جعفر الكاظم و الإمام محمد الجواد (عليهما السلام) في قضاء حوائجهم إلى الله عز و جل ، ( 4) لحوائج تُقضى ، و المشاكل تنحلُّ ، و الهموم تزول ، و الصعوبات تسهل بإذن الله.

و قد اشتهر الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) بباب الحوائج ، و هكذا عُرِفَ الإمام الجواد (عليه السلام) باب المراد و يُعبَّر عنهما بالكاظمين أو الجوادين.

و تقام صلوات الجماعة في هذا الصحن المقدس ، و داخل الروضة الشريفة ، و يُدفن الأموات في الحجرات المحيطة بالصحن الشريف و في الصحن أيضاً.

و خلال هذه القرون دُفن جماعة من العظماء أمثال

الشيخ المفيد محمد بن محمد بن نعمان ، و الشيخ خواجه نصير الدين الطوسي ، وغيرهما من أكابر الشخصيات ، و أعاظم العلماء و الأشراف و الأعيان، في جوار هذين المرقدين الشريفين.

الهوامش

1-كتاب الدرّ النظيم في مناقب الأئمة (عليهم السلام) للفاضل الفقيه يوسف بن حاتم الشامي العاملي.

2-أما اليوم فقد صارت مدينة كبيرة ذات شهرة عظيمة، وتسمّى بـ(الكاظمية) زادها الله شرفاً.

3-روى الحاكم النيسابوري في كتاب مستدرك الصحيحين: ج4 ص515 أن مروان بن الحكم جاء يوماً إلى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فوجد رجلاً واضعاً وجهه - أو جبهته - على القبر الشريف، فغضب وأخذ برقبة الرجل وقال له: هل تدري ما تصنع؟! فرفع الرجل رأسه، وإذا هو أبو أيوب الأنصاري، فقال لمروان: نعم إنّي لم آت الحجر، إنما جئتُ رسول الله ولم آت الحجر...). من هنا نعرف أن التبرّك بقبور أولياء الله كان شيئاً معروفاً عند الصحابة، ونعرف أيضاً أن المنع من التوسل والتبرُّك بقبور أولياء الله إنما هو من بدع بني أميَّة وضلالاتهم.

4-قال تعالى: (وابتغوا إليه الوسيلة).

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)