• عدد المراجعات :
  • 1861
  • 2/28/2004
  • تاريخ :

إباء الإمام الحسين ( عليه السلام ) عن الضيم

إباء الإمام الحسين ( عليه السلام ) عن الضيم

و الصفة البارزة من نزعات الإمام الحسين ( عليه السلام ) هي الإباء عن الضيم ، حتى لُقّب ( عليه السلام ) بـ (أَبيّ الضيم ) . و هي من أعظم ألقابه ( عليه السلام ) ذيوعاً و انتشاراً بين الناس ، فقد كان المَثَل الأعلى لهذه الظاهرة . فهو الذي رفع شِعار الكرامة الإنسانية ، و رسم طريق الشرَف و العِزّة ، فلم يخنع ، ولم يخضع لقرود بني أمية ، فآثر ( عليه السلام ) الموت تحت ظِلال الأَسِنّة . فيقول الشاعر عبد العزيز بن نباتة السعدي :

 

وَالحُسَين الذي رَأى المَوتَ فِي العِـزّ 
حَياةٌ وَالعَيش فِي الذّلِّ قَتلاً

       

فقد علّم أبو الأحرار ( عليه السلام ) الناسَ نُبل الإباء و نبل التضحية ، و يقول فيه مصعب ابن الزبير : ( و اختار الميتة الكريمة على الحياة الذميمة ) . وقد كانت كلماته ( عليه السلام ) يوم الطف من أروع ما أُثِرَ من الكلام العربي ، في تصوير العِزة ، و المنعة ، و الاعتداد بالنفس ، فكان يقول ( عليه السلام ) :

( أَلا وَ إِنَّ الدَّعي ابنَ الدَّعي قَد رَكزَ بَينَ اثنَتَينِ ، بَين السِّلَّةِ و الذِّلَّة ، و هَيهَات مِنَّا الذِّلَّة ، يأبى الله ذلك و رسوله و المؤمنون ، و حِجُور طَابَتْ وَ طَهُرتْ ، و أُنُوفٌ حَميّة ، و نُفوسٌ أَبِيَّة ، مِن أنْ نُؤثِر طَاعةَ اللِّئامِ عَلى مَصَارِعِ الكِرَام ) .

و وقف ( عليه السلام ) يوم الطف كالجبل الصامد ، غير حافل بتلك الوحوش الكاسرة من جيوش الردّة الأموية . و قد ألقى عليهم و على الأجيال أروع الدروس عن الكرامة و عِزَّة النفس و شَرَف الإباء قائلاً ( عليه السلام ) : ( وَ الله لا أُعطِيكُم بِيَدي إِعطاء الذَّليل ، وَ لا أفرّ فِرارَ العَبيد ... ) .

و ألقت هذه الكلمات المشرقة الأضواء على مدى ما يحمله الإمام العظيم من الكرامة التي التي لا حَدَّ لأبعادها ، و التي هي من أروع ما حفل به تاريخ الإسلام من صُوَر البطولات الخالدة في جميع الأحقاب . وقد تسابق شعراء

أهل البيت ( عليهم السلام ) إلى تصوير هذه الظاهرة الكريمة ، فكان ما نَظَموه في ذلك من أَثمَن ما دَوَّنَته مصادر الأدب العربي . و قد عنى شاعر أهل البيت ( عليهم السلام ) السيد حيدر الحلي إلى تصوير ذلك في كثير من روائعه الخالدة ، التي رثى بها جَدَّه الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، فيقول :

 

طَمعت أن تسومه القوم ضَيماً
وَأبى اللهُ وَالحُسَام الصَّنِيعُ
كيف يَلوي عَلى الدَّنيَّة جِيداً
لِسِوَى الله مَا لَوَاه الخُضوعُ
وَلَديه جأش أرد من الدِّرع 
لِظَمأى القَنا وَهُنَّ شُروعُ
وَبِه يرجع الحفاظ لِصَدرٍ 
 ضَاقت الأرضُ وَهي فِيهِ تَضِيعُ
فَأبى أن يَعيشَ إِلا عَزيزاً
أَو تَجَلَّى الكِفَاح وَهو صَريعُ

     

و لم تُصَوَّر منعة النفس و إباؤها بمثل هذا التصوير الرائع ، فقد عرض السيد حيدر إلى ما صَمَّمَت عليه الدولة الأموية من إرغام الإمام الحسين ( عليه السلام ) على الذل و الهَوان ، و إخضاعه لِجَورِهم واستِبدَادهم . ولكن يأبى الله له ( عليه السلام ) ذلك ، و تأبى له نفسه العظيمة التي ورثت عِز النبوة أن يُقر على الضيم . فإنه ( عليه السلام ) لم يَلوِ جِيدَهُ خاضعاً لأي أحد إلا لله عزَّ و جلَّ ، فكيف يخضع لأقزام بني أمية ، و كيف يَلوِيه سُلطانهم عن عَزمِه الجَبّار الذي هو أَرَدّ من الدرع للقنا الظامئة . و يقول السيد حيدر في رائعة أخرى يصف بها إباء الإمام ( عليه السلام ) و سُموّ ذاته ، و لعلها من أجمل ما رَثَى به الإمام ( عليه السلام ) حيث يقول :

 

وسامَتهُ يَركَبُ إِحدَى اثْنَتَينِ
وَقد صَرَّتِ الحَربُ أسنَانَها
فإما يُرَى مُذعِناً أو تموت
نَفسٌ أبَى العِزّ إِذعَانَها
فَقال لَهَا : اعتصِمي بِالإِبَاء
فَنَفْسُ الأبِيّ وما زَانَها
إِذا لم تَجِد غَير لِبسِ الهَوَانِ
فَبِالمَوتِ تَنزَعُ جُثمَانَها
رَأى القَتلَ صَبراً شِعارَ الكِرَام
     وَفخراً يَزينُ لَها شَانَهَا
فَشَمَّرَ لِلحَربِ فَي مَعرَكٍ      
بِه عركَ المَوتُ فُرسَـانَها

 

فهذا هو إباء الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، و هذه هي عزَّة نفسه .


تجلي عاشوراء في ضمائر الأحرار

الثورة الحسينية المقدسة مبدأ وسلوك

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)