• عدد المراجعات :
  • 3391
  • 9/2/2012
  • تاريخ :

العلاقات الأسرية وحركات الشبيبة

الشاب

إن الطفل الذي يشعر بحاجة إلى الرعاية الدائمة المطلقة، يرى نفسه في رعاية بديلة عن الوالدين (من شخص أو مۆسسة) والرعاية هذه تحصل مقابل ثمن ما. أما رعاية الأبوين فلا تحصل إلا في بعض الأوقات وفي حدود معينة.

إن الطفل يفتقد في مثل هذه الظروف صفة الإطلاق في والديه، وبالنتيجة يرى الوجود العام المتمثل في وجودهما محدودًا نسبيًا وسطحيًا.

إن التباعد الزماني والمكاني، والتهاء كل من الزوجين بعمله الخاص وبأجوائه الخاصة، وتقليص العطاء الزوجي بمعناه الشامل، وما يرافق هذه العناصر من تصرفات وانطباعات، تجعل العلاقات الزوجية مهزوزة، والثقة ضعيفة، والتفاهم قليلاً.

ويتقلص مقام الوالدين ومقام الوجود كله في نظر الطفل وفي مشاعره. فيراه الطفل محددًا مثمنًا، وتهتز العلاقات الوالدية، وتهتز العلاقات بين جيل الطفل والجيل السابق من خلاله. وهكذا نجد تفسيرًا للحركات العنيفة التي يمارسها الجيل الصاعد في عصرنا حيث إن الأجيال المتعاقبة كان يرتبط بعضها ببعض لا بالرباط الفكري وبالوحدة العقلانية، إذ أنها كانت دائمًا مفقودة، بل إن هذا التفاوت في التفكير والمنطق هو السبب الأساسي للتكامل والخروج عن الجمود.

ولكن الجيل الصاعد المغاير منطقيًا وعقليًا للجيل الذي سبقه، كان يرتبط به بمشاعر عاطفية متينة حيث كان يجد فيه الإطلاق في العطاء. فكانت الأم مثالاً للعطاء الدائم الشامل العميق، للعطاء اللامحدود، وكذلك الأب والمعلم والطبيب وغيرهم. وكان الطفل ينمو من خلال هذه الصورة الجذابة عن الحياة وعن الماضي، ينمو الطفل مسحورًا مجتذبًا يمتلئ وجوده بمشاعر الحب والاحترام، ويرتبط برباط وثيق من الوفاء والشعور بالمسۆولية.

وهذا الترابط العاطفي القلبي إلى جانب التغاير العقلاني، هو الذي يجعل الأولاد مكملين لدور الآباء. إنهم مجددون، ولكنهم يشكلون استمرارًا لوجود الأجيال السابقة.

وفي الخط الأفقي، حيث العلاقات الزوجية، تظهر المشكلة التي لاحظناها في الخط العمودي وفي العلاقات الوالدية.

إن التباعد الزماني والمكاني، والتهاء كل من الزوجين بعمله الخاص وبأجوائه الخاصة، وتقليص العطاء الزوجي بمعناه الشامل، وما يرافق هذه العناصر من تصرفات وانطباعات، تجعل العلاقات الزوجية مهزوزة، والثقة ضعيفة، والتفاهم قليلاً.

إن نمو الفرد في الأسرة بمعزل عن الآخرين، نموًا عقليًا واجتماعيًا، يجعل التفاوت بين أفرادها ينمو فتحدث هوة تتعمق باستمرار بين الزوجين أنفسهما وبين الأولاد.

المشكلة من أساسها:

والحقيقة أن المشكلة هذه لا تقف عند حدود العلاقات الوالدية والعلاقت الزوجية، بل تقتحم العلاقات الاجتماعية كلها فتعطي صورة خاصة عن المجتمع، تقوم العلاقات بين أفراده على أساس عطاء محدود ومثمن. وتجعل التفاعل بين الأفراد، التفاعل الذي هو حقيقة المجتمع، تجعله تفاعلاً آليًا غير إنساني وبلا روح.

إن الوالدين اللذين يقومان بدورهما بصورة رسالية ومطلقة، وإلى درجة التفاني في خدمة الطفل - الوالدان هذان- يغمران مشاعر الطفل ويملآن عقله إيمانًا، وقلبه حبًّا، ووجوده رعاية. ويعيش الطفل وينمو في هذا البحر المتدفق مۆمنًا ملتزمًا مكملاً لرسالة والديه وفيًّا لعطائهما ولجيلهما.

والسبب الحقيقي لهذه المشكلة، هو اعتماد المادة والمادية قاعدة لبناء الحضارة، وعزل ما وراء الطبيعة عن التأثير في الحياة كما ارتآه بناة الحضارة الحديثة.

إن المادة لا يمكن أن تكون مطلقة، ولذلك فالعطاء البشري الذي هو صلته ببني نوعه، والذي هو أساس تكوين مجتمعه، هذا العطاء قائم على أساس مادي، فهو نسبي ومحدود حيث ينطلق من دافع مادي ومحدود. فكل فرد يقدم لمجتمعه عملاً يتحدد بنسبة الأجر الذي يأخذه من مجتمعه، وبمقدار المنفعة التي تعود إليه.

إن هذا المجتمع، يعيش كل فرد فيه، غريبًا يرتبط مع الآخرين بحسب منافعه المشتركة معهم، فالمجتمع شركة تجارية كبيرة تضم شركات أصغر منها باسم الأسرة والعائلة والطبقة والصداقة والوطن والأمة.

وفي هذا المجتمع يصبح التباعد الزماني أو المكاني خطرًا على الأسرة، وسببًا لاهتزاز العلاقات، حيث الفتاعل يتقلص، والمصالح المشتركة تتضاءل من أجل مصالح أخرى مشتركة بين أفراد الأسرة والآخرين.

رأي الإسلام هنا:

إن المجتمع الذي يقترحه الإسلام هو المجتمع الإنساني الحي، الذي يرتبط الأفراد فيه بعضهم ببعض من خلال عطاء مطلق لا يحدد ولا يثمن.

إن العمل هنا رسالة يجب تحقيقها ببذل كل ما في طاقة الفرد، فهو قطعة من وجود الإنسان ذابَت فتحولت إلى العمل.

والعمل حي مثل الإنسان، عبادة، لا يمكن تجمديه ولا تثمينه. والمجتمع الذي يتكون من هذه الأعمال وهذه العلاقات مجتمع حي كمثل الجسم الواحد على حد تعبير الحديث الشريف.

والعمل بهذه الصورة ينبَغ من الإيمان بالمطلقات وبالقيم التي لا ينفصل الإيمان بها عن الإيمان بالله.

والمۆمن بالله يهدف من خلال عمله إلى هدف أسمى، هو كماله، ولذلك فإن عمله هو حركته التكاملية نحو الأفضل، ولا يقصد من خلاله الوصول إلى الأجر الذي يقدمه له مجتمعه بل الأجر هذا هو واجب مجتمعه تجاهه، وليس ثمنًا لعمله.

وهنا نشعر بالصورة التي يرسمها الإسلام للمجتمع، إنه موجود حي وواحد متماسك الأجزاء، وله شركة وشركاء ومتحالفين.

ومن خلال صورة المجتمع وتبين أدوار جميع الأفراد المطلقة، نتلمس دور الأمومة والأبوة المطلقة. فنصل إلى علاج المشكلة المطروحة.

إن الوالدين اللذين يقومان بدورهما بصورة رسالية ومطلقة، وإلى درجة التفاني في خدمة الطفل - الوالدان هذان- يغمران مشاعر الطفل ويملآن عقله إيمانًا، وقلبه حبًّا، ووجوده رعاية. ويعيش الطفل وينمو في هذا البحر المتدفق مۆمنًا ملتزمًا مكملاً لرسالة والديه وفيًّا لعطائهما ولجيلهما.

والزوجان أيضًا يشكلان وحدة متكاملة خلال العطاء المطلق الرسالي، الذي يقدمه كل منهما للآخر، ويقدماه معًا للأولاد. المهم هو نوعية العطاء، لا حجمه، ولا كميته، فالمشكلة لا تحصل في الأساس.


تجلي روح الأم بين أعضاء الأسرة

المنهج التربوي العام في العلاقات الأسرية

دور الأم في البناء الثقافي للطفل

ظواهر اجتماعية في طريقها إلى الزوال

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)