• عدد المراجعات :
  • 827
  • 12/21/2010
  • تاريخ :

المسلمون ووحي القرآن (5)

الورد

د- الاختلافات وضرورة القانون: اضطر الانسان ان يتقبل النظام الاجتماعي للاهداف التي لا يمكنه الوصول اليها بدونه، ولذا ربما يتنازل عن بعض ما له من الحرية لضمان حريات الآخرين. ولكن لا يكفي مجرد وجود التعاون الاجتماعي مع ما نراه من الاختلافات الطبقية وعدم التوازن في الاستغلال والاستثمار وشدة الفروق الكبيرة في القوى الروحية والجسدية. وقد نرى أيضاً أن المنافع التي ينتظر أن تكون سبباً للاصلاح الفردي والاجتماعي، أصبحت سببا لظهور أنواع الاختلاف والمشاجرات.

من هنا يعلم الحاجة إلى سلسلة من المقررات المشتركة التي يتفق أفراد المجتمع على اقرارها والتسليم لها، فان من البديهي المسلم أن معاملة ما مهما كانت صغيرة وبسيطة لابد فيها من مقررات مشتركة بين البائع والمشتري حتى تتحقق المعاملة بالشكل المرضي على ضوء تلك المقررات.

فاذن لامحيص من قوانين خاصة يسري مفعولها على كل الأفراد، ليبقى المجتمع متماسكا لا يتسرب اليه التفكك وليحفظ بها المنافع والمصالح.

ولهذا نجد المشرع الأول الذي يريد هداية الانسان إلى الصراط المستقيم ومافيه الحق، وضع القوانين التي تضمن سعادة الدنيا والآخرة، ودعى الناس إلى اتباعها وتحقيقها في حياتهم اليومية. قال تعالى: ?مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ?(عبس:19-20).

 

هـ - لايكفي العقل في هداية الانسان إلى القانون: مهما كانت هذه الهداية وكيفما تحققت فهي من الفيض الرباني لأنه تعالى هو الذي خلق الخلق وجعل له هدفاً في مسيرته الحياتية تضمن سعادته، وهو الذي أرشده إلى الهداية العامة التي من ضمنها هدايته.

وواضح انه لا يسري الخطأ والتناقض في أفعال الله عز وجل، فلو لم ينتج سبب الهدف الخاص به أو ينحرف عنه فليس ذلك من ذنب السبب، بل هو مستند إلى تأثير السبب أو الأسباب الأخرى التي منعت الوصول إلى ذلك الهدف أو الانحراف عنه، فان السبب الواحد لا يصدر منه الأمور المتضادة والمتناقضة ولا يخطأ ولم ينحرف لو لا مزاحمة الأسباب.

من هنا يتبين أن العقل وحده لا يمكنه هداية الانسان إلى القانون، لأنه هو الذي يدعو في بعض الاحيان إلى الاختلاف وهو الذي يوقظ غريزة الاستثمار وجلب النفع بصورة مطلقة وبحرية كاملة، وهو الذي يضطر الى أن يتقبل المجتمع المتوازن كل ذلك لما يحس به من المزاحم الذي يزاحمه.

ومن البديهي أن القوة الواحدة لا يصدر عنها أثرين متناقضين احداث الاختلافات ورفعها.

ان ما يحدث من سحق الحقوق وعدم الوفاء بالوعود وما أشبه هذا من الامور، انما يحدث من العقلاء الذين لهم الادراك الكامل ولولا العقل لما صح عندما يفعلونه ذنبا ولما صح العقاب عليه. فلو كان العقل يدل حقا على القوانين الرافعة للاختلاف ولم يكن يتخلف عن واجبه، لما كان يرضى بما يصدر عن الانسان مما ذكرناه، بل كان يمنع منه أشد المنع.

العامل الأصلي في التخلي عن الواجب مع وجود العقل، هو أن العقل يضطر إلى الحكم بقبول مجتمع يحافظ على التوازن ويرعى القوانين المتضمنة للعدالة الاجتماعية، ويوجد هناك مزاحم يحد من الحرية الكاملة في العمل، ولولا وجود المزاحم لما كان العقل يحكم برعاية التعاون والعدالة الاجتماعية.

المتخلفون عن القانون هم الذين يملكون قدرة فوق القدرة المجرية لذلك القانون، فيتخلفون عنه بلا وجل ولا خوف، أو الذين يلجأون إلى مخبأ يصعب الوصول اليهم لبعدهم عن القوة المجرية، أو كونهم في مكان حريز غفل عنهم المراقبون، أو يتخلفون عنه لأعذار تخيلوها في أذهانهم ليظهر أعمالهم بمظاهر قانونية، أو ينتهزون ضعف من يستثمرونه لمصالحهم.. وعلى كل حال لا يجدون من يزاحمهم أو يضايقهم، أو يزاحمهم ويضايقهم من هو أضعف منهم ولا يملك القوة الكافية لمقاومتهم وسحقهم. ففي هذا الموضوع ليس للعقل حكم خاص، وهو لا يجد شيئا من الحرية المطلقة، ويدع غريزة الاستخدام والاستثمار بحالها.

فاذن ليس في نطاق العقل وحده أن يرشد إلى قانون اجتماعي تام يضمن نفع المجتمع والفرد بشكل عادل، لأن العقل يدفع إلى رعاية مثل هذا القانون لو لم يجد مزاحما، فاذا وجد مزاحما يمنعه عن حريته المطلقة، يمتنع هو بدوره عن هذا الدفع بل ربما يحكم بخلافه.

قال تعالى: ?كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى?(العلق:6-7).

من أنواع الاستغناء، الاستغناء عن التعاون الاجتماعي ورعاية القانون في حفظ حقوق الآخرين.

 

ولاتكون الهداية الا بالوحي: إن الانسان كبقية الموجودات له هدف ذاتي خاص يضمن سعادته، ولما كان حسب تكوينه محتاجا إلى الحياة الاجتماعية فسعادته وشقاؤه في سعادة المجتمع وشقائه، وهو جزء واحد من الهياكل الاجتماعية ولابد أن يجد سعادته وحسن عاقبته في سعادة المجتمع.

وإنَّ الطريق الوحيد للحصول على ضالته المنشودة هو القانون المشترك الذي فيه السعادة الاجتماعية التي بضمنها سعادته الفردية.

وإذا علمنا ضرورة هداية الانسان كسائر الأشياء إلى ذلك الهدف الذي يشتمل على سعادته، وارشاده إلى المقدمات الموصلة اليه. ومعنى هذا انه يجب أن يدل إلى القانون المشترك الذي يلزم مراعاته.

من كل هذه المقدمات نستنتج أنه لابد للانسان من ادراك يدله على هدفه غير الادراك العقلي. والطريق الوحيد الذي نعرفه غير طريق العقل هو ما نجده في أشخاص يسمونهم بـ"الأنبياء" ومبعوثي الاله، وهو الذي يسميه الانبياء بـ"الوحي السماوي"، ويقيمون على اثبات مدعاهم الادلة والحجج.

قال تعالى: ?كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ?(البقرة:213).

ويقول: ?إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ?(النساء:163) إلى أن يقول ?رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ?(النساء:165).

الآية الأولى تصرح بأن لا يمكن حل الاختلافات الا من طريق الوحي والنبوة، والآية الثانية تعتبر الوحي والنبوة الدليل الوحيد لاتمام الحجة على العباد. ولازم هاتين الآيتين أن العقل لا يكفي لأن يكون دليلا للهداية واتمام الحجة. بمعنى أن الأنبياء لو لم يبعثوا ولم يبلغوا الأحكام الالهية، لم يكن مجرد أن الناس عقلاء يدركون قبح الظلم والفساد موجبا للعقاب في العالم الآخر بدون بعث الأنبياء وبيان الأحكام الالهية.


المسلمون ووحي القرآن ( 1)

المسلمون ووحي القرآن (2)

المسلمون ووحي القرآن (3)

المسلمون ووحي القرآن (4)

حاجة المجتمع إلى المعرفة (1)

حاجة المجتمع إلى المعرفة (2)

حاجتنا الى القادة الالهيين

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)