• عدد المراجعات :
  • 841
  • 11/28/2010
  • تاريخ :

اللطف الإلهي (2)

الورد

الظاهر لا، إلا من باب الجود والتفضل.

وبذلك يعلم أن اللطف المقرب إذا كان مؤثراً في رغبة الأكثرية بالطاعة وترك المعصية يجب من باب الحكمة.

وأما إذا كان مؤثراً في آحادهم المعدودين، فالقيام به من باب الفضل والكرم.

وبذلك تقف على مدى صحة ما استدل به بعضهم على اللطف في المقام، أو سقمه.

استدل القاضي عبد الجبار على وجوب اللطف بقوله: "إنه تعالى كلّف المكّلف، وكان غرضه بذلك تعريضه إلى درجة الثواب، وعلم أن في مقدوره ما لو فعل به لاختار عنده الواجب، واجتنب القبيح، فلا بد من أن يفعل به ذلك الفعل وإلا عاد بالنقض على غرضه، وصار الحال فيه كالحال في أحدنا إذا أراد من بعض أصدقائه أن يجيبه إلى طعام قد أتخذه، وعلم من حاله أنه لا يجيبه، إلا إذا بعث إليه بعض أعزته من ولد أو غيره، فإنه يجب عليه أن يبعث، حتى إذا لم يفعل عاد بالنقض على غرضه. وكذلك ها هنا"1.

وقال العلامة الحلي: "إن المكلِّف (بالكسر) إذا أن المكلِّف لا يطيع إلا باللطف، فلو كلفه من دونه كان ناقضاً لغرضه، كمن دعا غيره إلى طعام، وهو يعلم أنه لا يجيبه إلا أن يستعمل معه نوعاً من التأدّب، فإن لم يفعل الداعي ذلك النوع من التأدب كان ناقضاً لغرضه، فوجوب اللطف يستلزم تحصيل الغرض"2.

وقال الفاضل المقداد: "

إنا بيَّنّا أنه تعالى مريد للطاعة وكاره للمعصية، فإذا علم أن المكلف لا يختار الطاعة، أو لا يترك المعصية، أو لا يكون أقرب إلى ذلك إلا عند فعل يفعله به، وذلك الفعل ليس فيه مشقة ولا غضاضة، فإنه يجب في حكمته أن يفعله، إذا لو لم يفعله لكشف ذلك: إما عدم إرادته لذلك الفعل، وهو باطل لما تقدم، أو عن نقض غرضه، إذا كان مريداً له، لكن ثبت كونه مريداً له فيكون ناقضاً لغرضه.

ويجري ذلك في الشاهد مجرى من أراد حضور شخص إلى وليمة، وعرف أو غلب على ظنه أن ذلك الشخص لا يحضر إلا مع فعل يفعله، من إرسال رسول أو نوع أدب أو بشاشة أو غير ذلك من الأفعال، ولا غضاضة عليه في فعل ذلك فمتى لم يفعل عُدّ ناقضاً لغرضه.

ونقض الغرض باطل، لأنه نقص، والنقص عليه تعالى محال، ولأن العقلاء يعدونه سَفَهاً وهو ينافي الحكمة"3.

وهذه البيانات تدل على أن اللطف واجب من باب الحكمة.

هذا كلام القائلين بوجوب اللطف، وهو على اطلاقه غير تام، بل الحق هو التفصيل بين ما يكون مؤثراً في تحقق التكليف بشكل عام بين المكلفين، فيجب من باب الحكمة، وإلاّ فيرجع إلى وجوده وتفضله من دون إيجاب عليه.

واستدل القائل بعدم وجوبه بقوله: "لووجب اللطف على الله تعالى لكان لا يوجد في العالم عاص، لأنه ما من مكلف إلا وفي مقدور الله تعالى من الألطاف ما لو فعله به لاختار عنده الواجب واجتنب القبيح، فلما وجدنا في المكلفين من أطاع وفيهم من عصى، تبين أن الألطاف غير واجبة على الله تعالى"4.

يلاحظ عليه: أنَّ كون العاصي دليلاً على عدم وجوبه، يعرب عن أنّ المستدل لم يقف على حقيقة اللطف، ولذلك استدل بوجود العصاة على عدم وجوبه، فهو تصور أن اللطف عبارة عما لا يتخلف معه المكلف عن الإتيان بالطاعة وترك المعصية، فنتيجته كون وجود العصيان دليلاً على عدم وجوده، وعدم وجوده دليلاً على عدم وجوبه، مع أنك قد عرفت في أدلة القائلين به بأنه ما يكون مقرباً إلى الطاعة ومبعّداً عن المعصية من دون أن يبلغ حد الإلجاء.

يقول القاضي عبد الجبار بان العباد على قسمين، فإن فيهم من يعلم الله تعالى من حاله أنه إن فعل به بعض الأفعال كان عند ذلك يختار الواجب ويتجنب القبيح، أو يكون اقرب إلى ذلك. وفيهم من هو خلافه حتى إنْ فَعَلَ به كُلَّ ما فعل لم يختر عنده واجباً ولا اجتنب قبيحاً5.

ويؤيده ما ورد في الذكر الحكيم من أن هناك اُناساً لا يؤمنون ابداً ولو جاءهم نبيهم بكل أنواع الآيات والمعاجز.

قال سبحانه: ?وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْم لاَ يُؤْمِنُونَ?(يونس:101).

وقال سبحانه: ?وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَة مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ?(البقرة:145).

وفي الختام، نقول: إن اللطف سواء أكان المراد منه اللطف المحصِّل أو اللطف المقرّب، من شؤون الحكمة، فمن وصفه سبحانه بالحكمة والتنزّه عن اللغو والعبث، لا مناص له عن الإعتقاد بهذه القاعدة، غير أنّ القول بوجوب اللطف في المحصّل أوضح من القول به في المقرّب.

ولكن يظهر من الشيخ المفيد أن وجوب اللطف من باب الجود والكرم، قال: "ان ما اوجبه أصحاب اللطف من اللطف، إنما وجب من جهة الجود والكرم ،لا من حيث ظنوا أن العدل أوجبه، وأنه لو لم يفعل لكان ظالماً"6.

يلاحظ عليه: إن إيجابه من باب الجود والكرم يختص باللطف الراجع إلى آحاد المكلفين، لا ما يرجع إلى تجسيد غرض الخلقة أو غرض التكليف عند الأكثرية الساحقة من المكلفين، كما عرفت.

ثم إن المراد من وجوب اللطف على الله سبحانه، ليس ما يتبادر إلى اذهان السطحيين من الناس، من حاكمية العباد على الله، مع أن له الحكم والفصل ،بل المراد إستكشاف الوجوب من أوصافه تعالى، فإن أفعاله مظاهر لأوصافه تعالى، كما أن أوصافه مظاهر لذاته تبارك وتعالى.

فإذا علمنا بدليل عقلي قاطع أنه تعالى حكيم، استتبع ذلك واستلزم العلم بأنه لطيف بعباده، حيثما يبطل غرض الخلقة أو غرض التكليف، لولا اللطف.

*الإلهيات،آية الله جعفر السبحاني. 

-----------------------------------------------------

الهوامش:

1- شرح الاصول الخمسة، ص 521.

2- كشف المراد، الفصل الثاني، المسألة الثانية عشرة، ص 325، ط قم 1407 هـ .

3- ارشاد الطالبين، ص 277-278.

4- شرح الاصول الخمسة، ص 523.

5- شرح الاصول الخمسة، ص 520.

6- أوائل المقالات، ص 25-26.


اللطف الإلهي (1)

النبوّة العامة - القرآنُ وأهداف النبوّة (2)

النبوّة العامة – بعث الرسل للهداية والاِرشاد (1)

افضل الطرق لمعرفة النبي

المسلمون ووحي القرآن (1)

أدلة منكري بعثة الإنبياء

الأدلة النقلية على وجوب الدعوة

 

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)