• عدد المراجعات :
  • 1321
  • 11/8/2010
  • تاريخ :

علم الكلام و رصد الحركات الإلحادية

الورد

أُسس علم الكلام في القرون الإسلامية الأُولى ولم يكن تأسيسه وتدوينه إلا ضرورة دعت إليها حاجة المسلمين إلى صيانة دينهم وعقيدتهم وشريعتهم. وأول مسألة طرحت على بساط البحث بين المسلمين هي حكم مرتكب الكبيرة الّتي اختلف فيها المسلمون إلى أقوال، فمن قائل بأنه كافر، إلى قائل بانه ليس بمؤمن ولا كافر، بل في منزلة بين المنزلتين، ويعاقب أقل من عقاب الكافر، إلى ثالث بأنه مؤمن فاسق. وتلت هذه المسألة حدوث كلامه سبحانه أو قدمه فأحدثت بين المسلمين ضجة كُبرى، وصارت مبدءً لمحنة أو محن. وفي عرض هذه المسألة ارتفع النقاش حول الصفات الخبرية الواردة في الكتاب والسنة، كاليد، والعين والإِستواء على العرش إلى غير ذلك من الصفات.

ثم إنه كلما ازداد الاحتكاك الثقافي بين المسلمين والأجانب، وشاعت ترجمة الكتب الفلسفية والعقيدية للفرس واليونان وغيرهما، زاد النقاش والبحث حولها، للاصطكاك بين تلك الآراء وما جاء به القرآن والسنة، فلم يجد المسلمون في تلك الاجيال إلا التدرع بالبراهين العقلية حتى يصونوا بذلك حوزة الإسلام من السهام المرشوقة الّتي ما زالت تطلق إلى قلب الإِسلام والمسلمين، ونواميس الدين والشريعة. فشكر الله مساعي الجميع من سنة وشيعة في حفظ الدين وصيانته.

هذا ما قام به القدماء في أداء وظيفتهم الرساليّة، لكن التاريخ يشهد بأن قسماً كبيراً من مسائل علم الكلام، حول المبدأ والمعاد، وحول التوحيد والعدل، متخذة من خطَب الإمام امير المؤمنين عليه السلام، وانه هو البطل المقدام في دعم هذه الأُصول وإحكامها. ولو اعترفت المعتزلة بأن منهجهم الكلامي يرجع إلى عليٍّ عليه السلام فقد صدقوا في انتمائهم وانتسابهم إلى ذاك المنهل العذب الفياض. وليس عليٌّ وحده من بين أئمة أهل البيت، أقام دعائم هذا العلم وأشاد بنيانه، بل تلاه الائمة الاخر منهم، كعليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام (ت 38- م 94 هـ)، فقد صقل العقول والأَذهان الصافية بأدعيته المعروفة الّتي هي لباب التوحيد وصفوة المعارف الإِلهية، وفيها من العرفان الصافي ما لا يوجد في غيرها. كما أن صادق الأمة وامامها جعفر بن محمد عليه السلام (ت 83 - م 148 هـ) رفع صرح المدرسة الكلامية الموروثة من آبائه وأجداده، يقف عليه من سبر أحاديثه وكلماته وأماليه، حتى جاء عصر الإمام الثامن علي بن موسى الرضا (ت 148- م 203 هـ) فأضفى على المسائل الكلامية ثوباً جديداً، وأبان عن المعارف في مناظراته مع أهل الكتاب والزنادقة، وأسكت خصماءه، ودحض شبهاتهم، وردَّ أيديهم إلى أفواههم.

ولو لم يكن لأئمة أهل البيت ميراثٌ كلاميٌ سوى كتاب توحيد الصدوق (ت 306- م 381 هـ)، واحتجاج الطبرسي (المتوفى حوالي 550 هـ) لكفى فخراً في الدفاع عن حياض الإسلام ومعارفه وعقائده.

وقد استخدم ائمة أهل البيت في بحوثهم ومناظراتهم، الوسائل الّتي كان الخصم يستخدمها ويعتمد عليها. كما أن لفيفاً من علماء الكلام قد دقوا هذا الباب ووردوا هذه الشريعة، فتدرعوا بأحسن ما كان خصماؤهم متدرعين به، كما انهم لم يزالوا بالمرصاد للحركات الإِلحادية القادمة من جانب الروم واليونان ومستسلمة أهل الكتاب، فأوجب هذا الرّصد والتدرّع بسلاح اليوم، أن يكون علمُ الكلام علماً يباري الخصماء، ويصرعهم في ميادين البحث، والمناظرة، فجاء يماشي حاجات العصر جنباً إلى جنب، وكتفاً إلى كتف. ولم يكن علماً جامداً محصوراً في إطار خاص، بل كان مادةً حيوية تتحرك وتتكامل حسب تكامل العقول، والأفهام، وحسب توارد الشبهات والاسئلة الّتي بها ينمو كلُّ علم، وبها يتكامل.

فإذا كانت هذه هي وظيفتهم الرسالية أمام الأُمة الإسلامية والمسلمين في سبيل صيانة دينهم وشريعتهم، فهذه الرسالة بعدُ باقية في أجيالنا وأعصارنا، فيجب على علماء العقائد والأخصائيين في علم الكلام، إقتفاء أثرهم، ورصد الحركات الإلحادية الهدامة المتوجهة إلى الإسلام من معسكرات الغرب والشرق بصورها الخداعة، وباسم العلوم الطبيعية والإجتماعية والإنسانية والإقتصادية، بل باسم التاريخ وتحليل الأديان الكبرى ففيها من السموم القتّالة ما يهدم عقيدة المسلمين، ويزعزع كيانهم، وهم جعلوها في متناول عقولهم وأفكارهم بشتى الطرق والوسائل، فطفقوا يديفون السم بالعسل، حتى يذوقه غير الواعين من المسلمين، ويلتهموه باشتهاء.

إن الحركات الإلحادية الهدامة إبتدأت دورها منذ ظهرت طلائع الحضارة المادية في الغرب، وتَدَيَّن مفكروها بالمادية في غطاء المسيحية وواجهة اليهودية، ووقفوا على أنَّ التغلب على الشرق يتوقف على تضعيف عقائد الشرقيين وإبعادهم عن ديانتهم، فصار ذلك مبدءً لتأسيس علم باسم الإستشراق، له واجهة الإستطلاع و التحقيق والتنقيب، وواقعيةٌ هي الإِضلال والتحريف، وإضعاف عقائد الشبان. وليس هذا شيئاً مكتوماً على مَنْ سَبَر كتب هؤلاء حتى من اشتهر بالوعي والموضوعية.

هذا، ولو أردنا أن نسلك خُطى من تقدم من علمائنا الكلاميين في الدفاع عن الدين والشريعة، فلا مناص لنا إلا رصد الحركات الإلحادية الّتي تظهر في كل زمن وجيل باسم وصورة وواجهة، وهذا يقتضي تطويرَ علم الكلام الموروث وإكماله حتى يفي بحاجات العصر، ويقف موقف المعلم الرؤوف بالنسبة إلى المتعلم الواعي فيجيب عن الشبهات المستحدثة في كل عصر وجيل باسم العلم والتاريخ. ولأجل ذلك لا مناص في تطوير علم الكلام من البحث في أُمور يقتضي الزمان ضرورة طرحها وتحليلها.

* الإلهيات،آية الله جعفر السبحاني. ج 3 . ص5-17


عقيدتنا في الإسلام

الدين مبدع للعلوم

الدّين دعامة الأخلاق

الانسان ليس بعداً مادياً فحسب

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)