• عدد المراجعات :
  • 1276
  • 10/18/2010
  • تاريخ :

محن وآلام صاحب الزمان (عج)

صاحب الزمان (عج)

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

قال الله تعالى في كتابه الحكيم (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ)(1) صدق الله العلي العظيم.

نحن نعيش حزن الغيبة، وهو (ع) مع كونه قائداً إلا أنه يعيش حزن الغيبة أيضاً، ولكن عندما يلتقي حزننا بحزنه، وعندما يكتوي يومنا بجمره، يزداد الجمر اتقاداً وتزداد العواطف التهاباً. نحن نحزن ونحن نتألم لأن إمامنا وسيدنا غائب عنا ومفارق لنا. ولكن هو أيضاً يحزن لأننا نحن مفارقون له.

وقد يغفل البعض عن هذه السنخية، عندما يكون شخص ما في ظروف معينة تستدعي منه الاختفاء عن بعض الرقباء، بحيث لا يريد لأحد أن يطلع على مكانه، حتى أقرب الناس إليه. ويمر من بعيد أحد أعزائه، أو أحد أولاده، أو أحد أعوانه وهو يراه ولكن لا يتمكن من أن يخاطبه، وأن يحادثه، وأن يكاشفه بما يعتلج في قلبه. هذا ألم قد يكون أشد ألماً من ذلك المفارق وأشد ألماً من ذلك الذي لا يعلم من أمر هذه الحقيقة شيئاً.

نعود مرة أخرى لغيبته صلوات الله عليه وعلى آبائه، فنجده أيضاً إماماً لنا في ذلك الألم. عندما نجد هذا الظلم، وعندما نجد هذه القيم التي ضاعت من دنيانا، وعندما نجد الشريعة التي انتهكت حرمتها في دنيانا، نتألم، لأنه هو المعد لإعادة الحق إلى نصابه. ولكن هو يتألم أكثر منا. صحيح قد يخاطبه بلسان حالنا شاعرنا(2) الذي ينطق باسمنا يقول له:

 

أتقرّ وهي كذا مروعة

 

هدمت قواعده الرفيعة

 

وأصوله تنعى فروعه

 

الله يا حامي الشريعة

 

كم ذا القعود ودينكم

 

تنعى الفروع أصوله

 

 

ولكن حينما نعيش هذا الألم، وحينما نكتوي بهذا الجمر. هو أيضاً صلوات الله عليه يتحسس بهذا الألم أكثر منا أضعافاً مضاعفة، ولكن نحن بحدودنا، بضعفنا، بعجزنا تضيق صدورنا عن تحمل الألم فنبث هذه الشكوى التي يكون هو (ع) صاحبها الحقيقي، فهو منشأ الشكوى الحقيقية وليس نحن، يخاطبه شعراؤنا، وحق لهم أن يخاطبوه، فإلى من يشتكي المهموم إلا إلى إمامه؟

 

أصبراً وكادت تموت السنن  
       لطول انتظارك يا بن الحسن

         

نحن نتضرر صحيح ونحن نتألم لأن السنن ضاعت، ولأن القيم اندثرت. ولكن هو يعيش هذا الألم أكثر منا.

رفقاً بإمامنا عندما نعاتبه. رفقاً بذلك القلب الممتلئ بالحزن والألم. صحيح نحن نعاتبه. إذ لا ملجأ لنا إلا إليه. صحيح هو إمامنا ولكن لا ننكأ الجراح التي في قلبه صلوات الله عليه.

لنعرف نحن لمن نخاطب. هذا إمامنا وهذا حبيب قلوبنا وهذا المتألم أكثر منا سلام الله عليه.

نحن نتألم مرة أخرى عندما نجد الثأر معطلاً. والذي عنده ثأر لا يقر له قرار حتى يأخذ بثأره، لا يتحمل تأخير الثأر يوماً أو شهراً أو سنة. هذه ثاراتكم يا أئمتنا، وهذه ثارات جدتكم الزهراء. وهذه ثارات الحسين، وآل الحسين. هذه ثارات زينب وأطفال زينب تؤلمنا وتؤرقنا ونحن نتمنى أن نخرج معك وبقيادتك يا سيدي وقد طالت علينا غيبتك.

ولكن بربكم من الذي يعيش ألم تأخير الثأر حقيقة؟ نحن نعيش ألم الثأر أكثر أم هو الذي يعيش ألم الثأر؟ الثأر ثأره ونحن إذا نغضب نغضب من أجله ومن أجل أهل بيته. نحن إذا نغضب نغضب من أجل أجداده من أجل جدته الزهراء، من أجل ضلعها المكسور، ولكن عين الزهراء الحمراء ما زالت لحد الآن شابحة تنتظر الأخذ بثأرها. وأضلاع الإمام الحسين المكسرة المهشمة ما زالت تنتظر وأسر زينب وعبرات زينب تنتظر، وأول ما تنتظر صاحب العصر. هو يعلم بهذا جيداً.

لكن مع ذلك حينما يأتي موسم الحزن، وحينما يهل علينا عاشوراء، نجد أننا نطالبه بأخذ الثأر، البدار يا صاحب الأمر البدار البدار، طال على شيعتك الانتظار. نحن نخاطبه وكأن قلبه فارغ، وكأننا نحن الذين نعيش الألم وهو الخلي من الألم، لقد صدق السيد حيدر الحلي رحمه الله حينما يقول:

 

كأنّ قلبك خالٍ وهو محتدم      

   وإنّ أعجب شيءٍ أن أبثكها

 

 يقول له: سيدي أعجب شيء أن هذه الشكوى التي أبثك إياها، والتي أعبر بها لك عما يعتلج في صدري مع كون قلبك محتدماً بالأحزان، ولكن أنا أبثك الشكوى لضيق صدري لضيق قلبي.

ولكن ساعد الله قلبك يا سيدي يا صاحب الزمان، نحن نتألم بسبب طول المدة، وبسبب الثأر المعطل. ولكن هو يتقدمنا في هذا الألم.

إذا كنا نحب صاحب العصر حقيقة لابد أن نفكر ولو سويعة في هذا القلب الكبير، هذا قلب الإمام الذي هو إمام القلوب، هذا القلب ماذا يحمل في داخله من عذاب، ومن أحزان، ومن شجى؟

نتألم حينما نقول له: سيدي أحاطت بنا الأعداء من كل جانب، فحاصرونا وأعادوا لنا تأريخكم، وأعادوا لنا كربلاءكم. ونحن محاصرون من الداخل والخارج، ونحن مهددون في كل مكان. ولكن هل يغيب هذا عنه؟ هل هو بعيد عن هذا الأمر؟ إذا نحن نعيش غربة فهو يعيش غربة أكثر من أي منا. وإذا نحن نعيش حزناً ونعيش وحشة فهو يعيش وحشة أكثر منا، صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين، وإذا نحن نطل من جانب على الانتفاضة الشعبانية وما جرى فيها من مجازر وانتهاك للحرمات، فهو محيط بكل تفاصيلها ودقائقها، ويتحسّس كل أناتها وآهاتها الصغير منها والكبير.

هو يعيش هذا الألم، وهو يعيش ألم الزنزانات التي يهزأ بنا أعداؤه مرة أخرى من خلال الهزء به.

صدقوني أيها الاخوة كان أحد مدراء الأمن يستهزئ أمام المعذبين وهم معلقون بالسقف يستهزئ ويردد أمامهم وهو يضحك: (اظهر يالمهدي وصفّيهه وشوف الشيعة اشصاير بيهه) يهزأ بنا، يستهزئ بآلامنا، يسخر من آهاتنا. ولكنه يسخر بإمامنا، ويسخر بنا من خلال سخريته بإمامنا صلوات الله عليه.

هذه الآلام إذا نحن اطلعنا على شيء بسيط ومحدود وضئيل منها، فإنّ إمامنا يحيط بها كلها، ويعلم بدقائقها وتفاصيلها.

فرفقاً به ثم رفقاً حينما نبث شكوانا. هو يعيش آلامنا، يعيش فجائعنا، يعيش أحزان أيتامنا وأراملنا.

نقرأ في بعض الروايات عن الإمام زين العابدين (ع) _ والأئمة عموماً في محبتهم، ولطفهم، وارتباطهم بشيعتهم على حد سواء _ أن أحداً من شيعتهم جاءه يشكو إليه الفقر. الإمام زين العابدين محاصر وما كان يتمكن شيعته من الوصول إليه، ولم يتمكن الإمام أن يعتذر منه. تعلمون ماذا ورد في الرواية؟ إن الإمام زين العابدين بكى حتى سالت دموعه من عينيه، لأن هذا الإنسان من شيعته ويطلب عوناً ولا يملك الإمام ما يدفع به فقره، هناك مصلحة للإعجاز ولإظهار الكرامة، الإمام لم يكن يملك شيئاً وهذا إنسان محتاج جاد له بدموع عينه، هذه الدموع التي كانت تسيل من خشية الله أو تسيل لمصاب أبي عبد الله لأن الإمام لن يجد نفسه قادراً على مواساة هذا الرجل من شيعته بكى حتى أن هذا الإنسان الشيعي المؤمن الموالي تألم كثيراً قال: سيدي لماذا تبكي؟ أخيراً عرف سبب البكاء فزاد ألمه.

الآن لنتصوركم ذرف إمامنا وسيدنا صاحب الأمر من الدموع؟ وكم اختلجت في صدره من الآهات لما يشهده من العذابات التي أحاطت بشيعته من كل مكان. يتحسّس هذه الأمور، يعلم بها وكلها تجعله يشتاق أشد الشوق لذلك اليوم الذي يقف فيه بين الركن والمقام وينادي بأصحابه فيخرجون ويلتحقون به من بقاع الأرض. ولكن ماذا بيده؟

بعض الناس يرون صاحب الأمر في المنام أو يتشرفون به. أغلب الروايات والأخبار توصينا نحن الشيعة بالدعاء له بالفرج، هو في بلاء عظيم، هو في ضيق، هو في غربة، هو في وحشة. يطالبنا بالدعاء له بأن يعجل الله فرجه.

حينما نقول: اللهم عجل فرجه، فلا تحسب أن المعنى: اللهم عجل فرجنا. صحيح اللهم اجعل فرجه فرجنا، ولكن الفرج الحقيقي له. فهو المظلوم الحقيقي.

بعض أساتذتنا من العلماء الموجودين الآن في النجف دفع الله عنهم كل مكروه يقول: الظلامة الكبرى والمصيبة العظمى من مصائب أئمتنا هي مصيبة صاحب الأمر (ع)، هذه المدة الطويلة المديدة التي مرّت عليه هو بهذا الحال، عندما تشتد الفتن بنا، وعندما تعصف بساحتنا الخلافات فأول ما نتذكر حاجتنا الماسّة والحقيقية والأساسية لولينا الأول، لولينا الحقيقي، لإمامنا لقائدنا لسيدنا ومولانا.

عندما نختلف فيما بيننا ونتألم من اختلافنا ومن شدة اختلافنا، ومن تحارب بعضنا مع بعض من كيد بعضنا لبعض، ومن اعتداء بعضنا على بعض، ومن تهجم بعضنا على بعض، نتألم كثيراً ولكن إمامنا يتألم أكثر. قد نتألم لأن هذا التحارب يمسنا، ويمس مشاعرنا بحدود معينة. ولكن هو يتألم لنا جميعاً، وهو يتألم لاختلافنا جميعاً، يتألم لكل فردٍ فرد منا.

يتألم إذا رأى أحداً منا يظلم أخاه، لماذا هذا من شيعتي. أو يتمنى أن يكون من أنصاره، لماذا يتجاوز، لماذا لا يتمكن أن يقدر للاختلافات قدرها؟ لماذا لا يتمكن أن يهضم أن الاختلافات في الرؤى فقط أو بالقناعات أو أن الاختلافات بالفتاوى أو بالتشخيص، أو بالتحليل السياسي أو غير السياسي؟


تشرف السيد مهدي القزويني بلقائه (عجل الله فرجه الشريف) في الحلة

الإمام المهدي العاطفة والوجدان

المهدي (عليه السلام ) في الديانة اليهودية

المهدي ( عليه السلام ) في المعتقدات البوذية و الصينية

الاعتقاد بالإمام المهدي ( عليه السلام ) فكرة عالمية

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)