• عدد المراجعات :
  • 2162
  • 8/17/2010
  • تاريخ :

الأجل والأجل المسمى

الأجل والأجل المسمى

إِن القرآن الكريم يصف الكائنات السماوية والأرضية بأَنَّ لها "أجل"و"أجلا مسمى". فما هوالمراد منهما؟

إنَّ "الأجل"بلا قيد هوالتقدير الموقوف. "والأجل المسمى"هوالمحتوم. وإليك بيانه

 قال سبحانه: ?هُوَالذي خَلَقَكُم مِن طِين ثُمَّ قَضَى أجَلا وَأجَلٌ مُسمّىَّ عَندَهُ ثُمَّ أَنتُم تَمتَرُونَ?(الأنعام:2).

قال سبحانه: ?هوالذي خَلَقَكم مَن تراب ثُمَّ مِن نُطفة ثم مِن عَلَقَة ثُمَّ يُخرِجكم طِفلا ثمَّ لِتَبلغوا أَشدَّكم ثمَّ لِتَكونوا شُيوخاً وَمِنكُم مِن يُتَوَفى مَن قَبلُ وَلِتبلُغُوا أَجلا مُسمّى وَلَعَلَكُم تَعقِلُونَ?(غافر:67).

إنَّ الله سبحانه جعل للإنسان في هاتين الآيتين أجلين مطلقاً ومسمّى ، كما أنَّه جعل للشمس والقمر أجلاً مسمّى ، قال سبحانه: ?وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَل مُسَمّىً?(الرعد:2). ومثله في الزُّمر المباركة ، الآية الخامسة. وإليك توضيح مفهوم الأجلين بالمثال التالي:

إذا وهب الله تعالى لأحدنا ولداً وأُجريت عليه مختلف الفحوص الطبية بحيث أطمأن الأطباء أنَّ باستطاعة هذا الوليد أن يحمل أعباء الحياة إلى مائة سنة ، فمن الواضح أنَّ معنى هذا ليس أكثر من "الإمكان"و"الاقتضاء". وليس معناه أنه يعيش هذه المدة كيفما كان ، وفي أي وضع كان بل هومشروط بشروط عديدة ، منها استمرار صحته وعدم عروض مانع لاستمرار بقائه ، حتى تصل هذه القابلية من القوة إلى الفعلية. وإلاّ فربما يموت قبل أن يصل إلى تلك المدة.

      إنَّ "الأجل"بلا قيد هوالتقدير الموقوف. "والأجل المسمى"هوالمحتوم.

 

وعلى ضوء هذا فللطفل من يومه الأول أجلان

1ـ أجل مطلق ، وهوإمكانه واقتضاؤه للبقاء ، وقابليته الجسمية لمدة مائة سنة من العمر. وحيث إنَّ لاستمرار البقاء في هذا الكوكب سلسلة من الشرائط والمقتضيات ، ولا يعلم بالجزم واليقين تحققه ، يكون هذا أجلا مبهماً لا محتوماً ومبرم.

2ـ أجل محتوم ، وهومقدار عيشه حسب تحقق شروطه في الواقع ونفس الأمر ، وعدم تحققه. وهذا هوالذي لا يقف عليه إلاّ الخبير والمحيط بالعالم وتحقق الشرائط وعدمها وما يعرض على الطفل في مسير حياته ، وليس هوإلاّ الله سبحانه. اذ هوالذي يعلم ما يعرض للطفل مما يوجب طول حياته وقصره.

وهذا تقدير مقطوع به بعيد عن أي إبهام وترديد.

وقد عبّر القرآن الكريم عن الأول بالأجل ، الشامل بإطلاقه للموقوف والمحتوم والممكن والمتحقق ، وعن الثاني بالأجل المسمَّى ، الشامل لخصوص المحتوم ، وخصّ العلم بالأجل المسمَّى بنفسه تعالى ، دون العلم بالأجل المطلق ، فقال: (وأَجَلٌ مُسَمَّى عِندَهُ). ولأجل أنَّ شرائط الحياة للإنسان تختلف حسب توفر الشروط وعدمها جعل للإنسان أجلين ، مع أنه لم يجعل للشمس والقمر إلاّ أجلا واحداً وهوالأجل المسمَّى.

وإلى الأجل المسمى يشير قوله سبحانه: ?فَإذا جَاءَ أَجَلُهُم لا يَستَأخِرُون ساعةً ولا يَستَقدِمُونَ?(الأعراف:34 والنحل:61).

وإلى ما ذكرنا من التفسير يشير الإمام الصادق بقوله: "أجلٌ مسمى وهو قوله تعالى: ?فَإِذا جَاءَ أَجَلُهُم لا يَستَأخِرُونَ ساعةً ولا يَستَقدِمُون? وأَجَلٌ غير مُسَمَّى يتقدم ويتأخر"14.

وقال عليه السلام أيضاً في تفسير قوله سبحانه: (ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ).

قال: "الأجل الذي غير مسمى موقوف يقدم منه ما يشاء ويؤخر منه ما شاء ، وأما الأجل المسمى فهوالذى ينزل ممَّا يريد أن يكون من ليلة القدر إلى مثلها من قابل ، فذلك قول الله: ?فَاِذَا جَاءَ أَجَلُهُم لا يَستَأخِرُون سَاعَةً وَلا يَستَقدِمُونَ?15.

وقد فَسر غيرُ واحد من المفسرين كلا الأجلين بما ذكرنا، وذكر الرازي الوجه المروي عن حكماء الإسلام وقال: "إنَّ لكل انسان أجلين أحدهم: الآجال الطبيعية والثاني الآجال الاخترامية. أما الآجال الطبيعية فهي التي لوبقي ذلك المزاج مصوناً عن العوارض الخارجية لانتهت مدة بقائه الى الوقت الفلاني ، وأمَّا الآجال الاخترامية فهي التي تحصل بالأسباب الخارجية كالغرق والحرق وغيرهما من الأمور المنفصلة"16.

وقال العلاّمة الطباطبائي: "إِنَّ الأجل أَجلان: الأجل على ابهامه ، والأجل المسمى عند الله تعالى. وهذا هوالذي لا يقع فيه تغيير لمكان تقييده بقوله "عِندَهُ" ، وقد قال تعالى: ?. . . وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ. . . ?(النحل:96). وهوالأجل المحتوم الذي لا يتغير ولا يتبدل ، قال تعالى: ?اذا جِاءَ أَجَلُهُم فَلا يَستَأخِرُونَ ساعةً ولا يَستَقدِمُون?(يونس:49). فنسبة الأجل المسمى الى الأجل غير المسمى ، نسبة المطلق المنجز الى المشروط المعلق ، فمن الممكن أن يتخلف المشروط المعلق عن التحقق لعدم تحقق شرطه الذي علّق عليه ، بخلاف المطلق المنجز ، فانه لا سبيل إلى عدم تحققه البتة.

والتدبّر في الآيات يفيد أنَّ الأجل المسمى هوالذي وضع في أُم الكتاب ، وغير المسمى من الأجل هوالمكتوب فيما نسميه بـ "لوح المحووالإِثبات".

وبتعبير آخر: إنَّ أُم الكتاب قابلُ الانطباق على الحوادث من جهة استنادها إلى أسبابها التامة التي لا تتخلف عن تأثيره ، ولوح المحووالإثبات قابل الانطباق على الحوادث من جهة استنادها إلى الأسباب الناقصة التي ربما نسميها بالمقتضيات التي يمكن اقترانهابموانع تمنع من تأثيرها"17.

نعم ، يقع السؤال عن نكتة ذينك التحديدين ، وأنه اذا كان الأجل غير المسمى يختلف مع المسمى غالباً، فأي فائدة في ترسيمه؟

ولكن الاجابة عنه واضحة ، وهي أن ترسيمه يثير النشاط في المجتمع الإِنساني حتى يقوم بتهيئة الشرائط ورفع الموانع للبلوغ الى ذلك الأجل والعمر الطويل الذي حدَّدوه بمائة وعشرين سنة.

أضف الى ذلك أنَّ هذين الترسيمين نتيجة ارتباط أجزاء الكون وتأثيره في الوجود الإِنساني فان التركيب الخاص للشخص الإِنساني وان كان يقتضي أن يعمّر العمر الطبيعي ، وهذا يقتضي تحديداً له من حيث هونفسه ، ولكن بما أنَّ اجزاء الكون مؤثرة في حياة الإِنسان ، فربما تفاعلت الأسباب والموانع التى لا نحصيها ولا نحيط بها، فأدى الى حلول أجله قبل أن ينقضي الأجل الطبيعي وهوالمسمى بالموت الاخترامي. وليس يختص الاخترامي بالحوادث المنفصلة كالموت والحرق كما عليه الرازي في تفسيره ، بل يعم فقدان شرائط الحياة ، وسوء التغذية ، وهجوم الغصص والحوادث النفسية المؤلمة.

*الإلهيات ، آية الله جعفر السبحاني 


الموت عند الاولياء والصالحين

خطبة الإمام علي ( عليه السلام ) المعروفة بالديباج

سيدة آي القران

الموت في المفهوم القرآني

 

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)