• عدد المراجعات :
  • 1138
  • 11/25/2007
  • تاريخ :

و إذا كان الدليل إطلاق الرواية

حج

و إذا كان الدليل إطلاق الرواية مثل قوله : « هو ممن يستطيع » ففيه : أن تصحيح شمول الاستطاعة مجرد التمليك الذي لا تتحقق الاستطاعة به إلا بعد القبول، وحصول الملك محتاج إلى تنزيل التمليك منزلتها موضوعاً أو حكماً قبل هذا الاستعمال حتى يشمل اللفظ بإطلاقه الاستطاعة العرفية والاستطاعة التنزيلية، ولا يصحّ استعمال اللفظ في الأعمّ منهما قبل هذا التنزيل إلا بإطلاق اللفظ بقصد التنزيل وإرادة هذا المعنى الأعم، وهو استعمال اللفظ في المعنيين، ويرجع إلى لحاظ الموضوع والحكم بلحاظ واحد .

و أما القول بتحقق البذل بخصوص صورة التمليك فإما أن يقول القائل به بعدم الاحتياج إلى القبول والتملك فما الفرق بينه وبين صورة الإباحة حتى نقول باختصاصه بصورة التمليك ؟

مضافاً إلى أن مثل قوله (عليه السلام) في صحيحة معاوية بن عمار : « و إن دعاه قوم أن يحجوه فاستحيى فلم يفعل فإنه لا يسعه إلا الخروج على حمار أجدع أبتر » وقوله (عليه السلام)في صحيح محمد بن مسلم : « فمن عرض عليه الحج فاستحيى؟ قال : هو ممن يستطيع »  أظهر شمولاً لصورة الإباحة والعرض المجرد عن التمليك ، فإن الظاهر منه دعوة الباذل المبذول له منه أن يكون ضيفاً له والتزامه بأداء مصارف الحج .

و إما أن يقول باحتياجه إلى القبول، فعليه يجب أن يقول بحصول الاستطاعة بالهبة المطلقه أيضاً ، فلو لم يقبل وترك الحج يستقر عليه ويجب فعله متسكعاً .

و بالجملة : فالذي يظهر من بعض عبائر الأصحاب والروايات أن البذل يتحقق بالإباحة، وحيث هو من الإيقاعات لا يحتاج إلى القبول، ويصير المبذول له بها مستطيعاً دون التمليك فإنه محتاج إلى القبول وهو تحصيل الاستطاعة لاعينها . و مع ذلك فما يظهر من العروة ومحشِّيها هو حصول البذل بالتمليك فلا بد لهم ـ مع اختيارهم عدم حصول الاستطاعة بمجرد الهبة وعدم وجوب قبولها ـ القول بالتعبد والتنزيل هنا; للفرق بين التمليك للحج والتمليك المطلق وهو بلا دليل . والله تعالى شأنه هو العالم بجهات أحكامه .

الظاهر أنه لا فرق في هذا الحكم بين كون الباذل موثوقاً به أولا ، كما لا يعتبر في المال الوثوق بالبقاء; لعدم الفرق بين البابين، فمن كان شاكاً في تلف ماله أو رجوع الباذل من بذله لا يسقط عنه الواجب . نعم، لو كان معتقداً عدم البقاء، أو عدم استمرار الباذل على البذل، أو كان واثقاً به لا يجب الحج ويكون وعد الباذل له مجرد الكلام .

قد ذكرنا فيما أسلفناه: أن وجود نفقة العود معتبر في حصول الاستطاعة، والظاهر أن الأمر في المقام أيضاً كذلك ، فلا يصدق الاستطاعة ولا عرض الحج إلا بعرض نفقة الذهاب والإياب . نعم، إذا قلنا بأن وجود نفقة العود لا يعتبر في الاستطاعة إلا إذا استلزم العود الحرج فيدور الأمر مدار الحرج على ما أسلفناه في البحث عن ذلك .

لا يعتبر في حصول الاستطاعة بالبذل وجود نفقة العيال عنده، فمن لا يجد نفقة عياله وعرض عليه الحج يستطيع به .

نعم، إذا كان كسوباً قادراً على نفقة عياله بالكسب وكان الحج مستلزماً لترك الكسب وعدم تمكنه من الإنفاق فالظاهر أنه لايحصل ببذل مجرد نفقة الذهاب والإياب الاستطاعة، ولا يصدق على مجرد ذلك عرض الحج .

الظاهر أنه لا فرق بين الأحكام المذكورة بين ما إذا عرض عليه تمام نفقة الحج أو كان عنده بعضها وعرض عليه ما يتمها ، أما إذا كان الملاك في وجوب الحج بالبذل حصول الاستطاعة فلا ريب أنها كما تتحصّل ببذل تمامها تتحصّل ببذل متمّمها، وأما إذا كان الحكم بالوجوب بالتعبد ـ كما لابد من القول به على بعض الأقوال ـ فالقول بكفاية المتمّم محتاج إلى إلغاء الخصوصية، ودعوى القطع بعدم الفرق بين بذل تمام النفقة وبين متممها، وهو لا يخلو من إشكال .

منع الدين من وجوب الحج البذلي

مسألة 57 ـ هل يمنع الدين من وجوب الحج بالبذل، أم لا ؟

فإن كان المبذول له معسراً لا يتمكن من أدائه بالكسب فيجب الحج عليه بالبذل، سواء كان ذلك من صغريات حصول الاستطاعة أم لا ، وأما إذا كان متمكناً من أدائه بالكسب فعلى ما اخترناه من مانعية الدين الحالِّ المطالب به من حصول الاستطاعة لا تتحقق الاستطاعة بالبذل .

نعم، إن قلنا بأن وجوب الحج بالبذل يكون من باب التعبد لا دخول المبذول له في عنوان المستطيع تدخل المسألة في باب التزاحم، وقد قلنا : إنّ أداء الدين الحالِّ مقدَّم على أداء الحج .

الرجوع إلى الكفاية في الحج البذلي

مسألة 58 ـ هل يشترط في وجوب الحج بالبذل أو الاستطاعة البذلية الرجوع إلى كفاية ؟

قال في المستند : ( لا يشترط في المبذول له الرجوع إلى كفاية; لأن الظاهر المتبادر من أخبار اشتراطه إنما هو فيما إذا أنفق الحج من كفايته لا مثل ذلك، مع أن الشهرة الجابرة غير متحققة في المورد، ومع ذلك تعارضها إطلاقات وجوب الحج بالبذل وهي أقوى وأكثر، فيرجع إلى عمومات وجوب الحج والاستطاعة العرفية ) .  ومراده: أن الدليل على الرجوع إلى الكفاية إن كان الأخبار مثل رواية أبي الربيع الشامي التي رواها الكليني: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن خالد بن جرير، عن أبي الربيع الشامي قال : « سئل أبو عبدالله (عليه السلام)عن قول الله عزوجل : (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا )؟ فقال : ما يقول الناس ؟ ، قال : فقلت له : الزاد والراحلة ، قال : فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : قد سئل أبو جعفر (عليه السلام)عن هذا فقال : هلك الناس إذاً ، لئن كان من كان له زاد وراحلة قدر ما يقوت عياله ويستغني به عن الناس ينطلق إليهم فيسلبهم إياه لقد هلكوا إذاً ، فقيل له : فما السبيل ؟ قال : فقال : السعة في المال إذا كان يحج ببعض ويبقي بعضاً لقوت عياله، أليس قد فرض الله الزكاة فلم يجعلها إلا على من يملك مائتي درهم؟ »  .

فهي فيما إذا أنفق الحج من كفايته دون ما إذا لم يكن كذلك وكان الحج بإنفاق غيره . مضافاً إلى أن الرواية حيث تكون ضعيفة السند وإن كانت منجبرة بعمل الأصحاب بها إلا أن الشهرة المنجبرة بها لم تتحقق في مثل هذا المورد . ولو سلِّم دلالتها للمورد فهي معارضة بإطلاقات وجوب الحج بالبذل التي هي أقوى وأكثر، فيرجع إلى عمومات وجوب الحج والاستطاعة العرفية .

أقول : أما ما أفاده من أن المتبادر من أخبار الاشتراط إنما هو فيما إذا أنفق الحج من كفايته فصحيح في محله، وأما ضعف السند وجبر ضعفه بعمل المشهور بها وقصر عملهم في غير المورد .

ففيه : يمكن أن يقال أولا : إن ضعف السند يدفع برواية الحسن بن محبوب الذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه .

و ثانياً: الظاهر أن المشهور في فتواهم اعتمدوا على هذه الرواية، وهو شاهد على ثبوت صدورها لديهم ، وأما معارضة أخبار البذل معها فهي متوقفة على كون وجوب الحج بالبذل من باب التعبد، وإلاّ إن كان من باب حصول الاستطاعة المشروط بها الحج به يكون وزانه وزان الاستطاعة الغير بذلية لا يعارض أخبار الاشتراط، فالعمدة في ذلك هو أن اعتبار الرجوع بالكفاية إنما يكون فيما إذا أنفق الحج من كفايته، وفي البذل لاينفق منها فلا يشترط في وجوب الحج به الرجوع إلى الكفاية .

هذا، على أن نقول بأن الرجوع إلى الكفاية معتبر في حصول الاستطاعة، ولو قلنا بأن اعتباره من باب الحرج أيضاً فالحج البذلي غير مستلزم للحرج; لأنه لا يوجب فقد الرجوع إلى الكفاية لمن كان فاقدها .

نعم إذا كان الشخص كسوباً في مدة الحج بما يكفيه لبعد الحج وكان زمان كسبه زمان الحج ولا يقدر عليه في أثناء الحج يرفع عنه وجوب الحج بالحرج ، فتأمّل .

إذا وهبه أحد ما يكفيه للحج

مسألة 59 ـ إذا وهبه مايكفيه لأن يحج به فهل يجب عليه القبول لصدق عرض الحج عليه، أم لا يجب لأنه من تحصيلالاستطاعة ؟

يمكن أن نقول : إن وجوب الحج بعرضه على المكلف إن كان لصدق حصول الاستطاعة به فيمكن منع حصولها بهبته ذلك لاحتياجه إلى القبول وهو تحصيل للاستطاعة، فأيّ فرق بين هبة ما يكفي للحج من غير تعيين مصرفه وبين هبته بشرط صرفه في الحج ؟

نعم ، إذا وهبه ما يكفيه للحج دون نفقة عياله وما يرجع إليه لا يصير مستطيعاً به، ولو قبل الهبة فإنه محتاج إلى إنفاقه في نفقاته .

وأما إذا وهبه ما يكفيه للحج ولجميع نفقاته ذاهباً وجائياً وبعد ذلك فما الفرق بينه وبين البذل حتى يقال بصدق الاستطاعة في الثاني دون الأول .

وأما إن قلنا بكون وجوب الحج بالعرض في عرض وجوبه بالإستطاعة يمكن أن يقال بصدق العرض على الهبة بشرط الحج، إلاّ أنّ ذلك خلاف الظاهر، وما يستفاد من الآية من حصر وجوب الحج بالاستطاعة .

وأولى بالإشكال ما إذا وهبه وخيّره بين أن يحج به، أوْلا ، فإنه أيّ فرق بينه وبين ما إذا وهبه ولم يذكر الحج لاتعييناً ولاتخييراً؟ فإن في هذه الصورة أيضاً هو مخير بين صرفه في الحج وغيره، ومع ذلك فالاحتياط حسن في كل حال .

الوقف للحج أو الوصية أو النذر له

مسألة ـ لو وقف شخص لمن يحج، أو أوصى، أو نذر كذلك فإما أن يكون الوقف لإباحة التصرف فيه للحج أو الوصية أيضاً كذلك أو نذر ليبيح التصرف في ماله للحج فبذل ذلك له متولي الوقف أو الوصي أو الناذر فالظاهر أنه من عرض الحج يصير به مستطيعاً .

وكذا إن كان الوقف أو الوصية أو النذر للعموم كأن تكون السيارة وقفاً على الناس للحج أو الوصية أو النذر كالخانات والمدارس التي يسكنها المسافرون والطلاب من غير حاجة إلى إذن أحد فالظاهر حصول الاستطاعة به، ولا فرق بينه وبين العرض من العارض الشخصي للشخص المعين، ويجيء في الصورتين ما ذكرنا في المسائل السابقة من أنه لو لم يكن له بالفعل ما ينفق به على عياله أو يرجع إليه بالكفاية ولكن يمكن له بترك الحج تحصيل ذلك بالكسب لا يجب عليه الحج ولا يحصل به الاستطاعة .

وإما أن يكون الوقف أو الوصية أو النذر على أن يكون المال ملكاً له ، فالظاهر أنه حيث يحتاج إلى القبول لا يحصل به الاستطاعة بدونه، ولا يجب عليه القبول لأنه تحصيل للاستطاعة، إلاّ أن نقول بعدم اعتبار القبول في حصول الملكية في الوصية التمليكية وإن كان للموصى له رد الوصية .

وأولى بعدم حصول الاستطاعة وعدم وجوب القبول إن أوصى أو نذر أن يعطيه مالا للحج بنحو نذر الفعل ففي هذه الصورة إن قلنا بأن وجوب الحج بالعرض يكون لحصول الاستطاعة به لا لكونه شرطاً مستقلا آخر لوجوب الحج في عرض الاستطاعة لا يجب القبول لأنه تحصيل للاستطاعة .

لو حصل له من الخمس أو الزكاة ما يكفى وشرط عليه المعطي أن يحج به

مسألة 61 ـ لو أعطاه ما يكفيه للحج خمساً أو زكاةً وشرط عليه أن يحج به فهل يصح هذا الشرط فلا يجوز له إلا صرفه في الحج وإن كان محتاجاً إلى صرفه في نفقة عياله، أو لا يصح فلا أثر له وإن قبله المستحق فيعمل فيه ما يعمل في غيره من أمواله، فإن كان وافياً بزاده وراحلته ونفقة عياله ورجوعه إلى مابه الكفاية يجب عليه الحج لحصول الإستطاعة له، وإلا لا يجب ؟

والذي يمكن أن يقال : إنّه لا ولاية على حق السادة أو الفقراء لمن كان عليه بشرط ذلك عليهم وسلب ولايتهم عنه، فجواز كل شرط بالنسبة إليه متفرع على الولاية عليه، فكما أنه ليس للوصي ولا لناظر الوقف ولا للناذر جعل شرط زائداً على ما هو المقرر في الوقف والنذر والوصية، وكما ليس للمديون أن يشترط على الدائن صرف الدين في مورد خاص ولا يتجاوز كل ذلك وإن قبله الدائن والمنذور والموقوف عليهم عن الوعد والشرط الابتدائي الذي لايجب الوفاء به ، ليس لمن عليه الخمس أو الزكاة أيضاً ذلك .

هذا، مضافاً إلى ما يمكن أن يقال : إن الدفع الخارجي التكويني لهذه الأموال إلى أصحابها لا يقبل التعليق كسائر الاُمور التكوينية الخارجية مثل الأكل والشرب ، فلا يمكن أن يكون الأكل الخارجي معلقاً على أمر; لأن تعليقه على أمر ربما يحصل، وربما لا يحصل، مثل صرف المال في الحج ينافي وجوده الخارجي; لعدم إمكان وجود المعلق قبل المعلق عليه، فتعليق الدفع الخارجي بشرط صرف المال في الحج أمر لا نتعقل معناه فإن الدفع حاصل ، حصل الشرط أم لم يحصل .

اعلم: أن الشرط الذي يجب الوفاء به هو الشرط المعامليّ المرتبط بالمعاملة ارتباطاً لا يتحقق مفاد المعاملة وما يترتب عليها من الأثر إلاّ بالالتزام به أو العمل به، كالبيع والنكاح والملكية والزوجية فإنها لا تتحقق إلا بالالتزام بالشرط وما علقت به فلا يمكن أن تتحقق بدونه .

وأما الاُمور الخارجية التكوينية فلا تقبل مثل هذا التعليق والارتباط بشيء آخر، ولا يكون جعل الارتباط بين الشرط والمشروط فيه إلا مجرد الوعد بتقارن فعل عند فعل آخر، وهذا ليس مشمولا لأدلة الوفاء بالشرط ، ففي ما نحن فيه تعليق إعطاء الزكاة بمعناه المصدري الذي هو فعل الدافع على صرفها في الحج لا يرتبط تحقق الدفع خارجاً بصرفها في الحج، فيمكن تحققه في الخارج معه وبدونه .

وبعبارة اُخرى : أمر الدفع وجوداً وعدماً موكول إلى الدافع وليس لالتزام المدفوع إليه بصرفها في الحج دخل في تحققه، فلا دخل لالتزامه في حصوله فهو يكون مجرد التزام مقارن له ، لا فرق بينه وبين الشروط الابتدائية، ولا يرتبط بقوله : دفعتها لك لتحج به أحدهما بالآخر، فلا يلتزم على الدافع دفعه، ولا على المدفوع إليه صرفه في الحج .

وهذا معنى ما قلنا : إن الأكل والشرب والأفعال التكوينية ورفع هذه الأموال إلى أصحابها بما أنه من الأفعال الواقعية لا يقبل التعليق ولا يرتبط وجوداً وعدماً بالشرط بأمر آخر.

فإن قلت : إن الدفع معلق على التزام المشروط عليه بالعمل بالشرط .

قلت : لا يرتبط بهذا الالتزام المعلق به بالمعلق عليه واقعاً ووجوداً وعدماً، فلا يتجاوز ما حصل بين الدافع والمدفوع إليه من مواعدة بينهما .

فإن قلت : يمكن أن يكون الشرط من قبيل القيد للمدفوع إليه بأن يدفعه له مقيداً بكونه يحج بهذا المال، فجواز تصرفه فيه يدور مدار الحج به .

قلت : إن المستحق وهو الشخص الخارجي لا يتعدد بكونه ـ مثلا ـ لابساً قميصاً أبيض أو يحج بهذا المال، فهو هذا الشخص الذي دفع له المال سواء كان بحال كذائي أو بصفة كذائية أو غيرها. وبالجملة: فالمال مدفوع للمستحق وكونه بصفة كذائية يكون من دواعي الإعطاء به، كما أن الائتمام يتحقق بالإمام الحاضر وكونه زيداً أو عَمراً يكون داعياً للائتمام به فالإيتمام يتحقق به وقيد كونه كذا يكون لغواً .

نعم ، إن قصد الائتمام بزيد وكان الإمام عَمراً لا يتحقق الائتمام، وهكذا فيما نحن فيه فإنه يدفع الزكاة إلى المستحق ولا يقيد بكونه يحج به لعدم دخله في الاستحقاق، كما أن الائتمام بالإمام الحاضر لا يقيد بكونه زيداً لعدم دخله في صدق الائتمام بالإمام الحاضر .

لو يعطى من سهم في سبيل الله ليحج به

مسألة 62 ـ إذا أعطى الفقير أو الغني من سهم في سبيل الله ليحج به وكان في ذلك مصلحة عامة للإسلام والمسلمين أو لم يكن، وقلنا بكفاية كون الفعل في ذاته محبوباً مرغوباً إليه في الشرع فهل يحصل له الاستطاعة بمجرد ذلك، أو محتاج إلى القبول؟

الظاهر أنه إذا كان بنحو الإذن في التصرف وإباحته يجب عليه الحج لحصول الاستطاعة به وعدم الاحتياج إلى القبول .

وأما إذا كان ذلك بنحو الإعطاء والتمليك فيمكن القول بعدم وجوب القبول ، لأنه تحصيل للاستطاعة فلا يجب عليه الحج، وفي هذه الصورة أيضاً إن قبل الإعطاء يصير مستطيعاً ويكون حجه مجزياً عن حجة الإسلام .

والقول بعدم إجزائه عن حجة الإسلام لعدم صدق عرض الحج عليه; لأنّ الظاهر من عرض الحج هو عرضه لأن يحج لنفسه بحيث يضاف إليه، وهنا يضاف إلى من عرض عليه الحج كحج الأجير والنائب .

ساقط جداً، فإنه أولا أن هنا أيضاً الحج يضاف إلى نفسه وهو ينوي الحج لنفسه، دون النائب والأجير فإنهما ينويانه للغير، وإلا فيقال : في سائر صور البذل أيضاً يضاف الحج إلى الباذل دون المبذول له .

مضافاً إلى أن الملاك في العرض هو حصول الاستطاعة للحج، وهنا أيضاً تحصل الاستطاعة، ولافرق بين الصور أصلا .

كقاية الحج البذلي عن حجة الإسلام

مسألة 63 ـ هل الحج البذلي يجزي عن حجة الإسلام، أو يجب على المبذول له حجة الإسلام إن صار موسراً وحصل له الاستطاعة بعد ذلك؟

اعلم: أنه قد ادّعي الشهرة العظيمة على إجزاء الحج البذلي عن حجة الإسلام ، خلافاً للشيخ في الاستبصار ( في الباب 83 ) قال : ( باب المعسر يحج به بعض إخوانه ثم أيسر هل تجب عليه إعادة الحج، أم لا ؟

1 ـ محمد بن يعقوب، عن حميد بن زياد، عن ابن سماعة ، عن عدة من أصحابنا، عن أبان ابن عثمان، عن الفضل بن عبدالملك، قال : « سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل لم يكن له مال فحج به اناس من أصحابه أقَضى حجة الإسلام ؟ قال : نعم، وإن أيسر بعد ذلك فعليه أن يحج، قلت : هل تكون حجته تلك تامة أو ناقصة إذا لم يكن حج من ماله ؟ قال : نعم، قضى عنه حجة الإسلام وتكون تامة وليست ناقصة، فإن أيسر فليحج » .

2 ـ فأما ما رواه الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن معاوية بن عمار، قال: « قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): رجل لم يكن له مال فحج به رجل من إخوانه أيجزيه ذلك عنه من حجة الإسلام أو هي ناقصة ؟ قال : بل هي حجة تامة ».

فلا ينافي الخبر الأول الذي قلنا : إنه يعيد الحج إذا أيسر; لأنه إنما أخبر أن حجته تامة، وذلك لا خلاف فيه أنها تامة يستحق بفعله الثواب، وأما قوله في الخبر الأول: « ويكون قد قضى حجة الإسلام » المعنى فيه الحجة التي ندب إليها في حال إعساره فإن ذلك يعبر عنها بأنها حجة الإسلام من حيث كانت أول الحجة وليس في الخبر أنه إذا أيسر لم يلزمه الحج بل فيه تصريح أنه إذا أيسر فليحج وذلك مطابق للأصول الصحيحة التي تدل عليها الدلائل والأخبار). 

ولكنه في التهذيب قال في رواية الفضل : ( محمول على سبيل الاستحباب، يدل على ذلك الخبر الأول ( يعني خبر معاوية بن عمار)، وقوله (عليه السلام)في هذا الخبر أيضاً : « قد قضى حجة الإسلام وتكون تامة وليست بنا قصة » يدل على ما ذكرناه، وما أتبع من قوله (عليه السلام) : « وإن أيسر فليحج » المراد به ما ذكرناه من الاستحباب; لأنه إذا قضى حجة الإسلام فليس بعد ذلك إلا الندب والاستحباب ) .

ثمّ إنّ هنا خبرين آخرين :

أحدهما: يدل أيضاً على وجوب الحج إذا أيسر، وهو ما رواه الكليني (رحمه الله): عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد وسهل بن زياد جميعاً، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال : « لو أن رجلاً معسراً أحَجَّه رجل كانت له حجة، فإن أيسر بعد ذلك كان عليه الحج، وكذلك الناصب إذا عرف فعليه الحج وإن كان قد حج »  .

وثانيهما : ما ربما يستدل أو يستشهد به على عدم وجوب الحج ثانياً، وهو ما رواه الصدوق (رحمه الله): عن جميل بن دراج، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : « في رجل، ليس له مال حج عن رجل أو أحجه غيره ثم أصاب مالا هل عليه الحج ؟ فقال : يجزي عنهما»  .

إلا أن ظهوره في ذلك محل إشكال لمكان قوله (عليه السلام) : « يجزي عنهما » وتردد المراد منه بين معان متعددة :

أحدها : كون المراد من الضمير في « عنهما » المنوب عنه والذي أحج به، إلاّ أنّ عليه قد أجيب عما لم يسأل عنه السائل وهو إجزاء الحج عن المنوب عنه .

وثالثهما : أن يكون المراد من الضمير حجَّ كلِّ واحد منهما، يعني يجزي حج النائب وحج المحج به عن نفسه، وفيه يأتي ما في الاحتمال الأول .

و رابعها : أن يكون المراد من الضمير: المنوب عنه والنائب، وأنه يجزي عنهما، ويكون مثل ما رواه معاوية بن عمار عمن حج عن غيره « أيجزيه ذلك عن حجة الإسلام ؟ قال : نعم » .

وخامسها : أن يكون المراد المنوب عنه والنائب يكون الإجزاء حقيقة بالنسبة إلى المنوب عنه ومجازاً بالنسبة إلى النائب .

وسادسها : أن يكون المراد من قوله : « أحجه غيره » أحجه عن الرجل غيره، ويكون المراد من الضمير: الرجلين المنوب عنهما ، فالمعنى يجزي عنهما ولا يجزي عن نفسه .

 وسابعها : أن يكون قوله : « يجزي عنهما » على سبيل الاستفهام الإنكاري .

و ثامنها : ما احتمله بعض الأعلام من عود الضمير إلى ما أتى به من الحج يجزي ويكون صحيحاً ويجزي أيضاً عن الحج إذا استطاع وأيسر، أي لا يجب عليه الحج ثانياً إذا أيسر، وهذا الاحتمال غريب جداً .

و تاسعها : أيضاً ما في كلامه من عود الضمير إلى النائب والمبذول له فيدل على إجزاء حج النائب عن نفسه والمبذول له، قال : ( لكن في مورد النائب نلتزم بالحج عليه إذا أيسر لأجل دليل آخر دالٍّ على عدم سقوطه عنه ) .

والحق أن الاعتماد على واحد من هذه الاحتمالات ودعوى ظهور الرواية في بعضها ليس من الاعتماد على ظهور الألفاظ في معانيها بشيء ، فنبقى نحن ورواية البقباق وأبي بصير من جانب، وصحيح معاوية بن عمار من جانب آخر .

أما رواية البقباق فدلالتها غير معمول بها; لأنها تدل على قضاء حجة الإسلام تامة وغير ناقصة ووجوب حج آخر عليه، ولم يقل بذلك أحد ، فإذاً يتجه ما حمله الشيخ عليه من أنه إذا لم تكن عليه حجة الإسلام وكانت تامة غير ناقصة فليس بعد ذلك إلا الندب والاستحباب .

وأما خبر أبي بصير فيجوز حمله أيضاً على الاستحباب، مضافاً إلى ما في ذيله من وجوب الحج على الناصب بعد ما عرف الحق فإنه أيضاً محمول على الاستحباب بناءً على كون المراد من الناصب مطلق المخالف وإن لم يكن مبغضاً لهم (عليهم السلام) لعدم وجوب إعادة حجة الإسلام عليه .

فعلى كل ذلك المتجه هو الأخذ بصحيحة معاوية بن عمار الصريحة في إجزاء حجه عن حجة الإسلام، الموافقة لما هو المجمع عليه من عدم وجوب غير حجة الإسلام، والمؤيدة بروايات من باب البذل دالّة على كون حج المبذول له حجة الإسلام .

وأيضاً يدل على ذلك صحيح هشام بن سالم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : « ما كلّف الله العباد إلاّ ما يطيقون، وإنما كلّفهم في اليوم والليلة خمس صلوات ـ إلى أن قال وكلفهم حجةً واحدةً وهم يطيقون أكثر من ذلك »  .

وفي خبر الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) قال : « إنما امروا بحجة واحدة لا أكثر من ذلك »  .

ثم إنه لا يخفى عليك أن مرادهم من الشهرة العظيمة أو عدم الخلاف بين الأصحاب في كفاية الحج البذلي عن حجة الإسلام إن كان الشهرة بين القدماء فلم نعثر على مصرح بذلك غير الشيخ (قدس سره) في التهذيب ، وفي النهاية حيث قال في الأخير : ( ومن ليس معه مال وحج به بعض إخوانه فقد أجزأه ذلك عن حجة الإسلام وإن أيسر بعد ذلك، إلا أنه يستحب له أن يحج بعد يساره فإنه أفضل )  .

وغير الحلي فإنه أفتى بذلك في السرائر ، وابن البراج فإنه قال في المهذب : (ومن لا يكون متمكناً من الاستطاعة ومكّنه بعض إخوانه من ذلك وجب عليه الحج، فإن أيسر بعد ذلك كان عليه إعادة الحج استحباباً )  .

نعم ، تحقق الشهرة عليه من عصر المحقق إلى زماننا هذا، وأما دعوى عدم الخلاف في المسألة فينبغي أن يكون المراد به عدم الخلاف بين من تعرض لها إلاّ الشيخ في الاستبصار كما تقدم .

والحاصل: أن الاعتماد على الشهرة وعدم الخلاف ليس في محله. نعم، يمكن تأييد عدم الخلاف في المسألة بين القدماء بعدم ذكرهم في كتبهم هذا الفرع، مع أنهم كانوا ملتزمين بالفتوى على طبق الروايات. والله تعالى عالم بأحكامه .


إذا أقرّ بعض الورثة بوجوب الحجّ على مورثهم

إذا قصرت التركة عن أداء الدين و قضاء حجة الإسلام

إذن الزوج للزوجة المستطيعة

إذا كان المديون معسراً أو مماطلا

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)