• عدد المراجعات :
  • 2278
  • 1/18/2011
  • تاريخ :

تعادل الروح والجسد

الورد

إن حفظ التوازن بين الروح والجسد أهم عوامل النجاح والسعادة وإن أئمة الاسلام علهيم السلام كانوا إذا لا حظوا إفراطاً أو تفريطاً في سلوك أصحابهم في جانب مادي أو معنوي، إهتموا بتعديل ذلك الانحراف وتسوية ذلك الخطأ.

كان في البصرة أخوان، أحدهما: علاء بن زياد الحارثي، والآخر عاصم. وكانا كلاهما من المخلصين لعلي عليه السلام، وكانا مختلفين في السلوك، فعلاء مفرط في حبه للدنيا وجمعه للمال... أما عاصم فكان على العكس منه مدبراً ظهره للدنيا، صارفاً جل وقته في العبادة وتحصيل الكمالات الروحية. وفي الواقع كانا كلاهما قد تجاوزا الطريق المستقيم، وانحرفا عن الصراط السوي...

وذات يوم مرض (علاء) فذهب علي عليه السلام لعيادته، وما أن استقر به الجلوس حتى التفت الإمام إلى سعة عيشه وإفراطه في سعيه وراء المادة، فخاطبه قائلاً: وماذا تصنع يا علاء بهذه السعة المفرطة من العيش؟ إنك إلى تحصيل وسائل سعادتك المعنوية أحوج، فاسع في ذلك الجانب أيضا... ثم قال عليه السلام: اللهم الا أن تكون عملت ذلك كله لتمهيد طريق السعادة المعنوية، لتتمكن من استقبال أكبر عدد ممكن من الضيوف في بيتك، وتستطيع من صلة أرحامك وأداء حقوق إخوانك بأكمل وجه ملاحظة: لمعرفة نص الكلام يراجع نهج البلاغة.

لقد أثر هذا الدرس البليغ بأسلوبه الهادئ المتين في (علاء) كثيراً، وجاشت به العواطف للشكوى من تفريط أخيه فقال: "أشكو إليك عاصم أبن زياد قال: وما له؟ قال: لبس العباء وتخلى من الدنيا. قال: علي به !".

وبعد أن أحضر عاصم بين يدي الامام وبخه قائلاً: "يا عدي نفسه (عُديّ: تصغير عدو)، لقد استهام بك الخبيث، أما رحمت أهلك وولدك؟ أترى الله أحل لك الطيبات، وهو يكره أن تأخذها؟ أنت أهون على الله من ذلك...".

من خلال سرد هذه الحادثة التاريخية يتضح مدى استقامة المنهج الاسلامي الذي نطق به الامام أمير المؤمنين عليه السلام، وهو يعبر عن نظرة النبي صلّى الله عليه وآله وحكم الله عز وجل... لكن بقيت في نفس عاصم بن زياد مشكلة لم يجد لها حلاً، وهي كيفية التوفيق بين كلام الامام عليه السلام وعمله، حيث قد زهد في الدنيا وترك الملاذ، فجاشت عواطفه وما أسرع أن قال:

"... يا أمير المؤمنين: هذا أنت في خشونة ملبسك، وجشوبة مأكلك؟! قال: إني لست كأنت... إن الله فرض على أئمة الحق أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس، كي لا يتبيغ بالفقير فقره... "1. وقوله (يتبيغ) أي يهيج به. كما يقال: (تبيغ الدم بصاحبه) أي: هاج به).

هذه هي خلاصة سريعة لعرض الآراء المختلفة قديمها وحديثها حول تحقيق سعادة الانسان وقياسها بتعاليم الاسلام العظيمة وحلوله الشافية...

على أن من الضروري أن نعلم: أن الأسس الأولى لسعادة الانسان إنما تخطط في رحم الأم. وإن التحقيقات العلمية الدقيقة أثبتت: إن لعالم الرحم دوراً مهماً في تقرير سعادة الانسان أو شقائه....

محمد تقي فلسفي

--------------------------------------------------------------------------------

الهوامش:

1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 11-32، طبعة دار الاحياء.


السعي وراء اللذة

الرهبانية و الطريق إلى السعادة 

استغلال القوى الطبيعية 

حجر الأساس في السعادة

مبدأ الواقع في السعادة

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)