• عدد المراجعات :
  • 19345
  • 12/7/2004
  • تاريخ :

ذكر غزوة الخندق

وهي غزوة الأحزاب أما تسميتها بالخندق الذي حفر حول المدينة بإشارة سلمان (رضي الله عنه) حيث قال: يا رسول الله إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا علينا.

وأما تسميتها بالأحزاب فلاجتماع طوائف من المشركين وهم قريش وغطفان واليهود ومن معهم على حرب المسلمين، وكانت في شوال.

وكان سببها أن جماعة من يهود بني النضير منهم سلام بن أبي الحقيق وحي بن أخطب وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وغيرهم حزّبوا الأحزاب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقدموا على قريش بمكة فدعوهم إلى حرب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأجابوهم على ذلك ثم أتوا على غطفان فدعوهم إلى ذلك فأجابوهم.

فخرجت قريش وقائدها أبو سفيان وخرجت غطفان وقائدها عينية بن حصين في بني فزارة والحرث بن عوف في بني مرة ومسعر الأشجعي في الأشجع.

فلما سمع بهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر بحفر الخندق فظهرت في أيام حفر الخندق معجزات من رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فأقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الأسيال من رومة بين الجرف وزغابة في عشرة آلاف من أحابيشهم ممن تابعهم حتى نزلوا إلى جنب أحد

وخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمسلمون فجعلوا ظهورهم إلى سلع من ثلاثة آلاف فنزل هناك ورفع الذراري والنساء في الأطام وخرج حي بن أخطب حتى أتى كعب بن أسيد سيد قريظة.

وكان قد وادع رسول الله (صلى الله عليه وآله) على قومه فغره وحمله على الغدر بالنبي (صلى الله عليه وآله) ففعل ونكث العهد فعظم عند ذلك البلاء واشتد الخوف وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم ونجم النفاق من بعض المنافقين.

وأقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمشركون عليه بضعاً وعشرين ليلة قريباً من شهر ولم يكن

بينهم إلا الرمي فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ضعف قلوب أكثر المسلمين من حصارهم لهم ووهنهم في حربهم بعث إلى عينية بن حصين والحرث بن عوف قائدي غطفان يدعوهما إلى صلحه والرجوع بقومهما عن حربه على أن يعطيهما ثلاث ثمار المدينة فاستشار سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فقالا: إن لم يكن شيء أمرك الله به ما نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم فترك ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله).

قال الراوي: وجاء عمرو بن عبدود وعكرمة بن أبي جهل وهبيرة بن أبي وهب ونوفل بن عبد الله بن المغيرة وضرار بن الخطاب إلى الخندق فجعلوا يطوفون به يطلبون مضيقاً منه فيعبرون. حتى انتهوا إلى مكان أكرهوا خيولهم فيه فعبرت وجعلوا يجيلون خيلهم فيما بين الخندق وسلع والمسلمون وقوف لا يقدم منهم أحد عليهم.

وجعل عمرو بن عبدود يدعو إلى البراز ويعرض للمسلمين ويقول: (ولقد بححت من النداء بجمعهم هل من مبارز).

وفي كل ذلك يقوم علي بن أبي طالب (عليه السلام) ليبارزه فيأمره رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالجلوس انتظاراً منه ليتحرك غيره والمسلمون كأن على رؤوسهم الطير لمكان عمرو بن عبدود والخوف منه وممن معه وورائه.

ولقد أجاد مادح أمير المؤمنين (عليه السلام) الأزري (قدس سره) في هذا المقام قال ولله دره:

ظــهرت منه فيالورى سطوات

ما أتـــى القـــوم كـلهم ما أتاها

يـوم غصت بجيشعمرو بن ود

لهوات الفلا وضـــاق فضـــاها

وتحـــطىإلـــى المـــدينـــة فرداً

لا يــهاب العـــدى ولا يخـشاها

فـــدعـــاهـــم وهـــم ألوف ولكن

ينظرون الذي يشـــبّ لظـــاهـا

أيـــن أنتـــم مــن قـسور عامري

تتقي الأســد بأســه في شراها

أيــن من نفسه تتوق إلى الجنات

أو يـــورد الجحــيــــم عـــداها

فابــتدى المصـــطفى يحدث عما

يـــؤجــر الصابرون في أخراها

قـــائـــلاً إن لــلجليـــل جـــنــانـاً

ليـــس غيـــر المجـاهدين يراها

مـن لعمرو وقد ضمنت على الله

لــــه مــــن جــــنانــــه أعــلاها

فـــالتـــووا عــن جـوابه كسولم

لا تراها مجيــبـــة مـــن دعـاها

وإذا هـــم بفــارس قـــرشــــــي

ترجف الأرض خيفة أن يــطاها

قـــائلاً مـــالهـــا ســـواي كـفـيل

هــذه ذمــــة عــــلــى وفــــاهــا

قال: فلما طال نداء عمرو بالبراز وتتابع قيام أمير المؤمنين (عليه السلام) قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أدن مني يا علي، فدنا منه فنزع عمامته من رأسه وعمّمه بها وأعطاه سيفه وقال: أمض لشأنك ثم قال: اللهم أعنه.

فسعى نحو عمرو ومعه جابر بن عبد الله الأنصاري (رحمه الله) لينظر ما يكون منه ومن عمرو.

فلما انتهى أمير المؤمنين (عليه السلام) إليه قال: يا عمرو إنك كنت في الجاهلية تقول لا يدعوني أحد إلى ثلاث واللات والعزى إلا قبلتها أو واحدة منها، قال: أجل قال: فإني أدعوك إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأن تسلم لرب العالمين. قال: يابن أخي أخّر هذه عني.

فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): أما أنها خير لو أخذتها ثم قال: ترجع من حيث جئت قال: لا تحدث قريش بهذا أبداً.

قال (عليه السلام): تنزل فتقاتلني فضحك عمرو وقال: هذه خصلة ما كنت أظن أن أحداً من العرب يرومني عليها إني لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك وقد كان أبوك لي نديماً. قال علي: لكني أحب أن أقتلك فانزل إن شئت فأسف (أي غضب) عمرو فنزل وضرب وجه فرسه حتى رجع.

فقال جابر (رحمه الله): فثارت بينهما قترة فما رأيتهما فسمعت التكبير تحتها فعلمت أن علياً قد قتله. قال الأزري:

ومشـــى يـــطلــب البــــراز كــمـا

تمشي خماص الحشى إلى مرعاها

فــانتـــضى مـشـــرقيــــة فـتـلقـى

ســاق عمـــرو بضـربـــــة فبــراها

وإلــى الحــشـر رنـة السـيف منه

يملأ الخــافقـــين رجــــع صــــداها

يــا لهــا ضـــربة حــوت مكرمات

لـــم يـــزن ثقل أجـــرها ثـــقـــلاها

هـــــذه مــن عـلاه إحدى المعالي

وعــلى هــــذه فــقـــس مــا سواها

قال: فانكشف أصحابه حتى طفرت خيولهم الخندق وتبادر أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) حين سمعوا التكبير ينظرون ما صنع القوم فوجدوا نوفل بن عبد الله في جوف الخندق لم ينهض به فرسه فجعلوا يرمونه بالحجارة.

فقال لهم: قتلة أجمل من هذه، ينزل إليّ بعضكم أقاتله، فنزل إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) فضربه حتى قتله ولحق هبيرة فأعجزه وضرب قربوس سرجه وسقطت درع كانت له وفر عكرمة وهرب ضرار فقال جابر: فما شبهت قتل علي (عليه السلام) عمرو إلا بما قص الله من قصة قتل داود جالوت حيث يقول (فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت).

فقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): إني استحييت أن أكشف سوءة ابن عمي وروي: لما قتل عمرو ونعي إلى أخته فقالت: من ذي الذي اجترأ عليه؟ فقالوا: ابن أبي طالب، فقالت: لم يعد موته على يد كفء كريم لا قات دمعتي إن هرقتها عليه، ثم أنشأت تقول:

لـو كان قـــاتــل عمرو غير قاتله

لـكـنـــت أبــكي عـليـه آخر الأبد

لـكـن قـاتـــل عـمـــرو لا يعاب به

من كان يدعى قديماً بيضة البلد

وكان قتل عمرو ونوفل سبب هزيمة المشركين وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد قتل هؤلاء النفر: الآن نغزوهم ولا يغزونا.

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)