• عدد المراجعات :
  • 1078
  • 9/26/2004
  • تاريخ :

الاکبرعليه السلام

اکبر

في مسيرة الركب التاريخية

انطلق الركب

الحسيني بمسيرته التاريخية من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة ، البلد الأمين ، دار السلام و الاطمئنان،  وبعدما أضحت مكة غير ذات أمان مهتوكة الحرمة، و لأسباب متظافرة اتجهت المسيرة العملاقة نحو الشمال إلى العراق، حيث إقليم الكوفة فكربلاء.

و أخذ الكرب ة، يلف الصحراء ، و يطوي البيداء، و يعبر ، و يصعد الهضاب ، و يقطع السهول متجاوزاً التلال و المرتفعات. يحث خطى السير لا يلوي على شيء. قد حملت الجمال معدات السفر و العتاد، و محامل النساء. فيما امتطى الفرسان صهوات جيادهم.

وقد لحقهم مئات من الرجال النفعيين ، الذين ظنوا باقبال الدنيا على

الحسين (عليه السلام)، وقد أدرك الإمام دوافعهم ، فسلك معهم عدة أساليب لإرجاعهم و إبعادهم عن جهاده النقي، و للإبقاء على صفوة الرجال و خلاصة الرساليين الأبطال، ممن لا منفعة دنيوية تحدوهم و لا مصلحة شخصية تدعوهم، إلا إعلاء كلمة الله بإظهار الحق ودمغ الباطل.

مرَ الركب بعدة مناطق في الطريق، كمنطقة الصفاح، و زرود و الخزيمية. و منطقة الثعلبية... .

و هنا في هذه المنطقة بالذات ، حيث بلغها الركب في المساء، و

عليّ الأكبر ، يسير معهم ليلاً نهاراً، يسير كلما ساروا،  و يقف كلما وقفوا، و يحث جواده كلما حثوا الجياد.. حتى بلغ منهم النصب و أخذهم التعب، و في ذلك المساء ، بتلك المنطقة غفى الإمام الحسين، و أخذه الكرى، فرأى في نومه المؤقت رؤيا أزالت عنه الكرى، و فتح عينيه على أثرها، و أخذ يسترجع (إنا لله وإنا إليه راجعون) ، و هذه عبارة عن تعقيب على مضمون الرؤيا و معناها.

فانتبه نجله علي الأكبر ، الذي كان يسير على مقربة منه ، فالتفت حالما سمعه، ليستفسر من والده العظيم عما دعاه للاسترجاع، فأجابه الأب القائد.

«رأيت فارساً وقف عليّ، و هو يقول: أنتم تسيرون ، و المنايا تسرع بكم إلى الجنة، فعلمت أن أنفسنا قد نعيت إلينا»

 وفي رواية لا توجد عبارة (... إلى

الجنة).

فبادر ولده علي قائلاً بصرامة المؤمن القوي (يا أبة أفلسنا على الحق؟) ، قال إمام الحق: (بلى يا بني، والذي إليه مرجع العباد).

فرد علي بكلمة نابعة من العزة والإباء: (يا أبه إذن لا نبالي بالموت) ، و في الأعيان أنه قال: (فإننا إذن لا نبالي أن نموت محقين) ، فعقب والده الإمام بكلمة التقدير العالية الرفيعة، التي جاءت بصيغة الدعاء، و أي دعاء من أب لوالده، أم أي كلمة هذه ، التي ينطق بها الإمام الحسين شخصياً لولده عليّ الأكبر بالذات...،  (جزاك الله يا بني عني خير ما جزى به ولداً عن والده).. و هكذا هي تحية الإجلال لموقف الصلابة الشجاع. أكرم بهذه الأبوة و تلك البنوة، الممتدان من أصول

الأنبياء و خاتم النبوة.

لقد تحدى كل العقبات والمعوقات التي تحول دون تحقيق أهداف الحق، فطالما نحن على حق ، ينبغي أن لا نهاب الموت، الموت الذي حتى لو أيقنا قربه و دنوه منه، الموت المؤكد في الموقف المعين بالذات، الموت على الإيمان و اليقين.. و اليقين من أسماء الموت (أشهد أنك قد أقمت

الصلاة و آتيت الزكاة و أمرت بالمعروف و نهيت عن المنكر و أطعت الله و رسوله حتى أتاك اليقين).

فلابد من نصب الموت أمام الأعين في السلم و الحرب، و لابد للؤمن من حمل الكفن ، إن لم يحمل معه خشبة الصَلْب. فلا يقولن أحد ، أن منيته و أجله في غير هذه الحادثة الجهادية أو هذه الحرب، لأن ذلك معناه سابق نية على التهرب و الإنسلال و عدم الرغبة في تمام التحرير و كامل الاستقلال.

إن هذه الرواية و حديث علي مع أبيه ،لابد أن نستفيد منه ، و لنتعرف على حقيقة شخصية علي من خلاله.

و في الحديث من الدلالة على جلالة علي بن الحسين الأكبر، و حسن بصيرته، و شجاعته ، و رباطة جأشه، و شدة معرفته بالله تعالى، ما لا يخفى.

لقد كان حواراً جهادياً عظيماً، يذكرنا بحوار نبي الله

إبراهيم مع نجله النبي إسماعيل. فحينما قص إبراهيم الرؤيا، (يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك)، أجابه ابنه إسماعيل بقوله: (يا أبتِ افعل ما تؤمر ، ستجدني إن شاء الله من الصابرين).

فثمة تشابه من حيث الغرض ، و هو

الفداء والتضحية غير أن ثمة فوارق.
فجواب إسماعيل ، كان مفروضاً عليه بحكم طبيعة الرؤيا ، فهو مطالب بالرد المناسب و مطلوب للتضحية بذاتِه دون سواه. بينما لم يكن مفروضاً على علي الأكبر ، أن يجيب وليس الرد مطلوباً منه،

 و لم يك مطلوباً للتضحية بذاته  و لوحده، و كان بمقدوره ، أن لا يجيب على ما ذكره أبيه من رؤيا.. لكنه أجاب بنبرات الصارم و عزيمة الصابر الصامد الذي لا يلين.

اسماعیل

و لا نريد أن نعقد مقارنة بين الحوارين، فلا تفاضل بين النجلين الطاهرين، بحصول الفرق بين الموقفين و طبيعة القضيتين.

و بعد فقد تقدم إسماعيل صابراً، ليقدمه والده قرباناً ، و يبقى هو - والده - حياً، ثم غير الله سبحانه قضاءه ، إذ بدى له ، أن ينزل كبشاً كبديل (ففدينا بكبش عظيم) ، فنجا إسماعيل من مذبحة كادت تنهيه.

بينما تقدم علي الأكبر مع والده و كوكبة الرجال و الشبان صفوة الأمة المسلمة ، تقدم بأقدام ثابتة و خطوات ، لا تثنيها أي قوة مضادة إلى حيث مذبحه الذي ذبح عليه ، و قطع تقطيعاً هو و من سبقه، بمرأى والده، بل مضى حتى والده قرباناً و ضحية، أجل ذلك بحكم اختلاف القضية، و يا لها من قضية عظيمة لا كبش - مهما كان عظيماً - يعوضها أو يعادلها.

أجل سار علي و واصل مع الركب المجيد، سار و الحق يحدوه، و أمامه نصبت صخرة الذبح من أجل أقدس قضية ، حَتَمَتْ أرقى فداء وتفانٍ وتضحية.

علي يرابط في كربلاء مع المرابطين:

حتى إذا وصل الركب في مسيرته، ربى الطف، و تلاع شاطئ

الفرات، وقف الإمام الحسين ، ليتعرف على اسم المنطقة و ما هي إلا برهة زمنية ، حتى أعلن بأنها موعده و مستودعه و منازل الأبطال و مقابر الشهداء.

ها هنا و الله مناخ ركابنا.. و ها هنا قَتل رجالنا.. حتى قال: و ها هنا تزار قبورنا. بهذه التربة و عدني جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، و لا خلف.

فنزلها الرجال و الشباب، و قد انطلق الصبيان يلعبون و يرتعون، بينما أخذ الرجال يبنون البيوت ، وينصبون الفساطيط والخيام، فبانت أطناب الخيام ، و ظهرت مواقعها بأهلها المرابطين على الحق.. و رابط علي الأكبر في بطحاء كربلاء، منذ اليوم الثاني حتى العاشر من شهر محرم.

أما الجيش المعادي ، الذي يرابط على شط الفرات فقد ، أخذ يتكاثر كل ضحى و كل يوم ، حتى كملت عدته يوم

تاسوعاء، إذ كانت الكتائب تتوافد لترابط قبالة الجبهة الحسينية. و لكثرتها تسنى لها تنفيذ أوامر منع الماء الصادرة من ابن زياد، حيث ضربوا على نهر الفرات حصاراً ، يحول دون بلوغ ضفافه أي ضام عطشان.

و ظل علي في انتظار دوره و أداء مهامه، فهو يترقب بدء القتال مع الأعداء، و بدء دوره خصوصاً، إذ كان في رأيه ، أن يكون هو أول قتيل و

شهيد. لقد وقف إلى جانب ثلة الهاشميين تحت لواء عمه العملاق، العباس بن علي (عليهما السلام). ليطالب بأن يكونوا هم - بنو هاشم - أول من يبرز للميدان.

بيد أن عصبة الأنصار ، ترى أنها هي الأول دخولاً للميدان ، و قد تجمعوا تحت لواء المجاهد

حبيب بن مظاهر الأسدي ، وهم يطالبون بسبق الهاشميين للجهاد والقتل.

و تدور بين الطرفين مباراة كلامية.. و يستمر تنافس الجناحين على الظفر بالأولوية لخوض غمار الحرب العادلة. و لا أحد يرضى ، بأن يكون ثانياً، كل يؤثر نفسه على الموت قبل غيره، و بطبيعة الحال ، فإن علياً كان أكثر عزماً وأشد رغبة في إحراز تلك الأسبقية و الأولوية، فهو من جناح الهاشميين ، الذي يقول بضرورة تَقَدُم بني هاشم ، لأنهم حَمَلة الرسالة و ثقل الحديد لا يحمله إلا أهله.

وأخيراً إحتكم الجناحان إلى الإمام الحسين (ع) ،فحكم الإمام القائد للأنصار بالسبق لدخول الساحة.

اکبر

وظل الهاشميون في ترقب لدورهم.

و ظل علي الأكبر خصوصاً أشد شوقاً لساعته و لحظات سعادته.

على مصارع الأنصار - و مصرع

الحر الرياحي: -

حمى الوطيس و احتدم الصراع، إذ دارت رحى حرب ضروس، جالت خلالها الخيل ، و اشتد اشتباك الأسنة، و اختلاف السيوف، فما انجلت الغبرة إلا عن جمع من القتلى.. كانت تلك هي الحملة الأولى في صبيحة

عاشوراء، التي اشترك فيها الجميع ، و تمخضت عن قتل عشرات و مئات الأمويين، كما أسفرت عن خمسين قتيل شهيد من رجالات الإسلام الحسينيين (عليهم سلام الله ورضوانه).

ثم آب كل إلى موقعه. و بدأت عصبة

الأنصار - أي ممن تبقى منهم - يستأذنون الإمام الحسين للجهاد مثنى و فراداً، و هو يأذن لهم - و كان عاشوراء يوماً مشهوداً ، حيث صعدوا مسرح الجهاد وا لاستشهاد ، و هم لا يلوون على شيء، و لا يفكرون بشيء سوى الفداء و الفناء من أجل مجد الإسلام و البقاء الرسالي.

ظل علي يرمق ببصره البعيد أطراف الميدان.

مُكبراً تفاني الأنصار البواسل الشجعان.

فقد كان قوي العزيمة، لا تخونه إرادته ، و لا تلين عزيمته أو تضعف شكيمته، قوي البأس ثابت الجنان. صَلب صامد على مصارع عصبة الأنصار، حتى إنه شهد مصارعهم ، و كان يرثيهم و يؤبنهم مشتاقاً لما آلوا إليه - كما وقف على جسد أحدهم،  و هو يرثيه بأبيات نفيسة.

إذ أشرف علي الأكبر على جسد البطل المجاهد الحر بن يزيد الرياحي، و قد سبقه والده الحسين الذي أبَنَه بقوله:

(بخ بخ لك يا حر، أنت الحر كما سمتك أمك وأنت الحر في الدنيا والآخرة). أو (سعيد في الآخرة).

فعقب علي الأكبر قائلاً:

لـنـعــم الــحرّ حـرّ بـنـــي ريــــــاح
صــبـور عـنــد مشتبك الرماح
ونـعـــم الــحــر إذ نــادى حــــسيناً
فجاد بنفسه عند الصباح(36)

إنه يقرر بأبياته ، أن للحر صبراً، فيقرر أن له إيماناً قوياً ، بحيث أنه تحمل المخاطر، و صبر - لكي ينجز مهمته - رغم اشتداد اشتباك الأسنة و السيوف و كل الأسلحة. (صبور عند مشتبك الرماح).

كما و يقرر، أنه قدم أغلى ما لديه، و سخى بما عنده وجاد بما يملك من ثمين و نفيس و هل أثمن من النفس و الحياة (فجاد بنفسه عند الصباح) ، والحق أن (الجود بالنفس أقصى غاية الجود)

فضلاً عما نلمسه من إكبار و افتخار بمن هو نعم الرجل، نعم الشخصية الفاضلة، و نعم الحر، بحيث أبى التقيد بالذل و الارتهان بالعبودية، ورنا إلى نعماء العز و الحرية، دونما خوف من دفع الضريبة الباهضة لتلك النعمة.. و هي ضريبة الدم و الروح.. وكذا تكون سجية الأبطال.

و بقي علي الأكبر يرقب الميدان عن كثب: معرباً عن روعة صمود الصابرين المجاهدين، و مكبراً جهادهم. متشوقاً إلى دوره و نزوله للساحة. بعد أن مضى من مضى ، و بقي من بقي.

(رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه * فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر * وما بدلوا تبديلا).

صد الله العلي العظيم.


الأكبر يشبه الرسول

الاکبر و السبق للجهاد

علي الأكبر بن الإمام الحسين ( عليهما السلام)

الاکبرعليه السلام

فضائل الاکبر عليه السلام

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)