الإثارة في الإعلام المرئي الحديث
لندرة الوقائع المستثناة في الحياة فإن الإثارات الإعلامية تتناسب مع أعداد تلك الندرة لذلك فهي تنعكس على شكل إثارات قليلة وتجب قوة كل موضوع أو مجال إعلامي يتخذ عاتق الإثارة المعينة لدى جمهور المتلقين
ومثلما باتت الوظائف المتعلقة بسرعة نقل العينة (المادة) الإعلامية وإطلاع الجمهور عليها هي أحد مرتكزات السبق في العمل الإعلامي والشواهد في هذا الباب ليست كثيرة بسبب أن الصدفة أو الأسرار هي التي تفاجئ الرأي العام بحدث ما سواء بتفصيلات وافية أو مقتضبة ففي أواخر السبعينيات تفاجئ جمهور التلفاز بأكثر أنحاء العالم بنقل الصورة الحية لوقائع اغتيال الرئيس المصري السابق (أنور السادات) الذي تم أثناء استعراض عسكري للقوات المسلحة في العاصمة المصرية – القاهرة – مع أن ما بدى من مشاهد حية كان مدعاة للاعتراف بأن الصحفي المصور كان على قدر من الشجاعة بحيث استطاع بحركات مرتبكة بدت من اهتزاز تلك المشاهد التي كانت قد صوّرت أثناء عملية الاغتيال حيث كان الرصاص يتناثر بكل مكان.
إلا أنه في ضوء التطورات الكبيرة التي تشهدها بمعدلات يومية قطاعات التكنولوجية فإن الأخبار المثيرة عادة ما تنقل إلى جمهور المتلقين وهي معززة بالصوت والصورة وطبيعي فهذا لا يعني أن الأمر مقتصر على أحداث الساعة السياسية إذ يسود اعتقاد إعلامي بأن الوثائق المصورة – على سبيل المثال – النادرة التي تسبب الإثارة المفرطة أحياناً حول ما يفاجئ به الإعلام الجمهور يمكن الاعتقاد أن العديد من الوثائق التي لم تنشر حتى الآن هي حبيسة الأدراج السرية سواء منها الرسمية (أي الحكومية) أو الشخصية البحتة والتي لم يرى النور بعد ويطلع عليها الجمهور العريض المتابع للنتاجات الإعلامية الواسعة.
وحيث أن الانترنيت قد طور العمل الإعلامي وأدخله في منعطفات يبدو أنها لا أول لها ولا آخر فإن الجانب السلبي في الانترنيت بدأ يغزو العقول فمثلاً أن بعض مواقع الانترنيت – ومع سبق الإصرار – تشيع هذه الأيام إشاعات تروج لقرب دخول البشرية عصر الملاحم والفتن وقرب زوال العالم وتستند تلك الإشاعات لتبدو وكأنها صحيحة إلى ظواهر طبيعية هي معتادة الحدوث من الناحية العلمية مثل ظاهرة الخسوف والكسوف التي حدثت في شهر رمضان الماضي إذ استغلها الإعلام المغامر واعتبر ذلك علامة من علامات يوم القيامة الوشيك.
ومما لا يفهم في الساحة الإعلامية إن عشرات الصحفيين يذهبوا ضحايا عملهم الصحفي بسبب تواجدهم أحياناً في ساحات الحروب الملتهبة إلا أن التركيز يتم على صحفي محدد أو صحيفة محددة دون سواهما، في السجون حين يتم اتخاذ قرار بإيداع صحفي في سجن ما عقاباً لمخالفته قوانين البلد الذي يعمل فيه فإن فزعه إعلامية تتم لصالحه في محاولة لجعل الإثارة الإعلامية تأخذ أقصى مدى إعلامي يضطر بعدها قادة دول لإطلاق سراح ذلك الصحفي أو الصحفية.
ومن المؤكد فإن الإثارة الإعلامية شيء والتعريف بها شيء آخر إذ تبقى اللحظات النادرة التي تستوجب القيام بالتقاطها تمثل فرصاً مطلوبة فكل ما يتداوله الإعلام يبقى موضوعاً قابل للأخذ والرد إلا أن المصداقية في نقل المعلومة تبقى هي الأساس في تمثيل المنطق الافتراضي مع أي وضع مسبق وطالما أستطاع المتلقون للتمييز بين ما هو مثير حقاً وبين هو لا مثير فإن الاكتشافات الإلكترونية الخاصة بتيسر العمل الإعلامي تصطدم بوقائع حال الهاجس السياسي الذي هو على الغالب العامل المسيطر لتقييم كل حالة بوقت يلاحظ فيه أن أجهزة إعلام ذات باع دولي لن تستطيع أن تحافظ على استقلالية عملها الإعلامي فقبل مدة أثارت مصادر مطلعة من داخل وزارة الدفاع الأمريكية أن حملة التجسس الروسية تمكنت من اختراق أجهزة الكمبيوتر التابع لوزارة الدفاع الأمريكية وهذا ما أضعف عمل أجهزة الكمبيوتر إذ تقول الأنباء – بحسب صحيفة (وول ستريت جورنال) الأمريكية – أن كميات هائلة من الصفحات الإلكترونية غدت عرضة للإطلاع عليها والتسرب إلى جهات دولية أخرى وهي تحمل معلومات مخابراتية شديدة الأهمية.
وهذه النزوع نحو يسر استحصال المعلومات الذي يقارب المجانية في كلفة قيمته نتيجة لسقوط حالة الاختراق المخابراتي الشرقي من قبل الجانب الاشتراكي الذي وصم بخسارة معركته الأيديولوجية والسياسية أمام الجانب الرأسمالية الذي أستطاع أن ينجح في معارك التشوش الإعلامي على خصمه القديم الذي حسبما يبدو – قد انتهت منه حتى المفاهيم الأساسية التي أحيلت إلى التراث الإعلامي السابق أو سمي آنذاك بفترة الحرب الإعلامية الباردة..
واليوم بفضل سرعة نشر الأحداث والوقائع عبر الانترنيت وما تأتي به من إثارات سلبية التي لا تبدو أنها تخدم هدفاً معيناً قد يكون تخريباً بسبب عوز بعض المواد الإعلامية إلى المنطق فالخبر مهما صغر بقدر ما يبدو وكأنه مجرد صورة فإن ما لا يحظى بعد بتأييد مهم ما يقال هذه الأيام من أن ظاهرة نقل الرسائل البريدية المتطفلة والسخيفة وأنصاره بواسطة (الأيميل) التي أصبح البعض يصفها بـ(الرسائل المفخخة) لكونها تنفجر بالكلمات الجافة والإعلانات الكاذبة التي حولت وسائل اكتشاف الانترنيت وفوائده الجمة إلى صرعات لإثارة الآخرين.