رجال و أدب
مما لا يدركه البعض ، أن الشعر و بخاصة المنشد في القرون الأولى ، له أن يخدم الباحث في علم الرجال ، و قلما اعتمده الرجاليون ، الذين انكبوا على كتب الرجال و السيرة ، ولكن المؤلف الذي يسعى إلى اكتشاف المعلومة بحفر جدار التاريخ ولو بإبرة معرفية دقيقة ، توجه إلى الشعر لبيان عدد الذين اشتركوا في واقعة كربلاء من أهل البيت (ع) أو من صحابة الإمام الحسين (ع)، فبعض القصائد و المقطوعات أشارت إلى بعض الأسماء المشاركة في ركب النهضة الحسينية ، و الشعراء و بخاصة القريبون من الحدث ، إنما ينشدون عن واقع عاشوه أو سمعوه من قريب ، فعلى سبيل المثال أوقع ترادف أسماء البيت الهاشمي من آل علي و آل عقيل، علماء الرجال و الحديث في حيرة عند فرز الشخصيات، ولكن بالرجوع إلى الشعر ، ربما يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من فجر المعلومة الصادقة ، من ذلك يقول الشاعر سراقة الباهلي المتوفى عام 79هـ في بيان عدد أهل البيت (ع) الذين استشهدوا في كربلاء، فينشد من الخفيف:
عينُ فابكي بعَبرةٍ وعويلِ |
واندُبي إن ندَبتِ آل الرسولِ |
سبعةٌ منهم لصلبِ عليٍّ |
قد اُبيدوا وخمسةٌ لعقيلِ |
و قيل إن الأبيات، و هي ثمانية لسليمان بن قتة العدوي المتوفى عام 126هـ، و قيل لمسلم بن قتيبة الباهلي المتوفى بعد عام 147هـ، لكن المحقق الكرباسي ، توصل إلى إن البيتين الأوليين ، هما لابنة عقيل ابن أبي طالب ، و جاء سليمان أو مسلم ، و غيَّر في بعض كلماتها ، و أضاف إليها بعض الأبيات.
و قد يرد البيت باختلاف العدد كقول الكميت بن زيد الأسدي المتوفى عام 126هـ، من السريع:
وستةٌ لا يُتمارى بهم |
بنو عقيلٍ خيرُ فرسانِ |
و يبحث المصنف في هذه الأبيات ، و غيرها لينتهي إلى القول: (و من هنا يمكن فصل الأبناء عن الأحفاد، أو تخصيص من اشتهر منهم دون غيره أو من بارز منهم دون من قتل دون مبارزة ، أو تخصيص الذكر بمن قتل في كربلاء دون من قتل في الكوفة كمسلم بن عقيل ، أو من استشهد من الرجال دون النساء و كل هذا وارد، كما إن الاختلاف ربما يكون من رسم الخط أو النساخ وارد أيضا).
و على غير عادة أهل الرجال فان الشيخ الكرباسي اعتمد الشعر ، حتى في ضبط الإسم وجذره، من حيث اللغة و الاصطلاح و الإعراب، مثال ذلك الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب المتوفى عام 92هـ ، حيث أورد قول ابن مالك محمد جمال الدين المتوفى عام 672 في ألفيته ، و أرجوزته لبيان جواز دخول الألف و اللام على اسم فاعل أو صفة استخدم علماً كالحسن و الحارث:
وبعضُ الأعلامِ عليه دخلا |
لِلَمح ما قد كان عنه نُقلا |
كالفعل والحارث والنعمان |
فذكرُ ذا وحذفُهُ سيّان |