في البكاء على الحسين عليه السلام حفظ الدين
إن من أهم ما يلفت نظر المرء في سلوك الأفراد والجماعات في الحياة الدنيا، هو أن يرى، أو يسمع أحدا أو جماعة يبكون، وكلما كان البكاء حادا كلما كان الانتباه يشتد إليه والفضول يحوم حوله.
وكلما كان بكاء المسلمين على الحسين عليه السلام سلوكا جمعيا وشديدا كلما كان أكثر إثارة في شد الانتباه، ويبعث على طلب الجواب المقنع، على الصعيد الفردي والاجتماعي ثم على الصعيد السياسي، ولذا كان بكاء المسلمين على الحسين عليه السلام يقض مضاجع الطغاة على مر العصور. وتلك حقيقة تاريخية وسياسية في حياة المسلمين تحتاج إلى دراسة.
فالإنسان قد يقول كذبا، او يفعل زورا، او يماري او يجادل باطلا، لكنه لا يستطيع ان يبكي كذبا في مجاميع، وربما في شعوب بالكامل، وفي موضوع تنعقد النفوس عليه كدين، والسلوك الجمعي فيه بقصد القربى لله تعالى، وان يطول بكاؤه أحقابا وقرونا ويتكرر حزنه بصدق تام!!!
ولو قلبنا تاريخ الأدب العالمي على الإطلاق فلن نجد شعرا اصدق وأوفر وأكثر وأحسن من أدب ألطف، ترى لماذا؟
والشعر الحسيني خصوصا لم يكن له في الشعر العالمي مثيل بصدق عاطفته، حتى إن عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين يقول: كان الشعر العربي علويا وسيبقى علويا، لما فيه من حرارة العاطفة وصدقها الذي ينبض بحب آل محمد( صلوات الله عليهم).
من هنا ندرك أهمية الحسين عليه السلام، كثائر يطالب الإصلاح في امة جده ( صلى الله عليه وآله)، قتل ظلما وخيانة وغدرا، ثم سبيت عياله عيال الرسول( صلى الله عليه وآله) الطاهرات، وقدمت الرؤوس المقدسة هدايا لأبناء الباغيات والطلقاء.
اذن؛ صدق عاطفة الناس اتجاه الحسين المظلوم، ودوام الحزن والبكاء على مصيبة الحسين عليه السلام وأهل بيت النبوة الأطهار، كلها أمور تؤدي إلى حفظ الدين؛ وديعة الحسين المحبوب المظلوم المذبوح من اجل هذا الدين، ويمكننا ان نشهد اقتران اظهار مظلومية الحسين بحفظ الدين في اتجاهين:
الاتجاه الاول:
في البكاء على الحسين عليه السلام معاني التصاق العاطفة عند الباكين من أنصار الحسين عليه السلام، بالمبدأ الذي قدم الحسين نفسه شهيدا من اجله، وقدم عياله؛ بنات الوحي، سبايا عند الأدعياء من اجل الدين، فالبكاء هنا احتجاج وتعبير عاطفي مستمر، لاجل أهل البيت( عليهم السلام) المظلومين وضد الظالمين منذ فجر الإسلام الى الآن.
ان أهل البيت(( عليهم السلام)) مطهرون بإرادة الله:
(إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)[1].
وإرادة الله لاشك نافذة، فالبكاء على الحسين عليه السلام، إنما هو بكاء لفقدان الإسلام الحق الذي يمثله الحسين الطاهر المطهر عليه السلام بكل ما تعنيه إرادة الله تعالى من محض الخير والسؤدد، و الذي يختفي من واقع المسلمين، فالحسين لازال يذبح في كل لحظة، والبكاء عليه تمثيل لواقع مفقود ولا يمكن لمبدأ الحسين إن يسود إلا بمحق الظالمين، وعلى هذا يستمر البكاء على الحسين عليه السلام، ومعه تستمر مبررات هذا البكاء التي هي ضرورة سيادة دين جد الحسين صلى الله عليه وآله.
و من جانب أخر نجد أن أعداء الحسين عليه السلام، ولا زالوا، بنفس مواصفات يزيد وعمر بن سعد والشمر وعبيد الله، وخولي وسنان… أوغاد أجلاف ظلمة متسلطون، لا يهمهم من الكرسي إلا التحكم في رقاب الناس واكل أموالهم، والتلاعب بمقدراتهم…والدين لعق على الألسن كما يصف الحسين الناس عليه السلام في خطبته يوم عاشوراء
فالبكاء على الحسين عليه السلام إنما هو احتجاج على استمرار الحال وغياب دين الحسين وجد الحسين وأبو الحسين( صلوات الله عليهم).. ترى ما هو دين الحسين الذي يريده الباكون؟
وعلى هذا المنوال تستمر هذه الاطروحة الربانية الحسينية الراتبة، الى ظهور امام الزمان عجل الله فرجه، وفي معانيها يستمر حفظ مذهب ال محمد في نفوس المحتجين من المسلمين البكائين على الحسين فقط.
وهذا للأسباب التالية:
1-في البكاء على الحسين عليه السلام وسيلة للتعبير عن الالتصاق بالدين الصادق وللكون مع الصادقين، الذين امر الله تعالى بالكون معهم. قال تعالى:
( أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[2]
والصادقون هم أهل البيت(صلوات الله عليهم).
2- والبكاء على الحسين عليه السلام وسيلة تمثل اختيار السفينة المنجية التي أوصى الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله بركوبها وعدم التخلف عنها.. قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله:
)ان مثل اهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك([3]
3- والبكاء على الحسين عليه السلام وسيلة للتمسك بالثقل العاصم من الثقلين الذين أوصى بهم الرسول الأعظم صلى الله عليه واله وسلم بالتمسك بهما عصمة من الضلال
4- فقد قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم:
)أما بعد أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم الثقلين؛ اولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغّب فيه ثم قال؛ وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي)[4]
والبكاء على الحسين عليه السلام طاعة لرسول الله صلى الله عليه وآله والائمة المعصومين، في محبة الحسين واهل بيته عليهم السلام، كما مر معنا في قوله صلى الله عليه واله: ( أحب الله من أحب حسينا(.
فالبكاء على الحسين عليه السلام طاعة لله تعالى في مودة ذوي القربى عليهم السلام، المطلوبة في القران. وهو تعبير لتجنب الاصطفاف مع حزب إبليس، فقد قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم:
)النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف فإذا خالفتهم قبيلة من العرب صاروا حزب إبليس)[5].
وفي الاتجاه الثاني:
في البكاء عل الحسين عليه السلام، دعوة لنصرة المستضعفين من كل جنس ولون، الذي هو عماد مذهب أهل البيت عليهم السلام، باعتبار ان الدين أصلا جاء لعصمة الإنسان من ان يكون مستغلا او مستغلا، وهو بيان لكل معنى جميل في الوجود الذي ليس فيه فرق ولا ميزة لعربي على اعجمي الا بالتقوى التي لم تبرز الا من خلال ثورة الحسين عليه السلام؛ لان البكاء على الحسين فيه حجة على بقية المسلمين بالملازمة والتكرار، حيث البكاء يلازم المستضعفين المحبين لناصريهم الحقيقيين، ويتكرر مع الدهر في أيام الله، وضمن معيار شعائره؛ فهو إذن دعوة للجميع؛ ان يسالوا عن سر هذا البكاء السرمدي، ومن خلال هذه الشعائر؛ هل هو معقول ان تكذب عواطف مئات فطاحل الشعراء وعمالقتهم على مر التاريخ.
فما من فطحل او عملاق في الشعر الا وهو محب لاهل البيت وللحسين عليه السلام من النادبين المبكين الباكين!!!
ليس صدفة ان يكون عمالقة الفكر الإسلامي، هم ممن يبكون الحسين عليه السلام ومن اشد محبيه ومواليه. من امثال العالم المبدع والمفكر العظيم جابر بن حيان الكوفي، والفيلسوف الكبير والطبيب العبقري ابن سيناء الشيخ الرئيس، وابن النديم الذي يصفونه بالمتطرف في حب ال محمد، والفراهيدي، وابو الاسود الدؤلي…وغيرهم كثير، ومن القريبين الفيلسوف المبدع صدر الدين الشيرازي( الملا صدرا).
اما كل عمالقة الشعر فهم ممن يبكون الحسين ويندبونه؛ الفرزدق والكميت ودعبل وأبو العتاهية وابو فراس وابو نؤاس..حتى لكأن البكاء على الحسين ملهم الإبداع في كل اتجاه.
هل معقول ان هذه العقول العملاقة في التاريخ كلها تبكي الحسين لمجرد صدفة!!!
نطلق هذا التساؤل بفرض ان المتسائل عن البكاء على الحسين عليه السلام هو باحث عن الحقيقة، ولم يكمم عقله بمسلمات ما انزل الله بها من سلطان، لذا فان لم يكن باحثا عن الحق، فليس مأسوف عليه ما يفعله بنفسه فان يوم الفصل كان ميقاتا.
قال الله تعالى:( قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ)[6]
---------------------------------
الهوامش:
[1] ) الأحزاب – 33.
[2] ) (التوبة:119)
[3] ) ذكر هذا الحديث اكثر من مائة وخمسين عالما من علماء السنة، مرسليه إرسال المسلمات وقد ورد في: المستدرك للحاكم؛ج3-ص: 151.وفي المعجم الكبير للطبراني؛ ص130، وفي المعجم الصغير للطبراني؛ص78، وفي مجمع الزوائد للهيثمي؛ج9،ص168، والجامع الصغير للسيوطي، ثم في عيون الأخبار لابن قتيبة ج1؛ص211.
[4] ) ذكر هذا الحديث غير مسلم أكثر من مئتي مصدر منها: مسند احمد بن حنبل: ج5-182، وطبقات بن سعد؛ج2-192، والمعجم الصغير -173، والسنن الكبرى للبيهقي؛ج10- 113، وكنز العمال؛ ج1- 3322، وصححه الألباني في مواضع عدة من تخريجاته ؛ سلسلة الأحاديث الصحيحة؛ج4- 355، وصحيح الترمذي، وصحيح الجامع الصغير.
[5] ) حاء هذا الحديث في المستدرك؛ ج3-149، وقال حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وفي الصواعق المحرقة؛ ج2-445، وصححه؛ وفي مجمع الزوائدج3-147.
[6] ) الانعام – 149.
ليس في البكاء على الحسين(عليه السلام) بدعة
بكاء الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) على أبيه الحسين ( عليه السلام )
البكاء على الحسين(عليه السلام) وسيلة للتوحيد الخالص
البكاء على الحسين(عليه السلام) محض توحيد لله تعالى
البكاء على الحسين حرب على الطغاة