الاسلام وتزاوج الأقارب والأباعد
البنية الوراثية: Genotype
شبکة الحياة
علم الوراثة الإنجابي
أنظمة غذائية حسب الحاجة
لكي نعرف كيف تتم الوراثة نوضح ان في كل خلية من خلايا الجسم عدد ثابت من أجسام صغيرة تسمى كروموسومات، تحمل بدورها أجزاء دقيقة، وبترتيب خاص، تسمى العوامل الوراثية، هذه العوامل الوراثية هي المسؤولة عن الصفات التي تظهر في الانسان وفي أجياله القادمة.
وهنا يتساءل القارئ عن علاقة ذلك بالناحية الوراثية فأقول له ان هذه الكروموسومات ما هي إلا الجسر الذي تنتقل عليه صفات النوع من جيل إلى جيل. وعلى هذه الكروموسومات عوامل وراثية تنتج الصفات الوراثية، سواء كانت جسمانية أو عقلية. والعامل الوراثي عبارة عن كمية خاصة من كروماتين الكروموسوم له موضع خاص ثابت على الكروموسوم. ولكل صفة عاملان مصدر أحدهما الأم والثاني مصدره الأب، يجتمعان ويصبحان زوجاً في الطفل وهذان العاملان الوراثيان يشغلان نقاطاً متقابلة على كل زوج من أزواج الكروموسومات. عامل على كروموسومة جاءت إليه من أمه، وعامل مقابل له على كروموسومة جاءت إليه من أبيه.
وقد يكون تأثير العامل الوراثي أو (الجين) خافياً أو مستتراً وكامناً، فيطلق عليه في هذه الحال بالعامل الوراثي الكامن أو السجين أو المتنحي، وعلى الصفة التي ينتجها بالصفة الكامنة أو المتنحية أو السجينة. وإذا وجد العامل المسيطر (السائد) تظهر الصفة السائدة المسيطرة، وتختفي الصفة المتنحية أو الكامنة أو السجينة فنجد في الانسان مثلاً لون العين البنية صفة سائدة مسيطرة، تسود وتسيطر على صفة اللون الأزرق في العين.
فإذا تزوج أب يحمل عاملين يعطيان اللون الأزرق في العين بأم تحمل عاملين يعطيان اللون البني في العين (وهو اللون المسيطر السائد) فإن البويضة عند الأم تحتوي على نصف عدد الكروموسومات وعلى عامل يعطي اللون البني في العين. أما الحيوان المنوي للأب فإنه يحوي على نصف الكروموسومات وعلى عامل يعطي لون العين الأزرق.
وعند اندماج الحيوان المنوي بالبويضة يتكون الزيجوت حاملاً عاملين وراثيين الأول جاءت به البويضة، وهو عامل اللون البني، والثاني جاء به الحيوان المنوي وهو عامل اللون الأزرق وما دام عامل اللون البني في العين هو المسيطر فإن صفة اللون الأزرق تكمن ولا تظهر في أبناء هذين الأبوين الذين نرى أعينهم جميعاً بنية اللون. وهي وإن كانت بنية اللون في الظاهر إلا أنها تحوي عامل اللون الأزرق في حالة كامنة أو سجينة، لا أثر لوجوده في وجود عامل اللون البني المسيطر.
وسنحلل هذا المثل لنوضح كيف تنتقل العوامل الوراثية التي هي مصدر انتقال الصفات من جيل إلى جيل.
1 ـ ينشأ عن اندماج حيوان منوي يحمل عامل اللون البني ببويضة الأنثى التي تحمل عامل اللون البني ابن يحمل عاملين وراثيين للون البني، وتكون عينيه بنية اللون.
2 ـ ينشأ عن اندماج حيوان منوي يحمل عامل اللون ـ البني ببويضة تحمل عامل اللون الأزرق انسان بني العين أي يحمل عامل اللون البني السائد أو المسيطر وعامل اللون الأزرق الكامن أو المتنحى أو السجين .. وتكون عينيه بنية اللون.
3 ـ ينشأ عن اندماج حيوان منوي يحمل عامل اللون الأزرق ببويضة تحمل عامل اللون البني انسان يحمل عامل اللون البني السائد أو المسيطر ويحمل أيضاً عامل اللون الأزرق المتنحي أو السجين.
4 ـ ينشأ عن اندماج حيوان منوي يحمل عامل اللون الأزرق ببويضة تحمل عامل اللون الأزرق انسان يحمل عاملين للون الأزرق وتكون العين عندئذ زرقاء اللون لأن الفرد الناتج لا يحمل عامل صفة اللون البنمي المسيطر السائد الذي يخفي تحته صفة اللون الأزرق. وبذلك ظهرت الصفة الكامنة أو السجينة.
وهي صفة اللون الأزرق للعين لوجود العامل الوراثي المتنحي أو السجين لعدم وجود العامل الوراثي المسيطر.
من هذا يتضح كيف تختفي بعض الصفات وكيف تعود للظهور إذا غاب هذا العامل المسيطر وذلك لعدم وجود عامل اللون البني المسيطر أو السائد.
لهذا يجب عند الزواج عدم الاكتفاء بالصفات الظاهرية، إذ يختفي تحتها الصفات السيئة أو الرديئة. ولهذا يجب أن نتوخى عراقة الأصل وحسن المنبت وخلو الأسرتين من العيوب الجسدية والأمراض النفسية والوراثية.
وقد توجد هذه العيوب في أحد الأجداد الراحلين، ومتى غابت العوامل الوراثية الجيدة المسيطرة وصفاتها الوراثية الجيدة الناشئة عنها ظهرت الصفات المضادة السيئة في الأحفاد.
وبعد هذه المقدمات العلمية نتحدث عن زواج الأقارب كزواج أولاد العم والخال الذي يتركز لمدة طويلة في أسرة واحدة، فتتركز تبعاً لذلك بعض الصفات الوراثية السيئة، ولكن عند ترك هذه العادة والالتجاء إلى زواج الأباعد تدخل من هذه الأسرة الجديدة عوامل وراثية جديدة من النوع السائد المسيطر، فيخفى هذه الصفات السيئة وتنشأ الصفات الجيدة المقابلة.
وعموماً يمكن أن نقول زواج الأقارب يزيد الصفة الغالبة في الأسرة ويؤكدها ويبرزها، خصوصاً إذا كانت من الصفات السيئة على عكس زواج الأباعد فهو يقلل من العيوب الجسمية والمرضية.
يتهدد زواج الأقارب بانجاب أطفال مصابين، لأن بعض الأمراض الوراثية تكون كامنة وسجينة، بفعل عواملها الوراثية من جيل إلى آخر.
وتنتقل عن طريق الآباء والأبناء دون أن تظهر أعراض المرض على الشخص الذي يحملها، إلا إذا صادف ان الأبوين كانا على علم بوجود هذه الصفة عند الأجداد.
ما يقوله العلم والطب الحديث الآن:
أوصى نبينا الكريم، إذ أوصى بتزاوج الأباعد، فقال: ((اغتربوا ولا تضووا)) أي تزاوجوا الأبعاد في الأنساب بين حين وآخر حتى لا تضعفوا. ليس هذا فحسب بل نصحنا باختيار مَن حسنت جدودها وفروعها، فقال: ((تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس)) أي ان الصفات الجيدة أو السيئة قد تكون كامنة أو مختفية أو سجينة في الآباء ولكن كانت موجودة في الأجداد، وقد تعود وتظهر في الأحفاد، وهذا هو أساس علم الوراثة.
أما مَن حرم الله زواجهم فجاءوا في الآية الكريمة: (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم يتكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف ان الله كان غفوراً رحيماً).
كتب الدكتور آرثر لوسي أستاذ علم الحياة للطفيليات بمدرسة الطب بالقاهرة سنة 1914: انه إذا لوحظت بويضة وحيوان منوي تحت الميكروسكوب في وسط ملائم فإنه يرى انهما يتجاذبان أي أن الحيوان المنوي المتحرك يتجه نحو البويضة الساكنة ويطلق على هذه الظاهرة اسم التجاذب الجنسي. والعجيب ان هذه المظاهرة ليست عامة إذ أن الخلايا الجنسية المأخوذة من ذكر وأنثى تجمعهما قرابة شديدة (كأن يكون أخ وأخته) تكون لديهما هذه الظاهرة ضعيفة جداً أو منعدمة ولا يتحدان بالمرة مهما كانت الظروف. وقد لوحظت هذه الظاهرة تحت الميكروسكوب في كثير من الكائنات الميكروسكوبية الحيوانية وهي تتفق تمام مع ما نراه في الحيوانات الراقية الأليفة.
وقد لاحظ الفلاحون مربو المواشي والمدربون في حدائق الحيوانات ان نسل الحيوان الواحد لو ترك يتكاثر بين بعضه لكان النسل ضعيفاً قليل العدد.
ويؤدي التناسل بين أولاد جد واجد بالتناسل المقفل. والمعروف انه لو ترك يحدث ويتكرر لقاد في النهاية إلى انحطاط الأفراد عقلياً وجسمياً. وهناك أسر ملكية وأخرى أرستقراطية درجت على تزاوج الأقارب من داخل الأسر المالكة الحاكمة كما حدث مع آل هابسبرج وآل بوربون وسواهما في أوروبا وما زواج ملك اليونان قسطنطين بأميرة دنمركية ببعيد، وكذلك زواج الملكة فكتوريا ملكة بريطانيا بالأمير البرت في القرن الماضي، وهو من نفس العائلة المالكة.
ولكن إذا كانت العوامل الوراثية في أسرة ما كلها ممتازة ... وليس فيها ما يورث الصفات السيئة والأمراض، كانت في شبه مأمن من عيوب تزاوج الأقارب ... ولكن هذه الحال من الناحية العملية قليلة .. وقليلة جداً.
والدكتور كارل جورج أستاذ الوراثة في الجامعة الأمريكية يتفق معنا في هذا الرأي، إذ يقول: ((إن زواج الأقارب في ذاته ليس عاملاً على إضعاف النسل أو تشويهه بالأمراض والعاهات في كل الأحوال، فإذا لم تكن السلالة نفسها ضعيفة، فلا يمنع أن تظل نقية قوية)).
ولكنه يستدرك، فيقول: ((إلا أن الحالات التي تظل فيها هذه الأسر صحيحة نادرة في التاريخ، ولا يمكن اعتبارها مقياساً، لا بل فهي الشواذ. ويؤكد ألف مرة بأن زواج الأقارب مضر من حيث انه يؤدي إلى تلاقي الخصائص الفاسدة في الأقرباء)).
ولكي أبرز أثر زواج الأباعد أمامنا العالم الأمريكي الجديد خصوصاً الولايات المتحدة حيث نجد سلسلة من شعوب مختلفة، استوطنت أميركا. وهذا الاختلاف والتباين بين الشعوب التي نزحت إلى أميركا قد أدى إلى تحسين النسل من الناحية الجسمانية والعقلية. وقد أبرزت مسابقات الجمال والألعاب الرياضية مزايا هذه العروق الجديدة التي نشأت عن الشعوب المختلفة التي نزحت إلى العالم الجديد ـ أميركا.
المصدر : د. عزالدين فراج/ موقع ا لبلاغ