• عدد المراجعات :
  • 3074
  • 6/15/2008
  • تاريخ :

أنظمة غذائية حسب الحاجة
الغذاء

البنية الوراثية: Genotype

شبکة الحياة

علم الوراثة الإنجابي

نتعرض على امتداد أعمارنا إلى مزيج معقد من الـمُـرَكّبات الغذائية، حيث تؤدي العمليات الكيميائية الحيوية المعقدة إلى استخلاص الطاقة وعناصر مفيدة أخرى من الأغذية التي نتناولها حتى تتمكن أجسادنا من النمو وأداء الوظائف الحيوية المختلفة. ولقد بات العديد من الـمُـرَكّبات التي كانت تعتبر غير ذات أهمية في الماضي، تنال الاعتراف الآن باعتبارها ذات تأثير واضح على صحتنا. على سبيل المثال، قد تساعد الليكوبينات الناتجة عن طهي صلصة الطماطم على منع الإصابة بسرطان البروستاتا.

والحقيقة أن الجميع يعرفون أن الطعام قد يكون ذا تأثير إيجابي أو سلبي على الصحة. وقد لا يستطيع الطعام أن يؤدي إلى شفاء أي مرض بعينه، لكن الأنظمة الغذائية الغنية بالفواكه والخضراوات، والحبوب والزيوت المستخلصة من النبات توفر الحماية من العديد من أنواع السرطانات، وأمراض القلب والأوعية الدموية، والأمراض الأخرى المرتبطة بالتقدم في العمر. ولكن هناك مشكلة مشتركة تواجه العلماء ومستهلكي الطعام على السواء، ألا وهي أن الفوائد الناجمة عن الأغذية ليست متماثلة لدى الجميع.

لذا يتعين علينا أن نفهم كيف يتفاعل ما نتناوله من أغذيه مع أجسادنا ـ أو على وجه الدقة، مع جيناتنا الوراثية ـ بحيث يؤثر على صحتنا. وهذا يسمى بعلم المورثات الغذائية. وتتلخص الغاية بعيدة الأمد من علم المورثات الغذائية في تحديد كيفية استجابة جسم الإنسان بالكامل للغذاء باستخدام ما يسمى بـِ "بيولوجيا الأنظمة".

كل خلية في جسمك (باستثناء خلايا الدم الحمراء الناضجة) ـ هناك حوالي 50 تريليون خلية في جسم الإنسان البالغ ـ تحتوي على نسخة من حمضك النووي (DNA)، وهي تلتف بإحكام بحيث تؤلف 46 حزمة منفصلة تدعى الكروموسومات. ويتم تخزين هذه الكروموسومات في قلب الخلية (نواتها)، وهناك 22 زوجاً متماثلاً منها، يرجع واحد من كل زوج منها إلى والدك والآخر إلى والدتك، علاوة على كروموسوم (س) من والدتك،

أو كروموسوم (س) أو (ص) من والدك؛ وإذا اجتمع الكروموسومين (س) و(س) فإن هذا يجعل منك أنثى، وإذا ما اجتمع الكورموسومين (س) و(ص) كنت ذكراً.

يُـخَـزِن الحمض النووي المعلومات الحيوية الخاصة بالنمو، وإصلاح، وإحلال، وتصحيح عمل الخلايا في أجسامنا. وهو يحتوي على خيطين ـ يتكونان من الفوسفات والسكر ـ وعلى طول كلٍ من هذين الخيطين تلتصق أربعة مُـرَكّبات فريدة (تشكل قواعد الحمض النووي). وهناك حوالي ثلاثة مليارات قاعدة، ويشكل التتابع الذي تظهر به هذه القواعد كودنا الوراثي أو الجينوم البشري.

وداخل الكود الوراثي توجد من 30 ألف إلى 40 ألف منطقة عالية التنظيم تسمى الجينات أو المورثات. والجين هو الوحدة الأساسية للوراثة، وما لم تكن توأماً متماثلاً فإن تركيبة الجينات التي ورثتها من والديك هي تركيبة فريدة لا مثيل لها. والجينات التي يحتوي عليها جسمك تحدد بنيتك الوراثية. والنتاج الحاصل عن هذا، كلون العين على سبيل المثال، هو الذي يشكل هيئتك الفيزيائية.

نستطيع استخدام البنية الوراثية في تحديد الجينات التي تمتلكها، لكننا لا نستطيع أن نستعين بها دوماً في تحديد هيئتك الفيزيائية. إن توريث بعض الخواص، مثل لون العين، مسألة بسيطة. لكن غالبية الهيئات الفيزيائية نتاج لتفاعلات معقدة متعددة الجينات، وتشارك في تحديدها البيئة، والخيارات التي نستقر عليها لأسلوب حياتنا. وهذا يتضمن خطر التعرض لمجموعة من الأمراض المرتبطة بالعمر.

ترمز الجينات إلى البروتينات، أو الشغالة التي تعمل داخل جسم كلٍ منا، وهي ليست مصنوعة من الحمض النووي على نحو مباشر، لأنها لا تتحدث نفس اللغة. ويعمل الشريط النووي الوراثي (RNA) كمترجم في عملية تسمى "النسخ" (أو قراءة الجينات). وتؤدي عملية الترجمة من الشريط الوراثي إلى تكوين بروتينات ثلاثية الأبعاد مؤلفة من تركيبات مختلفة من الأحماض الأمينية الـ 22 الأساسية ـ وهي أساسية فقط لأن أجسامنا غير قادرة على تصنيعها، ومن هنا فلابد من الحصول عليها من خلال أنظمتنا الغذائية. وتعمل البروتينات الناتجة وكمياتها وخصائصها مجتمعة على تشكيل البروتيوزات أو إنزيمات تحليل البروتينات، وتعمل أنشطة هذه الإنزيمات، بمصاحبة أو استجابة لإشارات صادرة من داخل الجسم أو من خارجه، على تشكيل وتنظيم تمثيلنا الغذائي.

لقد بلغ علم المورثات الغذائية حداً من التعقيد لم يعد بوسع باحثي التغذية معه أن يعملوا بمفردهم. وباتت مشاركة أصحاب الخبرات في مجموعة متنوعة من المجالات المختلفة ـ علم الأحياء الجزيئي والخلوي، والرياضيات والإحصاء، والتغذية والأنظمة الغذائية، وكيمياء الأغذية، والعلوم الاجتماعية ـ أمراً جوهرياً لازماً لتحقيق التقدم في هذا المجال.

حتى وقتنا الحاضر، اتحدت 22 مجموعة رائدة لإنشاء المنظمة الأوروبية لعلوم المورثات الغذائية، والتي تتولى المفوضية الأوروبية تمويلها. وتوفر هذه المنظمة لأفضل الباحثين وعلماء من منظمات وهيئات تتنافس عادة من أجل الحصول على التمويل اللازم، أول فرصة حقيقية للعمل معاً. وعلى الرغم من المصاعب الناجمة عن الرطانة المهنية، والبنية التنظيمية، والمسافات المتفاوتة بين التخصصات المختلفة، إلا أن الفوائد الناجمة عن التكامل بين المؤسسات العاملة في حقل علم المورثات الغذائية ومجالات خبراتها المختلفة تؤدي إلى معادلة تلك المصاعب والتغلب عليها لتضمن بذلك الاستغلال التعاوني الأمثل للمعرفة وتطبيقاتها في مجال أبحاث التغذية.

إن علم المورثات الغذائية لا يمثل كنـزاً مقدساً بالنسبة للمهتمين بالتغذية، لكنه أيضاً لا ينبغي أن يكون حكراً على قلة من الأثرياء الذين يستطيعون تحمل تكاليف المنتجات الغذائية الجديدة حين تصبح متاحة. لقد أدى تحديد بنية الحمض النووي وتتابع سلسلة الجينوم البشري إلى ثورة في عالم الأحياء والطب. كما قادنا إلى خلق تخصصات جديدة وزاد من عمق فهمنا للأمراض. لكن مثل هذه المعارف نادراً ما تسمح لنا بالسيطرة على النتائج ـ أو الوقاية بدلاً من العلاج. والحقيقة أننا وقد دخلنا إلى القرن الواحد والعشرين ما زلنا عاجزين عن إيجاد وصف للصحة غير الخلو من المرض.

ولكن مع تقنيات اليوم الحديثة نستطيع تعريف الصحة فيما يتصل بأشكال التعبير الجيني، وإنتاج البروتين، واستجابة عمليات التمثيل الغذائي. كما أن تطبيق علم مورثات التغذية على علوم التغذية من شأنه أن يسمح لنا بأن نفهم، بل وربما الأهم من ذلك، أن نستغل استجاباتنا الفردية للأغذية المتاحة بهدف تحقيق النفع لصحة أجسامنا.

قد يعني هذا لبعض الناس المزيد من الاختبارات الوراثية المكلفة والأنظمة الغذائية المصممة حسب الحاجة، لكنه في نظر أغلب الناس يعني نصيحة واقعية مستندة إلى هيئات فيزيائية مرئية يمكن إقامة الدليل عليها ـ كالميل إلى اكتساب الوزن على سبيل المثال، أو الحساسية لأنماط معينة من الأطعمة. وفي المقام الأول فإن علم مورثات التغذية يحمل لنا وعداً بتوفير حياة مستقلة تتسم بالصحة، وهي غاية غالية يتمنى كل منا أن يدركها حين يتقدم به العمر.

دكتور سيان آستلي عالم بحثي بمعهد بحوث الطعام، بمستعمرة متنـزه نورويتش البحثي في نورويتش بالمملكة المتحدة.

المصدر : موقع بروجيكت سنديكيت

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)