حرية الضمير والعقيدة الدينية
العراقيين اليوم مستهدفين لأسباب ومبررات شتى لعل من ابرزها اعتقادهم الديني او الطائفي ومن المهم القول في هذا المجال ان الحق باعتناق ديانه معينه وممارسة شعائرها الدينيه امر قد اعترفت به كافة الشرائع الدولية وإعلانات الحقوق وبموجب هذا الحق يكون لكل إنسان حرية اختيار الدين الذي يؤمن به وحقه في ان يعبر بصورة منفردة أو مع آخرين بصورة علنية أو غير علنية عن الديانة أو العقيدة التي يؤمن بها سواء تم ذلك عن طريق العبادة أو الممارسة أو التعليم أو التقيد بتعاليم هذا الدين.
وينبني على ما تقدم عدم جواز إخضاع أي إنسان لوسيلة من وسائل الإكراه تؤدي إلى تعطيل حريته في الانتماء إلى أحد الأديان أو العقائد التي يختارها، إلا انه يجوز إخضاع حرية الفرد في التعبير عن ديانته أو معتقداته للقيود المنصوص عليها في القانون والتي تستهدف حماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الأخلاق أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية والمضامين المتقدمة نصت عليها المادة 18 من اتفاقية الحقوق المدنية والسياسية، والحق ان الحرية الدينية كانت دائماً محلاً لاعتداءات صارخة أكثر من الاعتداءات التي تقع على بقية الحريات المعنوية الأخرى كحق الرأي أو النشر وذلك ان كل مؤمن بدين معين يعتقد انه قد اكتشف الحقيقة الوحيدة في هذا العالم والتي لا يتطرق إليها الشك مطلقاً، وهذا النمط من التفكير يقود إلى البعد عن التسامح والمرونة في التعامل مع الأمور، ومن ثم فان إيمان الدولة بدين يقودها في العصور التي مرت على وجه التحديد إلى اضطهاد الأدي! ان الأخرى أو النظر إليهم نظرة غير متساوية.
من جانب آخر يلاحظ ان الحرية الدينية كانت أول الحريات التي أُعتُرِف بها للإنسان في العصور الحديثة فحركة الإصلاح الديني التي ظهرت في أوربا وقادت إلى اختلافات واضطهاد أدت في النهاية إلى الأخذ بمبدأ حرية الفرد أو الإنسان في الاعتقاد بالدين أو بالمذهب الذي يؤمن به وحريته في مباشرة الطقوس الدينية، وقد اعتبر كرومويل هذه الحرية قاعدة أساسية من قواعد الدستور الذي أراد ان يضعه، بينما يعلن فاتيل وهو من أنصار مدرسة القانون الطبيعي ان الحرية الدينية هي حق طبيعي وغير قابل للاعتداء عليه ونصت المادة العاشرة من إعلان حقوق الإنسان الصادر سنة 1789 على أنه (لا يجوز ان يضايق شخص بسبب آرائه ومعتقداته الدينية).
أما في إنكلترا فقد تم إقرار الحرية الدينية حيث لا تعتبر ممارسة أية ديانة أو انكار الدين جريمة ما عدا القذف في حق دين معين فهذا يعد جريمة من جرائم النشر كما ان الممارسة العلنية للطقوس الدينية المختلفة أمر مسموح به وان العقيدة الدينية لا دخل لها في ممارسة الحقوق المدنية والسياسية وهكذا استقر الحال بإقرار الحرية والمساواة الدينيتين في هذا السبيل.
وفي استراليا لا يوجد ميثاق عام للحقوق والحريات لكن المادة 116 من الدستور تكفل الحرية الدينية بنصها على ما يلي (لا يصدر الاتحاد أي قانون يؤسس ديناً أياً كان أو يفرض التقيد بدين أو يمنع الممارسة الحرة ولا يطلب اجتياز أي امتحان ذي طابع ديني كشرط للأهلية لتقلد مناصب أو مهام عامة تحت سلطة الاتحاد) ويكفل هذا النص مبدأ الحياد فيما يتعلق بالدين والحرية الدينية، على المستوى الاتحادي، بيد أنها تقتصر على توفير حماية قانونية محدودة نظراً لأنها لا تسري إلا على السلطات التشريعية للاتحاد وليس على السلطات والأنشطة الأخرى وبخاصة التنفيذية والقضائية. فضلاً عن ذلك، فان الحماية الدستورية تسري على الاتحاد لا على الولايات والأقاليم التي تتمتع، من الناحية القانونية، بحرية التصرف في ميدان الحرية الدينية بما في ذلك فرض القيود.
وفي عام 1988، أوصت اللجنة الدستورية الاسترالية المكلفة بالاحتفال بالذكرى المئوية الثانية للاستيطان الأوربي بتعديل المادة 116 من الدستور لكي تصبح الضمانات الممنوحة للحرية الدينية على المستوى الاتحادي سارية أيضاً في جميع ولايات الاتحاد وأقاليمه، وفي الاستفتاء الذي أجري عام 1988 رفضت مسألة مد نطاق الضمانات الممنوحة للحرية الدينية على المستوى الاتحادي إلى مجمل ولايات الاتحاد وأقاليمه بأغلبية 69% من مجموع الأصوات لكن هذه الحماية المحدودة الممنوحة للحرية الدينية سيقابلها التقدم المحرز في مجال الحماية القانونية للحرية الدينية نتيجة للاحكام التي اصدرتها المحكمة العليا لاستراليا فيما يتصل بتعريف مصطلح الدين وبتفسيرات الأحكام الدستورية المتعلقة بتأسيس دين فقد طلب من المحكمة العليا في عام 1983 في قضية كنيسة العقيدة الجديدة ضد لجنة الضرائب على الرواتب ان تفصل في نزاع على موضوع الضرائب وعرفت الدين بانه (لا يمكن ان تقتصر صفة الدين على عقا! ئد التوحيد وحدها، وأوضح القاضي ميسون والقاضي برنين ان المعيار الخاص بتقرير وجود دين يقوم على معيار مزدوج وهو: الإيمان بكائن أو شيء أو مبدأ خارق للطبيعة والخضوع لقواعد سلوك تجسد هذا الإيمان، ورأى القاضي مورفي انه يجوز لأي منظمة تدعي أنها منظمة دينية وتشكل عقيدتها وشعائرها استعادةً أو انعكاساً لعبادات قديمة ان تطالب بحقها في الإيمان بكائن خارق للطبيعة أو أكثر بإله أو بكيان معنوي، وستعد ديناً.
فيما يتعلق بالموقف من الحرية الدينية في الولايات المتحدة الأمريكية فقد فُسِرَتْ الحرية الدينية أوسع تفسير إذ أدخلت في معنى الحرية الدينية بالإضافة إلى حرية العقيدة وحرية العبادة، حرية الدعاية الدينية حتى في حالة كون هذه الدعاية من جانب مجموعات دينية متطرفة، ففي عام 1938 حكمت المحكمة الاتحادية العليا ببطلان قرار إداري يمنع توزيع منشورات دينية تبشيرية من دون إذن سابق، وقالت المحكمة ان حرية الصحافة مكفولة في الدستور الأمريكي، وهي لا تشمل فقط طبع المطبوعات بل أيضاً نشرها، فضلاً عن توزيعها، وفي حكم آخر صدر عنها عام 1943 حكمت بإعفاء بيع الكتب الدينية في الطرق العامة من الرسوم المقررة لغلبة الطابع الديني على الطابع التجاري، وفي حكم صادر عام 1944 أكدت المحكمة عدم جواز منع أشخاص من دخول مدينة أنشأتها شركة خاصة لسكنى عمالها ومستخدميها وحدهم متى كان دخول هؤلاء الأشخاص إليها لأغراض الدعاية الدينية لعقيدتهم، وفي عام 1948 قضت المحكمة بجوا! ز استخدام مكبرات الصوت وان القول بعدم امكانية استخدامها إلا بموافقة سابقة من الإدارة هو اجراء مخالف للقانون، وأكدت المحكمة على ان الجهة الإدارية لا تملك إلا تنظيم الساعات التي تستخدم فيها تلك المكبرات، ومكان استخدامها، ومدى ارتفاع صوتها.
عليه يبدو واضحاً ان المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية قد حمت الحريات الدينية وقضت بضرورة احترام العقائد والديانات التي تتنوع في المجتمع الأمريكي إلا انه من الضروري ملاحظة ان حرية التعبير الديني يجب حمايتها إلا انه في الوقت نفسه لا توجد حماية بنفس المستوى للدين في مواجهة حرية الرأي والكتابة والتعبير، وعلى هذا الأساس لم تسمح المحكمة العليا عام 1952 باخضاع عرض فلم سينمائي لموافقة الرقيب الذي يمكن ان يرفض عرض الفلم متى عده خارقاً للمعتقدات الدينية.
أما في فرنسا فان للمجلس الدستوري موقفاً معروفاً من حرية المعتقد فهو يعتبرها من المبادئ الأساسية التي تعترف بها قوانين الجمهورية وكذلك الحال مع مبدأ حرية التعليم فمنذ ان أعلنت فرنسا بموجب القانون الصادر عام 1905 بانها دولة علمانية وفصلت بين الكنيسة والدولة، واعترفت بمبدأ حياد الشارع، يلاحظ صدور قرارات من السلطات الإدارية تقيد من خلالها الحريات الدينية وكان المجلس الدستوري هو الملاذ في فرنسا الذي يوفر نوعاً من الحماية لهذه الحريات(70) وقد ظهرت في فرنسا أول مشكلة تتعلق بارتداء الحجاب في المدارس عام 1989 حيث طردت فتاتان مسلمتان من مدرستيهما ورفض وزير التربية البت في القضية وطلب رأي مجلس الدولة الفرنسي الذي بين في فتواه (ان حمل التلاميذ للشعارات التي تظهر انتمائهم لديانة ما، لا يشكل بذاته تعارضاً مع مبدأ العلمانية ومنذ هذه الفتوى استقر اجتهاد مجلس الدولة على قاعدة ان للتلاميذ الحق في اظهار انتمائهم الديني سواء بلبس الح! جاب أو حمل الصليب أو رفع القلنسوة ... وفي حالات أخرى كان مجلس الدولة الفرنسي يوافق المؤسسة التعليمية على قرارها بحظر حمل الشعارات الدينية أو لبس الحجاب وذلك في الحالة التي يترافق فيها ارتداء الحجاب مع اضطراب في النظام العام والمساس بمعتقدات وحريات الطلاب أو يحدث اضطراباً في القطاع التعليمي، أو لا يتوافق مع السير الطبيعي للدروس....).
والحقيقة ان مجلس الدولة لم يقم بابطال قرار المدرسة الصادر عام 1989 والقاضي بطرد الفتاتين المسلمتين.
ويبدو من هذه العبارات التي استخدمها المجلس اللجوء إلى مفاهيم وصياغات عامة تتعلق بالأمن العام والمصلحة العامة للتقييد من الحريات الدينية للمسلمين.
عليه يمكن تلخيص حرية العقيدة والعبادة باعتبارها تمثل حرية الشخص وقناعته في اعتناق مبدأ أو عقيدة محددة أو عدم اعتناقها وحريته في التعبد طبقاً للعقيدة التي يؤمن بها داخل مسكنه أو خارجه، ومن ثم فان دين الدولة الرسمي أو دين أغلبية الشعب يجب ان لا يخل بالاحترام الذي يجب ان يضمن لابناء الأديان الأخرى الاعتقاد والتعبد والحقيقة ان حرية العبادة نسبية تخضع لمعايير النظام العام والآداب.
الدكتور مازن ليلو
الإرهاب في نظر الشيعة
الإرهاب وحقوق الإنسان
الإسلام والديمقراطية