فصول من السيرة العلوية (2)
بسم الله الرحمن الرحيم
فصول من السيرة العلوية (1)
فصول من السيرة العلوية (3)
فصول من السيرة العلوية (4)
16- في السنة الثانية من الهجرة ، و بالتحديد في شهر رمضان المبارك في السابع عشر منه بعد ستَّة عشر شهرًا من الهجرة ، وقعت غزوة بدر الكبرى ، و التي كانت منطلق الانتصارات الإسلاميَّة ، و قد كان علّي بن أبي طالب (ع) ، هو الرجل الأول في هذه المعركة ، فقد نصَّت أكثر الروايات أنَّ عليًّا (ع) ، قتل النصف من قتلى المشركين ، و اشترك مع المسلمين في الباقي. و كان فيمن قتلهم أصحاب الألوية و أعيان قريش و فرسانهم ، أمثال أبي جهل و حنظلة بن أبي سفيان و العاص بن سعيد.
روى الطبري ، أنَّ علي بن أبي طالب (ع)لمَّا قتل أصحاب الألوية في بدر ، كان كلَّما تكتَّل جماعة من مشركي قريش ، يقول له النَّبي (ص) : " احمل عليهم " ، فيحمل عليهم ، و يقتل منهم فنزل جبرئيل (ع) على النبيِّ (ص) ، و قال له : " إنَّ هذه المواساة يا رسول الله " ، فقال له رسول الله (ص) : " إنَّه منِّي ، و أنا منه " ف، قال له جبرئيل(ع) : " و أنا منكما " ، و سمعوا صوتًا يقول : " لا سيف إلا ذو الفقار ، و لا فتى إلا علي ".
17- و في شوَّال في السنة الثالثة من الهجرة ، وقعت غزوة أحد ، و كان النَّصر في بداية الأمر للمسلمين ، بعد أن قتل عليٌّ أصحاب الألوية ، و هم بنو عبد الدار ، و كانوا تسعة من أشدِّ قريشٍ بأسًا ، ثمَّ لمَّا التحم الجيشان كان علي فارس المعركة ، فكان لا يتقدَّم إليه أحد إلا بعجه أو ضربه على رأسه بسيفه ، وحينئذٍ انهزموا فكان النَّصر للمسلمين ، و حين نزل الرماة لجمع الغنائم مع المسلمين ، استثمر المشركون هذه الفرصة ، فلملموا شملهم ، و كرُّوا على المسلمين على حين غفلة منهم ، وعندئذٍ انهزم المسلمون إلا القليل ممن ثبت ، و قُتِل أمثالُ الحمزة و أبو دجانة ، و كان عليّ (ع)ممن ثَبُت ، و كان همُّه الذبَّ عن رسول الله (ص) حتَّى أُثخن بالجراح ، وقد ذكر المؤرخون أنَّ رسول الله (ص) كان يقول لعليٍّ - حين تقصده كتيبة من المشركين - : " اكفني هؤلاء " ، فينقضُّ عليهم كالصقر ، فينهزموا ، فإذا ما قصدته كتيبة أخرى تصدَّى لها عليٌّ (ع) ، حتى إذا ما يئسوا من الوصول إلى النبيِّ (ص) انهزموا . وهنا وردت الكثير من الروايات ، أنَّ جبرئيل نادى في السماء بصوت يسمعه من في المعركة " لا فتى إلا عليّ ولا سيف إلا ذو الفقار ".
18- ثم حدثت وقائع بين السنة الثالثة و الخامسة من الهجرة ، كان علي (ع) ، هو فارسها كما يشهد لذلك التاريخ ، و في السنة الخامسة وقعت غزوة الأحزاب ، حيث تآزر مشركوا العرب و اليهود فخندق المسلمون أطراف المدينة ، فلم تفلح العرب في اقتحامه ، إلا أنَّ ثلاثة من المشركين تمكَّنوا من اقتحامه ، و كان على رأسهم عمرو بن ودّ ، و كان فارسًا معروفًا بالبأس و القوَّة فبرز إليه عليٌّ (ع) ، بعد أن نكل أكثر المسلمين عن مبارزته فقتله علي (ع) ، فذبَّ الرعب في قلوب المشركين و اليهود ، و انهزموا ، و لذلك ورد أنَّ الله كفى المؤمنين القتال بعليٍّ (ع) ، و ورد في مستدرك الصحيحين عن سفيان الثوري أنَّ النبيَّ (ص) قال : " لَمبارزة عليٍّ يوم الخندق أفضل من أعمال أُمَّتي إلى يوم القيامة ".
19- في السنة السادسة من الهجرة في مطلع ذي القعدة عزم الرسول (ص) على العمرة ، فأبت قريش على النبي دخوله مكة ، وحينئذٍ وقع صلح الحديبية ، و كان علي (ع) ، هو من كتب عقد الصلح ، و حين أبت قريش أن يُوصف النبي (ص) في عقد الصلح برسول الله (ص) تثاقل علي (ع) عن محو هذا الوصف ، فقال له رسول الله (ص) كما في خصائص نص النسائي : ( أما أنَّ لك مثلها ستأتيها ، و أنت مضطر ).
و في هذا الموضع خاطب رسول الله (ص) قريشًا قائلاً : " يا معشر قريش لَتَنتهُنَّ أو لَيَبعثَنَّ الله عليكم من يضرب رقابكم بالسيف ، قد امتحن الله قلبه بالإيمان " ، فقال أبو بكر وعمر من هو ذاك الرجل فقال (ص): " خاصف النعل " - يعنى عليًا -.
20- و بعد صلح الحديبية و الاطمئنان من جانب قريش توجه الرسول (ص) إلى يهود خيبر ، و بعد أن استعصى على المسلمين فتح حصون خيبر المنيعة قال رسول الله (ص) : " و الله لأعطين الراية غدًا رجلاً ، يُحبُّ الله و رسوله ، و يحبُّه الله و رسوله كرَّار غير فرَّار ، يفتح الله على يديه " ، فتطاولت لذلك الأعناق و في غدِ ذلك اليوم أعطى الراية لعلي (ع) ، ففتح حصون خيبر ، و اقتلع بابه اقتلاعًا ، و كان لا يفتحه إلا أربعون رجلاً ، و بعدئذٍ قتل أبطالهم و على رأسهم مرحب.
21- و بعد فتح خيبر وقعت وقائع كان لعلي (ع)السهم الأوفر منها ، و حين نقضت قريش عقد الصلح عزم رسول الله (ص) على مقارعتها ، فخرج لهم في عشرة آلاف فارس ، و كان اللواء الأعظم بيد علي (ع) ، فكان فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة . و بعد أحداث الفتح تولَّى رسول الله (ص) و معه علي بن أبي طالب (ع) ، تكسير الأصنام فحمل عليًا على كتفه فصعد عليٌّ على ظهر الكعبة ، و ألقى بالأصنام إلى الأرض فتحطمت.
22- و بعدئذٍ وقعت غزوة حنين ، و كان المسلمون من الكثرة بحيث اطمئنوا بالنصر ، إلا انهم انهزموا في أول الأمر ، و ذلك لأن قبيلة هوازن ، و من معها من القبائل فاجئتهم فلم يصمد مع رسول الله (ص) إلا نزر يسير من المسلمين ، و قد أشيع حينذاك أنَّ رسول الله (ص) قد قُتل وكان الذين صمدوا عشره ليس من بينهم وجوه الصحابة إلا علي بن أبي طالب (ع) ، فكان كما يذكر المؤرخون يشدُّ على القوم عن يمين النَّبي (ص) و شماله ، و يحصد الرؤوس ، و يصرع الأبطال ثم آب المسلون إلى رسول الله (ص) فكان النصر.
23- في السنة التاسعة من الهجرة في شهر رجب قرَّر رسول الله (ص) مواجهة الروم بعد هزيمة مؤته واستشهاد جعفر الطيَّار ، فعبَّأ جيشًا كبيرًا لذلك ، و خلَّف رسول الله عليًّا على المدينة فنبزه بذلك بعض المنافقين ، فخرج عليٌّ إلى رسول الله (ص) يطلب منه الرحيل معه ، فقال له رسول الله (ص) - كما ذكر أكثر المؤرخين -: " إنَّ المدينة لا تصلح إلا بِي أو بِك ، فأنت خليفتي في أهل بيتي و دار هجرتي و قومي ، أما ترضى أن تكون منِّي بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنَّه لا نبيَّ بعدي ". و هذه الرواية بلغت من التواتر حدًّا لم يجرأ أحد على إنكارها.