• عدد المراجعات :
  • 6229
  • 7/14/2007
  • تاريخ :

معنى تطهير النفس البشرية

مکه المکرمه

تطهير النفس لغة: تنزيهها عن الأدناس والنقائص والرذائل وكل ما يشين ويعيب.

وفي الاصطلاح: تهذيب النفس وتربيتها وذلك بتنزيهها عن الأدناس والأرجاس وتخليصها من أدرانها وانتشالها من أوحال الشهوات وعتقها من أغلال الهوى وإبعادها عن سبل الشيطان ووضعها على الصراط المستقيم الذي بينه الله تعالى لها وتمسكها بحبله المتين وذلك بتدريبها على المواظبة على الطاعات والإتيان بالواجبات والمندوبات وفعل الخيرات والصالحات. والفرار من المحرمات والمكروهات والوقوف عند الشبهات لأن مَن حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه.

وتحقيق ذلك لابد من مخالفة الشيطان والحذر كل الحذر من وسوسته وتسويلاته وإغوائه وعدم الوقوع في حبائله ومجانبة خدعه وغروره.

ولابد من كبح جماح النفس الأمارة بالسوء وما أعظم عنائها وجموحها والحد من سطوتها وتمردها فإن كل صعوبة دونها وكل معضلة لا ترقى إلى عسر جموحها وشدة جورها، ولذا كان رضا الله تعالى في مخالفتها وسخطه في اتباع هواه، قال الشاعر:

وخالف النفس والشيطان واعصمهما

وإن هما محضاك النصح فأتهم

ورب قائل يقول: لِمَ كل هذا الصراع بين المؤمن ونفسه ولم ركّب الله تعالى في النفس الهوى والشهوة والغضب ثم أمرنا بكبح جماحها؟

قال بعض العارفين: إن الله سبحانه وتعالى لما خلق هذا الانسان ركب فيه الهوى والشهوة ليجلب بذلك ما ينفعه ووضع فيه الغضب ليدفع به ما يضره ويؤذيه وأعطى العقل كالمؤدب يأمره بالعدل فيما يجتلب ويجتنب وخلق الشيطان محرضاً له على الإسراف في اجتلابه واجتنابه.

ومن جهة أخرى، فإن في ذلك اقامة للحجة التامة على المكلفين وقطعاً للمعاذير ليأخذ ما يأخذ من فعل وترك بحزم وعزم صارم وقوة إختبار وشوق ورغبة وإرادة جدية عن حسن الاختيار وسوء الاختبار فلا جبر هناك ولا تفويض، بل أمر بين أمرين فلا سلب لسلطانه جلت عظمته، بل إنما يأمر تخييراً وينهى تحذيراً يأمر لمصلحة المكلف إلزاماً أو ندباً وينهى لوجود مفسدة تحريماً إلزاماً أو تنزيهاً وهو معنى الإرادة التشريعية نظراً لوجود المصالح والمفاسد.

وتتحقق مجاهدة النفس بما يأتي:

أولاً: بتعلم أمور الدين ثم العمل بها تم تعليمها.

ثانياً: مجاهدة الشيطان بدفع ما يأتي به من الشبهات وما يزينه من الشهوات.

ثالثاً: مجاهدة الفسّاق باليد واللسان والقلب.

ومن الطبيعي ان للطاعة أثراً بالغاً في تزكية النفس وعلو مقامها فالطاعة تزكي النفس وتطهرها فترتفع بها والمعاصي تدنّس النفس وتقمعها فتنخفض وتصير كالذي يُدس في التراب.

قال إبراهيم بن أدهم: "أشد الجهاد جهاد الهوى من منع نفسه هواها فقد استراح من الدنيا وبلاها وكان محفوظاً معافىً من أذاها".

والإيمان نوعان: فعل وترك فنصفه فعل المأمورات ونصفه ترك المحذورات وهو تطهير النفس بترك المعاصي.

وإن كثيراً من الأعمال تطهر النفس من الذنوب السابقة كالصلاة التي وصفها القرآن الكريم بأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر.

فالنفس هي الجوهر البخاري اللطيف الحامل لقوة الحياة والحس والحركة الإرادية وجوهر مشرق للبدن فعند الموت ينقطع ضوؤه عن ظاهر البدن وباطنه وأما في وقت النوم فينقطع عن ظاهر البدن دون باطنه فثبت ان النوم والموت من جنس واحد لأن الموت هو الانقطاع الكلي والنوم هو الانقطاع الناقص وثبت ان القادر الحكيم سبحانه دبر تعلق جوهر النفس بالبدن على ثلاثة حالات:

الأول: ان بلغ ضوء النفس إلى جميع أجزاء البدن ظاهره وباطنه فهو اليقظة.

الثاني: إذا انقطع ضوؤها عن ظاهره دون باطنه فهو النوم.

الثالث: إذا انقطع ضوؤها بالكلي فهو الموت.

وللنفس صفتان مانعتان من الخير:

وهي انهماك في الشهوات وامتناع عن الطاعات، فإذا جمحت عند ركوب الهوى وجب كبحها بالتقوى، فإذا حسرت عند القيام بالموافقات يجب سوقها على خلاف الهوى وإذا ثارت عند غضبها فمن الواجب مراعاة حالها فما من منازلة أحسن عاقبة من غضب يكسر سلطانه بخلق حسن وتخمد نيرانه برفق ومن غوامض آفات النفس ركونها إلى استحلاء المدح وهو آفة لابد من مكافحتها بتذكير النفس بقذارة فعلها وخسة طبعها ويجب غسل أدران النفس هذه بالمواظبة على الطاعات وفعل الواجبات والمندوبات وترك المحرمات والمكروهات والوقوف عند الشبهات.

ولا شك فإن أعدى أعداء النفس هو اتباع الهوى وحب الدنيا لأن حب الدنيا رأس كل خطيئة وقد ورد عن ائمة أهل البيت (ع) تحريم أتباع الهوى الذي يخالف الشرع ويصد عن طاعة الله تعالى.

فعن الإمام أبي عبدالله (ع) يقول: "إحذروا أهواءكم كما تحذرون أعداءكم فليس بشيء أعدى للرجال من اتباع الهوى وحصائد ألسنتهم".

وقد ورد عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "إنما أخاف عليكم إثنتين: اتباع الهوى وطول الأمل. أما اتباع الهوى فإنه يصد عن الحق وأما طول الأمل فينسي الآخرة".

الشيخ مجيد الصايغ

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)