مخططات آل خليفة لاضعاف الشيعة ؟
تبذل سلطات آل خليفة جهودا حثيثة لاضعاف الشيعة في البحرين عبر تسهيل عملية الهجرة واستقبال الوافدين الاجانب من مصر والاردن وباكستان وبنغلادش وتجنيسهم بذريعة احياء المكانة الاقتصادية للبلاد، وكذلك استقطاب بعض الطوائف السنية من بلدان مثل السودان خاصة بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية في هذا البلد .
فالبحربين وبعد تفجر الثورات الشعبية (الصحوة الاسلامية) في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا واجهت احتجاجات عارمة للمطالبة بالاصلاحات ، الامر الذي تجاهلته السلطات لتتحول مطالب المحتجين من الاصلاح الى اسقاط النظام الملكي . ومن هذا المنطلق فان البحرين التي هي احد الاعضاء الستة في مجلس تعاون دول الخليج الفارسي ونظرا الى الخلفية التاريخية وهيكليتها الخاصة واجهت ازمة غير مسبوقة انطلقت منذ فبراير 2011 ولحد الان اسفرت عن استشهاد وجرح واعتقال الاف المدنيين الابرياء .
السلطات البحرينية ومن اجل اخماد جذوة الاحتجاجات انتهجت سياسة قمعية تمثلت في اعلان حالة الطوارىء واعتقال المعارضين واستخدام العنف المفرط في مواجهة المحتجين فضلا عن عمليات التعذيب التي طالت المعتقلين ادت الى ايجاد هوة متنامية بين النظام والمجتمع .
ويمكن وصف سياسات التمييز التي تنتهجها سلطات ال خليفة بانها من اهم اسباب تفجر الاحتجاجات السياسية والشعبية الراهنة في البحرين . وقد بذل آل خليفة على مدى العقود الاربع الماضية محاولات واسعة لترسيخ دعائم حكمهم في ظل دعم القوى الاقليمية والدولية ومنها الولايات المتحدة التي بذلت ما بوسعها للحفاظ على هذه الاسرة لصيانة منافعها خاصة في حقل الطاقة .
هذا فضلا عن ان الاستقرار في البحرين يمكن ان يلعب دورا كبيرا على صعيد صيانة المصالح العسكرية الامريكية بالمنطقة .
وتسعى الدراسة الراهنة التي نشرها موقع "برهان" الى تسليط الضوء على تطورات البحرين بعد الصحوة الاسلامية والمحاولات التي يبذلها آل خليفة -نظرا الى ان هذه الاسرة يعود اصولها الى شبه الجزيرة العربية فانها غير بحرينية - خلال العقود الماضية لتعزيز اركان حكمهم واضعاف المعارضين الذين هم في غالبيتهم من الشيعة . وفي المقدمة سيتم الاشارة الى الخطوات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي قام بها النظام الحاكم في هذا الاطار ومن ثم التنوية الى المحاولات السياسية التي قام بها ونجاح او عدم نجاح هذه الاستراتيجيات .
التمييز الاجتماعي والثقافي
ان مفاهيم مثل حق سيادة الشعب والرضوخ للاغلبية وحق المواطنة وارساء دعائم الحرية والعدالة في المجتمع و... هي اليوم من المفاهيم البديهية المعمول بها في الدول والامم ، وهي من الحقوق البديهية في اي مجتمع وحكومة تدعي الشرعية الشعبية . القاء نظرة عابرة على الكيانات الموجودة في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا تكشف بوضوح انه مازالت هناك انظمة يجري فيها انتهاك ابسط الحقوق الانسانية . ولا شك ان الماهية الممانعة للانظمة الاستبدادية في الرضوخ للقيم العالمية العصرية والتي تاخذ بنظر الاعتبار مبادىء الحرية والسيادة الشعبية وغيرها ، هي من اهم اسباب تفجر الثورات الشعبية الاصلاحية والتناغم مع القيام السامية ومن ابرز هذه الثورات الهبة الشعبية في البحرين .
لقد ادى عنصران الى تفجر الاضطرابات في البحرين منذ استقلالها عام 1971 وبالتالي تبلور الحركات السياسية والاجتماعية . الاول هو احياء القيم الاسلامية والذي بلغ ذروته بعد انتصار الثورة الاسلامية ف ايران عام 1979 . والثاني القيم الديمقراطية التي بلغت ذورتها ايضا بعد الانتفاضة الشعبية عام 1994 . وبما ان اصول آل خليفة تعود لمنطقو النجد السعودية والشيعة باعتبارهم الاغلبية في المجتمع البحريني ( 70 بالمئة من نفوس هذا البلد ) لم يحظوا بادنى حقوق المواطنة خلال فترة مابعد الاستقلال ، فان غالبية المحتجين هم من الشيعة . وفي المقابل سعت سلطات المنامة الى تعزيز شرعيتها من خلال تركيز اهتمامها على الاقلية السنية .
والمحاولات التي جاءت في هذا الاطار تمثلت في :
الف) التغيير الديموغرافي للتركيبة السكانية في هذا البلد لصالح السنة عبر منح الامتيازات للوافدين السنة سواء المهاجرين من مصر و الاردن وباكستان وبنغلادش بذريعة احياء المكانة الاقتصادية للبلاد او استقبال القبائل السنية من دول مثل السودان . وقد تصاعدت هذه الوتيرة بعد الاحتجاجات الشعبية التي تفجرت في هذا البلد ، حيث تشير الاحصاءات الرسمية الى تجنيس اكثر من اربعين الف مهجر من اكثر من 45 بلدا . وهذه المحاولات تأتي بهدف طمس الهوية الشيعية للبحرين كما يجري حاليا بالنسبة لتهويد القدس بهدف طمس هويتها الاسلامية .
ب) نظرة عابرة على التاريخ المعاصر تشير الى ان الحكومات التي تفتقد للشرعية ( بشتى انواعها ) تحاول التعويض عن الفراغ الاجتماعي الذي تعاني منه باعتباره العنصر الاساسي لاستمرار سلطتها عبر انتهاج سياسة الحرمان الاجتماعي والثقافي والمذهبي ضد اغلبية المجتمع لكي تخلق عقبات تحول دون النمو الفكري للتيار المعارض باعتباره خطرا على النظام في المستقبل ، وحكم آل خليفة غير مستثنى من هذه القاعدة . فعلى سبيل المثال يمكننا الاشارة الى التمييز في الظروف المتوفرة للدراسات العليا وحقوق المواطنة مقارنة بالاقلية السنية وعدم توفر المحاكم القضائية الشيعية ، وعدم السماح باي نشاطات خيرية واجتماعية وثقافية مثل بناء المساجد والحسينيات والتجمعات الدينية والنشاطات الحزبية ، والتعاطي بعنف مع الناشطين والنخب الشيعية واعتقالهم بذرائع واهية مثل التجسس لايران او السعي لارساء نظام شيعي . ورغم نجاح هذه الاجراءات في بعض الاحيان الا ان الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت منذ عامين ومازالت مستمرة تكشف عن ان النظام لم ينجح في تحقيق اهدافة المنشودة .
كما ينبغي التنويه الى ان سلطات آل خليفة وبغية التعويض عن هذا الفراغ الفكري الناتج عن الحرمان المفروض على الاغلبية الشعبية قامت جهود اعلامية حثيثة وصرفت مبالغ طائلة لتمهيد الارضية الاجتماعية لانتشار التوجه الفكري السلفي . لان التاكيد المتزايد على هذا التوجه الفكري في المجتمع من شانه تعزيز دعائم النظام الحاكم ( بسبب عدم الايمان بالانقلاب على النظام وحرمة هذا العمل وفقا للتوجه الوهابي ) ، ومن جهة اخرى وبسبب النظرة القاصرة والمتشددة للسلفيين حيال الشيعة يجري تمهيد الارضية لتهجيرهم من البلاد . وعلي سبيل المثال يمكننا الاشارة الى ان السلفيين ينتهجون توجها في مجال التعليم يحفز على الحقد والكراهية ضد الشيعة . ولا يخفى ان العائلة الحاكمة في البحرين تستفيد بشكل كبير من الدعم المفتوح الذي تقدمه السعودية باعتبارها الجهة الرئيسية لنشر الافكار الوهابية على الصعيد العالمي .
ولم تقتصر اجراءات سلطات المنامة على الصعيد التعليمي فقط بل شملت الكثير من جوانب حياة البحرينيين . جمعية الوفوق البحرينية المعارضة عرضت نبذة عن انتهاكات حقوق الانسان التي ارتكبتها سلطات آل خليفة ضد المعارضين في تقريرها الشامل الذي قدمته بمناسبة انتهاء العام الميلادي 2012 . وقد جاء في هذا التقرير الذي نشر تحت عنوان " عام 2012 ، عام الدماء وانتهاكات حقوق الانسان" انه جرى خلال العام الماضي اعتقال 1886 شخصا وملاحقة 1323 شخصا آخر واعتقال 379 طفلا ويافعا وفصل 700 شخص من عملهم وفرض الحصار على الكثير من القرى ومناطق البلاد فضلا عن مئات المحاكمات السياسية التي قام بها النظام بغية التصدي للشيعة .
التمييز الواسع في المجالات الاقتصادية
في عالمنا الراهن وبعد انهيار نظام القطبين يرى المحللون ان القوة الاقتصادية هي التي تكشف عن مدى استقرار اي بلد ونفوذ افكاره على الصعيدين الداخلي والخارجي بدلا من القوة والتوجه العسكريين . ان النظام الحاكم في البحرين ورغم انه يختلف بشكل صارخ من حيث الهيلكية ( نظام ملكي مبني على الاستفراد بالحكم ) مع غالبية الانظمة التي تسود في العالم ، لكنه سعى الى الهيمنة على المفاصل الاقتصادية للبلاد بغية المحافظة على استقراره الداخلي واستمرار حكمه . وفيما يلي نشير الى امثلة عن الاجراءات التمييزية التي قامت بها سلطات أل خليفة ضد الاغلبية في هذا البلد : .
الف) ان اسرة آل خليفة وبفضل عوائدها النفطية والغازية ترى نفسها في غنى عن الدعم الداخلية من جهة ، وتسعى من جهة اخرى الى التقارب مع الطبقات الاقتصادية العليا في البلاد بغية الحيلولة دون اي خطوة من شأنها زعزعة مكانتها واستقرارها . وفي هذا الاطار بذلت سلطات المنامة ما بوسعها لمنع الشيعة من الحصول على اي دور اقتصادي فاعل من شانه التاثير على العملية السياسية في البلاد . كما انه لم يتم انصاف الشيعة الذين يشكلون الاغلبية في البحرين على صعيد تقسيم المناصب السياسية والاقتصادية ، فضلا عن التمييز الذي يتعرضون له في مختلف المجالات لاسيما في المجال المذهبي . نظرة عابرة على الاوضاع الراهنة في البحرين تكشف لنا بان غالبية شيعة هذا البلد هم من الطبقات الاقتصادية الدنيا او الوسطى ، وان الطبقات العليا والنافذة هم من اقارب النظام او الاقلية السنية ، وفي الحقيقة يتم التعامل مع الشيعة باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية .
احد مواطني منطقة سترة قال لوكالة انباء يورونيوز في هذا الخصوص :" انهم يجلبون العمال من الخارج ويمنحونهم الجوازات والسكن ، في حين اننا ما زلنا نعيش ظروفنا السابقة " .
ب) من الاجراءات الاخرى التي اعتمدها النظام البحريني ضد الشيعة هو عدم توظيفهم في وظائف مناسبة وتجاهل حقوقهم في هذا الخصوص . فبحسب الاحصائيات الرسمية تبلغ نسبة البطالة بين الشيعة 15 بالمئة ، هذا في حين ان هذه النسبة وفقا للاحصائيات الرسمية الدولية هي اكثر بكثير مما تعلنها السلطات . ورغم ذلك تواصل السلطات البحرينية سياسة استقبال المهجرين الاجانب حيث تم منح 80 بالمئة من 84 الف فرصة عمل جرى ايجادها ما بين اعوام 1990 و 2002 الى الاجانب.
يشار الى ان غالبية الشيعة ينشطون في القطاعات الخاصة ووظائف لا توفر لهم سوى 200 دينار في الشهر وهو مبلغ لا يكفي سوى لادارة اسرة مكونة من شخصين ، فضلا عن ان هذا الراتب هو اقل بكثير مما ينص عليه قانون وزارة العمل البحرينية . احد مواطني منطقة سترة قال لوكالة انباء يورونيوز في هذا الخصوص :" انهم يجلبون العمال من الخارج ويمنحونهم الجوازات والسكن ، في حين اننا ما زلنا نعيش ظروفنا السابقة " .
وقد جاء في تقرير جميعة الوفاق لعام 2012 : ان السلطات البحريني وخلال عام 2012 دمرت العمال وحياتهم الاجتماعية من خلال تاسيس الاتحاد العمالي في مقلبل النقابة العمالية العامة للعمال وبث التفرقة والخلافات بينهم . هذا في حين الاحصائيات تشير الى طرد اكثر من 700 عامل من وظائفهم بسبب توجهاتهم ومواقفهم المعارضة للنظام .
ج) غالبية الشيعة لا يمكنهم السكن في الكثير من مناطق البلاد ، في حين ان رعايا سائر الدول مثل باكستان والسعودية يمكنهم التواجد والاستثمار في اي نقطة بالبحرين . على الصعيد الخارجي ايضا وضعت السلطات البحرينية عقبات وعوائق كبير للتجار الشيعة لقطع ايديهم من المجالات الاقتصادية الحيوية . وفي هذا الاطار تحظى الاسرة الحاكمة في البحرين بدعم مالي واسع من بعض دول المنطقة مثل السعودية .
اضف الى ذلك ان المشاكل الاقتصادية والاجتماعية مثل البطالة والفقر وحتى المشاكل الصحية تشهد وتيرة متنامية في القرى الفقيرة التي يسكنها الغالبية الشيعية ، الى درجة ان هذه القرى تتحول الى اطلال بعد فترة من الزمن بسبب اهمالها من قبل الحكومة ليرغم سكانها على الانتقال لمنطقة اخرى . تكاليف شراء او ايجار المباني ارتفعت بشكل لافت خلال الاعوام الماضية . وبحسب تصريح احد النواب فان الحكومة استغلت الثروات العامة على مدى 26 عاما .
تجددر الاشارة الى انه ورغم هذه السياسات العدائية من قبل حكام البحرين ، الا ان الاستقلال النسبي لبعض الشخصيات الدينية الشيعية ( مثل المراجع ) ادى الى احباط وافشال بعض المخططات الحكومية .
المصدر: شيعة نيوز