• عدد المراجعات :
  • 5341
  • 3/11/2013
  • تاريخ :

نظريّة السّير والسّلوك في الاخلاق

سلوک

وقد شبّه الإنسان في هذه النظريّة، بمسافر إنطلق من نقطةِ العدم، إلى لقاء الله تعالى، ويتحرك في سلوكه بهدف لقاء الله، والقرب من الذّات المقدّسة اللاّمتناهية.

في هذا السّفر، وكما هو الحال بالنسبة لأسفارنا الماديّة، يجب تحضير المركب والمتاع، وإزالة الموانع التي تقف في الطّريق، والتّفكير في كيفية التّصدي للّصوص وقطاع الطّريق والأعداء، للمحافظة على المال والأرواح، فهذا السّفر الرّوحاني والمعنوي، فيه منازل وطرق ملتوية وصعبة العبور، ومطبّاتٌ خطرةٌ، ولا يمكن العبور منه بسلامة، إلاّ بمعونة الدليل المطّلع والعارف بالطّريق، والعُبور منها واحداً بعد واحد حتّى الوصول إلى محطّ الرّحال ومنزل المقصود.

ويصرّ البعض أنّ السّير والسّلوك إلى الله تعالى، ومعرفته ومنازله، وزاده وأدلاّئه، والطّريق الموصل إليه، هو علمٌ غير علم الأخلاق، ومنفصلٌ عنه، ولكن وبنظرة أوسع، نرى أنّ السير والسّلوك الرّوحي، يلتقي في نفس الطّريق التي تهدف إليه التربية الأخلاقية، وتحصيل الفضائل في خط التّكامل المعنوي، وعلى الأقل أنّ الأخلاق الإلهيّة هي أحد أبعاد السّير والسّلوك الرّوحاني.

وعلى أيّة حال، فإنّ الآيات والروايات، أشارت إلى هذه النّظرية أيضاً، ومنها: الآية (156) من سورة البقرة، حيث تقول: "الَّذِينَ إذا أَصابَتْهُم مُصِيبَةٌ قالُوا إِنّا للهِ وَإِنّا إِلِيهِ راجِعُونَ".فمن جهة، يرى الإنسان نفسه أنّه مُلكٌ لله تعالى، ومن جهة اُخرى، يرى نفسه أنّه مُسافر، ويتحرّك بإتّجاه الله تعالى شأنه.

ونقرأ أيضاً: "إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجعى"(العلق:8).

وجاء: "يا أَيُّها الإنسانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدحاً فَمُلا قِيهِ"(الإنشقاق:6).

وجاء أيضا: "رَفَعَ السَّمواتِ بِغَيرِ عَمَد تَرَونَها... يُفَصِّلُ الآياتِ لَعَلَّكُم بِلَقاءِ رَبِّكُم تُوقِنُونَ"(الرّعد:2).

ويوجد أكثر من (20 آية)، تحدثت عن أن لقاء الله تعالى، في الواقع هو مقصود السّالكين إلى الله والعارفين به، ويعني اللّقاء المعنوي والرّوحي مع المحبوب، والمقصود الذي لا مثيل له.

وصحيحٌ أنّ هذه الآيات، وآياتُ الرّجوع إلى الله تعالى، تستوعب جميع هذه المعاني، ولكن هذا لا يمنع من أنّ سير وسلوك المۆمن والكافر، من ناحية الفِطرة والخلقة، هو بإتّجاه الباري تعالى، فبعضٌ ينحرف عن طريق الفطرة، فيسقط في واد سحيق، ولكن أولياء الله ومع إختلافهم بالمراتب، يصلون إلى المقصود، مثل الحيامن التي تسير جميعاً في عالم الرّحم لِتكوين الجَنين، فبعضها تموت في المراحل الأولى بسبب بعض الآفات، وتتوقف عن الحركة، وبعضها يستمر في طريقه، ليصل أحدها إلى الهدف.

وأفضل وأوضح من هذه التّعابير، هو تعبير القرآن الكريم، حيث يقول: (إِنَّ خَيرَ الزَّادِ التَّقوى)، (وعادةً كلمة: الزّاد، تقال للطعام الذي يحمله المسافر معه، ولكنّها في الأصل موضوعةٌ لمعنى أشمل: بحيث تشمل كلَّ ذخيرة).

وعلى هذا الأساس يقول: إنّ التّقوى هي خيرُ الزّاد، وهي إشارةٌ إلى سير الإنسان في طريق التّوحيد الخالص، وعلى كلّ حال فإنّ هذا السّفر الرّوحاني يحتاج إلى زاد، وزاده لابدّ وأن يكون معنوياً أيضاً.

ونرى مثل هذا التعبير، واردٌ بكثرة في الرّوايات الإسلاميّة.

وفي موارد متعدّدة من نهج البلاغة، أتى ذكر التّزود للآخرة:

ففي الخطبة (157) يقول الإمام عليه السلام: "فَتَزَوَّدوا فِي أَيّامِ الفَناءِ لأَيَّامِ البَقَاءِ".

وفي الخطبة (132) نرى تعبيراً أوضح، فيقول عليه السلام: "إِنّ الدُّنيا لَمْ تُخْلَقُ لَكُم دارَ مُقام، بَل خُلِقَتْ لَكُم مَجازاً لِتَزَوَّدُوا مِنها الأَعمَالَ إِلَى دارِ القَرارِ".

وجاء في الخطبة (133)، تعبير ألطَف وأدَق، فقال عليه السلام: "وَالبَصِيرُ مِنها مُتَزَوُّدُ والأَعمى لَها مُتَزَوُّدُ".

وهناك آيات في القرآن الكريم، يمكن أن تحمل في مضمونها إشاراتٌ لهذه النظريّة، ومنها: "صِراطُ العَزِيزِ الحَميدِ"(إبراهيم:1)، و"الصِّراطُ المُستَقِيمَ"(فاتحة الكتاب:6)، و(سَبِيلِ اللهِ)، موجودةٌ في آيات كثيرة من القرآن الكريم، و"لِيَصُدّوا عنْ سَبِيلِ اللهِ"(الأنفال:36)، وأمثالها يمكن الإشارة بها إلى هذه النظرية.

 

*الأخلاق في القرآن،آية الله مكارم الشيرازي،مدرسة الامام علي بن ابي طالب عليه السلام-قم،ط2،ج1،


 

معرفة الله تعالى أساس إنساني

ما هو معني عبادة الله تعالي؟

الطّرق إلى معرفة الله

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)