• عدد المراجعات :
  • 11789
  • 3/8/2013
  • تاريخ :

الألـــوان في الفنــــون والعمــــارة الإسلاميــــة

الألـــوان في الفنــــون والعمــــارة الإسلاميــــة

للالوان مدى وعالم وتأثير عميق داخل النفوس، فتظهر بهيئة ملموسة تارة، لما ندعوه بالذوق الجمالي المتماشي مع سجية كل انسان. والذي يقول عنها الفرنسيون (انه الامر الذي لا يقبل النقاش) وتارة اخرى بنفس ايماني وروحانيات واعتقادات تتداخل فيها الاديان والاعراف وأساطير المجتمعات واختلاف الشجون يدعو للعجب العجاب.

وللالوان والتعبير الفني تلاقح منذ رسوم الكهوف الاولى مثلما هي العلاقة الازلية في اسمى صورها بين الفن والعقائد الدينية، حتى انتقلت احداها للاخرى واصبح اللون اداة رامزة لمفاهيم عقيدية، ولاسيما عندما استنتج عمليا ان اللون هو صفة للنور والضوء وبدونه ينتهي ظهوره، وان للنور السماوي الاتي من الشمس قدسية وحظوة يكتسيها في حل المعتقدات، حيث نجده في فنون المصريين القدماء. وانعكس كل ذلك التزويق اللوني لحيطان مبانيهم. وكذلك الحال في المعالجات اللونية للفخار المزجج على جدران المعابد في العراق القديم. او مصاطب الزاقورات او البسطات السبع المكونة لها العبادة الالهة الفلكية لدى البابليين كانعكاس لعقيدة عالم الانوار.

وفي العقيدة الاسلامية جاءت دلالات اللون تعبيرية او رمزية او حسية او جمالية، وارتبط اللون بمصيرين جوهريين اولهما النور القادم من السماء المقترن بالخالق الاعلى فهو (نور الله) سبحانه او (نور القلوب) بما يعنيه الايمان لدواخل النفس المظلمة وثمة تداتخل لغوي ذو دلالات بين كلمتي (ظلمة) و(ظلم) المقترن بقبح الظلم او الطغيان المنافي لجمال العدل. وهكذا احتسب كل انحراف واختلال قبح، لانه ابتعاد عن الجمال الواجب اقترانه بارادة الله سبحانه وتعالى. وبذلك المفهوم فان اللون وجماله يقترن مع وجود الضياء ثم يتداخل في المفهوم مع العدل والقسطاس الالهي. واصبح الظلام لون الحزن والالوان المشعة لون الفرح في الاعراف الشعبية.

وثاني الحوافز المرتبطة باللون هي العين كأداة جاسة لذلك النور واللون والعين ذكرها الله في مجمل نعمه على الناس ناهيك عن اعتبار اختلاف الالوان في ناموس الطبيعة والخلق بحد ذاته معجزة ربانية تدعو الى الانتباه وان تكريسها لم يكن ما عبثا، كما ورد في الذكر الحكيم:(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ).

لقد وردت كلمة اللون ومشتقاته تسع مرات في سبع آيات كريمة. ووردت في القرآن الوان الاخضر والاصفر والابيض والازرق والاسود والاحمر. وقد ورد اللون الاسود في اربع آيات قرآنية وصفت فيها: المجرمين والكفار والمنافقين اما الرابعة فجاءت تصف توقيت بدء الامساك عن الطعام في شهر رمضان. اما اللون الابيض فتكرر ذكره في تسع آيات كريمة ودل على الهداية والنقاء والصفاء والحب والخير والحق والمشاعر الانسانية وتداخل مع القدسية ورمز لصفة الخالق ونجدها في العرف الشعبي بمقولة (راية الله بيضاء)، ثم جاء في لون الكفن والإحرام خلال شعائر الحج، ولا غرابة حاكى ذلك عقائد سابقة للاسلام.

وورد اللون الازرق مرة واحدة يدل على زرقة السماء على صفحة ماء البحر. وورد اللون الاحمر مرة واحدة في وصف الجبال اما الاصفر فيرد ثلاث مرات دالا على مرحلة نضج الثمار مرة ووصف لمشهد يوم القيامة والرياح الخانقة في اخرى للتعبير عن البهجة كما في قوله تعالى(قال انه يقول انها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين). سورة البقرة

واللون الاخضر يتكرر في ثماني آيات ويرمز فيها الى سر الروح والنضارة والجمال والشجر والنبات والثمر والطير والفراش والبساط والثوب. وهو اكثر الالوان متعة في الذكر الحكيم ونجد اثرا لرمزية الالوان ودفء الادب العربي من خلال شعر صفي الدين الحلي، ويقال بان البيارغ العربية الحالية استلهمت من هذه الالوان (الاختيالية). بيض صنائعنا خضر مرابعنا حمر مواضينا ولدى تحليلنا لتلك الالوان يجدر بنا استباق معرفة كينونة هذا الاختلاف فيما بينها. وذلك من خلال الدراسات التحليلية للالوان الحديثة للالوان قد بينت ثلاثة مواصفات اساسية هي:

1- كنه اللون (Hue ) وهو الفرق الصريح بينها.

2- قيمة اللون (Value) وهي درجة عتمته او استضاءته.

3- شدة اللون (Intensity) وهي درجة نقائه ومقدار خلطه مع الوان اخرى.

وفي ابحاث مع الرسامين والانطباعيين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر قسمت الالوان الى ساخنة وباردة بقدر الانباع الذي ينعكس على احساس الناظر فالازرق وملحقاته يعتبر باردا والاحمر وملحقاته يعتبر دافئا. ونجد ان مدارس (المنمنمات) قد سبقتهم في ذلك، واعرفها مدرسة بغداد الذي مثلها يحيى الواسطي في رسمه لمقامات الحريري عام 123م. وبغض النظر عن التاثيرات النفسية والانطباعات التي تتركها الالوان فأن لها تاثيرات خادعة على ناظرنا بحيث ان الدافئة والفاتحة تبدو اكبر مساحة من مساحتها الحقيقية واقرب من مكانها الحقيقي والباردة والغامقة تظهر اقل وابعد مساحة من حقيقته. وفي التراث نجد وصفا يذكره (المقريزي) لاحدى مشاهداته لقاهرة القرن الحادي عشر الميلادي بانه شاهد صورتين جداريتين (فريسكو) لاثنتين من الفنانات تبدو احداهما وهي لابسة ثوبا ابيضا على خلفية سوداء وكانها داخلة الى الجدار الذي صورت عليه والفتاة الثانية ترتدي ثوبا احمر على خلفية صفراء وكانها خارحة منه.

اهم  الالوان الازرق والازرق الفيروزي والاخضر والتي لها تأثير نفسي مركب على النشاط العضوي للجسم مثل ضغط الدم وارتخاء العضلات. او حتى من خلال المعالجات بالنحت النائي والزخارف المحفورة التي تلعب درجات الظل فيها الدور الجمالي.

وبين بارد الالوان وساخن يكمن اللونان الابيض والاسود، حيث يمثلان الحالة الحيادية لتصنيف الالوان وبذلك يتحكمان جوهريا في قيمة اللون. ويمكن الحصول عليهما في امارة من لعبة النور والظلال التي تكتنف تركيب العناصر المعمارية في الخارح في حركة القباب والقبوات والمشربيات وتندرج اجزاء البناء التكعبية وطرز الخط العربي او في السطوح الداخلية المنحوتة الناتئة ذات البعدين او من خلال لعبة التناوب الفن الاسلامي في حطات (المقرنصات). وفي حركة الظل هذه تمكن احدى خبايا الجمال المعماري والفني في ابداع المسلمين حيث يصنف الفن الاسلامي من الفنون التي تستثمرت لعبة المعتم والمضيئ هذه مثلما كان الفن المصري القديم معتما على تمييز القيم اللونية عن بعضها لتكون الالوان غير متدرجة ومسطحة وعلى العموم فان طبيعة الالوان ومواصفاتها تتحكم في الجانب البصري والجمالي والشعوري بالفضاءات المعمارية للبناء ويمكن للمعمار الحاذق ان يكرس ذلك العمق الجوهري في اظهار السطوح والحجوم بتأثير الوانها الطبيعية او المكتسبة في المعالجة وتتكرس في العمارة الاسلامية مجموعة من العوامل والخصوصيات المنهجية فيما يخص تلك المعالجات يمكننا ايجازها.

الألـــوان في الفنــــون والعمــــارة الإسلاميــــة

1- احترام الاذواق المخزونة في الذاكرة الشعبية للشعوب الاسلامية وعدم المساس بموروث الثقافات القديمة ولكن لا يلغي ذلك التأثير الوارد من روح الاسلام والوانه المحبذة الواردة في القرآن الكريم بما رمزت ودلت وتداخلت في النفوس.

2- تحاشي اعطاء مواد البناء صفة جديدة تختلف عن خواصها الطبيعية ودون تزويقها بطلاءات تخبئ عيوبها. وما ذلك الا انعكاس لخطاب اخلاقي يكرس صدق السجايا واجتناب النفاق. بالمقارنة مع الاغريق فان الفرنسي (غوستاف لوبون) في حضارة العرب يصفها بالالوان التي يراد منها التستر على العيوب.

3- اختيار الالوان الهادئة الباردة في المعالجات الداخلية اين يختفي تأثير النور الطبيعي وبغرض خلق اجواء انسانية صميمة قريبة للنفس ومۆنسة لها، واهم تلك الالوان الازرق والازرق الفيروزي والاخضر والتي لها تأثير نفسي مركب على النشاط العضوي للجسم مثل ضغط الدم وارتخاء العضلات. او حتى من خلال المعالجات بالنحت النائي والزخارف المحفورة التي تلعب درجات الظل فيها الدور الجمالي.

4- استعمال الالوان المستقاة مباشرة من المحيط في عملية (التزويق)، وعدم التمادي في الاتكال على اصباغ لونية مجلوبة من بيئات ثانية، ولاسيما لدى العامة.

5 - تمويع المدى اللوني في المعالجات الزخرفية واثراء الحالة الاختيارية الموسعة والمتجانسة في اجزاء الزخاريف والاطباق النجمية، بحيث تهب حدا غير محدود من الخيارات الابداعية.


 فن الزخرفة الإسلامي

الرسوم على الأواني الخزفية الإيرانية

المنمنمات..‌  فن‌ ايراني‌ عريق‌

الفن الايراني من اجمل الفنون في العالم

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)