• عدد المراجعات :
  • 3042
  • 12/24/2012
  • تاريخ :

الاقتداء بالأئمة عليهم السلام في ضوء التعدد

اهل البیت

الإختلاف واضح

الناظر في تاريخ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام يلاحظ اختلافاً في مناهجهم ومواقفهم اتجاه القضايا المختلفة. ففي الوقت الذي نرى فيه خروج الإمام الحسين عليه السلام ثائراً مضحياً، نرى بقيّة الأئمة عليهم السلام يمارسون "التقيّة" ويأمرون شيعتهم بها، حتى صارت "التقيّة" سمةً ملازمة للتشيّع ملازمة الكرم لحاتم!

وعندما نراجع سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم نجد أنّه عاش فقيراً، يأكل خبز الشعير ويلبس المرقَّع، وكذلك كان أمير المۆمنين عليه السلام، ونحن مأمورون بالتأسّي برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على لسان القران الكريم: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخر وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) سورة الأحزاب، الاية: 21.

لكن عندما نراجع سيرة الإمام المجتبى عليه السلام أو الإمام الصادق عليه السلام أو الإمام الرضا عليه السلام، نلاحظ خلاف ذلك، فقد عاشوا سعةً من الرزق وأكلوا الطعام الجيّد ولبسوا الثياب الجيّدة، بل كانوا يأمرون الناس بالتوسعة على أنفسهم في مساكنهم!. وأمثال هذا التفاوت والتعارض الظاهري ملحوظ بشكل واسع في مواقفهم عليهم السلام.

هل الإختلاف نقطة ضعف؟

وبما أنّنا نۆمن بإمامتهم وضرورة اتباعهم، فأيّ منهجٍ نتّبع وعلى أيّ سيرة نسير؟! وماذا نفعل بهذا التراث الثرّ والأخبار الوفيرة والحِكم الأخلاقية والاجتماعية الواردة عنهم عليهم السلام؟ وما نمتلكه من أحاديث في كتاب الكافي لوحده يتجاوز ما في الصحاح الستّة عند أهل السنة!.

هذا الأمر الذي يعدّ من مفاخر الشيعة ومن نقاط القوّة عندهم، والذي أغناهم عن الأخذ بالقياس والاستحسان، من الممكن أن يتحول إلى نقطة ضعف ما لم نجب على الإستفهام المتقدّم. وعند ذلك ستكون النتيجة مع تعدّد المعصومين عليهم السلام ومناهجهم الوقوع في الحيرة والضلال والفوضى والتشتت، ونصبح مصداقاً للمثل القائل: "إذا تعدّد أطباء المريض صعب شفاۆه".

جواب الشبهة

الحقّ هو أنّ ذلك كلّه من نقاط القوّة عند الشيعة، ولتوضيح ذلك نقدّم المثال التالي:

إذا كان عندنا معصوم واحد عاش عشرين أو ثلاثين عاماً أو عاش مائتين وخمسين سنة، فمن الطبيعي أنّه في الفرض الأوّل لم تطرأ تحولات وتغييرات وموضوعات مختلفة وبمقدار كافٍ نتمكّن معه من ملاحظة طريقة تعامل المعصوم معها، بحيث نصبح ماهرين بكيفية تطبيق قواعد الدين الكليّة على الموضوعات المختلفة، وذلك لأنّ في الدين جهة بيانيّة وأخرى تطبيقيّة وعمليّة، تماماً كما في الدروس النظريّة والدروس التي تطبّق تلك النظريّات على الموضوعات الجزئيّة.

أمّا في الفرض الثاني وهو ما إذا كان عندنا معصوم ومقتدى لمدّة مائتين وخمسين عاماً، فإنّه يواجه أنواع القضايا المختلفة ويوضح لنا طرق التعامل معها، وبذلك نتمكّن أكثر من معرفة روح التعاليم الدينيّة وننجو من الجمود والجفاف الذي يۆدّي إلى تفسير المعلولات بغير عللها، وإلى الخلط بين الأصيل وغير الأصيل في الشريعة.

الأئمّة عليهم السلام ومقتضيات الزمان

لا شك في أنّ أئمّة الدين عليهم السلام قد عاشوا في زمان ومحيط له مقتضياته الخاصّة به، وكان لا بدّ لكلّ منهم من مواكبة مقتضيات زمانه، وبهذا نكتشف أنّ في الدين مرونة تسمح للناس بالأخذ بمقتضيات زمانهم.

إذن، تعدّد الأئمة عليهم السلام أو طول عمر الإمام الواحد يوفّر للإنسان قدرةً أكبر على إدراك روح التعاليم الدينيّة المرتبطة بمقتضيات الزمان، فمن الممكن أن يأتي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعمل بحكمِ أنّ الدين يقتضي ذلك، وقد يأتي بعمل بحكمِ مقتضيات الزمان، كالمثال الذي قدّمناه من أنّه صلى الله عليه وآله وسلم عاش فقيراً بينما الإمام الصادق عليه السلام مثلا لم يكن فقيراً.

قصة وعبرة

هناك قصة توضّح هذا المطلب بشكل جليّ‏ٍ ذكرها الكليني في كتاب الكافي وهي: "مرّ سفيان الثوري في المسجد الحرام فرأى أبا عبد الله الصادق عليه السلام وعليه ثياب كثيرة القيمة حسان، فقال والله لاتينّه ولأوبّخنّه، فدنا منه فقال: يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لبس رسول الله مثل هذا اللباس ولا علي عليه السلام ولا أحد من ابائك. فقال أبو عبد الله عليه السلام: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في زمن قتر مقتر وكان يأخذ لقتره وإقتداره، وإنّ الدنيا بعد ذلك أرخت عزاليها فأحقّ أهلها بها أبرارها، ثم تلا: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) سورة الأعراف، الاية: 32، ونحن أحقّ من أخذ منها ما أعطاه الله، غير أنّي يا ثوري ما ترى عليّ‏َ من ثوب إنما لبسته للناس، ثم اجتذب يد سفيان فجرّها إليه ثمّ رفع الثوب الأعلى وأخرج ثوباً تحت ذلك على جلده غليظاً فقال هذا ألبسُه لنفسي غليظا وما رأيتَه للناس، ثم جذب ثوبا على سفيان أعلاه غليظ خشن وداخل ذلك ثوب ليّن فقال: لبستَ هذا الأعلى للناس ولبستَ هذا لنفسك تسرّها"1.

موافقة سلوك المعصومين عليهم السلام لقوانين الإسلام

فالإمام عليه السلام يبيّن لنا من خلال خطابه مع سفيان أنّه علينا أخذ عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعين الاعتبار، فما فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن جزءاً من قانون الإسلام وإنّما قانون الإسلام هو المواساة والمساواة والعدل والإنصاف، فلوكانت سعة العيش متوفّرة في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم للناس لم يكن صلى الله عليه وآله وسلم ليعيش كما عاش.

وتظهر روح المواساة في سلوك الصادق عليه السلام نفسه في قصّة الجفاف الذي ضرب المدينة المنوّرة، حيث أمر عليه السلام ببيع مخزون القمح الذي يمتلكه وعرضه بالسوق ليكون بمتناول جميع المسلمين، واكتفى هو وعياله بخبز السوق المخلوط من القمح والشعير. فالإمام عليه السلام لا يقول: كُلْ خبز القمح أو كُلْ خبز الشعير، وإنّما يقول: يجب أن تكون سيرتك في الناس على أساس العدل والإنصاف والإحسان.

ثمرة الاختلاف

لولا هذا الاختلاف في سيرة المعصومين عليهم السلام وبيانهم لروح الإسلام، لحسبنا عمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثلاً المرتبط بمقتضيات عصره جزءاً من الشريعة، ولبقي الناسيرزحون تحت نير الفهم الخاطى‏ء للتأسّي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى يوم القيامة.

فالصادق عليه السلام قد أعطانا درساً حول سلوك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخرجنا من الجمود وأخذ بيدنا لنلامس الروح والمعنى، ولولا ذلك لاحتجنا إلى قوّة اجتهادية وعقليّة خارقة لرفع هكذا تناقض مفترض.

الحلّ الذي قدّمه يعتبر جمعاً عرفيّا للمتعارضين، أي أنّ العرف العقلائي يقبل تفسير اختلاف السيَر باختلاف مقتضيات الزمان.

مثال اخر: عُرض على أمير المۆمنين عليه السلام حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "غيّروا الشيب ولا تشبهوا باليهود" ولم يكن عليه السلام يخضب شعره، فأوضح عأنّ ذلك عليه السلام كان من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأجل الخطط العسكرية والتكتيك العسكري، لأنّ الخضاب يخفي الشيب، فلا يرى العدو في المسلمين عجوزاً أو مسنّاً، أمّا اليوم فامرۆ وما اختار، فلولا بيان الأمير لعلّة الأمر لكنا ملتزمين إلى يوم القيامة بمراقبة شعر الناس هل هو مخضّب أم لا؟

لفت نظر

من المۆكّد أنّ التمييز بين الأحكام والأفعال الصادرة عن الأئمّة عليهم السلام من مقتضيات الزمان، وبين الأحكام والقوانين الكليّة والمصالح العامّة والثابتة لجميع البشر بعنوان كونهم بشراً، يحتاج إلى قراءة شاملة ومطالعة دقيقة وكاملة.

الشهيد مرتضى مطهري

 

اعداد: سيد مرتضى محمدي

القسم العربي : تبيان

___________

1- الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج 6، ص 443، الحديث 8، ط. الثالثة 1367هـ. دار الكتب الاِسلامية.

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)