المواطن العربي والقيم الانسانية
منذ القدم، ومنذ أيام الجاهلية الاولى وحين كانت الخيمة هي البيت والمأوى للإنسان العربي، البساطة هي نمط الحياة المتعارف عليه، عُرف هذا العربي بأجمل الخصال : الرجولة والاقدام، الشهامة إكرام الضيف، والكثير الكثير من الخصال المحببة.. العربي هذا وعلى الرغم من بعض سلوكياته الخاطئة التي يمكن إرجاعها للعصبية القبلية والموروث من العادات السيئة والتي كان الفضل للدين أن طهره منها، الاّ أن كلمته كانت عَقد، وعهده كحد السيف، وكرمه رغم فقر الحال مضرب المثل... يخوض الحروب ويضحي بحياته وأغلى ما يملك دفاعاً عن شرف قبيلته وكرامتها.. ويقدمها رخيصة لحماية مستجير به ولو كان هذا المستجير عدواً أو من قبيلة لا تمت له بصله أو قرابه..! كانت فرسه الوحيدة التي يملكها مائدة لضيف حل بموعد أو لزائر مفاجئ مر من الديار فوجبت الضيافة.. لم ينم فرد في يوم وهو جائع وشيخ القبيلة يعرف بحاله.. لم يكتب التأريخ لنا الا ما ندر أن أخاً إقتتل مع أخيه على سور بيت أو على مرعى أو منصب...! وإن حدث وصار خلاف حتى وإن وصلت الى حرب ضروس ظل محافظاً على شيمه وخصاله الطيبة.. فلا يقتل غدراً ولا يطعن من الظهر.. لم نسمع أن أحدهم وعد وأخلف.. كان الصدق والتفاني من شيمهم، والرجولة الحقيقة من طباعهم..
هؤلاء العرب هم أجدادنا الاوائل ولم يكونوا من جنس آخر بل نحن أحفادهم، والطبيعي أن نحمل خصالهم وشيمهم الطيبة، خاصة بعدما أنار لنا العلم الحديث الطريق، لتصبح هذه القيم واجباً مقدساً لا إختيارياً تفرضه ضرورات الانتماء للامة والدفاع عن بقائها...
فماذا حصل لهذه الامة ولأهلها؟؟ لماذا إنقلبت الصورة وتبدلت الأحوال..؟ أصبح الأخ لا يأمن آخاه..!! الكثير من العائلات تنام جوعى وليس الجار وحده ولا من مغيث.. الجياع كثر والفقر في إزدياد..!! الحق يضيع بين أروقة المحاكم والمداولات الطويلة بعد أن كان يسترد بكلمة حق... أصبح الصدق صفة لا يتداولها الا القليل من الناس.. المادة هي المحرك لمعظم العلاقات الاجتماعية.. الرجولة والشهامة وكل القيم الانسانية الآخرى باتت مجرد مسميات لا أكثر نتطلع اليها بشغف من خلال المسلسلات الشعبية لنتندر على القيم التي تحملها وكأنها تراث كما هي ملابس اولئك الممثلين عفى عليها الزمن ومضى الى غير رجعة...! أضحى لكل واحد فينا قيمه الخاصة وشخصيته المستقله التي لا تأثير لاحد عليها ولو كانت على حساب المصلحة العامة..
أصبحت صورة المواطن العربي مقلوبة لا يراها العالم الا بصورة الانسان الفاسد المرتشي العاجز عن القيام بواجبه تجاه مجتمعه وقضاياه ومسؤولياته بدون مقابل يزيد عن حقه.. صارت دولنا بلا إستثناء في ذيل قائمة الدول الاقل فساداً والاكثر شفافية.. مجتمعاتنا باتت عرضة للتفكك والتمزق على أتفه الاسباب، فلا تجد جارين الا وبينهما خصام لسبب أو لآخر.. وما من أخوين الا وبينهما خلاف على أرث.. وما من صداقة تدوم.. صورة قاتمة لواقع كان جميلاً لحد ما ونفخر به.. إنقلبت قيمنا التي كانت مضرب الامثال الى شعارات وممارسات بعيدة كل البعد عن قيم أجدادنا الاوائل.. فمن المسؤول عن تراجع هذه القيم..؟ ومن شوه هذه الصورة التي كانت لاجدادنا فأصبحنا وكأننا ننظر في مرآة مكسوره..!!
بقلم: أنس أبوسعده
شموع موقدة... حديث الأحياء والأموات