• عدد المراجعات :
  • 831
  • 11/5/2011
  • تاريخ :

قبسات من إشعاع أنوار الغدير

قبسات من إشعاع أنوار الغدير

العدل والإنصاف

إنّ مبادئ مدرسة الغدير واسعة وعميقة لدرجة أنّه لا يستطيع أحد الإحاطة بكنهها جميعها، باستثناء قبسات من إشعاع أنوارها.

واحدة من تلكم القبسات تلخّصها العبارة الموجزة والبليغة للإمام أمير المۆمنين سلام الله عليه في قوله:

واللهِ لوْ أُعْطِيتُ الأقاليمَ السَّبْعَةَ بما تَحْتَ أفلاكها عَلَى أنْ أعصِي اللهَ في نملةٍ أسلُبُها جِلْبَ شعيرةٍ مَا فَعَلْتُ(1).

النقطة البالغة الأهمية التي تتضمّنها هذه العبارة أنّ الإمام سلام الله عليه قد استخدم كلمة «لو» وهي ـ كما أسلفنا ـ حرف شرط يدلّ على امتناع لامتناع، أي امتناع الجواب لامتناع الشرط، كما يقول الله عزّ وجلّ في كتابه الكريم:

(لَوْ كانَ فيهما آلِهَةٌ إلاّ اللهُ لَفَسَدَتا)(2).

أي لو كان في الأرض والسماء آلهة غير الله عزّ وجلّ لانفرط عقد الكون، ومادام الأمر ليس كذلك ـ فالسماوات والأرض باقيتان على حالهما ممسكتان ـ ففيه دلالة على أن ليس فيهما آلهة إلا الله. بمعنى أنّ حرف (لو) يدلّ سلفاً على أن ما بعده من الشرط غير ممكن.

وهكذا نحو قولنا: لو كان لي جناحان لطرت بهما، فانتفاء طيراني يكون لعدم امتلاكي جناحين. فـ (لو) ابتداءً يدلّ على انتفاء ما دخل عليه.

من هنا، يكون معنى قوله سلام الله عليه (والله لو أعطيت...): إنّ عصياني لله تعالى في ظلم نملة بهذا المقدار القليل لا يمكن تحقّقه وإن أعطيت مقابله الأقاليم السبعة. أي أنّي غير مستعدّ للفوز بملك الأقاليم السبعة في مقابل معصية الله ولو في سلب قوت نملة واحدة، وهذا المعنى يۆشّر عليه حرف الشرط (لو).

ونقطة ثانية مهمّة في العبارة المذكورة، هي استخدام كلمة «جِلب شعيرة»، وهي القشرة الرقيقة التي تغلف حبّة الشعير. ولو كان يوجد ما هو أقلّ شأناً من جِلب شعيرة لمثّل به الإمام سلام الله عليه.

وبذلك فالإمام سلام الله عليه قد أقام الحجّة على جميع الحكّام وولاة الأمر، واضعاً إيّاهم أمام مسۆولياتهم الخطيرة، لاسيّما أولئك الحكّام الذين لا يتورّعون عن ارتكاب أي جريمة، فتراهم يبيدون الحرث والنسل، ويزهقون الآلاف من الأرواح الزكية البريئة من أجل شبر من الأرض أو حفنة من الأموال أو بلوغ المناصب من أجل التمتّع بحطام الدنيا الزائل.

فإنّ سلب الإنسان لنملة جِلب شعيرة يعدّ معصية حسب منهاج الغدير، فما بالك بقتل الأفراد بالظنّة والشبهة!

أمّا في النقطة المقابلة، نجد المنطق الأمويّ والعباسيّ الذي كان يعاقب الأفراد بتهمة حبّهم لعلي سلام الله عليه، ويضطهد الخصوم الفكريّين لأدنى شبهة، أسوة بمن سبقهم من الحكّام، حيث كانوا يخنقون أصوات المعارضين لأتفه الأسباب.

فمثلاً أرسل أبو بكر جيشاً بقيادة خالد بن الوليد للإجهاز على معارضيه، وقد أدّى خالد المهمّة بوحشية وبشاعة بإهراقه دماء فريق من المسلمين في حروب سمّيت بحروب الردّة، علماً أنّ معظم الذين سفكت دماۆهم من قبل خالد وجيشه كانوا من المسلمين الأبرياء، ولم تكن تهمة الارتداد سوى ذريعة(3).

بل إنّ الأساليب التّي اتّبعها خالد في حربه ضدّهم كانت مخالفة تماماً لنهج الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وتعاليم الإسلام، حيث تلخّصت أساليب خالد في قتل المسلمين: بقذفهم من المرتفعات، وحرقهم وهم أحياء، والتمثيل بهم، وقطع أوصالهم، وإلقائهم في الآبار، ونزوه على محارمهم، كما فعل بزوجة مالك بن نويرة (4) في حين كان الرسول الكريم صلى الله عليه وآله ينهى عن المثلة حتى بالكلب العقور، كان الإمام أمير المۆمنين علي سلام الله عليه يوصي أهل بيته محذراً إيّاهم من التمثيل بقاتله، بقوله: فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:

إيَّاكُم وَالمُثلَة وَلَوْ بالْكَلب الْعَقُور(5). 

القسمة بالسويّة

كان أمير المۆمنين سلام الله عليه يقسّم أموال الجزية والخراج بين المسلمين بالسويّة ولا يۆخّرها مقتدياً في ذلك برسول الله صلى الله عليه وآله(6)، فلم يكن سلام الله عليه يحتفظ بالأموال في بيت المال بل كان يقسّمها بين الناس مباشرة فور وصولها، أمّا عمر فكان يجمع الأموال لمدّة سنة كاملة في بيت المال ثم يقوم بتقسيمها بعد ذلك، يقول المۆرّخون: وإن عمر كان يجمع الأموال من سنة إلى سنة ثم يقسّم.

قال الإمام أمير المۆمنين سلام الله عليه:

كان خَليلي رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وآلِه لا يحبِسُ شيئاً لِغَدٍ، وكان أبُو بَكرٍ يَفعَلُ، وقَد رَأى عمَرُ في ذلك أن دَوَّن الدواوينَ وأخَّرَ المالَ مِن سَنةٍ إلى سَنة...(7).

كان أمير المۆمنين سلام الله عليه يرى أنّ هذه الأموال هي ملك الأمّة كلّها وبالتالي فهي ليست ملك الحاكم، فيجب أن يصل إلى المسلمين دون إبطاء.

وهذه مسألة لمّا يبلغها العالم اليوم رغم كلّ التطوّر الحاصل.

لقد وضع هذا القانون وسنّه رسول الله صلى الله عليه وآله ونفّذه، ثم طبّقه أمير المۆمنين سلام الله عليه من بعده. فقد كانت الأموال التي تصل الى بيت المال توزّع على المسلمين دون استثناء وبالسويّة، ومن غير تأخير.

وحيث إنّ المال الذي يصل الى بيت المال من الصدقات والزكوات وسواها هو مال الله تعالى ويتعلّق بجميع عباده، من الفقراء والمساكين وأبناء السبيل وغيرهم وجب أن يكون مصرفه منحصراً بهم. أجل، لقد جعل الله تعالى أموال الصدقات والزكاة لذوي العوز كما قال تعالى:

(إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِين)(8).

كما كان أمير المۆمنين سلام الله عليه يقسّم أموال الغنائم بين الجميع بالسويّة، فمثلاً كان يعطي كلّ شخص من الرعيّة ثلاثة دنانير وكان هو يأخذ نفس المقدار أيضاً مع أنّه رئيس الدولة، وكان يعطي خادمه قنبر نفس المقدار.

فهذا هو معنى الغدير، وهذا بعض من معاني «لَو عرَفَ الناسُ فَضْلَ هذَا اليَومِ بِحَقيقَته...».

ولو ألقينا نظرة على أسلوب الحكّام الغاصبين للحكم، لوجدنا كيف أنهم اتّخذوا مال الله دخلاً. فقد ذكر المۆرّخون أنّه عندما جيء بخُمس أفريقيا إلى عثمان بن عفّان ـ وكان يبلغ ألف ألف دينار ـ أعطاه كلّه إلى مروان بن الحكم، وحرم منه سائر المسلمين. فاعترض الصحابيّ الجليل أبو ذر على الأمر، فنفاه عثمان إلى الربذة التي عانى فيها الغربة والجوع حتى استشهد فيها أخيراً مظلوماً غريباً محروماً.

ولمّا اعترض عمّار بن ياسر وهو الصحابيّ الجليل الآخر، على سياستهم ضربوه حتى سقط مريضاً.

فهذا بعض الفرق بين منهج الغدير وأسلوب الآخرين في الحكم.

إنّ الإسلام هو النبع الصافي الذي فجّره النبي صلى الله عليه وآله وأجرى ماءه العذب، فصادره آخرون ولوّثوه بسموم النفاق والشقاق، وعندما جاء الإمام أمير المۆمنين سلام الله عليه إلى سدّة الحكم، جاهد ليطهّر ذلك النبع من تلك السموم؛ ليهنأ الذين ينهلون من مائه العذب من نبع الإسلام الصافي.

وإلى هذا كانت تشير السيدة الزهراء سلام الله عليها في خطبتها في نساء المدينة اللواتي قدمن لعيادتها؛ عندما قالت:

«وَيْحَهُم أنّى زَحْزَحُوها عَن رَواسِي الرِّسَالَة... ثمَّ احْتَلِبُوا طِلاعَ القَعْبِ دَماً عَبيطاً»(9).

أجل، لقد حرّف القوم الطريق، وكلّ ما شهده التاريخ الإسلامي ونشهده اليوم من مآسٍ ومحن ومصاعب ومشاكل إنما هو ثمرة تلك الفتنة الكبرى التي أعقبت رحيل النبي صلى الله عليه وآله.

المصادر:

(1) نهج البلاغة: 346 خطبة رقم 224.

(2) سورة الأنبياء، الآية: 22.

(3) راجع تاريخ الطبري ج2، ص502 ـ 504، ذكر البطاح وغيره.

(4) راجع الغدير، للأميني: ج5، ص364.

(5) نهج البلاغة: 421، من وصية له للحسن والحسين سلام الله عليهم لما ضربه ابن ملجم لعنه الله.

(6) معاني الأخبار: 180، باب من تعلّم علماً ليماري به السفهاء.

(7) وسائل الشيعة: ج15، ص108، باب40، تعجيل قسمة المال... ح20084.

(8) سورة التوبة، الآية: 60.

(9) بحار الأنوار: ج43، ص158، باب7، ح8.


 

مسۆوليتنا تجاه الغدير

غدير التنصيب النبوي وغدير التنصيب الشعبي

قبول الإمام علي ( عليه السلام ) الخلافة

   موقف الإمام علي ( عليه السلام ) من الشورى 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)