محمود فرشتشيان، صاحب الروائع الفنية
اسمه محمود فرشتشيان، يطلق هذا اللقب في اللغة الفارسية على تاجر السجاد، كان والده نقيبا لتجار السجاد في مدينة أصفهان التي عرفت ولادة هذا الفنان عام 1929م، يعتبر الأستاذ فرشتشيان رائد فن المنمنمات في إيران المعاصرة، وصاحب مدرسة متفردة في هذا الفن الفارسي الأصيل، تخرج على يديه أغلب المبدعين الرائجين في إيران اليوم.
يقيم محمود فرشتشيان حاليا في ولاية نيوجيرسي بالولايات المتحدة الأمريكية، ويزور بلاده بين الفينة والأخرى لحضور الملتقيات الفنية والثقافية، بينما تطُبع لوحاته على أغلفة الكتب والمجلات وصممت ك(بوسترات) تجارية تباع في جميع الأماكن الثقافية في العالم، وتكريما له أقامت الحكومة الإيرانية متحفا باسمه في قصر سعد آباد الشهير في العاصمة طهران.
ارتبط فن المنمنمات بالحضارة الفارسية أيما ارتباط، وترجم بعمق تصوراتها الفلسفية والعرفانية والجمالية، سمي في القديم بفن التزاويق، بينما عرف في إيران ب (المينياتور) منذ حوالي ستين عاما تقريبا، وقد حقق فن المنمنمات المرتبط بالمخطوطات تطورا رفيعاً خلال القرون الوسطى بفضل فنَّانين إيرانيين، من أشهرهم كمال الدين بهزاد، والفنان أقاميرك، ويعتبر كتاب (كليلة ودمنة) أول مؤلف عربي ظهرت فيه المنمنمات.
ولا تزال الآراء متضاربة بخصوص منشأ هذا الفن وكيفية تطوره، إذ يعتقد البعض انه انتقل من الصين إلى إيران، وهناك من يرى انه فن إيراني محض، في حين يظن آخرون أن فن المنمنمات نتيجة تطور مزيج من الإبداع والخيال الإنساني داخل الحضارات الشرقية، وأغلب الظن أن الأتراك السلاجقة هم الذين روجوا هذا الفن في إيران، فأضاف عليه الإيرانيون طابعهم الخاص، وعرف فن المنمنمات رواجا واسعا في إيران منذ القرن السابع الميلادي، حيث تفاعل النموذج الإيراني مع نظيره الصيني.
وجمعت المنمنمة الفارسية في تفاصيلها تأثيرات عربية وصينية ومغولية وسلجوقية وهندية وتركية وعثمانية، إضافة إلى بعض التأثيرات البيزنطية، التي يمكن أن نلحظ وجودا خافتا لها في المنمنمات المعاصرة.
أخذ فرشتشيان فن المنمنمات عن أساتذة كبار أمثال حاجي ميرزا إمامي وعيسى بهادري، ودرس في مدرسة الفنون الجميلة في أصفهان، كما سافر إلى أوربا لتلقي مبادئ الفنون الغربية، لكنه سرعان ما ابتكر لنفسه أسلوبا خاصا ومتميزا، وأصبح في ما بعد مدرسة فنية مستقلة تتميز بنقل الفضاءات الأسطورية والمشاهد الإنسانية المتنوعة من مجال الأدب والثقافة الفارسية، إضافة إلى إبداعاته الرائعة في محاكاة الرؤى العرفانية وآفاقها الممتدة.
عندما عاد فرشتشيان إلى إيران عمل في الإدارة العامة للفنون الجميلة، ثم انتقل إلى مديرية الإدارة الوطنية، ثم عمل أستاذا في كلية الفنون في جامعة طهران.
لقد سحرني هذا الفن إلى درجة أنني أصبحت مجذوبا في ساحته، ولهذا السبب لم أهتم بالتيارات الفنية الغربية
نشرت معظم أعمال محمود فرشتشيان في خمس مجلدات تحمل اسم "آثار محمود فرشتشيان" عن دار نشر كويا، وفيها 150 عمل من إبداعات هذا الفنان، وشارك في الكثير من الملتقيات الفنية الدولية، ونال أيضا العديد من الجوائز والأوسمة، نذكر منها: حصوله على عضوية لائحة مثقفي وفناني القرن 21 عام 2000م، وفي عام 1992 نال وسام الدرجة الأولى للفنان، وفي عام 1984م نال وسام الفن الإيطالي، وفي عام 1963 فاز بالتمثال الذهبي لأوسكار إيطاليا، وفاز بالميدالية الذهبية للمهرجان الدولي للفنون في بلجيكا عام 1958م.
وفي حوار أورده موقع (تبيان) الفارسي وصف محمود فرشتشيان علاقته بفن المنمنمات قائل:" لقد سحرني هذا الفن إلى درجة أنني أصبحت مجذوبا في ساحته، ولهذا السبب لم أهتم بالتيارات الفنية الغربية"، وأضاف "ويرجع سر حبي لفن الرسم الفارسي إلى عظمة هذا الفن وقيمته الراقية، لذلك وضعت كامل عمري في خدمته". وعن منافسة المدارس الفنية الأخرى لفن المنمنمات يقول هذا الفنان: "أنا لست قلقا بهذا الخصوص، لأنني أومن يقيم هذا الفن وإمكاناته، فهو مدرسة قائمة على أصالة عظيمة، ونحن نرى أن المدارس المفتقدة للأصالة هي التي تنحدر ثم تموت بسرعة".
وتتميز أعمال محمود فرشتشيان باشتمالها على مواضيع دينية، لذلك كان يجد دائما نفسه أمام أسئلة الصحافة في أوربا وأمريكا، والتي ترغب في كشف فلسفة صاحب الروائع الفنية المدهشة، وفي هذا السياق يؤكد فرشتشيان "أنا إيراني مسلم، الدين يسكن أعماقي، وللدين دور كبير في صفائي الروحي والفني"، ويضيف "والدين عامل مهم في نجاحي إلى جانب عوامل أخرى مثل العمل الدؤوب والقراءة والتدريب..".
ويعتقد الفنان محمود فرشتشيان أنه بإمكان الإنسان تحقيق أهدافه الكبيرة رغم كل العوائق، والدليل تجربته التي عرفت في البداية صعوبات مادية ومعنوية كبيرة، لكنه استطاع أن يتجاوزها بالصبر والمثابرة، ولوحاته الجميلة والمشهورة عن شخصية الشاعر عمر الخيام وليدة تلك المرحلة.
وتعليقا على مبادرة المتحف الذي فتحته السلطات باسمه في طهران، يوضح فرشتشيان أن المتحف مكسب كبير للبلاد، ويعتقد أنه لم يؤسس لشخصه بقدرما أسس لأعماله التي استحقت ذلك الامتياز.
ويرى هذا الفنان الإيراني أنه من صفات المبدع الحقيقي ألا ينتظر شيئا من الجهات الرسمية، ثم يشير إلى أنه لم يلجأ في يوم من الأيام إلى السلطات لكي تساعده أو تدعمه، لأن الفن يحمل في ذاته قيما عظيمة تجعله كافيا ومقنعا للفنانين وعشاق الفن.
وقفة عند غزليات حافظ الشيرازي
ملخص الشاهنامه
هوية الشعرالايراني
نظرة في الشعر الايراني الحديث