إصالة الإباحة في الأفعال والأقوال
أن من القواعد المضروبة شرعاً إصالة الإباحة في الأفعال والأقوال ما لم ينه عنها الشارع خصوصاً أو عموماً من غير معارض.
وعليها الأدلة من الإجماع وحكم العقل والنقل، وقد اعترف بها ابن تيمية قائلًا في منهاج السنة في الرد على الأشاعرة القائلين بتعذيب من لا ذنب له: «بأن هذا مخالف للكتاب والسنة والعقل أيضاً».
أقول: والإجماع أيضاً، وذلك لأن المسلمين طراً، بل وسائر أهل الملل والنحل كما تفضح عنه الآيات التي ستتلى عليك على إباحة فعل عند فقد بيان من الشارع على المنع وعدم الرخصة، والعقل ناطق بأن من القبيح عقاب العبد على فعل فعله قبل أن ينهاه عنه مولاه، أو قبل وصول نهيه إليه والنقل مصرح كتاباً وسنة:
فمن الكتاب: قوله تعالى: "وَ ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا" « الإسراء: 15»
دل على نفي التعذيب مطلقاً عمن لم يبعث إليه الرسول ولم تقم عليه الحجة ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة، ولئلا يكون للناس على الله حجة وإلّا كانت لهم الحجة، كما قال عزّ من قائل: "وَ لَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَ نَخْزى" وقوله تعالى: "كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها: أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ؟ قالُوا: بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا ... إلخ" الآية دلت على أن جميع من يلقى في النار إنما هو بعد تمامية الإنذار، وقوله سبحانه:يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَ يُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا؟ قالُوا: شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا".
إلى قوله تعالى: "أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَ أَهْلُها غافِلُونَ" صرح فيه تبارك وتعالى باعتراف المخاطبين من الجن والإنس بأنهم جاءتهم الرسل وقصوا عليهم الآيات، وبينوا لهم التكاليف، لكنهم حيث كفروا بآيات ربهم وعصوا رسلهم أهلكهم الله بهذا السبب، وإلّا فلا يعذب من لم يكن عالماً بالآيات، أو لم يأتهم النذير لقوله عزّ شأنه: "وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ" أي من الأمر بالطاعة، والنهي عن المعصية، فلو عذبهم لكان ظلماً. نزه سبحانه نفسه عن الظلم بقوله تعالى: " وَ ما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَ ما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَ أَهْلُها ظالِمُونَ" وبين أن المعذبين في النار هم الظالمون لأنفسهم بالمعصية، وترك الطاعة، فمن لم يكن ظالماً لا تجوز عقوبته. ولو عوقب لكان ظلماً عليه.
وبالجملة دلت الآيات على أن كل من صنع مثل صنع الأمم الخالية، فأنكروا على الله آياته ورسله، وفعلوا المنكرات والقبائح بعدما تمت عليهم الحجة، وظهرت لهم التكاليف الإلهية والزواجر الشرعية عوقب على إنكاره وإقدامه على القبائح المنهي عنها، حيث يقول سبحانه: " وَ لَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ، كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ" فالمؤاخذة لا تكون إلّا بالبيان وظهور الزواجر الإلهية، فلو لم تظهر لم تكن لله على الناس حجة.
قال ابن تيمية: الأصل الذي عليه السلف والجمهور: أن الله تعالى لا يكلف نفساً إلّا وسعها، فالوجوب مشروط بالقدرة، والعقوبة لا تكون إلّا على ترك مأمور أو محظور بعد قيام الحجة، انتهى.
وهذا هو الذي نسبه في ص 20 من الجزء الثالث من «منهاج السنة» إلى أبي حنيفة والشافعي وابن حزم، وهذا هو المطابق لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث المتفق عليه الكل، أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «رفع عن أمتي تسعة أشياء: الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه، وما لا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطروا إليه .. إلخ».
وفي سنن ابن ماجة، باب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وفيه عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ما أمرتكم بشيء فخذوه، وما نهيتكم عنه فانتهوا» وفيه أيضاً عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء فخذوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا» ومثل ذلك رواية البخاري، وفي سنن ابن ماجة: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يوشك الرجل متكئاً على أريكته يحدث بحديث من حديثي، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله عزّ وجلّ فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله».
قوله: ألا وإن ما حرم رسول الله .. إلخ يدل على أن ما لم يحرمه الرسول لم يكن حراماً من جانب الله، ولم يكن مثل ما حرم الله، وهذا وسابقه تفسير لقوله تعالى: " ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ، وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا" .
ثمّ إن الغرض من وضع هذه المقدمة بيان أنه لا وجه لإنكار الطائفة الوهابية على فرق المسلمين خصوصاً الإمامية أموراً لم يرد من الشرع فيها نهي وزجر، وإن الحكم فيها بالانتهاء والارتداع جزماً وحتماً خلاف ما عليه كتاب الله وسنة رسوله، بل يكون بدعة لأنه إدخال ما ليس من الدين في الدين، وحكم بغير علم. واحتمال كونه من الدين لا يصيره من الدين، وإلّا لما كان معنى لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «وما نهيتكم عنه فانتهوا» بنحو القضية الشرطية المستفاد منها عدم الانتهاء عند عدم النهي.
الخلاف حول الاحتفال بذكرى الأنبياء وعباد اللَّه الصالحينما قاله المستشرقون حول الاسلام
ما قاله المستشرقون حول القرآن
نبذه عن المذاهب الاربعة
كيف تم حذف حي على خير العمل من الاذان
أعلام الاُمة وزيارة قبر النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله)