المسلمون ووحي القرآن (4)
ولزيادة توضيح هذا الموضوع يجب أن ندرس النقاط التالية
أ- الهداية العامة وهداية الانسان: إن لكل موجود في هذا الكون من الأحياء والجمادات وغيرهما هدفا يتوجه إلى تحقيقه منذ أول خلقته، وقد أودع فيه ما يناسب تحقيق هدفه من الآلات والمعدات، ولابد أن يجتهد حتى يصل إلى ذلك الهدف ويناله، قال تعالى: ?رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى?(طه:50). وقال ?الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى?(الاعلى:2-3).
وقد ذكرنا أيضاً أن هذا القانون الكلي (قانون الهداية العامة) يشمل الانسان كما يشمل غيره، فله في حياته هدفه الخاص الذي يسعى إلى تحقيقه ضمن الاطار العام، وقد أودع فيه ما يمكنه من الوصول اليه والحصول عليه، ونجاحه في مسيرته الطويلة في اطار هذا القانون هو الوصول إلى الكمال والسعادة، كما أن اخفاقه في هذه المسيرة هو الانزلاق في مهوى الشقاء الأبدي. وخلقته والأسرار المودعة فيه هي التي تدله على طريق الوصول إلى ذلك الهدف السامي، قال تعالى: ?إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا?(الدهر:2-3). وقال عز من قائل: ?مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ?(عبس:19-20).
ب- ميزة الانسان في قطع مسالك الحياة: تمتاز الحيوانات على غيرها من سائر الموجودات أن أعمالها علمية تصدر عن فهم وادراك، والانسان مع أنه يشارك الحيوانات في هذه الناحية يمتاز عنها بما أوتي من العقل، فان الأعمال التي ينجزها تنبع من العقل ويميز الخير من الشر والنافع من الضار ويعملها بعد أن يتأكد من رجحان كفة المنافع فيها، ويتبع فيها ما يدركه عقله ويرى أن فيه مصلحة له، فما يراه العقل نافعاً ليس فيه ما يضر يحكم بلزوم القيام به، وما يراه ضارا ليس فيه ما ينفع يحكم بوجوب الاجتناب عنه3.
ج- كيف يكون الانسان اجتماعيا؟
لاشك ان الانسان كان ولا يزال يعيش بصورة جماعية ويشكل مع الآخرين مجتمعاً مرتبطاً بعضه ببعض ويقضي حوائجه بالتعاون مع اخيه الانسان، ولكن هل هذا التعاون والترابط الاجتماعي هو مقتضى طبيعته الأولية وسجيته الساذجة التي تدفعه إلى ان لايعيش وحده بل يتعاون مع بني نوعه؟..
ولكن هل هذا التعاون والترابط الاجتماعي هو مقتضى طبيعته الأولية وسجيته الساذجة التي تدفعه إلى ان لا يعيش وحده بل يتعاون مع بني نوعه؟..
لقد نرى ان للانسان حاجات حسب طبيعته البشرية، وله عواطف ومدارك خاصة تدفعه إلى أن ينجز ما يحتاج اليه بالاجهزة التي جهز بها، وفي هذه الحاجة لا يشعر بما يحتاج اليه الآخرون أيضاً.
يستخدم الانسان كل شيء للوصول إلى مآربه وما يحتاج اليه، فيستعين بكل بسيط ومركب لقضاء ما لابد منه يستفيد من النباتات والأشجار الصغيرة والكبيرة، ويسيطر على الحيوانات وما تدره من الخيرات.. كل ذلك ليرفع بها ما يشعر به من النواقص الحياتية ويسد بها ما يتجدد من الخلل في عيشه.
الانسان الذي هذا دأبه ويستخدم كل ما يجده لمصالحه هل يستفيد من نتائج وجوده. هذا الانسان الذي يحترم أخاه الانسان في الظاهر هل يخلص التعاون معه ويصرف نظره عن مصالحه الشخصية للمصالح الانسانية العامة؟..
لا، ليس هكذا... بل الانسان يحس بما تطلبه الحياة منه من الحاجات المعاشية الكثيرة، ويعلم انه وحده لا يتمكن من انجازها، بل يعلم أنه بحاجة إلى من يساعده في قضاء حوائجه من أبناء نوعه..
ولكن من جهة أخرى يلاحظ أن الأماني التي تدور في خلده تراود أذهان الآخرين أيضا، فيسعون في تحقيق مصالحهم كما يسعى هو في تحقيق مصالحه.
ههنا وعندما يحس بهذه الحقيقة يرضخ للتعاون الاجتماعي فيتنازل عن بعض منافع جهده لرفع ما يحتاج اليه بنو نوعه كما أنه يستفيد من جهة أخرى من جهد غيره لمصالحه الخاصة. وفي الحقيقة يدخل في سوق الأخذ والعطاء الاجتماعي القائم في كل الاعصار والأدوار ليأخذ منه ما يحتاج اليه في مسيرته الحياتية..
ان ما ينتج من الجهد الاجتماعي والعمل المشترك كأنه يختلط بعضه ببعض، فيأخذ كل واحد من افراد المجتمع حسب وزنه الاجتماعي، أي بمقدار قيمة العمل الذي يقوم به له حصة من تلك النتيجة يصرفها فيما يحتاج اليه من الحاجيات المعاشية.
يتضح مما سبق أن الانسان بمقتضى طبيعته في طلب مصالحه الشخصية، يستخدم الآخرين لاستثمارهم فيما يعود اليه بالنفع، ولا يرضخ للتعاون الاجتماعي الا اذا اضطر اليه اضطرارا.
ان هذه حقيقة تتجلى واضحة في دراسة حياة الأطفال فان الطفل يريد الحصول على ما يشتهيه جزافاً وبدون قبول أي توجيه، ويؤكد طلبه بالبكاء والالحاح لو لم يوفق إلى الحصول عليه. وكلما تقدم في سني حياته يقترب إلى الحياة الاجتماعية ويتعرف على ما يفرضه عليه الخضم الاجتماعي، فيبتعد تدريجا ًعن القول جزافا والطلب غير الوجيه، وهكذا تتبدل به الأحوال حتى ينسى إلى حدما مطاليبه الجزافية.
وشاهد آخر: اننا نرى أن انساناً ما لو أوتي قدرة فوق قدرة المجتمع المحيط به لم يلتزم بما يتطلبه منه من التعاون الاجتماعي، بل يحاول بكل امكاناته استخدام الناس ليستثمر جهدهم بدون أي تعويض.
يشير تعالى إلى التعاون الاجتماعي المذكور بقوله: ?نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا?(الزخرف:32).
الآية الكريمة تشير إلى حقيقة التعاون الاجتماعي، وأن كل واحد من أفراد البشر يفوق على غيره في جانب من الجهد المشترك، فكل فرد من المجتمع له قابلية خاصة يستثمر الآخرين بواسطتها، فهم وحدة اجتماعية متشابكة كالسدى واللحمة بالنسبة إلى الثوب. ويقول تعالى: ?إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ?(ابراهيم:34). ويقول أيضا: ?إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا?(الأحزاب:72).
الآيتان تشيران إلى الغريزة الطبيعية المودعة في الانسان الذي يستخدم بواسطتها أخاه الانسان ويظلمه ويبتز منه ثمرات جهده وأتعابه.
المسلمون ووحي القرآن (1)
المسلمون ووحي القرآن (2)
المسلمون ووحي القرآن (3)
حاجة المجتمع إلى المعرفة (1)
حاجة المجتمع إلى المعرفة (2)
حاجتنا الى القادة الالهيين
النبي والنبوة