الاسلام والسعادة
قال الله العظيم في كتابه الحكيم: ?فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ?(الروم:30).
السعادة
نشأ الانسان منذ نعومة أظفاره محباً للسعادة والهناء، فاراً من البؤس والشقاء... فكل الناس يحبون أن يكونوا سعداء مرفهين، ويصرفون كل جهودهم في سبيل تحقيق ذلك الهدف المقدس النير... السعادة.
ولكن المشكلة المهمة هي معرفة أساس السعادة وحقيقة الرفاه، إذ لا يتسنى لمن لا يعرف حقيقة السعادة أن يطلبها ويسعى وراءها، لأن السعي وراء أمر مجهول عبث وباطل.
وطوال القرون المتمادية والأعصار المنصرمة، بحث العلماء عن السعادة البشرية وألفوا فيها وأوردوا نظريات مختلفة في هذا الموضوع.
وكذلك الأمم والكتل البشرية اتخذت طرقاً معينة وأساليب خاصة للوصول إلى السعادة، وإذا أردنا أن نستقصي جميع تلك النظريات والآراء والطرق والأساليب لاحتجنا إلى مقال أوسع من هذا، إلا أننا سنكتفي بذكر أهم تلك الآراء والنظريات المعروفة الآن. ثم نشير إلى بعض الأحاديث الواردة بشأن السعادة. هذا ولا يخفى أن المدار في تلك النظريات والأقوال ومحل النزاع في البحث هو ما يعتبره كل طائفة أصلاً ثابتاً للوصول إلى السعادة وأساساً لتحقيقها.
المبدأ النفسي
1- ذهب بعض العلماء والفلاسفة اليونانيين الذين سبقوا (أرسطو) إلى أن سعادة البشرية تنحصر في الكمالات النفسية، وهم يرون أن أساس السعادة الانسانية أربع صفات هي: الحكمة، الشجاعة، العفة، العدالة. فمن كان واجداً لهذه الصفات كان سعيداً، ومعها لا حاجة إلى الكمالات الجسدية وسلامة الجسم أو أمور خارجة عن البدن، فهؤلاء يقولون: "إن الانسان إذا حصل تلك الفضائل لم يضره في سعادته أن يكون ناقص الأعضاء مبتلى بجميع أمراض البدن "1.
فالأمراض البدنية عندهم لا تضر بالسعادة إلا إذا أوردت نقصاً على الجانب المعنوي منه، وأدت به إلى الجنون أو الحمق. وكذلك الفقر والتردي الاجتماعي فإنهما لا يضران بسعادة الانسان إذا كان محرزاً للصفات النفسانية الأربع الآنفة الذكر.
2-ويعتقد المرتاضون بالمبدأ النفسي في السعادة البشرية ويقولون: إن السعادة والكمال يرتبطان بكمال النفس والتعالي في الجوانب الروحية فقط. ويجب تحقيق تكامل الروح وإظهاره في الخارج عن طريق الرياضة النفسية ومجاهدة الأهواء والشهوات. ويفرط المرتاضون في عدم اعتنائهم بالجانب البدني كثيراً حتى أنهم أشد تفريطاً من اليونانيين الذين سبقوا (أرسطو) بالنسبة إلى أبدانهم. فبينما كان يرى حكماء اليونان أن السعادة تتعلق بكمال النفس ولا يضر معها نقصان البدن وليس في منهجهم ما يوجب الإضرار بالبدن نجد المرتاضين يعتقدون بأن كمال النفس يتناسب تناسباً طردياً مع حرمان البدن والأضرار به. فكلما كانت درجة الحرمان عن اللذائذ والطيبات عندهم أكثر، كانت درجة التكامل الروحي أكثر. ولهذا فان السالكين في هذا الطريق يسعون بجد واجتهاد لحرمان الجسد من ميوله وأهوائه، ويعذبون أجسادهم بالنوم على المسامير أو التعليق من غصن شجرة وما شابه ذلك من أساليب التعذيب أملاً في الحصول على السعادة المعنوية الكاملة.
3- وطائفة ثالثة تعتقد بالمبدأ النفسي في سعادة الانسان أيضاً، ولكنها في نفس الوقت لا تغمط الجسد حقه. هؤلاء يقولون: إن السعادة الحقيقية تكمن في التكامل الروحي ويجب الاعتناء به كثيراً، ولكن لا ينبغي التغافل عن إرضاء الميول الجنسية الخارجة عن حريم السعادة. ويؤكدون على نقطة مهمة هي أن كل ما كان مشتركاً بين الانسان والحيوان من الصفات والميول والشهوات فهو خارج عن نطاق السعادة الانسانية، ولذلك يقول قائلهم: "إن ما كان منها عاماً للانسان والبهائم فليست سعادة لنا"2.
إن نقطة الاشتراك بين هذه العقائد الثلاث التي كان لها أنصار في الأزمنة الغابرة بين الفلاسفة والحكماء اليونانيين وغيرهم من الناس طوال القرون المتمادية، هي أن الجانب النفسي فقط هو الذي يراعى فيه ويفقد الجانب البدني الاعتناء والمراعاة اللازمة، فالجسد عندهم يفقد قيمته الحقيقية وليس له أي دخل في تحقيق السعادة البشرية. والميول والرغبات المادية تلاقي حرماناً وكبتاً شديدين في نظرهم، حتى أنها لتقع تحت مطرقة الرياضة النفسية الثقيلة والتعذيب الشديد... ولا يخفى على من له مسكة من العقل أن هذا هو الشقاء والحرمان بعينه، وليس موصلاً إلى السعادة كما يظنون أبداً.
محمد تقي فلسفي
-----------------------------------------------------
الهوامش:
1- طهارة الأعراق لابن مسكويه ص:78.
2- ترتيب السعادات لابن مسكويه ص:259.
جميلة انتظرتها بعد منتصف الليل عِلمٌ وطهارةٌ وموقف
فَضائل العلم
خطورة التلوث الاخلاقي؟
على أعتاب الرحيل
أواصر المحبة
محاسبة النفس قبل الفراق