تفسیر القرآن الکریم؛ سورة المائدة (6) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تفسیر القرآن الکریم؛ سورة المائدة (6) - نسخه متنی

محمود الشلتوت

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

تفسير القرآن الكريم

سورة المائدة

آيات التفسير ـ خلاصه ما سبق في اتخاذ الاولياء من الاعداء ـأسباب النهى عن هذا الاتخاذ: الاختلاف بين الفريقين أساسي ـ الاعداء دائبون على الفتنة ـ مرضي القلوب و مسارعهم في أهل الباطل ـ تحطيم قواهم المعنوية و تحصين المؤمنين منفتنتهم.

النداء الثامن: الارتداد لا يضر إلا صاحبه ـ صفات المؤمنين الثابتين ـ المحبة في الله أقوى الروابط ـ محبة العباد الله ـ محبة الله للعباد: القرآن لا يثبتهاإلا لذوى الفضائل العلياـ أمثلة ـ لم ينف الله حبه إلا عن المقترفين كبائر الاثم ـ الذلة على المؤمنين و العزة على الكافرين ـ أصحاب الشخصيات المتعددة بتعدد الاحوال صنفممتاز ـ الجهاد في سبيل الله شأن المؤمن الصادق ـ عدم المبالاة باللوم شأن الواثق بفكرته ـ صفات متلازمة متكافلة.

النداء التاسع: سر ا لنهي عن موالاة الكفار و بعض أهلالكتاب ـ مثل من الماضى ـ مثل من الحاضر ـ عزة المسلمين في العمل بالاسلام.

آيات التفسير:

نعيد ذكر الآيات التي هي موضوع الحديث في العدد الماضى و في هذا العدد،ليتيسر للقراء متابعة البيحث و النظر فيها، و هذه هي:

1 - «يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود و النصارى أولياء بعضهم أولياء بعض، .و من يتولهم منكم فانه منهم، إن اللهلا يهدى القوم الظالمين، فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم، يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة، فعسى الله أن

يأتي بالفتح أو أمر من عندهفيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين، و يقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله

جهد أيمانهم إنهم لمعكم؟ حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين.

2 - «يأيها الذينآمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم و يحبونه أذلة على المؤمنين، أعزة على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله و لا يخافون لومة لائم، ذلك فضل الله يؤتيه منيشاء، و الله واسع عليم، إنما وليكم الله و رسوله و الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون ومن يتول الله و رسوله و الذين آمنوا فإن حزب الله همالغالبون».

3 - يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا و لعبا من الذين أوتو الكتاب من قبلكم و الكفار أولياء، و اتقوالله إن كنتم مؤمنين، و إذا ناديتمإلي الصلاة اتخذوها هزواً و لعبا، ذلك بأنهم قوم لا يعقلون»..

*  *  *

خلاصة ما سبق في أتخاذ الاولياءمن الاعداء:

و قد تحدثنا في اتعداد السابق عن بعض الجوانب التي عرضت لها هذه الايات التي نهى الله فيها المؤمنين عن التخاذ الكافرين أولياء» فبينا الفرق بين«الولاية» التي هي النصرة و المعاونة على تحقيق غرض مشترك، بحيث يؤمن كل من «الوليين» أن لصاحبه عليه حقا هو مطالب بأدائه عن باعث قلبي، و بين البر و القسط اللذين يحب أنيسودا المجتمع و تقوم عليهما العلاقة بين أبناء الوطن، و إن لم تجمعها فكرة، أو تؤاخ بينهما عقيدة، و أن القرآن الكريم يقف من كل واحدة من هاتين العلاقتين موقفاًيناسبها، فهو لا يرضى بأن يتخذ المؤمن مخالفه في الدين وليا و مناصراً، و لكلنه مع ذلك يعطي هذا المخالف حقه في علاقات المعاشرة و المواطنة التي تقوم على البر و الرحمة والقسط، و لفتنا إلى ما في ذلك من عبرة يجب أن ينتفع بها أهل الإسلام في علاقة بعضهم ببعض، حيث و صلت سماحة دينهم إلى هذا الحد في معاملة مخالفيهم، فهم أولي فيما بينهم بهذهالسماحة، و أجدر

أن يبنوا علاقاتهم على أساس البر و القسط و الرحمة، فلا تحملهم النزعات الطائفية أو المذهبية على تناسي ما بينهم من

أخوة الإسلام، و التراحم الذي لم يحرم القرآن منه أحداً حتي أعداء الإسلام.

و بينا أنه لا ولاية بين الحق و الباطل، و أن الولاية إنما تتصور بين مؤمن و مؤمن، أو بينكافر و كافر، و لا يمكن أن تقوم على حقيقتها بين كافر و مؤمن، و لا بين منافق و منافق.

و بيننا ما يفيده التعبير بلفظ «الاتخاذ» الذي ورد في هذه الايات، و بينا بواعثاتخاذ الكافرين أولياء، من ملاحظة المصالح الخاصة، و مصانعة الاعداء لاحتمال تغلبهم، و ابتغاء العزة و السلطان عندهم، و اتقاء شرهم، و بينا وجه الاستثناء في قوله تعالى«إلا أن تتقوا منهم تقاة»، و لفتنا إلى وجوه العبرة في ذلك كله بقدر ما تسع له المجال:

و الآن نتابع الحديث فيما تضمنته هذه الايات: ـ

أسباب النهي عن هذا الاتخاذ:

كما بين لنا القرآن الكريم، البواعث التي تبعث مرضى القلوب على اتخاذ الكافرين أولياء، بين لنا الاسباب التي من أجلها نهينا عن ذلك، فكان منها:

الاختلاف بينالفريقين أساسي :

1 - نفظ الخلاف بيننا و بينهم أساسية جوهرية، فنحن قد آمنابما جاءنا من الحق، و هم قد كفروا به، و لا يمكن لا ثنين مختلفين في أمر أساسى أن يتبعاوناتعاوناً صادقا، نعم قد تتلاقى مصالحهما في شيء فيتفقان عليه، و يتحالفان في سبيله، لكن هذه العلاقة بينهما ليست بسبيل من الولاية بمعني ساقط لتحقيق مصلحته، و شتان بينهذا و من ينصرك ناظراً الي أنك تستحق نصرته، و إن لم يفد منها لنفسه خيراً، أو يدفع بها عن نفسه ضرا، و قد استفيد هذا من قوله تعالي

في سورةالممتحنة: «و قد كفروا بما جاءكم من الحق» و من قوله تعالي في سورة المائده، في آية من آيات موضوعنا هذا: «يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً و لعباًمن الذين أوتو الكتاب من قبلكم و الكفار أولياء، و إذا ناديتم إلي الصلاة التخذوها هزواً و لعباً، ذلك بأنهم قوم لا يعقلون، فآية الممتحنة تصرح بالاختلاف الاساسيالجوهرى

بين المؤمنين و الكافرين، حيث آمن بالحق فريق، و كفر فريق، و آية المائدة تشير إلي مظهر من مظاهر هذا الاختلاف الاساسي الجوهرى بين المؤمنين و الكافرين، حيثآمن بالحق فريق، و كفر فريق، و آية المائدة تشير إلي مظهر من مظاهر هذا الاختلاف الاساسي في الدين و شعيرته الاولى و هي الصلاة حيث ينظر إليهما فريق نظره الجد و الاحترام،و هم المؤمنين، و ينظر إليهما فريق آخر نظرة الاستهزاء و اللعب و هم الكافروون، فلا يمكن أن تتحقق و لاية و نصرة جادة صادقة بين فريقين على طرفي نقيض.

الاعداء دائبونعلى الفتنة:

2 - أن هؤلاء الاعداء لا يزالون يعملون على فتنتنا عن الحق الذي آمنا به، فهم أخرجوا الرسول و أخرجونا أؤظاهروا على إخراجنا من ديارنا لا لشيء إلا لانناآمنا بالله ربنا، و هم لا يدعون فرصة يتمكنون فيها من إيذائنا إلا انتهزوها أو عاونوا عليها، و هم يتمنون من صميم قلوبهم أن نخرج من ديننا فنعود إليهم، يدل على هذا كلهكثير من الايات الكريمة من مثل قوله تعالي: «إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء، و يبسطوا إليكم أيدييهم و ألسنتهم بالسوء و ودو الو تكفرون» «يخرجون الرسول و إياكم أن تؤمنوابالله ربكم»، «ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسكم».

هذا هو شأن المختلفين في العقيدة، لا يمكن أن تقوم بينهم ولاية أو شبهولايه، و لهذا دلالته لمن شاء أن يعتبربما جاء في الكتاب الكريم، و يفيد من إيحاءاته و إرشاداته، فما أجدر أصحاب الدعوات الحقة أن يكونوا على حذر من الذين لا يؤمنونبدعواتهم، و لهم تاريخ في إيذائهم و التحريض عليهم وودادة فتنتهم و انقلابهم. إننهم يطلبون محالا إذا ظنوا أن ملابسة هؤلاء على باطلهم تجلب

ولاءهم، أو تكفكف من غلوائهم، فقد قست منهم القلوب، و فسدت النفوس و التوت العقول، و ما أدق ما وصفهم به القرآن الكريم، و ما صوّر به حفيظتهم على المؤمنين حيث يقول «لايألونكم خبالا، ودوا ما عنتم، قد بدت البغضاء من

أفواههم و ما تخفي صدورهم أكبر»، «وتحبونهم و لا يحبونكم، و إذا لقوكم قالوا آمنا و إذا خلوا عضوا عليكم الانامل منالغيظ».

مرضي القلوب و مسارعتهم في أهل الباطل:

و قد عقب النداء الاول الذي نهي فيه المؤمنون عن اتخاذ اليهود و النصارى أولياءة، بتوجيه الانظار إلي فريق المنافقين الذين في قلوبهم مرض، و ما مرنوا عليه من المسارعة في أهل الباطل، مع الايخاز في الظاهر الاهل الحق، اتقاء للدوائر، و احتياطا للنوازل «فترى الذين في قلوبهم مرضيسارعون فيهم يقولون تخشى أن تصيبنا دائرة».

و التعبير عن المنافقين بهذه العبارة: «في قلوبهم مرض» تعبير قوى رائع جاء في غير هذا الموضع من القرآن كما جاء هنا: «فيقلوبهم مرض فزادهم الله مرضا». «ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة الذين في قلوبهم مرض و القاسية قلوبهم» «فاذا أنزلت سورة محكمة و ذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرضينظرون إليك نظر المغشى عليه من الموت» فإنه لما كانت قوة القلب تضرب مثلا للثبات و التماسك و القوة النفسية، كان ضعف القلب الذي عبرعنه بالمرض مثلا للخور و التردد والتزلزل و انهيار النفس، و هذه شنشنة المنافق، لا يمكن أن يكون صريحا و اضحا منحازا إلي ناحية معينة، فهو يتردد بين الناحيتين، و يلتمس الخطوة في الجانبين، و لا يهمه إلاأن يطمئن على نفسه في يومه و غده، لذلك يأتى هؤلاء بوجه، و هؤلاء بوجه، و يتخذ عند كل منهما يداً، و الاية تقول: «يسارعون فيهم» و لا تقول: «يسارعون اليهم» لان المنافق فيالعادة يحرص على أن ينحاز في الظاهر إلى أهل الحق، و لال يظهر لهم أنه مع الاخرين، و الاخرون يكتفون منه بما يبطنه من ولائهم و الميل إليهم، فهو لا يسارع إليهم فيفسد خطته،و لكن يسارع فيهم، أى في قضاء

لبانتهم، و بث فتنتهم، و تنفيذ خطتهم، دون أن تبدر منه أية بادرة تدل على ذلك فتفضحه و تكشف أمره، و قوله تعالي:«يقولون تخشي أن تصيبنا دائرة» ليس معناه أنهم يقولون ذلك للمؤمنين بألسنتهم معتذرين عن تقربهم إلي أعدائهم، و إلا لكانوا يقولون ما يفضحهم و يفسد تدبيرهم، ولكن معناهأنهم يعتذرون بذلك إلي أنفسهم، و يبررون به صنيعهم و

خيانتهم، فهو قول نفسي لا لفظي.

تخطيح قواهم المعنوية و تحصين المؤمنين من فتنتهم:

و قد رد الله تعاليعليهم هذا المعني الذي يدور بنفوسهم، و يحملهم على النفاق و مصانعة أهل الباطل، فبين أن الامور بيده، و أن الفتح و الفصل بين المؤمنين و الكافرين مرجو قريب، فان لم يكنفتح قريب، فأمر من عنده يترتب عليه أن يصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين، و ذ لك الأمر المذكور في الاية يحتمل أن يكون فضح المنافقين، و تبيين ما في قلوبهم، و قد وردذلك صراحة في قوله تعالى: «يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة فنبنهم بما في قلوبهم» التوبة:

«و يحلفون بالله انهم لمنكم و ما هم منكم و لكنهم قوم يفرقون، لو يجدونملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا اليه و هم يجمحون» و يومئذ لا يبقي عند أحد شك في أنهم الأخسرون خاسرين الذين أرادوا بنفاقهم كسب الفريقين، فكان عاقبة أمرهم أن خسروهماجميعاً «حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين».

و الفائدة التي يفيدها المؤمنون من ذكر ذلك، و بيان أنه متوقع الحصول للممنافقين، هي تقويتهم وتثبيتهم، و صرفهم عن الاتجاه إلي موالاة أعدائهم التماساً لهذه المعاني التي لا يلتمسها إلا مرضى القلوب، و التي لا تؤدى بحسب سنة الله إلا إلي عكس المقصود منها، و في ذلكأيضاً إرهاب للمنافقين، و زلزلة عليهم، فان المنافق إذا علم أن أمره سينكشف، و أن عاقبة السُّوآى مهما احتال، أدركته الرهبة، و أخذته الحيرة، فاضطرب، و ضعف تدبيره، و قلخطره.

هذا إلي ما في ذلك من تحذير المؤمنين من المنافقين، و الايحاء الهيم بأن يفتشوا صفوفهم، و يطهروا جماعتهم من دنسهم، و يعلموا أن وجودهم بينهم لا يفيدهم.

إلاالضرر، و لا يزيدهم إلا الخبال «لو خرجوا فيكم مازادوكم إلا خبالا و لا وضعوا خلالكم» بل إن مصانعتهم لاعداء المؤمنين هي أيضاً مصانعة كاذبة، و انهم حين يجد الجد ينكصونعنها، و يفرون منها، فانهم لا إيمان لهم و لا أمانة و لا وفاد، فضررهم على الفريقين شديد، و في ذلك تقول سورة الحشر«الم تر الى الذين نافقوا يقولون لاخوانهم الذين كفروا

من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم و لا نطيع فيكم أحدا ابداً، و ان قوتلتم لننصرنكم، و الله يشهد انهم لكاذبون، لئن أخرجوا لا يخرجون معهم، و لئن قوتلوا لاينصرونهم و لئن نصروهم ليولن الادبار ثم لا ينصرون، لانتم أشد رهبة في صدورهم من الله، ذلك بأنهم قوم لا يفقهون».

و هذا شأن النفاق و المنافقين في كل زمان و مكان، وإننا لنجد في كثير من بلاد المسلمين فريقاً حذق التزلف إلى أعداء الامة، و مرن على اتخاذ الايادى عندهم على حساب الوطن و الدين، و هم يفعلون ذلك خشية ا لدوائر، و يحسبونهحصافة و لباقة و بعد نظر، و إنما هو خيانة و نذالة و تجارة خاسرة، لا ينجح الله أصحابها، و لا يبارك فيها، بل يفضحها و يخسرها و يجعل عاقبتها البوار، و لو عقل الناس لفهموامما يرون كل يوم، و مما يشاهدون من أحداث أن ليس الأمر كله أمر تدبير بشرى، و أنه لا يكفي أن يعتمد المر على أسالب المخاتلة و المخادعة لكي ينجج في حياته، و يحصل على مآرية،فان الخداع نقد زائف إن راج بعض

الزمن، فمصيره الي الانكشاف ثم البوار، أما الاستقامة و السير على الطريق السوى فربما يكلف صاحبه صعابا ومشاق، و لكنه في النهاية إلى خير و صلاح و رضا من الله و الناس.

النداء الثامن: الارتداد لا يضر إلا صاحبه:

يأتي بعد ذلك النداء الثاني من هذه النداءات الثلاثة ـ وهو الثامن كما قلنا من نداءات السورة ـ و اتصاله بالنداء الذي قبله واضح، فانه تعالي نهي أولا عن اتخاذ اليهود و النصارى أولياء، و قرر أن من يتولاهم من المؤمنين لا يمكنأن يحتفظ مع هذا التولي بايمانه، بل يصبح بمجرده منهم، و أن المنافقين هم الدين يسارعون فيهم خشية الدوائر، فبان من ذلك أن تولي اليهود و النصارى إنما هو ارتداد عنالايمان، فجاءت الاية الثالية تتحدث عن خطورة الاترتداد على صاحبه و مقترفه، و تشير الي أن الله مستغن عنه لا يضره ارتداده شيئاً و سوف يأتي بدل من يرتد بقوم تتحقق فيهمصفات الايمان الصحيح، و الجهاد الصادق، ثم جاء بعدها آيتان أخريان تبينان أن المؤمنين ليس لهم من ولي يتولاهم و يتولونه و

رسوله و إخوانهم في الايمان و التزامأحكامه، و أن عاقبة المؤمنين إذا عرفوا ذلك و استمسكوا به هي الفلاح و الغلب، لانهم حزب الله، و حزب الله هم الغالبون.

صفات المؤمنين الثابتين:

وصف الله جل شأنههؤلاء المؤمنين الصادقين الذين أنبأنا بأنه سوف يأتي بهم مكان المرتدين عن دينه بأوصاف ستة:

أولها و ثانيها: «يحبهم و يحبونه»، و المحبة هي أسمي العلاقات التي يعرفهاأهل الحياة، و يجدر بنا أن نبسط الحديث عنها شيئاً من البسط لنعرف قيمة هذا الوصف الذي وصف الله به عباده المؤمنين، فنقول:

المحبة في الله أقوى الروابط:

إنالعلاقات التي يعرفها الناس كثيرة: علاقة الاخ بأخيه، علاقة الزوج

بزوجه، علاقة الزميل بزميله، علاقة الشريك بشريكه، علاقة الجار بجاره...الخ و هذه العلاقات كلها إنما تبقي و تثمر و تكون مصدر سعادة لاصحابها; إذا استندت الي المحبة، أما إذا تجردت منها فلا قيمة لها، و لا فائدة ترجي من ورائها، فالاخوة بدونالمحبة ما هي الا مجرد قرابة، و الزوجية بدون المحبة ما هي إلا مجرد معاشرة، و الزمالة التي لا توطدها المحبة ما هي إلا مجرد مصاحبة... و هكذا.

و المجتمع أحوج إلي علاقة«المحبة» منه إلي أية علاقة سواها، فبها تكون الطمأنينة والأستقرار، و بها يكون اليسر و التسامح، و بها يكون التراحم و التعاون و بها ـ من أجل هذا كله ـ تكون السعادة والهناءة.

ولذلك يصف لنا القرآن الكريم المجتمع السعيد، و هو مجتمع أهل الايمان بأوصفاف ترجع الي المحبة فيقول: «و المؤمنون و المؤمنات بعضهم أولياء بعض»«رحماءبينهم» «يحبون من هاجر إليهم، و لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا و يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة» «يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونابالايمان، و لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا».

و يظهر عظيم المنة على المؤمنين بنعمة المحبة و الالفة بينهم فيقول: «لو أنفقت ما في الارض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم» «واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا» أي بالمحبة و الالفة «و كنتم على شفا حفرة من النار» أي بالتعادى والتفرق «فأنقذكم منها» كما يصف لنا حال أهل النعيم في دار الخلد فيقول: «و نزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين».

هذه هي المحبة في الله بين العباد والعباد، و قد أنبأنا الصادق الامين، صلوات الله و سلامه عليه و آله، أنها من صفات المؤمنين، و أنه لاخير فيمن حرمها، فقال: «المؤمن الف مألوف و لا خير فيمن لا يألف و لايؤلف» كما أنبأنا بعظم منزلة المتحابين يوم القيامة، إذ يقول ـ و هو يعد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ـ: «و رجلان تحابا في ا لله، اجتمعا على ذلك، وتفرقا عليه».

و لننظر في نوعين آخرين من المحبة يحدثنا عنهما القرآن الكريم، و هما موضوع الوصف الأول في آيتنا التي نحن فيها: محبة العبادالله، و محبة الله للعباد.

محبة العباد لله:

فأما محبة العباد لله فهي لازم من لوازم الايمان الحق، و ليس الايمان الحق هو مجرد المعرفة و إذعان النفس، ليس هو ذلكالشعور القلبي الصامت الذي لا يتعدى الباطن إلي الظاهر، و لا يبدو شي ء من آثاره العملية التي تدل على انفعال صاحبه به، إنما المؤمن الحق هو من أدرك جمال الله و جلاله، وأدرك لطفه و إحسانه، و علم علم اليقين أنه المنعم المفيض الذي لا إنعام إلا به، و لا فيض إلا منه، ثم انفعل بهذا الادراك فأحبه، فأصبح قلبه مشغولا به، و عمله موجهاً إليه ولذته و ارتياحه في طاعته و عدم المخالفة عن أمره.

ذلك هو المحب، و ذلك هو المؤمن، و آية ذلك أن الله تعالى ذكر الكافرين و المؤمنين فجعل حبه هو العلامة المميزة بينهؤلاء و هؤلاء إذ يقول: «و من الناس من يتخذ من دون الله أمداداً يحبونهم كحب الله، و الذين آمنوا أشد حباً لله، و

ذكر الذين يتبدلون بدين الحق ما سواه ـ في آيتنا هذه ـفقال: «يايها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتى الله بقوم يحبهم و يحبونه، فوضع الحب في موضع الايمان، ثم وصف هؤلاء الذين يحبهم و يحبونه بأوصاف هي أمارات هذهالعلامة السامية القائمة بينهم و بينه، فقال: «أذلة على المؤمنين، أعزة على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله و لا يخافون لومة لائم».

و قد نعي الله على الذين يؤثرونالحياة الدنيا على الاخرة، فوصفهم بأنهم «يحبون العاجلة و يذرون وراءهم يوما ثقيلا» أى أنهم أحبوا الحياة الدنيا فآثروها، و لو أحبوا الله لآثروه، ومثل ذلك قوله تعالي:«كلا بل تحبون العالجلة و تذرون الاخرة».

وقد نفي الله الايمان عمن يوادون اعداء الله، أى يبادلونهم الحب، و لو كان بينهم من علاقات القربي، أدناها و أقواها، فقال:«لا تجد قوما يؤمنون بالله و اليوم

الاخر يوادون من حاد الله و رسوله و لو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم، و ذلك أن المؤمنالحق هو من يحب ربه، و المحب الصادق لا يحب عدو حبيبه، و مثل ذلك ما جاء في قوله تعالي نداء للمؤمنين في سورة التوبة: «يا أيها الذين آمنوا لا تتخدوا آباءكم و إخوانكمأولياء إن استحبوا الكفر على الايمان، و من يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون. قل إن كان آباؤكم و أبناؤكم و إخوانكم و أزواجكم و عشيرتكم و أموال اقتر فتموها و تجارة تخشونكسادها و مساكن ترضونها أحب إليكم من الله و رسوله و جهاد في سبيله، فتربصوا حتي يأتي الله بامره و الله لا يهدى القوم الفاسقين».

و كما نهي الله المؤمنين عن محبةأعدائه و إيثار أي شي ء من الدنيا عليه جل شأنه أوجب على المؤمنين أن يحبوا رسوله، و يحبوا أولياءه، أي الموالين له، الذين ينصرونه بنصر دينه و إعلاء كلمته، و ذلك لانمحبوب المحبوب محبوب، و رسول المحبوب محبوب، و في ذلك يقول الرسول الكريم صلوات الله وسلامه

«لا يؤمن أحدكم حتي أكون أحب إليه من أهله و ماله و ا لناس أجمعين».

محبة الله للعباد: ]القرآن لا يثبتها إلا لذوى القضائل العليا[: أمثلة،

و أما حب الله للعباد، فلم يثبته القرآن الكريم إلا لذوى الاعمال العظيمة التي تفوق في قيمتها ومنزلة العاملين بها ما سواها من جنسها، و لم ينفه إلا عن ذوى الصفات السيئة الموغلة في السوء التي من شأنها أن تشيع ا لضرر و الفساد.

فالذين يحبهم الله هم المتصفونبأمهات الأخلاق الكريمة، و منابع الفضائل النفسية، يقول الله تعالي: «إن الله يحب المحسنين» والاحسان أن أريد به الانعام على الفقراء فهو منزلة فوق الاعطاء، لان الاعطاء قد تشوبه شائبة من المن أو الاذى، أو اختيار الادني تخلصا منه، و لا يكون الاعطاء احسانا حتي ينزه عن ذلك كله، و يسمو صاحبه فيه إلي الدرجة التي يصفها الله ورسوله فيمثل: «لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبّون» «لا بتطلوا صدقاتكم بالمن والأذى» «و رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتي لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه» من كل ما يدل

على تحرى الحالة الفضلي، و إن أريد بالاحسان إتقان العمل و تجويده، فليس كل من أدى عملا يكون محسناً بمجرد أدائه، فالاداء قد يكون مجرد تخفف و إبراء ذمة، أماا حسان العمل و أداؤه كاملا متقنا، فتلك منزلة أس مي، و إنهم ليقولون: ذمة، أما إحسان العمل و أداؤه كاملا متقنا، فتلك منزلة أسمي، و إنهم ليقولون: إن الاحسان فوق العدل،إذ العدل هو التسوية، و الاحسان معني زائد عليها، فمن أدى الحق و أخذ الحق، فهو عادل، و من تجاوز عن بعض حقه، مسامحة منه و كرما، و أعطي أكثر مما عليه تفضلا، أو تلطف فيإعطائه، فهو محسن.

و كما يقال هذا في الاحسان، يقال في الصبر، إذالصبر منزلة فوق الاحتمال، لانه مجاهدة و حبس النفس عن كل ضجر أو تبرم، مع اطراد العمل و السعي وعدمالانكماش و الانكسار، و لذلك كان الصبر ينبوعا لكثير من الفضائل، و إن اختلفت أسماؤها: فالشجاعة هي الصبر على مكاره الجهاد، و الجود هو الصبر على بذل المال و المعروف، والكتمان هو الصبر على شهوة الإفاضة و الكلام، و رحابة الصدر هي الصبرعلى المثيرات و المحفظات.. و هكذا، و لهذا أثبت الله حبه

للصابرين كما أثبته للمحسنين فقال «و اللهيحب الصابرين».

ومثل هذا بقية المواضع التي أثبت الله فيها حبه لعباده، «ان الله يحب التوابين، و يحب المتطهرين» و «يحب المتقين» و «يحب المتوكلين» و «يحب المقسطين»و «يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص».. الخ.

لم ينف الله حبه إلا عن المقترفين كبائر الاثم:

بقي بعد هذا، الآيات التي نفى الله فيها حبه عن بعضعباده مثل قوله تعالى: «ان الله لا يحب المفسدين » و لا شك أن الفساد إجرام فوق العادة، و أن المفسدين أعداء المجتمع، العاملون على تقويض بنيانه، و زعزعة أمنه و اطمئنانه،فإن الذي يذنب ذنباً شخصياً يكون جرمه على نفسه، أما الذي يعيث في الارض الفساد، فجرمه على المجتمع كله، و حسبنا أن الله عزوجل يذكر الفساد و المفسدين في أخطر المناسبات،إذ يقول: «لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا» «و لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض». «و لو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات و ا لارض و من فيهن».

و نتيجة هذا المقت للفساد و المفسدين هي ما ذكره الله عز و جل في مثل قوله «إن الله لا يصلح عمل المفسدين» «زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون«فانظركيف كان عاقبة المفسدين».

و مثل هذا في بقية المواضع التي نفى الله فيها حبه عن بعض عباده «إن الله لا يحب الكافرين» و «لا يحب الفرحين» و «لا يحب من كان خواناًأثيما» و «لا يحب من كان مختالا فخورا».

و لهذا كله كان رسول الله صلي الله عليه و آله و صحبه كثيراً ما يدعو بهذا الدعاء الذي يبين لنا منزلة الحب بين العبد و ربه:«اللهم ارزقني حبك، و حب من أحبك، و حب ما يقربني إلي حبك».

و لعلنا نعرف بهذا قيمة الوصف الذي وصف الله به عباده المؤمنين في قوله «يحبهم و يحبونه» و دلالة هذا الوصفعلى المعني المقابل الذي باء به المرتدون عن دينه و شريعته، المتمردون على أمره و نهيه، الذين يطوعون لانفسهم موالاة أعداء الله، و يؤثرونها على الله و رسوله و أوليائه.

الوصفان الثالث و الرابع: «أذلة على المؤمنين، أعزة على الكافرين».

الذلة على المؤمنين، و العزة على الكافرين:

المراد بالذلة التي وصفهم بها: الليونة و اليسر والسماحة في المعاشرة و المعاملة، و المراد بالعزة. قوة البأس و شدة الشكيمة، و قد يتصف المرء بوصفين متباينين يتوجه كل منهما إلي جهة معينة في حياته، و يعبر عن هذا المعنىفي عصرنا الحاضر بتعدد الشخصية، أي أن الرجل الواحد قد تكون له شخصيتان مختلفتان بأختلاف حالتيه، فهو أحيانا هادىء وديع لين الجانب سمح متسامح، و أحيانا ثائر غضوب شديدالبأس صعب المرء، و إنما يحسن في املرء ذلك إذا كانت كل شخصية من الشخصيتين تبرز في وقتها المناسب، و تتجلى في موضعها الملائم، و شبيه مما جاء في هذه الاية قوله تعالي«أشداء على الكفار رحماء بينهم».

أصحاب الشخصيات المتعددة بتعدد الاحوال صنف ممتاز:

و أصحاب الشخصيات المختلفة التي تبرز في مواضعها الملائمة هم الصنف الممتاز

من بنى الانسان، فلا خير في امرىء خاضع ذليل طول حياته، و لا في امرىء عنيف مستكبر في جميع حالاته، و في القرآن الكريم دلالة على أن الاختيالو الفخر لا يذمان في كل حال، فالله تعالى يقول «إن الله لا يحب كل مختال فخور» و قضية هذا التعبير أن بعض الاختيال و الفخر محبوب، و لا بأس من حمل ذلك على الاختيال و الفخرفي حالة الحرب و منازلة الاقران فان ذلك مما يثير الحماسة، و يرهب الاعداء، و يوهن عزائمهم، أو كما يقولون بلغة العصر: يحطم الروح المعنوى فيهم، و قد رأينا أمم الحضاراتتهتم «بالدعاية» و ترصد لها الاموال، فتملأ ما ضغيها فخراً بتاريخها و أبطالها، و تذكر ما أعدت لاعدائها، و تقوم (بالمناورات) البرية و البحرية لتظهر أمام الناس بمظهرالقوة و المنعة، و يشمخ سفراؤها وممثلوها اظهارا لعظمتها و سمو مكانتها، و كل ذلك فخر و خيلاء ولكنه ليس بمذموم و لا مكروه.

كما أن في القرآن الكريم ما يدل على أن خفضالجناح و التذلل يحسنان من المؤمن إذا وضعا موضعهما، قال تعالى

موصيا الولد بوالديه «و اخفض لهما جناج الذل من الرحمة» و قال فيما أدب به رسوله الكريم من أدب السياسةالحكم «واخفض جناحك للمؤمنين» «فبما رحمة من الله لنت لهم و لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم و استغفر لهم و شاورهم في الامر» و كل ذلك لين و تواضع فيالموضع المناسب، وبينما يقول له في موضع آخر «يأيها النبي جاهد الكفار و المنافقين و اغلظ عليهم».

ومن هذا يتبين أن الذلة و العزة اللتين وُصِف بهما المؤمنون فيالموضعين المناسبين لهما، هما و صفا سمو و فضل، و أن ما يدل عليه ذلك مما يقابلهما من التزلف لاعداء الله باتخاذ الوسائل و الايدى عندهم، و التخابث على المؤمنين بخيانتهمو تضييع أمانتهم و نحو ذلك هي أوصاف خسة و دناءة، جدير بالمؤمنين أن يحرصوا على التخلص من أصحابها، و أن يلجأوا إلي الله في تحقيق وعده بايدالهم منهم، و الاتيان بأعوانللحق ثابتين غير متقلبين.

الوصفان الخامس و السادس: «يجاهدون في سبيل الله و لا يخافون لومة لاثم» الجهاد في سبيل الله شأن المؤمن الصادق:

والجهاد في سبيل الله، هو الجهاد لإعلاء كلمته، و نصر دينه، و سيادة شريعته، و إنما يكون ذلك من قوم ذاقوا حلاوة الايمان حقا، و أدركوا بثاقب نظرهم أنهم جنود مخلصونلربهم، و أن شكر نعمته التي أنعمها عليهم بايجادهم و أمدادهم يقتضي أن يبذلوا في سبيله مهجتهم و أموالهم و كل عزيز لديهم، و ألا يؤثروا على ذلك شيئاً مهما علا أو غلا، و أنيستعذبوا كل ما يصيبهم من المصائب و الالام غير ناكصين و لا متوانين «ذلكم بأنهم لا يصيبهم ظمأ و لا نصب و لا مخمصة في سبيل الله و لا يطأون موطئاً يغيظ الكفار و لا ينالونمن عدو نيلا كتب لهم به عمل صالح «ان الله لا يضيع أجر المحسنين. و لا ينفقون نفقة صغيرة و لا كبيرة و لا يقطعون و اديا إلا كتب لهم، ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون».

عدم المبالات باللوم شأن الواثق بفكرته:

و هم كما لا يهابون خطراً يتهددهم، لا يخافون لوما يوجه إليهم، و المؤمن بعقيدته قوى فيها، صبور عليها، لا يأبه فيها

بنقد الناقدين، و لوم اللائمين، و تثبيط المثبطين، و قد دأب الناس على أن يستفظعوا الاقدام ويعتبروه في أول الأمر طيشاً و جنونا و نزقا، و يوجهوا اللوم إلي أصحابه فيصورة الخوف علهيم، أو الشمانة بهم، أو النصح لهم، و إنما هو الخور و الجين، أو الحسد و الحقد، و لن يجدى ذلك فتيلا مع المقتنع بفكرته، المؤمن بعقيدته.

صفات متلازمةمتكافلة:

هذه هي الصفات التي وصف الله بها عباده المؤمنين الذين تأذن ليبدلنهم من المنافقين و المرتدين، و هي صفات ست إذا لاحظنا كل واحدة منها بمفردها، ثلاث إذاعرفنا أن كل صفتين متتابعتين منها متكافلتان متلازمتان تكمل إحداهما الاخرى، و يصور ان معا خلقا واحداً متميزاً، فحب الله للعباد، و حب العباد لله، و صفان في العدد،، ولكنهما متلازمان،فلا يحب الله إلا من يحبه، و لا تحب الله

إلا أحبك، و كدلك القول في الذلة على المؤمنين، و العزة على الكافرين، فإن من ذلللمؤمنين اقتضاه ذله لهم أن يترفع على أعدائهم، و يتنكر لخصومهم، و يبذل جميع عواطفه و قواة لتحقيق ذله لمن أحبهم و أخلص لهم، و الجهاد في سبيل الله إيثار لما عندالله،فلا يمكن أن بجامعه الخوف من لومة لائم، و من لا يخاف لوماً في الله، لا يقصر عن بذل روحه و ماله في سبيل الله .

ولهذا المعني جمعنا الكلام على كل صنفين في نسق واحد.

و قد بين الله بعد ذلك لعباده المؤمنين أن وليهم الحقيقي هو ا لله و رسوله و المؤمنون العاملون بدينهم، الخاشعون لربهم، فإليهم فليتجهوا، فإنهم حزب الله و من يتولاهمتولاه الله بالنجاح و الفلاح، و نصره على أعدائه نصراً و مؤزرا، «و ما النصر إلا من عندالله العزيز الحكيم».

*  *  *

النداء التاسع:

يأتي بعد ذلك النداء الثالث ـو هو التاسع من نداءات السورة ـ و هو متصل في المعنى و ا لغرض بما قبله من النهى عن اتخاذ أعداء الله أولياء، و بيان عاقبة من يرتكب هذا الوزر العظيم.

سر النهي عن موالاةالكفار و بعض أهل

الكتاب هو اتخاذهم الدين هزواً و لعبا:

يبين الله للمؤمنين في هذا النداء أنه لا ينهاهم عما نهاهم عنه من مصانعة أعدائهم تحكما أو اعتباطاً، و لكننهاهم لان هؤلاء الاعداء ينظرون إلي دينهم الذي هو مصدر قوتهم و عزتهم، و مشكاة صلاحهم و هدايتهم، نظرة الهازىء، العابث، يستوى في تلك النظرة الكفار الذين أشركوا بالله،و طائفة من أهل الكتاب، التوت عقولهم، و فسدت قلوبهم، و من مظاهر هذا الاستهزاء و اللعب أنهم كانوا إذا رأوا المؤمنين ينادون إلي الصلاة، ويقومون إليها أخذوا يسخّرونمنهم، و يقلدونهم في حركاتهم، و يخرجون هذا التقليد في صور مضحكة، تنفيراً منها، و صرفا عنها.

مثل من الماضي:

وقد بقي هذا المعني فيأعداء الإسلام حتى قال شاعر نصرانى في عهد بنى أمية وملوك الإسلام ملوك بزعمهم كما يقول ابن رشيق في كتابه العمدة ـ :




  • و لست بصائم رمضان طوعا
    و لست بزاجر عنسا بكوراً
    و لست مناديا أبداً بليل
    و لكني سأشربها شمولاً
    و أسجد قبلمنبلج الصباح



  • و لست بآكل لحمالاضاحي
    إلي بطحاء مكة للنجاح
    كمثل الحير: حيّ على الفلاح
    و أسجد قبلمنبلج الصباح
    و أسجد قبلمنبلج الصباح



فهو يسخّر من صوم رمضان، و من لحم الاضاحي و من الحج، و من المؤذن الفجر، و يصوره بأنه يصيح كما يصيح العير، و مع هذا كان أحد الخلفاء يتخذه شاعراً له وويغدق عليه من أموال المسلمين، و يواده، و هو يحاد الله و رسوله.

مثل من الحاضر:

ثم امتد الضعف و التساهل بالمسلمين إلي ما بعد ذلك من عصور، فكان منهم من يخالفأعداءهم، و يحارب إخوانه في صفوفهم، و يفضى بأسرار أمته إليهم، يتخذ بذلك الايادى عندهم، و يتقى الدوائر أن تصيبه، و يؤمن حاضره و مستقبله كما يزعم، و قد وجدنا في عصرناالحاضر من يقف مع فرنسا على أهل وطنه و ملته في مراكش الجريحة، و من يستحل سفك دماء عشيرته و قومه في سبيل إرضاء المستعمر، و لا يخاف في ذلك لومة لائم.

عزة المسلمين فيالعمل بالاسلام:

أما و الله لو حفظ المسلمون على الإسلام عزته، و صانوا كرامته، و عملوا بما أرشدهم إليه ربهم، لما ساءت حالهم، و لما ضاعت هيبتهم، و ينبغي ألا نيأس، وأن نعمل على تطهير أنفسنا، و تقوية روحنا، والتطلع إلي مثل ما وعد به سلفنا «فسوف يأتي الله بقوم يحبهم و يحبونه، أذلة على المؤمنين، أعزة على الكافرين، يجاهدون في سبيلالله و لا يخافون لومة لائم، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء و الله واسع عليم».

خواطر من الذاكرة

لحضرة صاحب الفضيلة الاستاذ الاكبر الشيخعبدالمجيد سليم

وكيل جماعة التقريب

لفضيلة الاستاذ الاكبر شيخ الإسلام الشيخ عبدالمجيد سليم، مجالس حافه يحضرها خاصة أهل العلم و الرأي، و الحديث فيها ذوشجون، فإذا عرضت مسألة من مسائل الشريعة، في الفقه: أو الكلام، أو الاصول، أو التفسير، أو غير ذلك، لمعت من الشيخ الاكبر عينان تشعان ذكاء وألمغية، و بدت على جبهته أساريرإنما هي موجات تنقل العلم الصحيح و الرأي السديد عن قلب قوى له حماسة الشباب، و عمق الشيخوخة، و نفاذ البصيرة، و عزارة التحصيل، فما

يلبث الخفي من وجوه المسألة أنيسفر واضحاً مبينا يملأ القلوب كما يملأ الاسماع

و هذا طرف من حديث لفضيلته، وعيته عنه في مجلس من مجالسه، و رأيت أن أنقله لقراء (رسالة الإسلام) لما فيه من الفوائدالتي تهم أهل العلم عامة، و لا سيما المشتغلين بتحقيق فكرة «التقريب»، و قد عرضت عليه ما كتبت فوافق عليه، و أذن بنشره:

(رئيس التحرير)

*  *  *

قال ـ بارك الله للمسلمين في حياته:

من المعروف أن الشريعة الاسلامية، جاءت بنوعين من الاحكام:

(1)نوع قطعي ليس موضع اجتهاد، و لا محل خلاف، و لابسوع للمسلمين

أن يتفرقوا فيه، و ذلك كالعقائد الواجبة، و ما ثبت من الاحكام العمليةبالتواتر، و ما دلت عليه النصوص دلالة ظاهرة بحيث لا يحتمل النص غيرها.

فالعقائد مثل اتصاف الله بكل كمال، و تنزهه عن كل نقص، و أنه تعالي أرسلَ رسلا، و أنزل كتباً و أنالبعث حق، و الحساب يوم القيامة حق، و الجنة حق، و النار حق، إلي غير ذلك.

والاحكام العملية مثل الصلوات الخمس في اليوم و الليلة، و عدد الركعات فيها، و صوم رمضان، و حجالبيت الحرام.. الخ

(ب) و نوع ظني هو موضع النظر و الاجتهاد و اختلاف الفقهاء أو المتكلمين، من كل ما لم يرد فيه من الشرع دليل يفيد اليقين، و ليس للعقل فيه حكم واجب حتم،و ذلك كاختلاف الصحابة و غيرهم في مثل العول و الكلالة و سكنى المبتوتة، و عدة الحامل المتوفي عنها زوجها، و كالاختلاف في المسح بالرأس المجزى ء في الوضوء و في قراءة

المؤتم، و في وقوع الطلاق الثلاث بلفظ واحد ثلاثا أو واحدة، و نحو ذلك، و كأختلاف المتكلمين في وجوب شيء على ا لله أو عدم وجوب شيء، و في جواز تعذيب المطيع و العفو عنالمسىء أو عدم جواز ذلك في حقه تعالى، و في أن صفات الله جل شأنه هي عين ذاته أو غيرها.. الخ

*  *  *

ومما يتصل بالنوع الثاني من الاحكام اختلافهم في المسألة الاصولية المعروفة: هل كل مجتهد مصيب؟ فمن العلماء من يجيب على هذا السؤال بنعم، على معني أن حكم الله فيالمسألة المجتهد فيها هو ما يصل إليه المجتهد بعد استفراغ الوسع في طلب معرفته، أو بعبارة أخرى، ان المجتهد مكلف العمل بما وصل إليه بعد اجتهاده، و هو حكم الله في حقه و حقمن قلده، و هذا معني اتصافهم جميعاً بالاصابة، كأن الله تعالي لم يعين حكماً بذاته في المسألة المُجْتَهِد فيها، و إنما الحكم هو ما يؤدى إليه اجتهاد المجتهد.

هذا رأي لبعض العلماء، و لا أراه سديداً، إنما الرأي السديد ما عليه جمهور العلماء من أن الحق و احد، و حكم الله في كل مسألة معينة، و قد نصب الله الدليلالذي يدل عليه، فمن المجتهدين من يصل إليه و يصيبه، فهو ا لذى يوصف بأنه مصيب، و منهم من لا يصل إليه، بل يظن غيره، فهو مخطىء. و لكنه معذور في خطئه، مغفور له هذا الخطأمادام قد بذل جهده في تعرف الحق غير متبع هواه و لا مقصر في استكمال وسائل النظر و الحكم، بل ورد الخبر الصحيح بأن المخطىء مثاب كالمصيب، غير أن المخطي ء له أجر واحد علىاجتهاده و بذله الواسع، و المصيب له أجران، أجر على ا جتهاده، و أجر لاصابته.

ثم نظر فضيلة الاستاذ الاكبر إلي و قال:

وليس المقام الآن مقام تحقيق ذلك، و بيان مااستدل به كل فريق على ماصار اليه، و معرفة الراجح منهما، لكن يمكن أن نستخلص من هذا العرض الوجيز بعض الفوائد التي لعلها تناسب فكرة التقريب:

أولا:أن كل فريق من هذينالفريقين، يرى المجتهد مأجوراً فضلا عن أن يكون خطؤه معفواً عنه، فاذا علم أتباع المذاهب الفقيهة أو الكلامية ذلك، لم يكن لهم بد من احترام بعضهم بعضا، و الترفع عنالاحتفاظ بالضغائن و الاحقاد التي تكون عادة بين المختلفين الذين لا يعذر بعضهم بعضا، و لا يقدر بعضهم اخلاص بعض و رغبته في الوصول إلى الحق، و هذه السماحة هي الخلق الذيكان يتصف به الائمة أنفسهم، فلم يعرف عن أحد منهم أنه طعن صاحبه، أو اثمه، أو نقصه حقه، أو حاول أن يقطع ما بينه و بينه من صلة الاخوة في الدين و العلم.

ثانياً: إن كلواحد من الفريقين يفتح المجال للنظر و الاجتهاد و بذل الوسع في معرفة الحق، و الاعتماد على الدليل و الحجة و ما يولد العلم أو الظن الراجح، فليس المرجع في حكم من الاحكام،أو رأى من الاراء، إلى أنه مذهب فلان

أو فلان، ولكن إلي حظه من الدليل و البرهان. أما أهل التقليد، فليس لاحد أن يلزمهم بمذهب إمام معين لايحيدون عنه، فالكل في حقهم سواء.

ثالثاً: قد علمنا من استقراء أحكام المذاهب الفقيهة، و آراء الفرق الكلامية، أن في كل منها خطأ و صوابا، ولم نعلم مذهبا من المذاهبالاسلامية المعتبرة خطأ كله أو صوابا كله، و إذا كان الأمر كذلك، فلا ينبغي أن تطغي العصيبة المذهبية على المسلمين، و لا ينبغي أن يكون هم الحنفي مثلا هو الانتصار لكل ماجاء في مذهب الحنفية، و لا أن يكون هم الامامي أو الزيدى هو الانتصار و التعصب لكل ما جاء به الامامية أو الزيدية.. و هكذا.

بل الواجب على المسلمين أن يأخذوا بما ظهربالبرهان صوابه، و أن يكون قصاراهم الرغبة الصادقة في الوصول إلى الحق دون أن يقيموا و زنا لما سوى الحق، بذلك يصبحون فعلا أمة واحدة، و يصبح الخلاف الفقهي و الكلامي والنظرىفي محيطهم وسيلة من وسائل القوة العلمية و السعة الفكرية، و يتفرغون لما هو أولى بهم من التعاون على نصرة الدين و إصلاح حال المسلمين، و تبليغ كلمة الله واضحة قويةإلي الناس أجمعين.

والله يقول الحق و هو يهدى السبيل؟

/ 1