تفسیر القرآن الکریم؛ سورة التوبة (1) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تفسیر القرآن الکریم؛ سورة التوبة (1) - نسخه متنی

محمود الشلتوت

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

تفسير القرآن الكريم

لحضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ محمود شلتوت

شيخ الجامع الأزهر

سورة التوبة

ـ 1 ـ


تذكير بموضوعات السور السابقة ـ سورة التوبة ـ هدفان أصليان ـ قانون الإسلام في معاملة المشركين وأهل الكتاب ـ شرح نفسيات القوم عند غزوة تبوك ـ مهمتهاالتاريخية مع الأنفال وحكمة اقترانهما ـ مراحل الدعوة والجهاد السابقة ـ الدعوة بمكة ـ الهجرة ـ حالة الحرب بين المسلمين والمشركين ـ غزوة بدر ـ غزوة أحد ـ غزوة الأحزابـ صلح الحديبية ـ فتح مكة ـ غزوة ثقيف وهوازن ـ اليهود بالمدينة ـ الروم ـ المنافقون ـ سورة التوبة ترسم الطريق.

تذكير بموضوعات السور السابقة:

تحدثنا فيما سبق عنسورة الفاتحة، وهي سورة مكية، وبينا وجه تسميتها بأم الكتاب، من انها اشتملت إجمالا على كل ما فصل في القرآن الكريم من عقائد وعبادة ونظام للحياة وترغيب وترهيب، ثمتحدثنا عن سور: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، وكلهن من السور المدنية التي عالجت شئون المسلمين بعد أن تركزت لهم ـ بهجرتهم إلى المدينة ـ وحدة مستقلة، لهاشعارها الخاص في العقيدة والعبادة، ولها منهاجها الخاص في الحياة، وبعد أن صار لهم بذلك جوار جديد غير جوارهم الذي كان لهم بمكة، ومن ذلك عنيت هذه السور على وجه عامببيان.

الأحكام التي اختارها الله للمسلمين في عباداتهم ومعاملاتهم فيما بينهم بعضهم مع بعض وفيما بينهم وبين غيرهم ممن لا يدينون بدينهم، وعنيت علىوجه خاص ببيان الحق فيما كان بينهم وبين أهل الكتاب من اليهود والنصارى من خلاف في مسائل الألوهية، ورسالة محمد، وحلال الأطعمة وحرامها.

ثم تحدثنا عن سورتي: الأنعاموالأعراف، وهما أطول السور المكية في القرآن الكريم، عالج الله فيهما أصول الدعوة الإسلامية بالبراهين العقلية والوجدانية والتذكير بعاقبة الأمم التي كذبت رسلهاوأعرضت عن دعوتهم، والتذكير باليوم الآخر وما أعد فيه للمصدقين والمكذبين من ثواب وعقاب.

ثم تحدثنا عن سورة الإنفال، وهي سورة مدنية عرضت لأول غزوة من غزوات النبيصلى الله عليه وآله وسلم للمشركين، وهي غزوة بدر، وبهذه المناسبة أرشدت إلى ما تستدعيه حالة الحرب من أحكام تتعلق بنفس القتال، والإعداد له، كما عرضت لأحكام الغنائموالأسرى، وربطت بين المؤمنين على اختلاف ألوانهم بولاية الإيمان، كما ربطت بين الكفار بولاية الكفر، وقطعت بذلك ما بين المؤمنين والكفار من موالاة ' إن الذين آمنواوهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض '، ' والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير '.

سورة التوبة:

وهذه ' سورة التوبة ' وهي السورة التاسعة في الترتيب المصحفي، وهي من السور المدنية، وقد نزلت في أواخر السنة التاسعة، والسنة التاسعة هي السنة التيخرج فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمسلمين إلى تبوك بقصد غزو الروم، وخرج في أواخرها أبو بكر على رأس المسلمين لحج بيت الله الحرام.

هدفان أصليان:

وقد كانللسورة بحكم هذين الحادثين العظيمين في تاريخ الدولة الإسلامية، هدفان أصليان:

قانون الإسلام في معاملة المشركين وأهل الكتاب:

أحدهما تحديدالروح المعنوي، أو القانون الأساسي الذي تشاد عليه دولة الإسلام، وذلك بالتصفية النهائية بين المسلمين ومشركي العرب بإلغاء معاهداتهم، ومنعهم من الحج، وتأكيد قطعالولاية بينهم وبين المسلمين، وبوضع الأساس في قبول بقاء أهل الكتاب في جزيرة العرب، وإباحة التعامل معهم.

شرح نفسيات القوم عند غزوة تبوك:

ثانيهما: إظهار ما كانتعليه نفوس أتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما استنفرهم ودعاهم إلى غزوة الروم، وفي هذه الدائرة تحدثت السورة عن المتثاقلين منهم والمتخلفين والمثبّطين، وكشفتالغطاء عن فتن المنافقين وما انطوت عليه قلوبهم من أحقاد، وما قاموا به من أساليب النفاق وألوانه.

وقد عرضت السورة من أولها للهدف الأول، واستغرق ذلك إلى الآيةالسابعة والثلاثين منها، ففي نبذ عهود المشركين وبيان أسباب ذلك النبذ، وما يجب على المسلمين بعد إعلانهم به جاء قوله تعالى: ' براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم منالمشركين ' الآية الأولى إلى الآية الثامنة والعشرين. ' يأيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله منفضله إن شاء '.

وفي تحديد الأساس الذي تبنى عليه علاقة المسلمين بأهل الكتاب جاء قوله تعالى: ' قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم اللهورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ' الآية التاسعة والعشرون إلى الآية الرابعة والثلاثين ' يأيها الذين آمنوا إن كثيراًمن الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله '.

وعرضت السورة للهدف الثاني: شرح نفسيات المسلمين بمناسبة موقفهم من دعوة الرسول إلى غزو الروموالخروج إلى تبوك ابتداء من قوله تعالى: ' يأيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم

بالحياة الدنيا منالآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل ' الآية الثامنة والثلاثون إلى الآية السابعة والعشرين بعد المائة في أواخر السورة ' وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلىبعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون '.

ثم يكون ختام السورة بهاتين الآيتين: ' لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكمبالمؤمنين رؤوف رحيم فان تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم '.

هذان هما الهدفان الأصليان اللذان استدعيا نزول ' سورة التوبة ' وقد عرضتالسورة في تضاعيف الحديث عنهما إلى بيان كثير من الأحكام والإرشادات التي تحتاج إليها الدولة الناشئة الغنية في علاقاتها الخارجية مع غيرها، وعلاقاتها الداخلية فيمابين أفرادها بعضهم مع بعض، وفيما بينها وبينهم.

مهمتها التاريخية مع الأنفال وحكمة اقترانهما:

والواقع أن سورة التوبة في الوقت الذي ترشدنا فيه إلى هذه الأحكاموتلك الأسس التي لابد منها للمسلمين في حفظ كيانهم الداخلي والخارجي من حربي واجتماعي ـ تعطينا في الوقت نفسه مع سورة الأنفال ما يشبه أن يكون صورة تاريخية مجملة لدعوةالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وجهاده، إلى أن أقر الله عينه بثمرة ذلك الجهاد وتبليغ تلك الدعوة.

ومن اليسير أن نقرأ سورة الأنفال فنرى أنها تضع أولا الأوصاف التيبها تتحقق إجابة الدعوة، ثم تشير إلى حالتهم قبل الهجرة ' واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض، تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكمتشكرون ' ثم تشير إلى تدبيرهم الذي كان سبباً مباشراً للهجرة ' وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ' ثم تذكر غزوةبدر وما بدا من اليهود في نقض العهود ' وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء ' ومن المنافقين في التهكم بخروج المؤمنين إلى بدر مع قلتهم ' إذ يقول المنافقون والذينفي قلوبهم مرض غرَّ هؤلاء دينهم '.

وبينما نرى سورة الأنفال تشير إلى هذه الأحداث الأولى، نرى سورة التوبة تشير إلى مشاهد وتخص منها يوم حنين بالذكر 'لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين …الآيات ' كما تذكر صراحة حادث الهجرة ' إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في ا لغار إذ يقوللصاحبه لا تحزن إن الله معنا ' الآية، ثم تصف مواقف المشركين وأهل الكتاب، وتصف بالتفصيل مواقف المنافقين، وتذكر غزوة تبوك التي ترشد إلى واقعة مؤتة، هذه الواقعة التيتذكر بعهد كتب الدعوة التي وجهها النبي إلى الملوك بعد صلح الحديبية.

ولعل قيام السورتين بالإرشاد إلى هذه المراحل كان هو الحكمة في وضعهما مقترنين في الترتيبالمصحفي، ولعل قيام سورة التوبة بمهمة التصفية النهائية بين المؤمنين والطوائف المعارضة مع وضع أسس الحياة الفاضلة العزيزة للمسلمين يحقق أنها آخر سورة أحكامية نزلت منالقرآن الكريم، وأنه لم ينزل بعدها سورة كاملة إلا سورة النصر التي سجلت نصر الله لعباده، وأوجبت عليهم تسبيحه بحمده ' إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دينالله أفواجاً فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً '.

وقد صح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يلبث بعد نزولها إلا قليلاً حتى التحق بالرفيق الأعلى مطمئناً قلبه،طيبة نفسه بما أدى من رسالة، وبما قام من دعوة وجهاد.

مراحل الدعوة والجهاد السابقة:

ولمعرفة الوضع التاريخي الذي نزلت في جوه سورة التوبة والذي يعين على فهمالمقصود منها، نرى أن نعرض سراعاً للمراحل العملية للدعوة والجهاد من وقت بعثة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى الوقت الذي نزلت فيه، ولنعرف منها كيف تدرجت حالةالمسلمين إلى ما يستدعي هذا العلاج الذي قامت به تلك السورة، ووضعت أحكامه ومبادئه فيما يختص بالأساس النهائي الذي يستقر عليه الأمر في معاملة المشركين وأهل الكتاب فيجزيرة العرب، وفيما يختص بالتنبه واليقظة بالنسبة لما يتخلل الدولة من عناصر التخذيل والنفاق في كل وقت وفي كل مكان.

الدعوة بمكة:

بدأ النبي صلىالله عليه وآله وسلم دعوته في مكة بأنه رسول الله، يدعو الناس إلى الإيمان بالله واليوم الأخر، والعدل والإحسان وسائر العمل الصالح، وقد تدرج في دعوته من السرية إلىالجهرية فقابله قومه بالإنكار، وساوموه على ترك العبادة بما يطيب له، ثم انتقلوا معه إلى العنف والاضطهاد، وقد دوّن التاريخ من حوادث التعذيب والإيذاء له ولمن لبى دعوتهما تقشعر من ذكره الجلود، وظل بمكة ثلاثة عشرة سنة يعاني فيها هو وصحبه ما يعاني من ألوان العذاب وصور التنكيل.

الهجرة:

وأخيرا اعتزموا قتله بطريقة تفرق دمه فيالقبائل، فهيأ الله سبيل الهجرة إلى المدينة التي انتقلت دعوته إليها بواسطة الوفود، وأخذت تسري في القلوب بما تحمل من جلال وجمال، حتى كونت لها من شباب المدينة أنصاراًأرباب قوة وفتوة، عاهدوا الرسول على الموت في سبيل نصرته، ونشر دعوته، وبهذه الهجرة سَقِط في أيدي المشركين وتضاعف حقدهم على محمد وأصحابه الذين نجوا من الفتك بهم بعد أنهيئوا فرصته واتخذوا عدته.

سُقِط في أيديهم، وطاشت عقولهم، وأخذوا يبعثون عيونهم للتجسس على محمد وأصحابه، ومعرفة ما عساه أن يكون منهم بعد أن خرجوا من مكة والتقوا معأنصارهم بالمدينة، وبذلك صار شأن محمد شغلهم الشاغل الذي لا ينامون عنه ولا يطمئنون إليه، وبخاصة حينما علموا أنه استقر بالمدينة التي تأخذ عليهم طريقهم بأموالهم إلىالشام.

هاجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يكن في مكة طالب سلطان وملك حتى يكتفي بسلطان المدينة وملكها، وإنما كان صاحب الدعوة الإلهية العامة التي تهدف ـ من أولرسول بعثه الله إلى خلقه ـ إلى إقرار توحيد الله القلوب، والقضاء على الشرك، وتركيز عناصر الخير والعدل بين الناس جميعاً.

هاجر إلى المدينة وهذه دعوته، فتلقاه أنصاربايعوه على النصرة، وعلى السمع والطاعة، وترك هو وأصحابه ديارهم وأموالهم ابتغاء مرضاة الله بنشر دعوته على

عباد الله، وخلفوا في مكة بين المشركينأرباب القلوب القاسية، إخواناً ملأ الإيمان قلوبهم، ولكن قعد بهم ضعفهم المادي عن الهجرة مع إخوانهم في الله، حتى صارت دعوتهم الوحيدة: ' ربنا أخرجنا من هذه القريةالظالم أهلها وأجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً '.

حالة الحرب بين المسلمين والمشركين:

وبحكم هذا الوضع لا يمكن أن تكون الحالة بينه وبين مشركيالعرب إلا حالة الحرب وتربص، لا يألو فيها أحد الطرفين جهده عن الفتك بصاحبه والقضاء عليه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.

ومن هنا نشأت تحرشات واستطلاعات وتكتلات جزئية،هي أشبه في وقتنا الحاضر بالكتائب التي تبعث لأغراض خاصة ليس من مهمتها أن تشتبك في حرب حقيقية مع العدو.

غزوة بدر:

وظل الأمر كذلك حتى هيأ الله بهذه المناوشاتللمسلمين في السنة الثانية من الهجرة غزوة بدر التي زلزلت عناصر الشرك، ووضعت حجر الأساس في بناء الدولة الإسلامية، وقد نزلت في هذه الغزوة أول سور الغزوات، وهي سورةالأنفال التي تلتها مباشرة في الترتيب المصحفي ' سورة التوبة ' التي تضمنت ـ كما قلنا ـ إعلان آخر الأمر، وبذلك جاءت السورتان المتواليتان تصوران ـ كما قلنا ـ مبدأ عزةالمسلمين، وإقرار عناصر تلك العزة.

غزوة أحد:

وبغزوة بدر استمرت رحى الحرب دائرة بين المشركين والمسلمين، وكان من أهم الوقائع بعدها غزوة أحد التي أوقد المشركوننارها في السنة الثالثة أخذاً بثأر بدر، وقد ابتلى الله فيها المؤمنين، وألقى عليهم بها درساً نافعاً في حروبهم التالية، وبهذا الاعتبار كانت نصراً في معناها، وأن كانتهزيمة في صورتها، وقد تحدثت عن هذه الغزوة سورة ' آل عمران ' اقرأ فيها قوله تعالى: ' ولقد صدقكم الله وعده

إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم فيالأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة، ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين ' الآيات إلى قولهتعالى: ' إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور الحليم ' والى قوله تعالى: ' وما أصابكم يوم التقىالجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين، وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا: لو نعلم قتالا لاتبعناكم، هم للكفر يومئذ أقرب منهمللإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون، الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا، قل فادرؤا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين، ولا حسبنالذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون '.

غزوة الأحزاب:

ومرت السنة الرابعة وجاءت بعدها السنة الخامسة، وفيها تحالف مع قريش عدة قبائل منالمشركين وبعض طوائف اليهود على حرب رسول الله، وكانت غزوة الأحزاب ' أو ' غزوة الخندق ' وقد جاء الحديث عنها في سورة من القرآن تعرف بسورة ' الأحزاب ' ومما جاء فيها تصويراًلنعمة الله على المسلمين بالإنقاذ ورد كيد الأعداء في نحورهم قوله تعالى: ' يأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لمتروها وكان الله بما تعلمون بصيراً إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا، هنا لك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاشديداً '.

وقوله تعالى: ' وردَّ الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خير وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزاً، وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب منصياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقاً تقتلون وتأسرون فريقاً، وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضاً لم تطئوها وكان الله على كل شيء قديراً '.

صلح الحديبية:

وممايروى في هذا المقام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في نهاية تلك

الغزوة: ' لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا ' وقد كان ذلك من نور النبوة الذي كانيخبر به عليه الصلاة والسلام عن أحداث المستقبل، فقد جاءت السنة السادسة تحمل في جوفها صلح الحديبية، وذلك حينما قصد النبي ومعه المسلمون مكة لأداء العمرة، فمنعهمالمشركون من دخولها، ودارت بين الفريقين مفاوضات انتهت بالصلح على وضع الحرب بين المسلمين والمشركين عشر سنوات، وبشروط: أن يرد المسلمون إلى قريش من يجئ منهم مسلماً دونأن يلزم المشركون برد من يجيئهم من المسلمين وأن يرجع المسلمون عن دخلو مكة في هذا العام إلى العام المقبل، وأن من أراد أن يدخل في عهد أحد الطرفين من العرب دخل فيه، فدخلتبهذا الشرط خزاعة في عهد الرسول، ودخلت بكر في عهد قريش، وعلى هذه الشروط رجع المسلمون وفي قلوبهم ما فيها من قسوة هذه الشروط عليهم، ولكن الله قد شرح صدورهم وطمأنهم علىمستقبلهم، وأنزل عليهم في هذا الصلح ' سورة الفتح ' ' إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً ' وقال أبوبكر رضي الله تعالى عنه: ' ما كان فتح في الإسلام أعظم من فتح الحديبية، ولكن الناس قصر رأيهم عما كان بين محمد وربه، والعباد يعجلون، والله لا يعجل لعجلة العباد حتى تبلغالأمور ما أراد '.

ومضت السنة السابعة، وقضى المسلمون فيها العمرة وطافوا بالبيت آمنين محلقين رءوسهم ومقصرين، وبذلك تحققت رؤياه عليه الصلاة والسلام، وعرف المؤمنوننعمة الله عليهم ' لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً'.

فتح مكة:

وما كادت تنتهي السنة الثامنة حتى عدا البكريون حلفاء قريش على الخزاعيين حلفاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، واستعانوا في حربهم بأوليائهم من قريش،فأمدتهم قريش سراً بالعدة والرجال، وهنا استنجد الخزاعيون حلف رسول الله، رأى الرسول أن ذلك من قريش نقض للعهد، وبذلك عادت حالة الحرب بينهم وبين المسلمين، فجهز النبيجيشه، وأخذ عدته لفتح مكة، وفي زلة حاطب بن بلتعة

قبل خروج الجيش من المدينة، وقد بعث بخطاب إلى قريش مع ظعينة مسافرة إليهم يخبرهم بما أجمع عليهالنبي أمره من نجدة الخزاعيين وفتح مكة.... نزل أول سورة الممتحنة ' يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحقيخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم أن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضلسواء السبيل '.

غزوة ثقيف وهوازن:

وبفتح مكة تقلمت أظفار الشرك، وخضعت قريش لمحمد وأصحابه، ولكن لا يزال للشرك في جزيرة العرب دعاة وأنصار تتزعمهم ثقيف وهوازن منقبائل العرب، هالهم أن يفتح محمد مكة، وخشوا عاقبة ذلك على أنفسهم، وعقدوا أمرهم بينهم على غزو المسلمين قبل أن يغزوهم، وجمعوا لهم من كل صوب، فخرج النبي إليهم بجيش جرارفيه ألفان من أهل مكة حتى وصل حنينا ' وادياً قريباً من الطائف ' وقد داخل بعض جيش المسلمين شئ من الغرور بكثرة عددهم فأصيب بهزيمة ثبت فيها الرسول، شأنه في كل المواقعالحربية، وثبت معه بعض الأنصار والمهاجرين، وأخذ النبي يسترد بقوته الروحية جماعة المنهزمين، وحملوا على الأعداء حملة واحدة تفرق بها المشركون شذر مذر، وتم النصرلأولياء الله، وفي ذلك يقول الله تعالى في سورة التوبة: ' لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثموليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين، وأنزل جنوداً لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين، ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفوررحيم '.

وبالقضاء على ثقيف ومن معهم من هوازن في غزوة الطائف التي أعقبت غزوة حنين هذه، تمت الكلمة في جزيرة العرب لدين الله.

اليهود بالمدينة:

هذا هو وضعالمشركين بالنسبة لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه من وقت

البعثة إلى وقت الفتح الأكبر، بل إلى ما بعده، كما أرشدت إليه حوادث ما بعد الفتح وهوـ كما قلنا ـ وضع المحاربين الناكثين، الشامتين، والعاملين على هزيمتهم في كل وقت وبكل مناسبة.

وإذا كان هذا هو وضع المشركين بالنسبة لمحمد وأصحابه، فقد كان وضع أهلالكتاب بالنسبة للمؤمنين من يوم أن استقرت أقدامهم في المدينة لا يقل عن وضع المشركين إن لم يكن أشد منه ظلماً وأعظم طغياناً وأبعد خيانة.

فقد عاهدهم النبي صلى اللهعليه وآله وسلم من يوم أن دخل المدينة على حرية التدين، وعلى الأمن والاستقرار، وعلى أن لا يعينوا عليه عدوا، ولكن ما لبثوا أن نقضوا العهد، وظاهروا المشركين في حروبهمللنبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان بنو قينقاع أول طائفة منهم نقضت العهد، وأظهرت البغي والعدوان بانتهاك حرمة سيدة مسلمة من نساء الأنصار، كان ذلك في السنة الثانية عقبغزوة بدر، ونزل فيهم قوله تعالى من سورة الأنفال: ' وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء أن الله لا يحب الخائنين '.

فدعا النبي رؤساءهم وحذرهم عاقبة البغي إناستمروا، فقالوا يا محمد: ' لا يغرنك ما لقيت من قومك، فإنهم قوم لا علم لهم بالحرب، ولو لقيتنا لعلمت أننا نحن الناس ' وقد تشبث بحلفهم ابن أبي وقال: ' إني رجل أخشى الدوائر 'وفي تحذير المسلمين عن مثل صنيع ابن ابي نزل قوله تعالى في سورة المائدة: ' يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهمإن الله لا يهدي القوم الظالمين، فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى ان تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا فيأنفسهم نادمين ' وقد انتهى أمر حصارهم بجلائهم إلى أذرعات ' قرية بالشام ' كما انتهى أمرهم بالهلاك العام.

ثم تلا بني قينقاع في نقض العهد بنو النضير حينما دبروا اغتيالالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو في ديارهم، فطلب منهم الرسول الجلاء عن المدينة، كما جلا عنها بنو قينقاع، وقد أرسل إليهم ابن أبي يشجعهم على البقاء، فنزلوا على وعده،

وأبوا أن يخرجوا حتى دهمهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشتت شملهم، كان ذلك في ربيع الأول من السنة الرابعة، وقد نزلت فيهم ' سورة الحشر ' وذلك حيثيقول الله تعالى: ' هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر، ما ظننتم أن يخرجوا، وظنوا أنهم ما نعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبواوقذف في قلوبهم الرعب، يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولى الأبصار، ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار '.

كما تناولت السورة موقف ابن أبي منهم ونكوصه على عقبيه، ومثلته بالشيطان ' إذ قال للإنسان أكفر فلما كفر قال إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين '.

وصنع مثل صنيعهؤلاء وهؤلاء بنو قريظة، وقد قبلوا حكم سيدهم سعد ابن معاذ فيهم، فحكم بقتلهم، وهكذا تتبع المسلمون بقية اليهود في الجزيرة حتى أبادوا منهم من أبادوا، وشتتوا من شتتوا،وبذلك نكست في جزيرة العرب راية اليهود، كما نكست فيها راية المشركين.

الروم:

وبعد ذلك توجه المسلمون للقصاص من الروم، إذ قتلوا الرسول الذي أرسله النبي صلى اللهعليه وآله وسلم بكتاب إلى ملك الروم يدعوه به إلى الإسلام، ويحمله ـ إن تولى ـ إثم الرعية.

فجهز النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنفذه إليهم، وكانت موقعة حامية هيموقعة ' مؤتة بالشام ' استشهد فيها ثلاثة من قواد المسلمين، ولولا مكيدة حربية ألهم الله بها خالد بن الولد ما نجا من الجيش أحد، وكان ذلك في السنة الثامنة قبل فتح مكة، كماكانت هذه الغزوة أول الغزوات بين المسلمين والروم.

وفي السنة التاسعة تتابعت الأخبار بأن الروم جمعوا للمسلمين الجموع واعتزموا غزوهم، فتجهز النبي صلى الله عليهوآله وسلم وخرج بجيشه قبل أن يفاجئوه في بلده، ولما وصل إلى ' تبوك ' وجدهم قد عدلوا عن فكرتهم، فأقام هناك عدة أيام عاهد فيها بعض الأمراء، بقصد تأمين الحدود بينه وبينالروم.

ثم عاد إلى المدينة وهو يفكر في أمر الروم اعتقاداً منه أنهم لا يعدلون عن غزو المسلمين، فجهز الجيش الذي أنفذه من بعده صلى الله عليه وآلهوسلم خليفته الأول أبو بكر رضي الله عنه.

المنافقون:

وقد منيت الدعوة بجانب هؤلاء وهؤلاء بطائفة ثالثة فاحت رائحتها الكريهة عقب أن استقرت قدم النبي صلى اللهعليه وآله وسلم وأصحابه بالمدينة، وهم المنافقون فقد استجاب لدعوته من أهلها من لم تكن لهم مصلحة دنيوية تحجب عن بصائرهم نور الإسلام، أما الذين لهم هذه المصالح فقدتظاهروا بالدخول في الإسلام، وكانوا نواة لجماعة المنافقين، وظل الخوف على هذه المصالح يشعل نار الحقد في قلوبهم، حتى بدا ذلك في ميولهم إلى المشركين لأول موقعة حربية،وهي غزوة بدر، وقد أشارت سورة الأنفال إلى ذلك حيث تقول: ' إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم ' تهكموا من أن يخرجالمؤمنون مع قلتهم وضعف عدتهم إلى المشركين مع كثرتهم في العدد والعدد، ثم توالت الوقائع بين المسلمين والكفار مشركين وأهل كتاب، ولم يترك المنافقون فيها فرصة يلحقونفيها الأذى بالمسلمين إلا انتهزوها، كما لم يفتهم أن يكون لهم مع الكفار ضد المسلمين ضلع في كل موقعة منها، فكان لهم مع المسلمين شأن عام يثيرون به الفتن عليهم، وكان لهمشأن خاص وأي شأن في غزوة أحد، وتحدثت عنهم فيه سورة آل عمران، وكان لهم شأن خاص واي شأن في غزوة الأحزاب، وتحدثت عنهم فيه سورة الأحزاب، وكان لهم شأن كذلك في بني النضير،وتحدثت عنهم فيه سورة الحشر، وهكذا استمر شأنهم مع المؤمنين، وتحدث عنهم كثير من سور القرآن، وقد يكون ما جاء عنهم في السورة التي سميت باسم ' المنافقون ' أقل مما جاء عنهمفي غيرها، واستمر شأنهم هكذا إلى أن استنفر النبي أصحابه إلى غزو الروم، فتجلت نياتهم الفاسدة، وظهرت في أقبح صور العداء.

سورة التوبة ترسم الطريق:

في هذا الجو،ولمعالجة هذا الوضع الذي صار إليه المسلمون، وتخليصه من آثار

الشرك والمشركين، ومفاسد أهل الكتاب، وذبذبة المنافقين ـ نزلت سورة التوبة، ترسمللمؤمنين ما يتخذونه أساساً لدولتهم، ومنهاجاً لحياتهم حتى تستمر عزتهم، ويتركز سلطانهم بقوى الخير الخالصة والإيمان القوي.

والواقع أن من يتدبر هذه السورة يجدهاترسم للمؤمنين الصادقين خطط حياتهم بالنسبة للمشركين، وبالنسبة لأهل الكتاب، وبالنسبة للمنافقين، وترسم لهم المثل الأعلى ليكون هدفهم فيما يختص بأنفسهم وقيامهمبالإصلاح الإلهي للعالم كما هو مقتضى الإيمان.

ففي علاقتهم بالمشركين ما جاء في أول السورة، ومنه قوله تعالى: ' يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إناستحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون، قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكنترضونها أحب إليكم من الله ورسوله، وجهاد في سبيله، فتربصوا حتى يأتي الله بأمره، والله لا يهدي القوم الفاسقين'.

وفي تنبيههم على الطغيان المالي لأهل الكتاب تقول: 'يأيها الذين آمنوا إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذابأليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوي بها جباههم وجنوبهم وظهورهم: هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون '.

وفي حثهم على الجهاد وسبيل العزة: ' يأيها الذينآمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم...' الخ، وفي ولاية بعضهم لبعض: ' والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض.... ' الخ، وفي بعثهم على الجهاد في سبيل الله: 'إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون..... ' الآيتين.

/ 1