تفسیر القرآن الکریم؛ سورة الأنفال (2) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تفسیر القرآن الکریم؛ سورة الأنفال (2) - نسخه متنی

محمود الشلتوت

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

تفسير القرآن الكريم

لحضره صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ محمود شلتوت

شيخ الجامع الأزهر

سورةالأنفال

خلاصة ما سبق ـ شبهتان لخصوم الإسلام ـ الشبهة الأولى في سبب الحرب ـ الشبهة الثانية في سبب غزوة بدر ـ منشأ الشبهتين ـ تفنيد الشبهة الأولى ـلاسلطان للاكراه في الإيمان ـ الرسول ليس مسؤلا عن الكافرين ـ ذيوع الإسلام عن طريق الأسفار ـ السبب في مشروعية الحرب ـ آية الإذن بالقتال ـ آية صريحة في سبب القتال ـإباحة البر بغير المعتدين ـ إباحة معاملتهم ومصاهرتهم ـ شبهة في آية وحديث ـ تفسير الشبهة الثانية ـ النتيجة:

إنتهينا في العدد الماضي إلى بيان الجو الذي نزلت فيهسورة الأنفال، وكيف بدأت وختمت بأوصاف المؤمنين حقا وكيف ذكرت نعم الله على المؤمنين وأوضحنا أن مدد النصر الذي يعده الله لعباده المخلصين هو مدد دائم يتبع الإيمانوالإخلاص أينما وجدا وأنه يجدر بالمؤمنين أن يعملوا للحصول عليه بتقوية الإيمان بالله والإخلاص لعدوة الله فيمكن لهم إقرار الحق وبث العدل وإقامة النظام على الوجهالذي يسعدهم ولا يشقيهم.

شبهتان لخصوم الإسلام:

ويجدر بنا قبل أن ندخل في تفصيل هذا الإجمال أن نقدم مقدمة تتضمن أمرين نرى الكلام عليهما ضرورياقبل الحديث عن سورتى الأنفال والتوبة، لاسيما وقد اتخذ منهما خصوم الإسلام وسيلة للطعن في الإسلام محاولين بذلك أن يثيروا على النّاس فتنا تصرفهم عن هذا الدين، وتصورهلهم بصورة كريمة منافية لما نتشدق به ألسنة هذا العصر من محبة للسلم، ورأفة بالإنسانية مما يقولونه بأفواههم وتنكره أعمالهم.

الشبهة الأولى في سبب الحرب:

الأمر الأوّل: قالوا: إن الإسلام بمشروعية الحرب اتخذها سبيلا لإكراه النّاس على اعتناقه فهو لم ينتشر إلا بحد السيف ولم تتقبله الأمم إلا تحت سلطان القهر والإلجاء.

الشبهة الثانية في سبب غزوة بدر:

الأمر الثاني: قالوا: إن المسلمين لم يخرجوا حين خرجوا لغزوة بدر باسم الانتصار للدين أو إعلاء كلمة الله وللدفاع عن النفسأو المحافظة على الوطن، وإنما خرجوا في هذه الغزوة كما خرجوا في سراياهم من قبل قاصدين السلب والنهب وقطع الطريق على تجارة قريش التي كانت تتردد في ذلك الحين بين مكةوالشام، وقد اضطروا بظروف خارجة عن تفكيرهم وتدبيرهم إلى الالتحام في هذه المعركة مع أرباب الأموال الذين خرجوا للدفاع عن أموالهم.

منشأ الشبهتين:

هاتان شبهتانأثارهما خصوم الدين، تتصل إحداهما بمشروعية الحرب في الإسلام، وتتصل الأخرى بالخروج إلى بدر. وعند التأمل نجد أن منشأ الشبهتين عند هؤلاء الخصوم أمر واحد، هو اقترانظهور الدين الإسلامي وانتشاره بالحرب التي وقعت في أيام الدعوة بين المسلمين وغيرهم، واقتران غزوة بدر بحادثة العير الراجعة من الشام.

اتخذ المثيرونلهاتين الشبهتين من هذا الاقتران دليلا على أن الحرب لم تكن في الإسلام إلا لقصد إكراه النّاس على اعتناقه، وعلى أن غزوة بدر لم تكن إلا بسبب محاولة الاستيلاء على أموالقريش.

إن اقتران شيء بشيء الوجود لا يدل بمجرده على سببية أحدهما للآخر.

يعلم هذا أصحاب العقول المتوسطة كما يعلمه أصحاب العقول الراجحة، وإن الشأن في معرفةالأسباب والمسببات إنما هو الفحص والتعمق، وعدم الاكتفاء بالنظرة السطحية.

إننا لو نظرنا إلى هذا الموضوع نظرة منصفة فاحصة لتبين لنا أن الزعم الذي زعموه في هاتينالمسألتين باطل.

تفنيد الشبهة الأولى:

أما في المسألة الأولى فلما يأتي:

إن حقيقة الإيمان ترجع دون منازعة أحد إلى الإذعان القلبي، والاطمئنان إلى حقيقةمن الحقائق بحيث لا يقترب منها شك. فإذا وجد هذا المعنى في القلب وجدالإيمان وتحقق، وإذا لم يوجد لم يوجد الإيمان ولم يتحقق.

لا سلطان للاكراه في الإيمان:

ولا ريبأن الإكراه ليس له سلطان على القلوب، وإنما سلطانه على الجوارح والظواهر، والأعمال.

فهل نستطيع أن نقرر أن الغاية التي كان يعمل لها الإسلام هي مجرد إخضاع الجوارحوإكراهها على أن تظهر صورة الإيمان، وحسب محمّد هذا في تبليغه رسالة ربه؟

لا نستطيع ولا يستطيع أي منصف أن يجيب بنعم، ذلك أن نصوص الإسلام في كتاب الله جل وعلا صريحةفي أن الإكراه لا يكون في الدين.

يقول الله تعالى: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغى) حقيقة يقررها القرآن، ويواجه بها الذين شرع قتالهم، وليس منالمعقول أن يواجههم بها وهو يعمل على نقيضها. ويقول للرسول(صلى الله عليه وآله وسلم): (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكرة النّاس حتى يكونوا مؤمنين؟).

وهذا أيضا تقرير للحقيقة نفسها عند الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وإرشاد إلى أن الله سبحانه وتعالى ترك النّاس واختيارهم في الإيمان والكفر، وأنه لوشاء أنيكونوا جميعا مؤمنين لخلقهم على طبيعة الإيمان بحيث لا يستطيعون أن ينخلعوا منه إلى الكفر.

ويقول في شأن فرعون حين أدركه الغرق فآمن: (آلآن وقد عصيت قبل وكنت منالمفسدين؟) يريد أن هذا الإيمان الذي نطقت به في تلك الحال التي رأيت فيها ما رأيت من العذاب لا يعتد به ولا ينفعك، ولا يتقبله الله وهو يدل على أن الإيمان المعتد به ماكان نابعاً من القلب.

ويقول:(فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسرهنا لك الكافرون).

وهذه أيضا آية صريحة في تقرير تلك الحقيقة وهي إهدار دعوى الإيمان تحت سلطان اليأس والقوة.

وكما نجد هذا في إهدار الإيمان تحت سلطان القهر والقوةنجد عكسه في القرآن أيضاً. تجد إهدار مظهر الكفر مع اطمئنان القلب بالإيمان. وفي ذلك يقول الله عزوجل:

(من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمانولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم).

من هذا كله يتبين أن الإسلام يأبى أن يعترف بمظهر الإيمان الناشىء عن القهر والإلجاء كما لا يعباً بمظهرالكفر تحت الضغط والإكراه مع اطمئنان القلب بالإيمان.

الرسول ليس مسئولا عن الكافرين:

هذا ونرى القرآن الكريم من ناحية أخرى حرص على أن يبرز مهمةالرسول في التبليغ بالأنذار والتبشير. أبرز ذلك في مكي القرآن يوم كان المسلمون قلة لا حول لهم ولا قوة، وأبرزه في مدنيه يوم أن صارت إليهم القوة وأصبحوا أولى بأس شديد،فمن المكي قوله: (إن هو إلا ذكر للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم) وقوله (فذكر إنما أنت مذكر، لست عليهم بمسيطر، إلا من تولى وكفر، فيعذبه الله العذاب الأكبر، إن إليناإيابهم ثم إن علينا حسابهم)، ومن المدني قوله تعالى:

(قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حُمِّل وعليكم ما حمَّلتم وإن تطيعوه تهتدوا وما علىالرسول إلا البلاغ المبين).

هذه الآيات وأمثالها واضحة في تقرير أن الرسول غير مسئول أمام ربه عن كفر من كفر، وعناد من عاند، حتى يتخذ القهر والإلجاء طريقاً للاسلام.

ذيوع الإسلام عن طريق الأسفار:

وهناك وراء ما يستفاد من هذه النصوص وأمثالها في تقرير تلك الحقيقة أمر واقعى يشهد به التاريخ في أحوال الذين دخلوا الإسلام،ذلك أن كثيراً من الأقطار الإسلامية قد دخلها الاسلام عن طريق التجارة، والسياحة، وتبادل الزيارات من غير أن يكون للحرب دخل في إسلامها. وأن كثيراً من هؤلاء وغيرهم الذيندخل الإيمان في قلوبهم تقلبت عليهم عوامل الضغط والإلجاء لإخراجهم عن دينهم، وإكراهم على التخلي عنه، فلم تنجح هذه العوامل، ولم تزدهم إلا تمسكا بدينهم، وقوة فيإيمانهم.

السبب في مشروعية الحرب:

هذا ما تشهد به النصوص، وهذا ما يشهد به التاريخ قديمه وحديثه، فلنتجه إذن إلى البحث في تعرف السبب الذي لأجله شرع الله الحرب فيالإسلام.

ولنذكر مراحل الدعوة من مبدئها إلى أن أذن الله بالحرب للمسلمين: بدأت الدعوة سراً، فآمن نفر قليل كانت تجمعهم والنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وشائجالرحم، أو الصداقة، ثم أخذت طور الجهر فوجهت إلى العشيرة الأقربين، ثم إلى النّاس أجمعين، ورآها المشركون تسرى ويكثر معتنقوها فلم يطيقوا عليها صبراً، فبدءوا بمساومةالرسول وإغرائه على ترك دعوته بما يطلب من مال أو جاه أو ملك فكانت كلمته المأثورة: ((والله لو وضعوا الشمس في يمينى والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتىيظهره الله أو أهلِك دونه)) فاتجهوا إلى العنف والاضطهاد، وقد دون التاريخ من حوادث التعذيب للمسلمين الأولين ما تقشعر لهوله الجلود، وما دفع المسلمين إلى أن يفكروا فيالخلاص بدينهم ووقاية أنفسهم ودعوتهم، فهاجروا إلى الحبشة مرة ومرّة، والتجئوا إلى الطائف، فلم تنفعهم الهجرة، ولم ينقذهم الالتجاءِ وأشتد ضغط الكفار عليهم فى الإنداءحتى ائتمرواأخيراً بالنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وقرروا فيما بينهم قتله، فكانت الهجرة إلى المدينة، وبالهجرة أخذت الدعوة تسرى بما تحوى في طبيعتها من جلال وجمالحتى كونت لنفسها أنصاراً من شباب يثرب عاهدوا الرسول على الموت في سبيل نشرها وحمايتها.

وهنا سُقِط في أيدى المشركين، واشتد حنقهم على المسلمينوأخذوا يتحينون الفرص للكيد للهاجرين وإخوانهم في المدينة ويصبون العذاب من جهة أخرى على المؤمنين المستضعفين الذين لم يجدوا سبيلا إلى الهجرة من مكة.

هذه مراحلالدعوة، وهذه مواقف المشركين من محمد وصحبه ولو أنهم تركوه يقوم بدعوته فيؤمن بها من يؤمن، ويصدف عنها من يصدف، ولم يعنفوا عليه وعلى متبعيه، ولم يُضيقوا عليهم حتىيخرجوهم من ديارهم، ويحرموهم من أوطانهم التي شبوا بها وترعرعوا ـ وحب الأوطان لاصق بالنفوس ـ ولو لم يحولوا بينهم وبين بيت الله الحرام الذي كان محل تقديس عام من العرب،وتقديس خاص من المؤمنين، نقول: لو أنهم تركوا المسلمين وشأنهم هكذا لما

أريقت قطرة من دم، ولا انتشرت دعوة الإسلام بما تحمل في طبيعتها من قوة ووضوح وجلاء، وبما تجدمن إقبال الطبائع المستقيمة عليها، ولو أن محمّداً(صلى الله عليه وآله وسلم) قبع بعد الهجرة في المدينة والأنباء تأتيه بما يدبر له القوم، وبما يتربصون به وبأصحابهمن الإغارة عليهم في المدينة، ومحاولة أن يطاردوهم منها كما طاردوهم من مكة ـ نقول: لو أنه(صلى الله عليه وآله وسلم) قبع في المدينة ولم تبد منه أمارات القوة والحيطةوالحذر والتهيؤ لرد العدوان لما استقامت له دعوة، ولفاجئوه في عقر داره.

لم يكن لمحمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) والمؤمنين معه بد من أن يقدروا هذهالظروف كلها، وأن يذكروا المستضعفين في مكة، وأن يذكروا أوطانهم وأموالهم، وأن يذكروا أن دعوتهم ـ وهي دعوة الحقّ ـ يحب أن تنشر، وأن يعودوا بها إلى مكة وأن يطهروابيت الله من الأصنام والأوثان، وأن يفسحوا المجال أمام الدعوة حتى تسري وتعم ما أمر الله.

آية الإذن بالقتال:

قدر محمد كل هذه الظروف وتكاملت أسباب الحيطة والحذرفأذن الله لهم فى الحرب. وجاء الإذن لها فى آية تحمل أسبابها (أذن للذين يقاتَلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حقّ إلا أن يقولواربنا الله ولو لا دفع الله النّاس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز الذين إن مكناهم في الأرضأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور) جاء الإذن في هذه الآية الكريمة بالقتال ولم تعلله بنشر الإسلام أو إلجاء النّاس إليه،وإنما عللته بما وقع على المسلمين من ظلم وما أكرهوا عليه من الهجرة والخروج من ديارهم من غير حق إلا أن يقولوا كلمة الحق، ثم لا تقف الآية الكريمة عند هذا الحد، بل تبينأن هذا الإذن موافق لما تقضى به سنة التدافع بين الحقّ والباطل حفظاً للتوازن ودرءاً للطغيان، وتميكناً لأرباب الخير والصلاح من التمسك بعقائدهم وأداء عبادتهم، ثم ترشدإلى أن الله إنما ينصر بمقتضى سنته من ينصره ويتقيه فلا يتخذ الحرب أداة للتخريب والإفساد، ولا يترك عوامل الشهوات والمطامع تخرب وتدمر وأنه لا ينصر إلا من إذا تمكن فيالأرض قام بحق الله وحق العباد وحق المجتمع.

هذه آية واضحة وهي أوّل آية نزلت في القتال ليس فيها شائبة من شوائب الإكراه في العقيدة، وإنما هي علىالعكس تقرر أن الحرب أمر لابد منه حفظاً للظم، وتقليما لأظافر البغى والطغيان، ولولاها لفسدت الأرض وهدمت فيها أماكن العبادة، ومن الغريب أن الآية لا تنظر في هذا الشأنإلى المسلمين خاصة بل تقول: لهدمت صوامع وبيع وصلوات.

آيات صريحة في سبب القتال:

وعلى هذا الأساس جاءت آيات القرآن الواردة في القتال صريحة في تحديد سبب الحرب،وفي جعله خاصا بالاعتداء على الدولة، ومحاولة فتنة النّاس في دينهم مع التحذير من الاعتداء. (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحبالمعتدين).(وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين). (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدانالذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً).

(وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا فى دينكم فقاتلواائمة الكفر إنهم

لا أيمان لهم لعلهم ينتهون، ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أوّل مرة أتخشونهم؟ فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين)

ومن يتتبع آيات القرآن الواردة في القتال يجدها جميعها واردة على هذا المبدأ:

تقرر أن سبب القتال في الإسلام ينحصر في رد العدوان وحماية الدعوة وحرية الدين وتطهيرالأرض من الطغيان والمظالم، وأن القتال لم يقصد به إذلال الضعفاء، ولا اتخاذه طريقاً للاكراه على العقيدة والإيمان.

إباحة البر بغير المعتدين:

على أن الإسلام يذهب إلى أبعد من هذا ولا يقف عند مجرد الكف عن العدوان حيث لا عدوان، ولكن يتيح للمسلمين أن يحسنوا ويقسطوا مع الذين يخالفونهم في الدين ماداموا لميقاتلوهم ولم يخرجوهم من ديارهم.

(لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين).

إباحةمعاملتهم ومصاهرتهم:

بل يذهب إلى أكثر من هذا، يذهب إلى مخالطة أهل الكتاب في الطعام والشراب، وإلى إحلال مصاهرتهم وما أدراك ما المصاهرة؟ هي العلاقة التي تتكونبها الأسر، وبها يمتزج الطرفان ويشتركان في التناسل والمسئولية عن تربية الأبناء، وهذا أسمي ما يتضاءل أمام روعته أحدث مبدأ في العلاقات الدولية العامة.

ومن هنايتبين ما قررناه من أن الحرب في الإسلام لم تكن للاكراه على الدين، وأن اقترانها بانتشار الدعوة ليس دليلا ولا شبه دليل على سببية الحرب في هذا الشأن.

شبهة في آيةوحديث:

بقى أن بعض الخصوم تمسك بقوله تعالى: (يأيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة). وزعموا أن الدين الاسلامي يأمر بقتال الكفار عامةحصل اعتداء منهم أم لم يحصل حتى يؤمنوا ويدينوا بالاسلام.

وكما تمسكوا بظاهر هذه الآية تمسكوا بحديث ((أمرت أن أقاتل النّاس حتى يقولوا لا إله إلا الله)) والواقع أنالآية ليست واردة في بيان سبب القتال، وإنما جاءت إرشاداً لخطة حربية عملية يجب أن يترسمها المسلمون عند نشوب القتال المشروع; فهي ترشدهم إلى وجوب البدء عند تعدد الأعداءبقتال الأقرب فالاقرب، عملا على إخلاء الطريق من الأعداء المناوئين، وتسهيلا لسبل الانتصار، وهذا المبدأ الذي قرره القرآن من المبادئ التي تعمل بها الدول المتحاربة فيالعصر الحديث: فلا تخطو دولة محاربة إلى دولة أو قوة بينها وبينهم دول أو قوى محاربة عملا على الاطمئنان إلى زوال العقبات من الطريق.

وأما كلمة((النّاس)) في الحديث فالمراد بها هؤلاء المشركون أو الكفار الذين أباحت الآيات التي تلونا قتالهم، وبذلك أتفقت الآيات بعضها مع بعض، واتفقت مع الحديث وسقط ذلك الزعمالباطل.

تفنيد الشبهة الثانية:

ولننظر على هذا النحو أيضا في إقتران عزوة بدر بموضوع مصادرة أموال الأعداء، ولا ريب أن الحرب ليست خاصة بالقتل والقتال،ولكنها كما تكون بذلك تكون أيضا بكسر شوكة الأعداء، عن طريق مصادرة أموالهم التي عليها يعتمدون.

وأظن أن هذا نوع من الحرب معروف فيما بين دول العصر الحاضر وقد صودرالمسلمون في أموالهم وأخرجوا من ديارهم، وأذن لهم أن يفعلوا بأعدائهم مثل ما فعلوا بهم: مصادرة بمصادرة، وتربص بتربص، وأكبر دليل على أنهم لم ينبعثوا عن رغبة في السلبوالنهب والاستيلاء على الأموال أنه لم يؤثر عنهم التفكير ولو مرة واحدة في أن يتجهوا إلى غير قريش فيسلبوا وينهبوا، وقد كانوا يعيشون مع اليهود فعاهدوهم وأمّنوهموأحسنوا جوارهم، وظلوا محافظين على جوارهم وعهودهم إلى أن نقض هؤلاء عهودهم واتصلوا بمشركى قريش وألبوا عليهم. فلو كان المسلمون يصدرون عن طبيعة حب السلب والنهب لوجدوافي أموال غيرقريش، ما وجدوه في أموال قريش ولا تجهت نفوسهم إلى السلب من كل ما يمكنهم أن يتجهوا إلى سلبه، فاتخاذهم أموال قريش غرضاً خاصاً ليس له سبب ما، إلا أنهم وجدواأنفسهم في حرب معهم كما تشهد به الأطوار التي مرت بهم وهم في مكة حتى أخرجوا منها وقد سبقت هذه الغزوة سرايا، لم تكن للمال، ولا لترصد التجارة، وإنما كانت مناوراتواستطلاعات كالتي تتقدم بين يدي الحروب في العادة تحرشاً بالأعداء الذين ثبتت عداوتهم منهم الاعتداء.

على مبدأى الاستطلاع والمصادرة تحرش المسلمونوهم في المدينة بأعدائهم المكيين، فقصدوا أموالهم وتجارتهم واستطلعوا أخبارهم ونواياهم، ولكن لا للمال والتجارة وإنما لغاية أسمى وهي تحطيم قواهم، وفتح باب مناوشتهموالدخول معهم في حرب يسترد بها المسلمون أموالهم، وديارهم وعزتهم، ويأمنون بها ما يدبره لهم خصومهم من الاعتداء عليهم في وطنهم الجديد، كما اعتدوا عليهم في وطنهم الأوّلويفتحون بها الطريق أمام دعوة الحقّ فتطهر أرض الله من عبادة غيرالله.

بهذه الروح وقع القتال بين المكين والمسلمين واتصلت الغزوات بعد ذلك حتى كلها الله بالنجاح،وجاء نصرالله والفتح ودخل النّاس في دين الله أفواجاً.

النتيجة:

ومن هنا نستطيع أن نقرر أن اقتران غزوة بدر بمسألة التجارة ليست دليلا ولا شبه دليل على أنإرادة السلب والنهب هي التي كانت تسيطر على المسلمين دون إرادة ورد الطغيان والعدوان عن دين الله والمؤمنين بالله. وهذا ما يجب أن يعرفه كل مؤمن ليكون في حصانة من الشبهاتوالدعوات الضالة.

وإلى العدد القادم، إن شاء الله لنأخذ في الكلام على تفصيل بعض ما اشتملت عليه سورة الأنفال،،،

/ 1