تفسیر القرآن الکریم؛ سورة الأنعام (1) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تفسیر القرآن الکریم؛ سورة الأنعام (1) - نسخه متنی

محمود الشلتوت

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

تفسير القرآن الكريم

لحضرة صاحب الفضيلة الاستاذ الجليل الشيخ محمود شلتوت

سورة الانعام

منهجنا في دراسة السورة - عود على بدء في شأن ما سبقها من السور: سورة الفاتحة تتضمن الإشارة الى جميع مقاصد القرآن - السور المدنية السابقة على ((الانعام)) متفقة في الهدفالاصلى مع اختلاف في التفاصيل - سورة البقرة في أسلوبها و أهدافها - سورة ((آل عمران)) بين حجاج أهل الكتاب و ارشاد المؤمنين - سورة النساء و عنايتها بتنظيم جماعة المسلمين -سورة المائدة و ما تضمنته من التشريعات الداخلية - رجع الى بيان المنهج - سورة الانعام متميزه في أهدافها عما قبلها - أهداف السورة اجمالا.

منهجنا في دراسة السورة:

سورة الانعام، هى السورة السادسة من سور القرآن الكريم في الترتيب المصحفى، و لها بحكم مكيتها، و بحكم الاسلوب الذي عالجت به قضاياها الاصلية، منهج خاص يخالف منهجالسور الاربع المدنية التي سبقتها في الترتيب، و قد شاركها في البدء باثبات الحمدلله، أربع سور مكية، و هى: سورة الفاتحة و سورة الكهف،.

و سورة سبأ، وسورة فاطر. و من هنا رأينا زيادة في تشخيصها و توضيحاً لمنهجها أن نعود فنضع أمام القارىء صورة اجمالية لما عرضت له كل سورة من السور الاربع المدنية السابقة عليها فيالترتيب. ثم نضع بازاء ذلك صورة اجمالية لما عرضت هى له، و بذلك يتضح سبيل الموازنة بين المنهجين، ثم نقفى ثانياً ببيان سبيلها مقارناً ذلك بسبيل السور الاربع الاخرىالتي شاركتها في المكية و البدء باثبات الحمدلله.

* * *

عود على بدء في شأن ما سبقها من السور:

سورة الفاتحة تتضمن الاشارة الى جميع مقاصد القرآن:

أماسورة الفاتحة، فهى - و ان كانت مكية - قد أخذت باعتبار ما تضمنته من الاشارة الى جميع مقاصد القرآن، و بذلك اختيرت فاتحة الكتاب، و أطلق عليها ((أم القرآن)) أخذت بهذاالاعتبار، شخصية تكاد تكون مستقلة في المنهج و في المقصد عن سائر سور القرآن مكية و مدنية، و صارت نسبتها الى جميع سور القرآن بهذه الشخصية واحدة، يدل كل ما فيها على كل مافيه، ذلك أنها تشير الى جانبى الحق و الخير، متعلقى العقيدة و العمل، و العقيدة و العمل هما عنصرا الكمال الانسانى الذي نزل القرآن لرسم طرقه و الدعوة اليه; ففى العقيدةبالنسبة للمبدأ، جاء قوله تعالى: ((الحمدلله رب العالمين، الرحمن الرحيم)) و في العقيدة بالنسبة الى المعاد، جاء قوله تعالى: ((مالك يوم الدين)) و في العمل، جاء قوله تعالى:((اياك نعبد و اياك نستعين، اهدنا الصراط المستقيم)) و قد توجت عقيدة الحق، و عمل الخير بصورتين:

احداهما: صورة تبشيرية لمن سلك الصراط المستقيم الذي يهدى الى الايمانبالحق و عمل الخير: ((صراط الذين أنعمت عليهم)).

و الاخرى: ((صورة انذارية لمن حاد عن طريق الحق و الخير: ((غير المغضوب عليهم و لا الضالين)).

و لا ريب أنكل ما تضمنه القرآن في آياته المفصلة، و أحكامه الواضحة، و قصصه الحق يدور على محور من بيان الحق و الارشاد الى الخير، لافرق في ذلك بين مكية و مدنية ((يأيها الناس قد جاءكمالرسول بالحق من ربكم، فآمنوا خيراً لكم و ان تكفروا فان لله ما في السموات و الارض و كان الله عليماً حكيماً)).

((الحق من ربك فلا تكونن من الممترين)). ((و بالحق أنزلناه وبالحق نزل، و ما أرسلناك الا مبشراً و نذيراً)).

و هكذا نجد كثيراً من آيات القرآن الواضحة في مكية و مدنيه، تعلن أن الامر في شرائعه و أحكامه يدور حول هذا المحور، محور((الحق و الخير)).

هذا هو وضع سورة الفاتحة من القرآن كله.

* * *

السور المدنية السابقة على ((الانعام)) متفقة

في الهدف الاصلى مع اختلاف في التفاصيل:

أماالسور الاربع المدنية التالية لسورة الفاتحة، و هى سور: البقرة، آل عمران، النساء، المائدة; فهى بحكم مدنيتها تشترك كلها في هدف واحد، و هو تنظيم شئون المسلمين بالتشريعلهم باعتبارهم أمة مستقلة و بارشادهم الى مناقشة أهل جوارهم فيما يتصل بالعقيدة و الاحكام، و الى الاساس الذي يرجعون اليه و يحكمونه في التعامل معهم في حالتي السلم والحرب، و قلما تعرض هذه السور المدنية الى شىء من شئون الشرك و مناقشة المشركين، و هذه السور مع اشتراكها في أصل الهدف العام، تختلف قلة و كثرة فيما تتناوله من التشريعالداخلى الخاص بالمسلمين، و التشريع الخارجى الذي يرتبط بهم مع من يخالفهم في الدين.

* * *

سورة البقرة في أسلوبها و أهدافها:

و من ذلك نرى سورة البقرة بدأتفذكرت أوصاف الذين ينتفعون بهذا الكتاب و يتتسبون اليه و يضاف هو اليهم، ثم عرضت لاوصاف الجاحدين

الذين يعلنون الانكار، و المنافقين الذين يترددونبين المؤمنين و الكافرين بايمانهم الظاهرى، و كفرهم الباطنى، و اقرأ في ذلك من أول السورة الى نهاية قوله تعالى: ((يكاد البرق يخطف أبصارهم، كلما أضاء لهم مشوا فيه، و اذاأظلم عليهم قاموا، و لو شاء الله لذهب بسمعهم و أبصارهم، ان الله على كل شىء قدير)) الاية 20، ثم توجه الخطاب الى الناس جميعاً باعتبار انسانيتهم العاقلة، الى توحيد الله فيالعبادة و الالوهية، و الى الايمان برسالة محمد عليه الصلاة و السلام، و تضمن ذلك الايمان بالجزاء الاخروى: العذاب لمن جحد و استكبر، و النعيم لمن آمن و عمل صالحاً، و تشيرالى أن الايمان بالحق شأن الفطر السليمة التي لم تدنس بمتابعة الهوى والشهوة، والتي لم تجر على سنن الاباء الضالين، و تنتقل من تصوير الدعوة والمجيبين لها، و المعرضينعنها على هذا الوجه، فتذكر لهم قصة الانسانية الاولى و تشير بها الى أن الانسانية قعت في الخلق و التكوين بين عاملين، يدفعها أحدهما الى الخير و الطاعة و الامتثال، ويزيّن لها الاخر اغراء الشهوة و الهوى، و أن الله لهذا، و هو الرحيم بخلقه: قد أخذ على الانسانية - بما ركبّ فيها من قوى الخير - العهد و الميثاق باتباع الحق الذي يبعث بهاليها، واقرأ في كل ذلك من قوله تعالى: ((يأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون)) الاية 21، الى قوله تعالى: ((قلنا اهبطوا منها جميعاً، فامايأتينكم منى هدى فمن تبع هداى فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون، والذين كفروا و كذبوابآياتناأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)). الاية 39.

كان هذا في فاتحة البقرة بمثابةتمهيد، يصل به القارىء الى الهدف الاصلى الذي عالجته السورة فيما بعد بحكم الوقت الذي نزلت فيه.

* * *

ان سورة البقرة قد نزلت في أوائل الهجرة، وقد صار للمسلمينبالهجرة كيان خاص و جوارخاص، و بذلك كان أمامها هدفان:

الاول: نظم يأخذ بها المسلمون أنفسهم فى عباداتهم و معاملاتهم: شخصية و مدنية و جنائية.

والهدف الاخر: ارشاد الى طرق المناقشة فيما كان مجاوروهم يثيرونه حول الدين و الدعوة من شبه و تشكيكات. و قد تجلى هذان الهدفان بصورة واضحة فى سورة البقرة، برز أحد الهدفينفى نصفها الاول، و برز الهدف الثانى فى نصفها الاخير، و اقرأ فى الاول على وجه عام من قوله تعالى: ((يا بنى اسرائيل اذكروا نعمتى التى أنعمت عليكم و أوفوا بعهدى أوف بعهدكمو اياى فارهبون)) الاية 40، الى قوله تعالى: ((ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق، و ان الذين اختلفوا فى الكتاب لفى شقاق بعيد)) الاية 176، و اقرأ فى الهدف الثانى قوله تعالى: ((ليسالبر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق و المغرب)) الاية 177 الى نهاية الاية 283: ((و ان كنتم على سفر و لم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة)).

و قد عرضت فى هذا السبح الطويل بعد أن أجملتأوصاف الصادقين فى ايمانهم المتقين فى أعمالهم، لجملة من الاحكام التى تسوس الامة فيما بينها:

عرضت للقصاص، و الوصية، و الصيام، و عرضت لحكم القتال فى الاشهر الحرم وبعض احكام الحج، و عرضت لحكم الخمر و الميسر، و بعض أحكام اليتامى، و عرضت لحكم مصاهرة المشركين، و أحكام الايمان، و كثير من أحكام الطلاق و ما يتبعه من رضاع وعدة و متعة،و عرضت للانفاق فى سبيل الله و أدبه الذى يحقق فى الامة ثمراته الطيبة، وقارنت بينه و بين استغلال حاجة الفقير بالربا، و هو بفقره يستحق الرحمة بالانفاق فى سد حاجته.

وأخيراً، ذكرت آية فذة، عرضت فيها لطرف الاستيثاق فى الديون و حفظها من الجحد و الانكار، فأشارت الى الكتابة، و الاشهاد، و الرهن. و بعد هذا كله تختم كما بدأت ببيان أصولالايمان الحق، و بيان أساس التكليف عند الله، و أن ليس القصد منه الارهاق و لا الاعنات، و يجىء ذلك الختام فى قوله تعالى: ((آمن الرسول بما أنزل اليه من ربه و المؤمنون كلآمن بالله و ملائكته و كتبه

و رسله لا نفرق بين أحد من رسله، و قالوا سمعنا و أطعنا غفرانك ربنا و اليك المصير، الى آخر السورة.

* * *

سورة ((آلعمران)) بين حجاج أهل الكتاب و ارشاد المؤمنين:

ثم تجىء سورة آل عمران، فتصرف عناية خاصة الى مناقشة النصارى فى قضية الالوهية، و الى كشف بعض صور التزييف التى كانيصطنعها أهل الكتاب أخفاء لحق الاسلام و دعوته.

ثم ترشد المسلمين الى ما يحفظ عليهم شخصيتهم، و يقيهم شر الوقوع فى مخالب الاعداء و ترسم لهم فى ذلك الطرق الحكيمة التىتجعل منهم، قوة الكفاح فى تأييد الحق، و هزيمة الباطل.

و فى سبيل الهدف الاول تبدأ السورة ببيان أن الكتب السماوية كلها انما نزلت لغاية واحدة هى هداية الناس للحق، ثمتقرر خاصة الالوهية الحقة من العلم الشامل و القدرة التامة، و ترشد الى منشأ الشبهة المهلهلة التى تعلقوا بها فى ألوهية عيسى، فأضلتهم، و اقرأ فى ذلك من أول السورة، الىنهاية قوله تعالى: ((هو الذى أنزل عليك الكتاب، منه آيات محكمات، هن أم الكتاب و أخر متشابهات. الاية 7)). ثم ترشد فى هذا الهدف الى السبب الحقيقى الذى يرجع اليه تمسكهمبالباطل و أعراضهم عن دعوة الحق، و هو حرصهم على زخارف هذه الحياة الدنيا التى ظنوا أنها تفوتهم اذا آمنوا بمحمد و دعوته، و تذكر ذلك فى قوله تعالى: ((ان الذين كفروا لنتغنى عنهم أموالهم و لا أولادهم من الله شيئاً، و أولئك هم وقود النار. الاية 10)) و على هذه الاسس تسير السورة فى حجاجهم و تفنيد شبههم. فتقص ولادة عيسى، و ولادة أمه، وتدعوهم الى الكلمة المشتركة فى الرسالات السماوية كلها: ((قل يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا و بينكم ألا نعبد الا الله و لا نشرك به شيئاً و لا يتخذ بعضنا بعضاًأربابا من دون الله، فان تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون. الاية

64)). ثم تذكر شيئاً عن حيل اليهود و صور زيفهم، و تلبيسهم الحق بالباطل، الى أن نقول:((قل يا أهل الكتاب، لم تصدون عن سبيل الله، من آمن تبغونها عوجاً و أنتم شهداء، و ما الله بغافل عما تعملون)).

و فى سبيل الهدف الثانى، و هو ارشاد المسلمين الى ما يحفظعليهم شخصيتهم، تتجه اليهم بوصف الايمان: ((يا أيها الذين آمنوا)) فتحذرهم عن اطاعة أهل الكتاب و التأثر بشبههم الباطلة و الوقوع فيما وقعوا فيه من الاغترار بزخارف الدنياالتى حالت بينهم و بين الايمان بالحق و تأمرهم فى ذلك بالاعتصام بحبل الله و التضامن فى الدعوة الى الخير و الامر بالمعروف و النهي عن المنكر، و تغريهم بالانفاق فى سبيلالله، و تحذرهم الوقوع فى مخالب الاعداء و اتخاذهم بطانة من دون المؤمنين. و اقرأ فى كل ذلك قوله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا ان تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتابيردوكم بعد ايمانكم كافرين. الاية 100)). الى قوله تعالى: ((ان تمسسكم حسنة تسؤهم، و ان تصبكم سيئة يفرحوا بها، و ان تصبروا و تتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً، ان الله بما يعملونمحيط. الاية 120)).

ثم تنتقل السورة الى تذكير المؤمنين بحادثتين عظيمتين من حوادثهم مع المشركين لهم فى كل حاثة منهما، أكبر العظات و العبر; تذكرهم بغزوة بدر و ما كانلهم فيها من النصر و الظفر بسبب الصبر و التقوى مع قلة العدد و العُدد: ((و لقد نصركم الله ببدر و أنتم أذلة، فاتقوا الله لعلكم تشكرون)) و تذكرهم مع هذا بما أصابهم فى غزوةأحد، أثراً للتنازع و الفشل، و تضع أمامهم بالحادثتين، صورتى، الصبر و آثاره. و الطمع و آثاره: ((و لقد صدقكم الله وعده اذ تحسّونهم باذنه، حتى اذا فشلتم و تنازعتم فى الامرو عصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون، منكم من يريد الدنيا و منكم من يريد الاخرة، ثم صرفكم عنهم ليبتليكم، و لقد عفا عنكم، و الله ذو فضل على المؤمنين)).

ولا يفوت السورة أنتبرز لهم فى أثناء التذكير بهاتين الحادثتين عن شىء من صفات المنافقين. اتقاء لها، و تحذيراً منها، و يستغرق كل ذلك على وجه

عام الايات ابتداء من قولهتعالى: ((و اذ غدوت من أهلك تبوىء المؤمنين مقاعد للقتال و الله سميع عليم. الاية 121)) الى قوله تعالى: ((و لله ملك السموات و الارض و الله على كل شىء قدير. الاية 189)). ثم تختمالسورة بالارشاد الى الطريق الذى يصل بالانسان الى الايمان الحق الذى ختمت به سورة البقرة، و التى مهّدت به سورة الانعام: ((ان فى خلق السموات و الارض و اختلاف الليل والنهار لايات لاولى الالباب)). و تذكر جزاء المؤمنين الصادقين الذين اتقوا ربهم، و الذين لايشترون بآيات الله ثمناً قليلا. و تكون خاتمة المطاف فى سورة آل عمران تلكمالنصيحة الغالية التى هى بحق أساس كل تركيز. و عماد كل عزة و سمو: ((يأيها الذين آمنوا اصبروا و صابروا و رابطوا و اتقوا الله لعلكم تفلحون)).

سورة النساء و عنايتهابتنظيم جماعة المسلمين:

و على أساس من مشاركة النساء لزميلاتها المدنيات فى أصل الهدف، تناولت الامرين: تنظيم جماعة المسلمين، و مناقشة أهل الكتاب فى موضوع الالوهيةو الرسالة، غير أن عنايتها بجانب التنظيم كانت أشد من عنايتها بجانب المناقشة.

ففى جانب التنظيم شرعت فى الاموال و بخاصة أموال الضعفاء: ((و اليتامى و السفهاء والنساء)) و شرعت فى الاسرة من زواج و ميراث و حقوق، و اقرأ فى ذلك كله من أول السورة الى قوله تعالى: ((ان يريدا اصلاحاً يوفق الله بينهما ان الله كان عليماً خبيراً)) الاية 35.

و ذكرت أساس الحكم و مصادر التشريع ((ان الله يأمركم أن تؤدوا الامانات الى اهلها و اذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل، ان الله نعما يعظكم به، ان الله كان سميعاًبصيراً، يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولى الامر منكم، فان تنازعتم فى شىء فردوه الى الله و الرسول ان كنتم تؤمنون بالله و اليوم الاخر، ذلك خير وأحسن تأويلا)) الايتان 58، 59.

و عرضت للذين يحاولون الخروج عن تشريع الله، و صرف الحاكم عن العمل

بالحق، ألم تر الى الذين يزعمون أنهم آمنوا بماأنزل اليك و ما أنزل من قبلك)) الاية 60، مع الاية: ((انا أنزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله)) الاية 105.

ثم عرضت للتنظيم الخارجى فى الحرب و السلم،ابتداء من قوله تعالى: ((يأيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعاً)) الاية 71. الى قوله تعالى: ((و لا تهنوا فى ابتغاء القوم ان تكونوا تألمون فانهم يألمونكما تألمون و ترجون من الله ما لا يرجون، و كان الله عليماً حكيماً)).

أما فى جانب المناقشة، فقد عرضت لغلو بعض أهل الكتاب فى قولهم على مريم و ولدها عيسى، و لغو البعضالاخر فى شأن الالوهية. ثم تتجه الى دعوة الناس جميعاً الى الحق الذى أوحاه الله الى محمد، و أوحاه الى النبيين من قبله ((يأيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم و أنزلنا اليكمنوراً مبينا، فأما الذين آمنوا بالله و اعتصموا به فسيدخلهم فى رحمة منه و فضل و يهديهم اليه صراطاً مستقيماً)).

* * *

سورة المائدة و ما تضمنته من التشريعاتالداخلية:

ثم تجىء سورة المائدة، فتأخذ سبيل أخواتها أيضاً، فتشرع للمسلمين فى خاصة أنفسهم، و فى معاملة من يخالطون من أهل الكتاب، مع الارشاد الى طرق محاجتهم والتنبيه على أخطائهم و تحريفهم للكلم عن مواضعه، و تذكيرهم بسيئاتهم مع أنبيائهم، و قد استغرق ذلك معظم السورة.

أما فى التشريع للمسلمين فقد وجهت اليهم ستة عشر نداءبوصف الايمان، لم توجد فى سورة غيرها. قررت فيها مسئولية التعاقد و المحافظة على الشخصية الدينية، و ما يجب القيام به حين ارادة الصلاة، كما بينت علاقة الانسان بطيباتالحياة و أوجبت المحافظة على العقل، و حددت موقف المسلمين مع من يعبث بحقوقهم و يتخذ دينهم هزواً و لعباً. كما عرضت الى تشريعات جزئية فى حلال الطعام و حرامه، و فىالاستقسام بالازلام، و حكم الصيد بالحيوانات المعلمة، و التزوج

من أهل الكتاب، و عرضت لعقوبة الاعتداء على الامن العام الذى تقوم به عصابات الشر والفساد، كما عرضت لعقوبة السرقة، وقصت بعتض التشريعات التى كانت فى كتب السابقين، و أشارت الى المبدأ الطبيعى الذى يقضى باختلاف الشرائع نظراً الى اختلاف الاجيال والعقليات، و حذرت العدول عن الحكم بما أنزل الله، و اتباع أهواء المضلين.

و لم يفتها فى أثناء ذلك كله أن تشد أزر النبى صلى الله عليه و سلم فيما يختص بموقفه من أهلالكتاب، و عصمة الله اياه من الناس و توجه اليه فى ذلك الخطاب مرتين بصفة الرسالة، منبع العصمة و التأييد: ((يأيهال الرسول لا يحزنك الذين يسارعون فى الكفر من الذين قالواآمنا بأفواههم و لم تؤمن قلوبهم)). ((يأيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك و ان لم تفعل فما بلغت رسالته، و الله يعصمك من الناس)). ثم تذكّر الجميع بيوم الجمع الذى تحدّد فيهالمسئوليات، و تذكّر أهل الكتاب بوجه خاص بشأن يجرى فيه بين عيسى و ربه فيما يختص بعقيدة النصارى فيه: ((و اذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذونى و أمى الهين مندون الله؟)) الايات. ثم تحتم بهذه الاية الكريمة التى ترد الامر كله لله، ملكاً و تدبيراً و تصريفاً: ((لله ملك السموات و الارض و من فيهن و هو على كل شىء قدير)).

* * *

رجع الى بيان المنهج:

أما بعد، فهذا عرض وجيز، نستحضر به أصول ما تضمنته السور الاربع المدنية التى سبقت سورة الانعام فى الترتيب المصحفى، و منه يتضح أنها اشتركتفى هدف واحد، هو تنظيم شئون المسلمين بالتشريع لهم باعتبارهم أمة مستقلة لها كيان خاص، و سبيل فى الحياة خاص، و بإرشادهم الى مناقشة أهل جوارهم فيما يتصل بالعقيدة والاحكام، و معاملتهم فيما يختص بالسلم و الحرب، و قد جاءت بعد هذه السور الاربع المدنية سورتان مكيتان، هما أطول المكى فى القرآن، و هما: الانعام و الاعراف. و الذى يهمناالان بيان منهج سورة الانعام

على وجه عام، و سيتضح لنا فيما بعد حينما نصل الى الاعراف ان شاء الله تعالى، أن منهجها يخالف منهج الاعراف رغماشتراكهما فى وقت النزول، و فى الهدف الذى رمت كل منهما اليه.

* * *

سورة الانعام متميزة فى أهدافها عما قبلها:

و سورة الانعام، لم تعرض لهدف من الاهدافالاصلية التى تميزت بها السور الاربع المدنية قبلها:

فهى أولا: لم تعرض لشىء من الاحكام التنظيمية لجماعة المسلمين، كالصوم و الحج فى العبادات، و العقوبات فىالجنايات، و المداينة و الربا فى الاموال، و أحكام الاسرة فى الاحوال الشخصية.

و هى ثانياً: لم تذكر فى قليل و لا كثير شيئاً يتعلق بالقتال و محاربة الخارجين عن دعوةالاسلام.

و هى ثالثاً: لم تتحدت فى شىء ما، عن أهل الكتاب من اليهود و النصارى، و كذلك لم تتحدث عن طوائف المنافقين و لا عن أخلاقهم السيئة و مسالكهم المظلمة.

و هىرابعاً: لا نجد فيها مع ذلك كله نداء واحداً للمؤمنين باعتبارهم جماعة تنتظمها وحدة الايمان، لا نجد فيها شيئاً من هذا كله كما وجدناه جميعاً فى السور الاربع السابقة.

* * *

أهداف السورة اجمالا:

و انما نجد الحديث فيها يدوره بشدة و قوة حول العناصر الاولى للدعوة، و نجد سلاحها فى ذلك، الحجه المتكررة و الايات المصرفة والتنويع العجيب فى طرق الالزام و الاقباع: تذكر توحيد الله فى الخلق و الايجاد و فى العبادة و التشريع و تذكر موقف المكذبين. و تقص عليهم ما حاق بأمثالهم السابقين، و تذكرشبههم فى الرسالة. و تذكر يوم البعث و الجزاء و تبسط كل هذا بالتنبيه الى الدلائل

فى الانفس و الافاق، فى الطبائع البشرية وقت الشدة و الرخاء. و تذكرابراهيم و جملة من أبنائه و ترشد الرسول الى اتباع هداهم و سلوك طريقهم فى احتمال المشاق و فى الصبر عليها. و تعرض لتصوير حال المكذبين يوم الحشر، و تفيض فى هذا بألوانمختلفة. ثم تعرض لكثير من تصرفاتهم التى دفعهم اليها شركهم فيما يختص بالتحليل و التحريم، و تقضى عليه بالتفنيد و الابطال، و تبين خصوص ما حرّم الله من الاطعمة، و تعرضالى تقرير الشبهة البشريه التى علقت بالعقل الانسانى من قديم الزمان فيما يتعلق بالايمان و الشرك، و الطاعة و المعصية، أمام التكليف و القدر.

ثم تختم السورة بعد ذلكفى ربع كامل: ((قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم، الى آخره)) ببيان أن ما يدعوا اليه محمد عليه الصلاة و السلام، هو الوصايا التى نزلت فى كل الكتب السابقة و دعا اليها كلالانبياء السابقين; فهو لم يأت بجديد، و لا بما يناقض ما جاءت به الرسل ان كنتم طلاب ايمان و حق. و تنتهى الى آية فذة تكشف للانسان عن مركزه عند ربه فى هذه الحياة، و هو أنهخليفة فى الارض، و أن الله سبحانه جعل عمارة الكون تحت يد الانسان تتعاقب عليها أجياله، و يقوم اللاحق منها مقام السابق، و أنه سبحانه قد فاوت فى المواهب بين أفرادالانسان لغاية سامية، و حكمة عظيمة، و هى الابتلاء و الاختيار فى القيام بتبعات هذه الحياة، و ذلك شأن تحقق المقصود من هذا الخلق و ذلك النظام: ((و هو الذى جعلكم خلائفالارض و رفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم ان ربك سريع العقاب و انه لغفور رحيم)).

* * *

و لعلنا بعد هذا نلمس الفرق الجلى الواضح بين منهج سورة الانعام، ومنهج السور الاربع المدنية قبلها، و هذا هو احدى الخطوتين اللتين أردنا التمهيد بهما للحديث عن سورة الانعام.

أما الخطوة الثانية و هى المقارنة بينها و بين السورالاربع الاخرى التى شاركتها فى المكية، و البدء باثبات الحمدلله، فموعدنا بها العدد المقبل ان شاءالله.

/ 1