• عدد المراجعات :
  • 1470
  • 2/18/2009
  • تاريخ :

الأوضاع السياسية في عهد هارون
الامام الرضا عليه السلام

عاصر الإمام الرضا (عليه السلام) في مرحلة امامته حكومة هارون عشر سنين من سنة (183 هـ ) الى سنة (193 هـ )، ولم تختلف سياسة هارون عن سياسة من سبقه من الحكّام، ولا عن سياسته السابقة في مرحلة الإمام الكاظم (عليه السلام) إلاّ انه لم يتعرض تعرضاً مباشراً للامام الرضا (عليه السلام) ; لأن الظروف والاوضاع السياسية لم تساعده على ذلك، فاغتيال الإمام الكاظم (عليه السلام) مسموماً لا زال يثير هواجسه خوفاً من ردود فعل الحركات المسلّحة المرتبطة بأهل البيت(عليهم السلام)، ولذا نجده في بداية استشهاد الإمام (عليه السلام) أحضر القوّاد والكتّاب والهاشميين والقضاة، ثم كشف عن وجهه، وقال : أترَوْن به اثراً أو ما يدل على اغتيال ؟ [1] .

ولهذا لم يقدم على اتخاذ نفس الاسلوب مع الإمام الرضا (عليه السلام) ورفض الاستجابة لمن حرّضه على قتله ـ كما تقدّم ـ واضافة الى ذلك فإن الإمام الرضا (عليه السلام) اتخذ اسلوباً واعياً في التحرك السياسي، ولم يعط لهارون أيّ مبرّر للتخوف من تحركه، على أنّ أغلب الرسائل التي رفعت إليه لم تتطرق الى نشاط سياسي ملحوظ للامام الرضا (عليه السلام).

إذن كان حكم هارون أكثر هدوءً وسلاماً مع الإمام الرضا(عليه السلام)، وإن كان قد اتّسم بالمظاهر التالية:

 أولاً : الارهاب

إن وصول هارون للحكم كغيره من بني اُمية وبني العبّاس لم يكن بنص من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا باختيار من المسلمين، ولم يختاره أهل الحل والعقد طبقاً للنظريات السائدة آنذاك . وإنّما وصل عن طريق العهد والاستخلاف من قبل من سبقه، وهذا الشعور دفعه للتشبث بالحكم بأيّ اسلوب أمكن، ولهذا استخدم الارهاب الى جانب الاغراء في تثبيت حكمه، فلم يسمح لأي معارضة وان كانت سلمية كما لم يسمح لأيّ نصح أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر، ففي أحد خطبه قام اليه رجل فقال : (كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) [2] ، فأمر بضربه مائة سوط [3] .

وفي سنة (188 هـ ) أخذ هارون أحد المقرّبين الى أحمد بن عيسى العلوي، وضربه حتى مات ـ على الرغم من تجاوزه التسعين من عمره ـ لأنه لم يعلمه بمكان العلوي [4] .

وطارد هارون يحيى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن، ثم آمنه، وحينما حمل اليه، سجنه وبقي في السجن الى ان مات فيه، وقيل ان الموكل به منعه من الطعام اياماً فمات جوعاً [5] .

وفي عهده قتل حميد بن قحطبة الطائي ستين علوياً ورماهم في البئر بأمر من هارون حينما كان بطوس [6] .

وعلى الرغم من ممارساته للارهاب وقتله للعلويين إلاّ انه لم يقدم على قتل الإمام (عليه السلام)، وإنّما كان يكتفي بالتهديد أو التخطيط لقتله دون تنفيذ، ففي أحد المواقف قال : لاخرجنّ العام الى مكة ولآخذنَّ علي ابن موسى ولأوردنّه حياض أبيه، وحينما وصل الخبر الى الإمام (عليه السلام) قال : ليس عليّ منه بأس [7] .

وحينما طلبه هارون للمثول أمامه قال (عليه السلام) لمن معه : انه لا يدعوني في هذا الوقت إلاّ لداهية، فوالله لا يمكنه أن يعمل بي شيئاً اكرهه ولما دخل على هارون اكرمه وطلب منه ان يكتب حوائج أهله، وحينما خرج (عليه السلام) قال هارون : أردت وأراد الله وما أراد الله خير [8] .

وبقي الإمام (عليه السلام) تحت رقابة شديدة من قبل عيون وجواسيس هارون، وكانوا ينقلون له كل ما يقوله، وكل ما يفعله، ويحصون عليه لقاءاته وزياراته، إلاّ انه كان شديد الحذر من أجل ان يأمن هارون جانبه .

ثانياً : الاستبداد

لقد استبد هارون بالحكم وجعله موروثاً لأولاده الثلاث من بعده، واختار ابنه محمداً بن زبيدة ارضاءً لها على الرغم من اعترافه بعدم أهلية محمد للخلافة، حيث اعترف بذلك قائلاً : وقد قدمت محمداً ... واني لأعلم انّه منقاد الى هواه مبذر لما حوته يداه، يشارك في رأيه الاماء والنساء، ولولا اُمّ جعفر ـ يعني زبيدة ـ وميل بني هاشم اليه لقدمت عبدالله عليه [9] .

فاختار ابن زبيدة لهواها فيه، ولم يكترث ممّا سيحل بالمسلمين من كوارث جراء التنافس بين ولديه الذي ذهب ضحيته الآف المسلمين في قتال دموي وإنفاق لأموال المسلمين في ذلك القتال .

ومن مظاهر الاستبداد هو اسناد المناصب الحكومية والعسكرية الى اقربائه وخواصّه والمتملّقين اليه دون النظر الى مؤهلاتهم الدينية والخلقية والإدارية .

ثالثاً : الأخطار الخارجية

كانت الدولة والحكومة محاطة بمخاطر خارجية ففي بداية عهد الإمام الرضا (عليه السلام) أوقع الخزر بالمسلمين وقعة شديدة الوطأة، قتل فيها الآلاف وأسر فيها من النساء والرجال أكثر من مائة ألف، وكما يقول المؤرخون : جرى على الإسلام أمر عظيم لم يسمع قبله بمثله أبداً [10] .

وكان الروم يتحيّنون الفرص للوثوب على المسلمين، وكانوا ينقضون الصلح بين فترة واُخرى، ولا يرجعون إليه إلاّ بمعارك طاحنة، وكان الغزو غير قائم على أسس نشر الإسلام وتوسيع رقعة الدولة الاسلامية، وإنّما الدافع إليه هوى الحاكم ورغبته في السيطرة على أكبر مساحة وأكثر عدد من الناس، واضافة الى اشغال المسلمين وابعادهم عن السياسة والمعارضة وسلوك هارون خير شاهد على هذه الحقيقة، فالحريص على الإسلام والمسلمين لا ينشغل بالجواري والاُمسيات الفكاهية، ولا ينشغل بالترف والملذات .

رابعاً : إختلال الجبهة الداخلية

بسبب السياسات الخاطئة التي مارسها هارون في مرحلة حكمه، ظهر الخلل والاضطراب في الجبهة الداخلية، ففي سنة (184 هـ) خرج ابو عمرو حمزة الشاري، واستمر في خروجه الى سنة (185 هـ )، وقمع هارون حركته بعد مقتل عشرة آلاف من أنصاره والخارجين معه .

وفي نفس السنة قتل أهل طبرستان والي هارون .

وفي السنة نفسها خرج ابو الخصيب للمرّة الثانية وسيطر على نسا وأبيورد وطوس ونيسابور وزحف الى مرو وسرخس وقوي أمره، ولم تنته حركته إلاّ بمقتل الآلاف من الطرفين سنة ( 186 هـ ) [11] .

وتوسع الخلل في الجبهة الداخلية سنة (187 هـ ) حينما قام هارون بقتل البرامكة وهم أركان الحكم والمشيدون له [12] ، وقد كان لهم دور كبير في القضاء على خصوم العباسيين ومخالفيهم .

وفي السنة نفسها سجن هارون بن عبدالملك بن صالح بن علي العباسي، لسعي ابنه به وادعائه بانه يطلب الخلافة [13] .

وقتل ابراهيم بن عثمان بن نهيك لطلبه بثأر البرامكة [14] .

وفي سنة (189 هـ ) توجه هارون الى الري بعد ما وصلته الاخبار بأنّ علي بن عيسى بن ماهان ـ والي خراسان ـ قد أجمع على خلافه، اضافة الى القطيعة بينه وبين أهل خراسان، وعاد بعد اربعة اشهر الى بغداد دون أن يعزله [15] .

وكان هارون كثير العزل والاقصاء لقادة الاجهزة الحسّاسة في الحكومة، فمنصب قائد الشرطة قد تناوب عليه ثمانية اشخاص يعزل أحدهم ويستبدله بثان وهكذا [16] .

والسياسة الخاطئة أدّت الى ضعف العلاقة بين هارون والاُمة، والتي وصلت الى حد الكراهية والبغضاء، فعند مرور هارون على فضيل بن عياض بمكة قال فضيل : الناس يكرهون هذا [17] .

وخلاصة القول انّ الاوضاع السياسية التي كان يمرّ بها حكم هارون جعلته يستثني من قتل الإمام الرضا (عليه السلام) لقرب العهد بمقتل والده مسجوناً، إضافة الى انّ عهد الإمام كان خالياً من الثورات العلوية التي قد تنسب مسؤوليتها الى الإمام (عليه السلام) لو كانت قائمة .

وكان دور الإمام (عليه السلام) في هذه المرحلة هو الاصلاح الهادئ لجميع الاوضاع، ومن اعماله القيام بتوضيح المفاهيم السياسية السليمة دون اعلان المعارضة الصريحة .

الهوامش:

 

[1] تاريخ اليعقوبي : 2 / 414 .

[2] سورة الصف (61): 3 .

[3] العقد الفريد : 1 / 51 .

[4] تاريخ اليعقوبي : 2 / 423 .

[5] تاريخ اليعقوبي: 2 / 408 .

[6] عيون أخبار الرضا : 1 / 109 .

[7] اثبات الوصية : 174 .

[8] بحار الانوار : 49 / 116، عن مهج الدعوات .

[9] تاريخ الخميس 6 2 / 334 .

[10] تاريخ الاسلام للذهبي حوادث سنة ( 181، 191) : 12 .

[11] تاريخ الطبري : 8 / 272 ـ 273 .

[12] تاريخ الطبري : 8 / 287 .

[13] الكامل في التاريخ : 6 / 180 .

[14] الكامل في التاريخ : 6 / 186 .

[15] الكامل في التاريخ : 6 / 191، 192 .

[16] تاريخ اليعقوبي : 2 / 429 .

[17] تاريخ بغداد : 14 / 12 .


صحيفة الإمام الرضا ( عليه السلام )

كلام الإمام الرضا ( عليه السلام ) في التوحيد

عناصر الإمام الرضا ( عليه السلام ) النفسية

بيعة الإمام الرضا (ع) بولاية العهد

 حديث السلسلة الذهبية

 كلمات في الإمام الرضا ( ع )

فضل زيارة الإمام الرضا ( عليه السلام )

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)